في الوقت الذي تستعد تونس للانتخابات الرئاسية في أكتوبر/ تشرين أول القادم، يحذر مراقبون من أن التصويت لن يكون ديمقراطيا وسط حملة قمع تواجهها المعارضة وغياب منافسة حقيقية. هل تعود البلاد إلى الحكم الاستبدادي؟
يطمح قيس سعيد في الفوز لفترة رئاسية جديدةصورة من: Hasan Mrad/ZUMA/IMAGO
إعلان
بينما تستعد تونس للانتخابات الرئاسية المقبلة في 6 أكتوبر/ تشرين الأول، يشعر مراقبون بالقلق من أن الرئيس الحالي قيس سعيد يعمل على تعطيل الأساس الديمقراطي للتصويت. فمن بين 17 مرشحًا أعلنوا ترشحهم للرئاسة، تم اعتقال أو استبعاد 14 مرشحًا من السباق.
مؤخرا، وافقت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس (ISIE) على ثلاثة مرشحين فقط. ولا يعتبر العديد من المراقبين اللجنة مستقلة، نظرًا لأن سعيد قام بتعيين جميع أعضائها السبعة بنفسه.
بالإضافة إلى سعيد، تم قبول ترشح زهير مغزاوي، عضو سابق في البرلمان، والعياشي زمال ، رجل أعمال يقود حزبًا صغيرًا، كمرشحين.
هذا القرار أدى لتجمع العديد من المتظاهرين للاحتجاج أمام مقر الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، حيث احتشد المحتجون في الشوارع بعد أن سمحت الهيئة الانتخابية في البلاد بثلاثة مرشحين فقط. ومع ذلك، لا يزال من غير المؤكد ما إذا كان زمال سيتمكن بالفعل من الترشح، بعد الموافقة على طلبه، إذ احتجزته قوات الشرطة مؤقتًا في 4 سبتمبر/ أيلول. وأفاد محاميه لوكالة الأنباء أسوشيتد برس بأن موكله زمال متهم بتزوير التوقيعات، وهو ما نفاه الأخير.
وقال رمضان بن عمر، المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، لـ DW: "قد نشهد انتخابات بينما المرشحون في السجن".
قرار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الأخير بالموافقة على ترشح سعيد ومغزاوي وزمال جاء في تناقض مع حكم صادر عن المحكمة الإدارية في 31 أغسطس/ آب، وهي الجهة القانونية الوحيدة التي تمتلك صلاحية الفصل في نزاعات الترشيح الانتخابي . وكانت المحكمة قد أعادت قبول ثلاثة مرشحين آخرين كانوا قد تقدموا بطعون ضد رفض ترشحهم.
وبحسب، مديرة مكتب تونس بمؤسسة هاينريش بول الألمانية هايكه لوشمان في حديث مع DW فإنه "بتجاهل قرار المحكمة الإدارية بشأن قبول المرشحين الثلاثة الآخرين، تم تقويض شرعية العملية الانتخابية".
احتجاجات في تونس لقمع المرشحين للرئاسة، حيث تم قبول ثلاثة مرشحين فقط.صورة من: Hasan Mrad/ZUMAPRESS./picture alliance
العودة إلى الحكم الاستبدادي؟
انتخب قيس سعيد، أستاذ القانون السابق البالغ من العمر 66 عاما، رئيسا ديمقراطيا في عام 2019 بأغلبية 72٪ من الأصوات. ومع ذلك، في يوليو 2021، بدأ في تعزيز سلطته وتفكيك معظم الهيئات الديمقراطية في البلاد.
منذ ذلك الحين، أصبح قمع المعارضة السياسية، وتكميم وسائل الإعلام المستقلة، وتقويض استقلال القضاء جزءًا من الواقع التونسي الجديد، وفقًا لمنظمات حقوقية.
في هذا الصيف، قام سعيد أيضًا بإقالة غالبية أعضاء الحكومة وفرض أوامر حظر النشر على الشخصيات القيادية في المعارضة.
وصرح حمزة المديب، الباحث في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، لـ DW: "الوضع الحالي غير مسبوق، حيث يسعى الرئيس لإعادة انتخابه من خلال تهميش المنافسين، دون السماح بالمنافسة أو إجراء انتخابات حرة ونزيهة".
تعد هذه الانتكاسة، بحسب المديب، عكسًا لإنجازات ثورات الربيع العربي عام 2011. "تونس، التي كانت منارة الديمقراطية في المنطقة لمدة عقد من الزمن، تشهد الآن استعادة للحكم الاستبدادي مع شبه فقدان للأمل في العودة إلىالمسار الديمقراطي ".
من جانبه، لدى سعيد وجهة نظر مختلفة حول الوضع. ففي أغسطس/ آب من هذا العام، صرح وفقًا لوكالة الأنباء التونسية الحكومية بأنه "لم يتم ممارسة أي ضغوط على أي شخص"، مضيفًا أن "أولئك الذين يشكون من العقبات والصعوبات يسعون إلى نشر الفوضى والشائعات والأكاذيب".
ومع ذلك، شهدت السنوات الثلاث الماضية من حكم سعيد انخفاضًا في شعبيته، حيث سجلت الانتخابات البرلمانية في العام الماضي نسبة إقبال منخفضة تاريخيًا بلغت 11%.
إعلان
توظيف موضوع الهجرة
في حملته الانتخابية، شدد قيس سعيد على أن إعادة انتخابه ستكون أساسية في "حرب التحرير الوطنية" التي يزعم أنها تتجلى في أزمة الهجرة.
تحولت تونس تدريجياً إلى واحدة من أكثر نقاط الانطلاق شيوعاً للمهاجرين القادمين من دول جنوب الصحراء الكبرى في طريقهم إلى أوروبا.
وتصاعدت الحملة ضد المهاجرين لتشمل أيضاً استهداف المنظمات غير الحكومية التونسية التي تقدم المساعدة لهم.
في هذا الصيف، أغلقت عدة مكاتب لمنظمات مدنية، وتمت مصادرة الحسابات واعتقال العديد من الأشخاص. إحدى هذه الشخصيات هي سعدية مسباح، التي ترأس منظمة "منمتي"، وهي منظمة مختصة بالدفاع عن المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى.
وصرح زياد الرويني، منسق المنظمة، لـ DW عبر تطبيق تليغرام، قائلاً: "سعدية مسباح لا تزال رهن الاحتجاز رغم عدم توجيه أي تهم رسمية لها"، وأضاف: "منذ ذلك الحين، تعيش منظمة منمتي حالة من الركود التام".
أما رمضاني بن عمر، من المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فقد رأى أن هذه الحملة المتصاعدة "تقوض ما تبقى من مكاسب الثورة مثل الحرية والتعددية وحرية التعبير، كما أنها تجرم وتمنع أي شكل من أشكال التضامن والمساعدة".
ومع ذلك، فإن صفقة بقيمة 1 مليار يورو مع الاتحاد الأوروبي في صيف عام 2023 لمساعدة الاقتصاد التونسي المتعثر تعني أن البلاد بدأت في الحد من الهجرة إلى إيطاليا، مما أدى إلى انخفاضها بنسبة 70٪ وفقا للسلطات الإيطالية.
في الداخل، وصف سعيد مرارا "المهاجرين بأنهم تهديد للمجتمع، ويصور نفسه على أنه المنقذ"، على حد قول مديب. وعلى نحو متزايد، استهدفت الحملة على المهاجرين أيضا المنظمات غير الحكومية التونسية التي تساعد المهاجرين.
أعده للعربية: علاء جمعة
أوروبا وبلدان شمال إفريقيا.. لعبة المصالح ومقايضة الهجرة بالمال
تحتاج دول الاتحاد الأوروبي لموافقة دول جنوب المتوسط من أجل وقف الأعداد القياسية للمهاجرين غير النظاميين. ولذلك سعت بروكسل لصفقات تبادل مصالح مع دول كمصر وتونس وموريتانيا، وتفاوض أخرى كالمغرب. اتفاقيات تعرضت لنقد شديد.
صورة من: Hasan Mrad/ZUMA Wire/IMAGO
رئيسة الحكومة الإيطالية تزور تونس للمرة الرابعة
تزور رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني تونس، للمرة الرابعة خلال عام. وتركز مرة أخرى على مكافحة الهجرة غير القانونية. وأكدت مصادر إيطالية قبل هذه الزيارة أن "التعاون في مجال الهجرة يظل جانبا أساسيا في العلاقة بين إيطاليا وتونس". وتأتي الزيارة قبل شهرين من الانتخابات الأوروبية التي تخاض في إطارها نقاشات ساخنة حول الهجرة.
صورة من: Slim Abid/AP/picture alliance
اتفاقية مع تونس
وكانت تونس وقعت في تموز/يوليو 2023 مذكرة تفاهم مع المفوضية الأوروبية لكبح موجات الهجرة المنطلقة من سواحلها وجرى تعميم الخطوة مع موريتانيا ومصر لاحقا. وأشارت رئيسة المفوضية الأوروبية، التي زارت تونس مع رئيسي وزراء إيطاليا وهولندا، إلى أهمية التعاون في مجال مكافحة عصابات تهريب البشر وإدارة الحدود والبحث والإنقاذ عبر تمويل بقيمة 100 مليون يورو هذا العام.
صورة من: Freek van den Bergh/ANP/picture alliance
ثلثا المهاجرين يصلون إيطاليا عبر تونس
ومن بين أكثر من 150 ألف مهاجر وصلوا إلى السواحل الإيطالية القريبة في 2023، انطلق قرابة ثلثي العدد من سواحل تونس وأغلبهم من سواحل صفاقس التي تضم الآلاف من مهاجري دول إفريقيا جنوب الصحراء، والحالمين بالوصول إلى دول التكتل الأوروبي الغني. وتوفي أكثر من 1300 مهاجر قبالة سواحل تونس عام 2023، أي ما يفوق نصف عدد الوفيات في البحر المتوسط، المصنف كأخطر الطرق البحرية للهجرة غير النظامية.
صورة من: Ferhi Belaid/AFP/Getty Images
اتفاقية مع مصر
رئيسة المفوضية الأوروبية زارت القاهرة أيضا، برفقة رؤساء حكومات بلجيكا وإيطاليا واليونان. ووقعت اتفاقية مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بهدف إقامة شراكة مع السلطات المصرية لمساعدة هذا البلد الغارق في أزمة اقتصادية خطيرة، والذي يقع على حدود حربين في قطاع غزة والسودان، وحيث يوجد نحو 9 ملايين مهاجر ولاجئ - بما في ذلك أربعة ملايين سوداني و 1,5 مليون سوري - بحسب المنظمة الدولية للهجرة.
صورة من: Dati Bendo/dpa/EU Commission/picture alliance
مساعدات لموريتانيا مقابل التعاون في مجال الهجرة
كما وقعت موريتانيا مع بروكسل إعلانا للتعاون المشترك بينهما في مجال محاربة الهجرة غير النظامية يشتمل على نقاط متفرقة منها منع المهاجرين من التدفق نحو السواحل الأوروبية، وخاصة إسبانيا، وإعادة المهاجرين الموريتانيين غير النظاميين. والتعاون في مجال اللجوء، ومساعدة موريتانيا على إيواء طالبي اللجوء الأجانب على أراضيها مع احترام حقوقهم الأساسية. ولقي الاتفاق انتقادات واسعة في موريتانيا.
صورة من: BORJA PUIG DE LA BELLACASA/AFP
العبور من المغرب
يعتبر المغرب أحد أهم الوجهات للعبور إلى الاتحاد الأوروبي. إلا أن الرباط تشدد رقابتها على المنفذين البريين في سبتة ومليلة، إضافة للعبور بحرا. واعترضت السلطات المغربية 87 ألف مهاجر حاولوا الانطلاق من المغرب إلى أوروبا في 2023، وأنقذت 22 ألف مهاجر تقطعت بهم السبل في البحر أثناء محاولة العبور.
صورة من: Bernat Armangue/AP Photo/picture alliance
تقارب إسباني مغربي
التقارب الأوروبي مع المغرب تدفع به خصوصا إسبانيا، التي أعلنت في مارس/آذار 2022 تأييد موقف المغرب فيما يتعلق بالصحراء الغربية. وزار رئيس الوزراء الإسباني سانشيز المغرب أكثر من مرة. وعملت الرباط ومدريد على توثيق التعاون في المجالات الاقتصادية والسياسية. واحتلت قضية الهجرة موقعا مهما في المحادثات.
صورة من: /AP Photo/picture alliance
سعي أوروبي لاتفاق قريب مع المغرب
هناك اتفاقيات ثنائية بين دول أوروبية والمغرب بخصوص الهجرة. ولكن هناك مفاوضات تجريها المفوضية الأوروبية مع الرباط، منذ سبع سنوات، ومن المقرر أن يتم التوقيع على الاتفاق نهاية 2024. التعاون مع المغرب ثمنه ليس ماليا، وإنما سياسي، بحسب مصادر أوروبية مطلعة، كما نقلت صحيفة "كرونه" النمساوية، حيث تشترط الرباط دعم بروكسل بخصوص الصحراء الغربية. وفي المقابل، يدعم المغرب السياسة الأوروبية المتعلقة باللاجئين.
صورة من: Abdelhak Senna/AFP/GettyImages
انتقادات حقوقية لهذه الاتفاقيات
انتقد نواب في البرلمان الأوروبي "الوضع الكارثي للديموقراطية وحقوق الإنسان في مصر". كما تعرضت مذكرة التفاهم مع تونس لانتقادات من قبل اليسار الذي يدين "استبداد" الرئيس التونسي سعيد، والانتهاكات التي يتعرض لها المهاجرون من جنوب الصحراء في بلده.
ودان المجلس الأوروبي للاجئين "الاتفاقات المبرمة مع الحكومات القمعية".
صورة من: Mahmud Turkia/AFP
تبقى ليبيا
ومع هذه الاتفاقيات المتتالية مع دول شمال إفريقيا للحد من الهجرة غير النظامية، تبقى دولة واحدة بمثابة العقدة أمام المنشار. حيث تستغل ميليشيات مسلحة في ليبيا الانقسام في البلد، لتحقق ثروات طائلة من خلال تهريب المهاجرين على قوارب مكتظة باتجاه اليونان وإيطاليا. وعجزت الجهود الأوروبية حتى الآن عن إيجاد حل للمعضلة، التي تفاقمت في يونيو/حزيران 2023 مع تسجيل واحد من أكبر حوادث غرق المهاجرين على الإطلاق.