قناة السويس الجديدة – مصدر عائدات أم رمز سياسي فقط؟
وفاق بنكيران٦ أغسطس ٢٠١٥
تحتفل مصر بافتتاح قناة السويس الجديدة التي تتيح تسريع حركة الملاحة هناك. توقعات القاهرة بشأن العائدات تتسم بالتفاؤل، غير أن تحليلات دولية تتشكك في الأرقام المعلنة، وتشير إلى التراجع العام في حركة الملاحة العالمية.
إعلان
تحتفل مصر اليوم الخميس (السادس من أغسطس/آب 2015)، بافتتاح مشروع قناة السويس الجديدة، الذي لقب بمشروع "القرن"، وصف بالإنجاز "القومي الثوري الذي ينقل مصر نقلة حضارية، ويجعل التوقع بزيادة عائدات القناة يقفز من خمسة مليارات إلى 15 مليارات دولار سنويا"، كما ورد قبل أيام قليلة في تقرير لصحيفة الأهرام المصرية المقربة من الدوائر الرسمية.
المشروع تجسد في حفر قناة موازية للقناة السويس الأولى بطول 35 كيلومترا، بهدف تقليص فترة إبحار السفن من 22 ساعة إلى إحدى عشر ساعة، ما يجعل هذه القناة أسرع ممر بحري في العالم لعبور السفن في اتجاهين. كما تمّ الزيادة في القدرة الاستعابية للقناة بشكل يسمح لها باستقبال سفن عملاقة بغاطس 65 قدما.
قامت الجهات الرسمية بالتسويق لهذا المشروع بقوة، حيث إنه يعد بمستقبل اقتصادي زاهر، فيما انطلقت الاستعدادات ليوم الافتتاح الرسمي الذي سيحضره رؤساء دول وكبار الشخصيات من مختلف دول العالم.
تشكيك في تقدير حجم العائدات
بيد أن تقارير دولية استبقت الحدث بتقارير تشكك في الارقام المصرية والتقييمات المتفائلة للقناة الجديدة وعائداتها المنتظرة. شبكة "بلومبيرغ" الأمريكية نشرت قبل يومين تقريرا شككت فيه أصلا من وجود حاجة لتوسيع قناة السويس الذي كلف المصريين 8 مليارات دولار، خصوصا بالنظر إلى هبوط معدلات الشحن بسبب الأزمة المالية العالمية.
وحيث أن حركة الملاحة في السويس تعتمد أساسا على مرور ناقلات النفط والغاز المسال من دول الشرق الأقصى والشرق الأوسط باتجاه أوروبا، فإن تراجع الاقتصاد العالمي وتراجع أسعار النفط العالمية، وما يقابله من تصاعد في الديون السيادية الأوروبية، أثر على حركة الملاحة بقناة السويس التي لم تعمل بكامل طاقتها حتى الآن.
ونقلت قناة بلومبيرغ عن رالف يشينسكي، رئيس قسم الأبحاث بمؤسسة "بانشيرو كوستا بروكريج" قوله: " من وجهة نظر قطاع النقل البحري، فقد كانت مبادرة توسيع قناة السويس غريبة بعض الشيء، حيث لم تكن هناك حاجة ملحة لهذا المشروع بشكل علمي".
من جهتها، أشارت صحيفة الاندبندت البريطانية، إلى وجود غلو في التقديرات الرسمية للعائدات مادام هناك تراجع في حركة الملاحة العالمية، لكنها أقرت في الوقت ذاته أن المشروع يشكل "هدية مصر للعالم".
تساؤلات حول حجم النفقات
المحلل السياسي حسن نافعة، حذر من الانسياق وراء تحليلات سابقة لأوانها، خاصة وأن العديد من المحللين "لهم رؤى سياسية ويتأثرون باعتبارات سياسية وفكرية معينة". ويتساءل نافعة عن مغزى وجود مشروعات موازية للربط بين البحر الأحمر والبحرالمتوسط، إذا لم تكن هناك حاجة إلى مثل هذا المشروع، وذلك في إشارة إلى مشروع إسرائيلي بديل صادقت عليه الحكومة في فبراير/شباط 2012، ويهدف الى شق خط مزدوج للسكك الحديدية انطلاقا من إيلات لنقل المسافرين والبضائع.
مصر تدشن قناة السويس الجديدة وسط مراسم احتفالية
دشن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الخميس "قناة السويس الجديدة" التي تعقد عليها الآمال لإنعاش الاقتصاد المصري، بعرض جوي وبحري وبمشاركة دولية واسعة.
صورة من: picture-alliance/dpa/Str
احتفالاً بافتتاح القناة الجديدة علق كثير من المصريين أعلام بلدهم على سياراتهم وشرفات منازلهم، وسط تركيز إعلامي كبير على الإنجاز الذي صنعه المصريون خلال عام واحد.
صورة من: Reuters/M. Abd El Ghany
دشن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الخميس "قناة السويس الجديدة" التي تعقد عليها الآمال لإنعاش الاقتصاد المصري بعرض جوي وبحري، وبمشاركة دولية واسعة.
صورة من: Reuters/The Egyptian Presidency
من جانبه أشاد نائب المستشارة ووزير الاقتصاد الألماني زيغمار غابرييل، المشارك في حفل الافتتاح، بجهود مصر في إنجاز المشروع العملاق، قائلاً: "إن توسيع قناة السويس يعد إنجازاً هندسياً رائعاً تم النجاح في إتمامه في وقت قياسي بفضل مشاركة شركات ألمانية وخبرتها".
صورة من: Getty Images/S. Gallup
وكانت أولى تجارب تشغيل قناة السويس الجديدة قد كللت بالنجاح. وانطلقت التجارب يوم السبت الماضي وشاركت فيها قافلتان من السفن العملاقة. وتعد القناة الجديدة جزءا من مشروع بمليارات الدولارات يهدف إلى تحفيز التجارة بين أوروبا وآسيا.
صورة من: picture-alliance/dpa/K. Elfiqi
يبلغ طول قناة السويس الجديدة 72 كلم، وهي عبارة عن فرع للقناة الأصلية التي يعود تاريخ بنائها إلى 145 عاما. ويمر الفرع الجديد بالموازاة مع قناة السويس التي يبلغ طولها 190 كلم وتشكل محورا هاما للتجارة العالمية، حيث عبرتها نحو 17100 سفينة خلال عام 2014، وفق الأرقام الرسمية للهيئة المديرة للقناة.
صورة من: picture-alliance/dpa/K. Elfiqi
الهدف من تشغيل المجرى الجديد هو مضاعفة القدرة الاستيعابية لحركة الملاحة في القناة وتتوقع هيئة قناة السويس أن يكون بوسع حوالي 97 سفينة عبور القناة يومياً بحلول 2023 مقابل 49 سفينة حالياً.
صورة من: Reuters/M. Abd El Ghany
ويزيد افتتاح القناة الجديدة إيرادات القناة السنوية من 5.3 مليارات دولار (حوالي 4.7 مليار يورو) متوقعة لعام 2015 إلى 13.2 مليار دولار ( 11.7 مليار يورو) عام 2023.
صورة من: Getty Images/AFP
مثل القناة الأولى تربط قناة السويس الجديدة بين البحر الأحمر والبحرالمتوسط، حيث يمكن الإبحار في كلا الاتجاهين، أي من الجنوب عبر البحر الأحمر إلى البحر المتوسط وفي الاتجاه المعاكس من الشمال أيضا. ومن المنتظر أن تساهم القناة في تخفيض فترة انتظار عبور السفن من 18 إلى 11 ساعة.
صورة من: picture-alliance/dpa/K. Elfiqi
بلغت تكلفة أعمال بناء قناة السويس الجديدة التي انطلقت في الخامس من آب/ أغسطس 2014 نحو أربعة مليارات دولار، وفق تقديرات للحكومة المصرية.
صورة من: picture-alliance/dpa/K. Elfiqi
شاركت في تجارب تشغيل قناة السويس الجديدة ست سفن حاويات عبرت القناة في قافلتين: القافلة الأولى قدمت من السويس وضمت سفنا حملت أعلام سنغافورة ولوكسمبورغ والبحرين. أما الثانية فجاءت من بورسعيد، الواقعة شمالا على البحر المتوسط، وقد ضمت سفنا تحمل أعلام ليبيريا وهونكونغ وسنغافورة أيضا.
صورة من: picture-alliance/dpa/A. Shaker
تمت عملية التشغيل التجريبي لقناة السويس الجديدة في ظل تأمين جوي وبحري مكثف من خلال استخدام طائرات الهليكوبتر والمنشآت البحرية التابعة للجيش المصري.
صورة من: picture-alliance/dpa/K. Elfiqi
مشروع تطوير قناة السويس هو أحد المشاريع الكبيرة للرئيس عبد الفتاح السيسي الذي أصر على ألا تتجاوز عملية البناء مدة عام. وبالفعل تم الافتتاح الرسمي كما خُطط له من قبل. ويأمل السيسي في أن يعوض هذا المشروع العجز الذي تسبب فيه تراجع قطاع السياحة والاستثمارات الأجنبية منذ ثورة يناير/ كانون الثاني 2011.
صورة من: picture-alliance/dpa/Office Of The Egyptian President
تم البدء في حفر قناة السويس الأولى عام 1859 ودامت مدة بنائها عشرة أعوام. وتعد القناة مصدرا حيويا للعملية الصعبة في مصر. وقد كانت القناة في ملك شركة فرنسية-بريطانية قبل أن يعلن الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر عام 1956 تأميمها. وقد تتسبب ذلك في اندلاع حرب عرفت بـ"العدوان الثلاثي" على مصر.
صورة من: picture-alliance/dpa/K. Elfiqi
إلى جانب القناة الجديدة تخطط الحكومة المصرية لبناء مركز صناعي ولوجيستي وتجاري بالقرب منها، حيث من المقرر بناء عدة موانئ تعمل على تقديم خدمات للأساطيل التجارية التي تعبر القناة.
صورة من: picture-alliance/dpa/K. Elfiqi
كما تخطط الحكومة المصرية لإقامة قناة جانبية بميناء شرق بورسعيد على البحر المتوسط والبدء في تنفيذه بعد افتتاح قناة السويس الجديدة بهدف مساعدة السفن على الدخول مباشرة إلى الميناء. ومن المقرر أن يبلغ طول هذه القناة الجانبية 9.5 كيلومترا عمقها 18.5 مترا، وعرضها التحتي 250 مترا.
صورة من: picture-alliance/dpa/K. Elfiqi
ارتياح وفرح لدى المهندسين والعمال الذين شاركوا في عملية حفر وبناء قناة السويس الجديدة بعد نجاح تجارب التشغيل الأولى، وفقا للمسؤولين المصريين.
صورة من: picture-alliance/dpa/Str
16 صورة1 | 16
ويؤكد نافعة أنه من الصعب تقديم أرقام موضوعية في الوقت الراهن عن العائدات المستقبلية في ظل تذبذب الاقتصاد العالمي، لكن ما يمكن تأكيده هو أن مصر ستستفيد من عائدات اقتصادية جديدة من خلال مئات فرص التشغيل الجديدة. وقد نطرح السؤال، يقول نافعة، عما إذا ما كان مستوى العائدات يبرر حجم النفقات، خاصة وأن الرئيس عبد الفتاح السيسي طلب أن لا تستغرق عمليات الحفر أكثر من سنة عوض ثلاث سنوات، وهي المدة التي كانت مبدئيا مطروحة لتنفيذ المشروع. وقد أدى تقليص مدة إنجاز المشروع إلى زيادة التكاليف، ما طرح العديد من التساؤلات حول جدوى تسريع الأعمال.
رمزية المشروع
المشروع يكتسى رمزية تذكر بمشروع السد العالي الذي بني في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، خصوصا وأن مشروع القناة الجديدة يسعى أيضا إلى تطوير المنطقة المحيطة به وتحويل الممر المائي الاستراتيجي هناك إلى مركز أعمال عالمي شامل، يضم مراكز صناعية ولوجيستية، فضلا عن مراكز التعبئة والتغليف. ويعني ذلك أن المنطقة ستستقطب شركات عالمية واستثمارات تتيح خلق مئات فرص العمل. وبالنسبة للسلطات المصرية فأن مشروع توسيع القناة ما هو إلا خطوة صغيرة ضمن مشروع أكبر يحول كامل منطقة السويس وبورسعيد إلى منطقة تجارية عالمية كبرى. ولهذا يعتبر المحلل السياسي حسن نافعة أن النظام المصري نجح في حشد الشعب المصري من حوله.