المعارضة السورية تدخل مدينة حمص وسط انهيار متسارع للنظام
٧ ديسمبر ٢٠٢٤
هرب مئات الجنود السوريين عبر الحدود إلى العراق، في أحدث مؤشر على ضعف سيطرة النظام السوري، مع استمرار تقدم المعارضة وسيطرتها على مناطق استراتيجية، مما يهدد بتغيير جذري في المشهد السياسي والعسكري.
إعلان
في مشهد يغير موازين القوى في سوريا، فرّ حوالي 2000 جندي منالقوات الحكومية السورية إلى العراق خلال الساعات الماضية، طالبين اللجوء، في خطوة تعكس انهياراً داخلياً في صفوف الجيش. يأتي هذا الهروب الجماعي بالتزامن مع تقدم سريع للمعارضة المسلحة، حيث وصلت إلى قلب مدينة حمص، مهددةً بقطع العاصمة دمشق عن معاقل النظام في الساحل.
وفي الجنوب، انسحبت قوات النظام من مناطق شاسعة في ريف دمشق الجنوبي الغربي ومحافظة القنيطرة، لتعلن المعارضة سيطرتها على مدن وبلدات استراتيجية، من بينها مدينة الصنمين التي تشكل محوراً هاماً على الطريق الرابط بين دمشق والأردن فيما قالت وكالة سانا الرسمية إن الرئيس السوري بشار الأسد لا يزال في دمشق ويتابع عمله ومهامه من العاصمة. ولا يمكن التحقق من ذلك من مصادر مستقلة.
وفي الشمال، كان المشهد أكثر حدة، حيث بعد سيطرة قوات المعارضة على مدينة حلب قبل أن تتقدم نحو حماة في هجوم مباغت أواخر نوفمبر، ما أدى إلى انهيار سريع لدفاعات النظام. وقالت مصادر بالجيش السوري وبالمعارضة وأحد السكان إن قوات المعارضة دخلت مدينة حمص اليوم السبت من الشمال والشرق.
وأضاف السكان بأن " مدفعية للجيش السوري تسمع وهي تقوم بالقصف المدفعي على مناطق ريف درعا التي وصلت اليها الفصائل المسلحة التي تتقدم باتجاه العاصمة دمشق ". وفي ريف دمشق شهدت مدينة معضمية الشام وجرمانا وصحنايا مظاهرات وتقدمت باتجاه حواجز الجيش السوري التي انسحبت وبذلك تم السيطرة على أغلب تلك المدن ".
بعد انسحاباته المفاجئة من عدة مناطق.. هل ينهار الجيش السوري؟
37:06
وكانت الفصائل المسلحة شنت أمس هجوما على أغلب مدن وبلدات محافظات درعا والقنيطرة وريف دمشق وتمت السيطرة عليها بشكل كامل ، وسط انهيار كل المواقع والنقاط العسكرية.
دولياً، تعالت الأصوات الداعية إلى وقف التصعيد. ودعا المبعوث الخاص للأمم المتحدة غير بيدرسن إلى الهدوء في سوريا. وقال المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن على هامش منتدى الدوحة للحوار السياسي "أجدّد دعوتي من أجل احتواء التصعيد والهدوء وتجنب سفك الدماء وحماية المدنيين بما يتماشى مع القانون الإنساني الدولي"، وحضّ أيضا على "بدء عملية تؤدي إلى تحقيق التطلعات المشروعة للشعب السوري".
وعبرت قطر عن قلقها إزاء تهديد وحدة الأراضي السورية، بينما دعت روسيا وإيران وتركيا إلى استئناف الحوار. بريطانيا، من جانبها، حذرت من استخدام أسلحة غير تقليدية وسط تصاعد القتال.
في خضم هذا النزاع، تبرز أزمة إنسانية متفاقمة، حيث يعاني ملايين النازحين من أوضاع مأساوية. المدن التي تسيطر عليها المعارضة تواجه تحديات في توفير الاحتياجات الأساسية، في حين تستمر الغارات الجوية التي تفاقم معاناة المدنيين.
تاريخ عريق وأهمية استراتيجية.. مدينة حلب تعود لواجهة الأحداث
تعد مدينة حلب، واحدة من أقدم مدن العالم المأهولة دون انقطاع على مدى آلاف السنين. ولم تفقد حلب أهميتها على مر الزمن وفي مختلف العصور حتى يومنا هذا، وهي ذات أهمية استراتيجية وتعد العاصمة الاقتصادية لسوريا.
صورة من: Peter Heiske
ثاني أكبر مدن سوريا
تقع مدينة حلب في أقصى شمال غرب الهضبة السورية، يخترقها نهر قويق الذي ينبع من تركيا. وتقول بعض المصادر التاريخية إن حلب أقدم مدينة مأهولة في العالم، إذ يعود تاريخها إلى القرن العشرين قبل الميلاد.
صورة من: OMAR HAJ KADOUR/AFP
موقع استراتيجي
تتمتع حلب بموقع استراتيجي، حيث أنها تقع على مفترق طرق تجارية متعددة وكانت تمر منها طرق التجارة القديمة وخاصة طريق الحرير، وكانت نقطة وصل بين الشرق والغرب ومحطة مهمة للقوافل التجارية بين أوروبا وآسيا.
صورة من: picture-alliance/dpa/Sputnik
العصر الذهبي
عرفت حلب أبهى عصورها حين كانت مركزا لإمارة الحمدانيين في الفترة ما بين عامي 944 – 1003م تحت حكم أميرها سيف الدولة الحمداني. كما عاشت حلب عصرها الذهبي في ظل الدولة الأيوبية بين عامي 1183 و1259 ولا سيما في عهد الملك الظاهر غازي حيث أصبحت من أجمل مدن الشرق وأكثرها نشاطا وازدهارا.
صورة من: Reuters/K. Ashawi
تنوع ثقافي وإثني وديني
تعتبر مدينة حلب من أكثر المدن السورية تنوعا، ثقافيا ودينيا وإثنيا. حيث يعيش فيها المسلمون والمسيحيون بمختلف طوائفهم والإيزيديون واليهود سابقا. وحلب كانت دائما موطنا لخليط من الشعوب والإثنيات، وقبل الحرب كان فيها العرب والأكراد والأرمن والتركمان والسريان والآشوريون وغيرهم.
صورة من: Fine Art Images/Heritage Images/picture alliance
قطار الشرق السريع
في العهد العثماني أيضا كانت تتمتع حلب بأهمية كبيرة وحافظت على أهميتها التجارية واصبحت في بعض المراحل سوقا رئيسية للشرق كله. وفي بداية القرن العشرين وصل القطار إلى حلب حيث اتصلت بمدينتي حماه ودمشق بسكة حديدية عام 1906 وبإسطنبول وأوروبا عام 1912 عبر قطار الشرق السريع.
صورة من: United Archives/picture alliance
مركز صناعي هام
تشتهر حلب بصناعاتها التقليدية والحديثة على حد سواء، حيث تتركز فيها أهم الصناعات النسيجية والتحويلية والزراعية والعسكرية أيضا. وقبل اندلاع الأزمة والحرب في سوريا، كانت حلب معروفة بوجود العديد من المراكز والمناطق الصناعية والمصانع الكبيرة.
صورة من: Omar Al Diri/AA/picture alliance
ازدهار اقتصادي وصناعي
قبل بدء الأزمة السورية والحرب، شهدت حلب منذ تسعينيات القرن الماضي وخاصة بعد عام 2000 نموا وازدهارا اقتصاديا كبيرا، وتوسعا في القطاع الصناعي وبناء مدن ومناطق صناعية جديدة ومصانع حديثة وتوسيع وتطوير المطار الدولي. وكان عدد السكان يبلغ نحو 4,5 مليون نسمة، وفي عام 2006 تم اختيارها عاصمة للثقافة الإسلامية.
صورة من: SANA/dpa/picture alliance
معالم وأوابد أثرية
تضم حلب العديد من الأوابد والمعابد الأثرية، حتى داخل المدينة، وأهمها القلعة. تعد قلعة حلب واحدة من أكبر وأقدم القلاع القائمة في العالم وتحفة معمارية تعود إلى القرون الوسطى. وأغلب البناء الحالي يعود إلى عهد الدولة الأيوبية. والقلعة تعد رمزا لمدينة حلب حتى اليوم، وهي تتوسط المدينة القديمة.
صورة من: picture-alliance/dpa/S. Kremer
الجامع الكبير
جامع حلب الكبير أو الجامع الأموي أو جامع بني أمية هو أكبر وأحد أقدم المساجد في مدينة حلب السورية. أدرج عام 1986 على قائمة اليونسكو للتراث العالمي. شيدت مئذنة المسجد في عام 1090 ودمرت في نيسان/ أبريل من العام 2013 نتيجة للمعارك التي اندلعت هناك بين القوات الحكومية ومقاتلي المعارضة.
صورة من: Imago/imagebroker
أطول سوق مسقوف في حلب
سوق حلب القديم من أبرز معالمها التاريخية ويسمى أيضا بـ "بازار حلب" ويضم العديد من الأسواق والخانات التاريخية. ويعتبر سوق حلب أطول سوق مسقوف في العالم، إذ يبلغ طول المحور الرئيسي من باب أنطاكيا إلى القلعة حوالي 1200 متر إضافة إلى نحو 40 سوقا تتفرع عنه ليتجاوز الطول الإجمالي للسوق 14 كيلومترا.
صورة من: Issam Hajjar
حسابات الحرب والتحالفات العسكرية
نظرا لأهمية حلب التجارية والصناعية والاقتصادية والتاريخية وموقعها الاستراتيجي المهم، كانت دائما تخضع لحسابات الحرب والتحالفات العسكرية على مر العصور، وحتى يومنا هذا.
صورة من: Rami Alsayed/NurPhoto/Imago
تحرك متأخر
حركة الاحتجاجات والمظاهرات التي شهدتها سوريا عام 2011 والصراع المسلح والمعارك التي شهدت أجزاء من البلاد، لم تصل حلب إلا متأخرة في العام التالي. حيث دخلت المعارضة حلب واستولت على الجزء الشرقي من المدينة، في حين بقي الجزء الغربي تحت سيطرة قوات النظام.
صورة من: Reuters
معارك عنيفة ودمار هائل
شهدت حلب معارك عنيفة بين فصائل المعارضة المسلحة وقوات النظام التي استخدمت الأسلحة الثقيلة والطائرات الحربية. وبقيت المعارضة مسيطرة على جزء كبير من المدينة حتى عام 2016 حيث استعاد النظام السيطرة عليها. ونتيجة ذلك حل دمار هائل في حلب لم تشهده مدن سوريا الأخرى.
صورة من: Louai Beshar/AFP
عودة فصائل المعارضة
نظرا لأهمية حلب استراتيجيا ودورها وتأثيرها على الأزمة والصراع في سوريا، وثقلها الاجتماعي والاقتصادي، حاول النظام التمسك بها، في حين بقيت فصائل المعارضة تتحين الفرصة وتحضر نفسها للسيطرة عليها من جديد، وهذا ما تحقق لها بالهجوم الكبير المفاجئ الذي شنته هيئة تحرير الشام وحلفاؤها في آواخر تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 وسيطرت على مدينة حلب بكاملها بسهولة وسرعة مذهلة بعد انهيار وانسحاب قوات النظام.