"قوارب الموت" باتت ملاذ الكثيرين من الطبقة الوسطى في تونس
٢٢ فبراير ٢٠٢٤
مع تعثر الاقتصاد التونسي في السنوات الماضية وتدهور القدرة الشرائية، زاد عدد الشباب التونسيين الذين يلجؤون لقوارب الموت بحثا عن مستقبل أفضل في أوروبا ولم يعد الأمر يقتصر على الفقراء فحسب بل بات يشمل الطبقة الوسطى أيضا.
إعلان
محمد اللافي شاب تونسي من الطبقة الوسطى.. وامتلاكه لسيارة أجرة كان يعني حصوله على دخل لائق وآفاق معقولة في ظل مستوى عيش التونسيين. لكن ذلك لم يكن كافيا بالنسبة له ولم يغير شيئا في قراره المحفوف بالمخاطر بأن يعبر البحر على متن قارب من أجل حياة جديدة في أوروبا.
كان اللافي واحدا من 40 شخصا فُقدوا في يناير/ كانون الثاني من هذا العام، عندما اختفى قاربهم بعد انطلاقه من شاطئ بالقرب من ميناء صفاقس متجها إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، بعد بضع ساعات فقط من إبحاره.
ومع تعثر الاقتصاد التونسي في السنوات الماضية وتدهور القدرة الشرائية وسوء الخدمات العامة، يذهب المزيد من الشباب للبحث عن ثروة ومستقبل أفضل في إيطاليا أو فرنسا. وأدت الأرقام القياسية إلى ارتفاع كبير في الوفيات، حيث امتلأت مشرحة صفاقس بانتظام بجثث الغرقى.
وقالت إيناس اللافي شقيقة محمد والتي لا تزال في حيرة من أمرها بسبب قرار أخيها البالغ من العمر 30 عاما بالرحيل، "وضعنا طبيعي. أخي لم يعان من مشاكل مالية وكان لديه سيارة للعمل بها".
وخلال العام الماضي، بلغ عدد المفقودين والقتلى قبالة السواحل التونسية أكثر من 1300 شخص، معظمهم من دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وهو رقم غير مسبوق في تونس.
وفي الشهر الأول من عام 2024 وحده، غرق أكثر من 100 شخص قبالة سواحل تونس، من بينهم 60 تونسيا لم يتم العثور على جثثهم بعد. وعلى الرغم من وجود عدد أكبر من الأشخاص الذين عبروا البحر المتوسط خلال ذروة أزمة الهجرة قبل سنوات وماتوا في البحر، فإن الأرقام غير مسبوقة بالنسبة للرحلات من تونس في 2023.
وتأتي هذه الزيادة على الرغم من حملة واسعة النطاق تشنها السلطات التونسية، حيث قامت وحدات الحرس بتفكيك شبكات تهريب وإيقاف آلاف الأشخاص أغلبهم من الأفارقة على الشاطئ وفي البحر أثناء محاولتهم العبور إلى لامبيدوزا.
عائلات بأكملها تخاطر من أجل الهجرة
ويدفع المهاجرين المحتملين خيبة الأمل المتزايدة بين كثير من التونسيين بشأن مستقبل بلادهم، وتجذبهم حكايات وسائل التواصل
الاجتماعي عن مواطنيهم الذين يصورون حياتهم الأوروبية الجديدة على أنها سهلة وناجحة.
وقالت إيناس اللافي التي كانت تحتج رافعة صورة شقيقها "محمد تأثر بمقاطع الفيديو المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي دفعته للتضحية بما يملكه هنا بحثا عن نوعية حياة أفضل في أوروبا".
وكانت قوارب الهجرة تجتذب بشكل رئيسي العاطلين عن العمل واليائسين فقط، لكنها تحمل بشكل متزايد تونسيين من الطبقة الوسطى، وأحيانا عائلات بأكملها.
وفي العام الماضي، انتشر مقطع فيديو على نطاق واسع لرجل يبلغ من العمر 63 عاما قام بالرحلة مع زوجته وعشرة من أبنائه وأحفاده. وقبل ذلك بثت مؤثرة على انستجرام مقاطع فيديو لها من رحلة هجرة.
وتعاني تونس من أزمة اقتصادية ومالية خانقة مع نقص في سلع بشكل متقطع مثل السكر والأرز وأحيانا الخبز والحليب، مما أدى إلى طوابير طويلة في المتاجر في بعض الأحيان.
احتجاجات لعائلات المفقودين
بدأت العائلات الثكلى في إسماع أصواتها، إذ نظمت احتجاجا محدودا على الظروف السيئة التي يعتقدون أنها دفعت أحبائهم نحو حتفهم في البحر، وطالبوا بالمزيد من العمل لاستعادة جثثهم.
وفي الاحتجاجات الأخيرة في الحنشة بصفاقس وبنزرت، أغلقت عائلات الطرق ورفعت صور القتلى والمفقودين. وعقب ذلك قالت السلطات إنها بدأت عمليات البحث عن الجثث بسفن الحرس البحري مدعومة بطائرات الهليكوبتر.
وعلى مدى أشهر، يقوم محمد العيساوي برحلة يومية تمتد 120 كيلومترا من منزله في القيروان إلى صفاقس لقضاء ساعات في البحث في مشارح المستشفيات وحتى الشواطئ المحلية عن أخبار شقيقه منتصر الذي اختفى العام الماضي.
وقال محمد إنه على الرغم من أن منتصر لم يكن لديه سوى وظائف غير مستقرة، فقد كان يعيش حياة عادية. ويأمل بينما يتنقل بين شواطئ المنطقة في أن تكون جثة أخيه من بين عشرات الجثث التي يلفظها البحر هناك. وكان الألم أشد وطأة بالنسبة لآباء المفقودين.
ولا تزال منية الغماطي متمسكة بالأمل في أن ينجو ابنها سفيان بطريقة ما من عبوره إلى أوروبا، رغم أنه لم تصلها أخبار عنه منذ أشهر. وتقول في بيتها بصفاقس لفريق رويترز "لقد تحولت حياتي إلى جحيم. لا أستطيع قبول فكرة وفاته. إنها تقتلني".
كان سفيان البالغ من العمر 21 عاما قد جمع 7000 دينار (2240 دولارا) لدفع تكاليف رحلته سعيا إلى بدء حياة جديدة وإرسال الأموال إلى وطنه. لكن قاربه غرق. ووردت أنباء عن العديد من الوفيات ضمن نفس القارب، لكن لم يتم العثور على جثته مطلقا.
وتقول والدته عن الأسباب التي دفعته للهجرة "لا شيء يعجب.. الوضع محبط للغاية". ولم تترك منية بابا إلا وطرقته بحثا عن جواب يشفي غليلها. وتتشبث بكل أمل صغير وكل معلومة عن حوادث الغرق في أي مكان من البحر المتوسط.
وتزور منية المشافي والمشرحة باستمرار واتصلت بالصحفيين وأرسلت صورته إلى السلطات في إيطاليا، لكن دون نتيجة. تضيف منية وهي تكاد تنهار من الألم "لا أستطيع قبول فكرة أن الحوت (السمك) أكل ابني في البحر".
هـ.د/أ.ح (رويترز)
الهجرة غير الشرعية.. مواقف وأوضاع شركاء أوروبا بشمال أفريقيا
تكثف دول الاتحاد الأوروبي مؤخراً مساعيها من أجل كبح جماح الهجرة غير الشرعية نحو أراضيها، وذلك من خلال عقد شراكات وثيقة مع دول شمال أفريقيا، لكن كيف هي أوضاع ومواقف هذه الدول من أزمة اللاجئين والهجرة غير الشرعية؟
صورة من: Abdelhak Senna/AFP/GettyImages
مصر: بلد عبور يثير القلق
في السنوات الأخيرة تحولت مصر إلى أحد بلدان العبور إلى أوروبا المثيرة للقلق. ولا توجد أرقام دقيقة من جانب السلطات المصرية عن أعداد اللاجئين والمهاجرين السريين، الذين انطلقوا من السواحل المصرية على متن قوارب الصيد. لكن بحسب الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود "فرونتكس"، فقد انطلقت عام 2016 نحو ألف سفينة تهريب بشر من مصر. كما شكلت مصر كابوساً للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا عام 2016.
صورة من: picture-alliance/dpa
مصر: موقف متحفظ
أثار قرار إقامة مراكز لجوء أوروبية في دول شمال افريقيا، بينها مصر انتقادات المنظمات الحقوقية التي تعنى بشؤون اللاجئين، و تتهم هذه المنظمات نظام عبد الفتاح السيسي بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وأبدت مصر عن موقف متحفظ إزاء إقامة أوروبا مراكز لاستقبال اللاجئين على أراضيها. في المقابل يُشاع أن مصر تسعى للدخول في مساومة مع أوروبا لمنع تدفق المهاجرين إلى أوروبا مقابل مساعدات مالية.
صورة من: DW/M. Hashem
ليبيا: هاجس بدون حل
تعد ليبيا واحدة من أهم دول عبور المهاجرين واللاجئين السريين نحو أوروبا. ظلت موجة الهجرة المتدفقة من هذا البلد تمثل هاجساً للزعماء الأوروبيون، الذي لم ينجحوا لحد الآن في إيجاد حل له. في عام 2008 اُبرم اتفاق أوروبي ليبي لمكافحة الهجرة مقابل 500 مليون دولار. وكان الزعيم الليبي معمر القذافي قد تنبأ بتدفق ملايين المهاجرين لأوروبا وطالب آنذاك بروكسل بدفع خمسة مليارات يورو سنويا لليبيا.
صورة من: picture-alliance/dpa/AP/Küstenwache Lybien
ليبيا: موقف رافض
في عام 2017 وصل حوالي 150 ألف مهاجر إلى أوروبا عبر المتوسط. و من أجل كبح جماح هذا التدفق اتفق زعماء الاتحاد الأوروبي على خطة جديدة وكان أهم مقترحاتها إقامة مراكز خارجية لاستيعاب المهاجرين في دول شمال أفريقيا. وقوبل هذا المقترح الأوروبي بالرفض من أغلب دول شمال أفريقيا، بينها ليبيا، التي أعلنت رفضها لأي إجراء يتعلق بإعادة المهاجرين السريين إليها.
صورة من: AP
تونس: ارتفاع عدد الرحلات غير الشرعية
بالرغم من تشديد الحكومة اليمينية الشعبوية في إيطاليا ودول الاتحاد الأوروبي من استقبال قوارب المهاجرين ومراكب المنظمات الناشطة لإنقاذ المهاجرين في البحر، إلا أن الفترة الأخيرة شهدت موجة رحلات هجرة غير شرعية انطلقت من السواحل التونسية باتجاه ايطاليا. فبحسب أرقام للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين ومنظمة الهجرة الدولية، فإن 3811 مهاجرا تونسيا سري وصلوا السواحل الإيطالية هذا العام حتى نهاية آب/أغسطس.
صورة من: DW
تونس: رفض معسكرات المهاجرين
لا يختلف موقف تونس عن موقف دول شمال أفريقيا الرافضة لقرار تقديم الاتحاد الأوروبي المزيد من الدعم المالي لدول شمال أفريقيا مقابل المساعدة في التصدي للهجرة غير الشرعية من خلال إقامة معسكرات للمهاجرين.
صورة من: dapd
الجزائر: أكبر دول المنطقة
الجزائر هي أكبر دول منطقة شمال افريقيا، التي يعبرها المهاجرون باتجاه البحر المتوسط نحو أوروبا. ولا توجد إحصاءات رسمية جزائرية بشأن عدد المهاجرين الجزائريين غير الشرعيين، غير أن تقريرا نشرته في عام 2015 منظمة "ألجيريا ووتش" (غير حكومية)، استنادا إلى الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود "فرونتكس"، وضع الجزائر في المرتبة التاسعة بين الدول المصدرة للهجرة غير الشرعية عبر الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي .
صورة من: picture-alliance/dpa/F. Batiche
الجزائر ترفض مراكز الاستقبال
تتعاون الجزائر مع الاتحاد الأوروبي في ملف الهجرة غير الشرعية، وذلك عن طريق إعادة المهاجرين السريين القادمين من دول جنوب الصحراء إلى وطنهم، إذ رحلت خلال الأربع والخمس سنوات الماضية حوالي 33 ألف مهاجر و لاجئ أفريقي إلى بلدانهم بجنوب الصحراء. كما ترفض الجزائر من جانبها بناء مراكز لإيواء المهاجرين الأفارقة على أراضيها.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
المغرب: عودة الهجرة بقوة
عرفت السواحل الإسبانية هذا العام تدفقاً لما يعرف بـ "قوارب الموت" التي تنطلق من الطريق البحرية بين إسبانيا والمغرب والجزائر. فمن أصل 74.501 مهاجرسري وصلوا أوروبا بحراً، استقبلت إسبانيا لوحدها حوالي 43 بالمئة منهم (32.272)، وذلك في الفترة بين الأول من كانون الثاني/ يناير و12 أيلول/سبتمبر 2018، ممّا يجعلها الوجهة الأولى للهجرة السرية عبر البحر الأبيض المتوسط.
صورة من: picture alliance/AP Photo
المغرب: حسابات سياسية ومالية
منذ سنوات يحاول الاتحاد الأوروبي إبرام اتفاق مع المغرب بخصوص عودة المهاجرين من دول افريقيا جنوب الصحراء. ولكن المغرب يرفض ذلك لأسباب سياسية ومالية، أهمها أن ذلك يتعارض مع مسعى المغرب لتقوية علاقاته مع الدول الأفريقية جنوب الصحراء، والاستفادة منها اقتصادياً من خلال شراكات تجارية، وأيضاً لدعم موقف المغرب في النزاع حول الصحراء الغربية.