1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

من الكرة للأزياء .. قطر أنفقت المليارات لتعزيز قوتها الناعمة

١٧ ديسمبر ٢٠٢٢

منذ سنوات، تتبنى قطر سياسة خارجية تقوم على تعزيز قوتها الناعمة على الساحة الدولية بهدف إنشاء تحالفات والتأثير على القوى العالمية الفاعلة. ويشمل ذلك إنفاق المليارات على قطاعات الفن والرياضة وحتى بيوت الأزياء العالمية.

ناعومي كامبل في الدوحة (4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021)
نعومي كامبل تحضر افتتاح معرض فيرجيل أبلوه "شخصيات الكلام" بمتحف "Fire Station" بالدوحة في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021. صورة من: Craig Barritt/Getty Images

لم يكن حدثا عاديا استضافته العاصمة القطرية الدوحة بل حظى بتغطية إعلامية كبيرة حيث احتل صفحات أشهر المجلات. فقبل وقت قصير من انطلاق كأس العالم، أقيم في الدوحة معرض تحت اسم "فوريفر فالنتينو" بالتعاون مع دار "فالنتينو" الشهيرة للأزياء، في حدث "بانورامي"، فيما كانت ضيفة المعرض عارضة الأزياء السابقة نعومي كامبل التي وصفها الصحافيون بأنها كانت "حسناء الحفل". ولم يكن طقس قطر هو الشيء الذي جذب أبرز أسماء الموضة إلى الدولة الخليجية الصغيرة.

يشار إلى أن "مايهولا" (Mayhoola)، وهو صندوق استثماري قطري، يمتلك دار "فالنتينو" منذ عام 2012، وقد قام بإعادة إحياء العلامة التجارية الإيطالية الفاخرة التي كانت متعثرة قبل الصفقة.

وأطلقت كامبل في الدوحة مبادرة تحمل اسم "إيميرج" وهي مؤسسة خيرية جديدة خاصة بالأزياء والموضة لتشجيع المصممين الشباب من الاقتصادات الناشئة، بالتعاون مع مبادرة "قطر تُبدع" الفنية.

في بداية الأمر، جرى الإعلان عن أن مبادرة "إيميرج" تعد فرعا من جمعية "أزياء للإغاثة" الخيرية التي أسستها كامبل ومقرها المملكة المتحدة.

وتخضع تلك الجمعية حاليا للتحقيق من قبل مفوضية المؤسسات الخيرية، التي تعد بمثابة الجهة المنوط بها تنظيم عمل المنظمات الخيرية في إنجلترا، على خلفية اتهامات بسوء الإدارة وسوء إدارة شؤونها المالية.

وتتمثل الأزمة التي تواجهها جمعية "أزياء للإغاثة" في أنها أنفقت الكثير من الأموال التي قامت بجمعها وهي تُقدر بقرابة 1.6 مليون جنيه إسترليني أي ما يعادل 1.86 مليون يورو على تنظيم أحداث كبيرة خلال عام 2019، لكنها في المقابل لم تتبرع سوى بأكثر من مائتي جنيه إسترليني، أي ما يعادل مائتين وأربعين يورو من هذا المبلغ على أعمال الخير.

وفي بيان إلى DW، قالت مفوضية المؤسسات الخيرية إنها قامت بتعيين مديرين مؤقتين لإدارة جمعية "أزياء للإغاثة"، فيما أكد المدراء الجدد أنه لا صلة تربط الجمعية بمبادرة "إيميرج"، التي أطلقتها كامبل مؤخرا، خاصة فيما يتعلق بالتمويل. وفي مقابلة مع DW، قال أحد المديرين المؤقتين "ليس لدي أي فكرة حيال مصادر تمويل إيميرج". 

لكن يبدو من المحتمل أن شركاء كامبل القطريين منخرطين في التمويل.

وجدير بالذكر أن سعر تذاكر حضور حفل إطلاق "إيميرج" في الدوحة تراوح ما بين بين 100 دولار و 900 دولار للمقعد.

علاقة قطر بمشاهير الموضة؟

ومن الواضح أن الصلات التي تربط قطر ومشاهير الموضة مثل كامبل تعد قانونية وذلك في تناقض للفضيحة الأخيرة التي كشفت عن حصول أعضاء في البرلمان الأوروبي على رشاوى.

لكن علاقة قطر مع كامبل وغيرها تسلط الضوء على كيفية استخدام قطر مواردها المالية الضخمة لتلميع صورتها على الساحة الدولية وهو الأمر الذي يُطلق عليه "الدبلوماسية الثقافية".

فخلال الأعوام الماضية، قامت قطر، من خلال صناديقها الاستثمارية المرتبطة بالدولة، بشراء كيانات دولية لتعزيز سمعتها الدولية مثل شراء نادي "باريس سان جيرمان" الفرنسي الذي يضم الآن كوكبة من نجوم كرة القدم، لا سيما ميسي ونيمار ومبابي.

برج "شارد" في لندن، تمتلك قطر ما يقرب من 95% من قيمته العقارية صورة من: Chris J Ratcliffe/Getty Images

ويدخل في هذا الإطار امتلاك قطر لمتجر "هارودز" الفاخر في لندن وسلسلة متاجر "برنتمبس" الفرنسية، فضلا عن شراء عدد من الفنادق الفاخرة في لندن ومن بينها فندق "ريتز" وشراء دار الأزياء الفرنسية "بالمان" وبيت الأزياء الإيطالي الشهير "فالنتينو".

تشير التقارير إلى أن العائلة الحاكمة في قطر تنفق حوالي مليار دولار على الفن سنويا.

كذلك تنضم إلى قائمة الاستثمارات القطرية امتلاك الدولة الخليجية العديد من الأسهم في كبرى الكيانات الاقتصاية في ألمانيا مثل سيمنز وفولكسفاغن وبورشه ودويتشه بنك إلى جانب حصص في مطار "هيثرو " وبنك باركليز ومتاجر "سينسبري" العملاقة في المملكة المتحدة.

لماذا تنفق قطر هذه الأموال الطائلة؟

بداية اكتشاف الغاز الطبيعي في قطر في سبعينيات القرن الماضي جعلتها تتحول من واحدة من أفقر دول العالم إلى أحد أكثر بلدان العالم ثراءً. ويبلغ عدد سكان البلاد الآن ما يقرب من 3 ملايين شخص، منهم ما 10% حتى 15% فقط من القطريين الأصليين. والبقية هم أجانب يعملون في قطر، ولا يتمتعون بنفس الحقوق التي يتمتع بها القطريون الأصليون.

وفي ضوء ثروة مالية ضخمة، أصبحت قطر تضم أحد أعلى معدلات دخل الفرد في العالم، إذ ذكر البنك الدولي أن متوسط دخل الفرد السنوي في قطر بلغ عام 2021 أكثر من 61 ألف دولار في معدل يفوق بلدان أوروبية بما في ذلك فرنسا وألمانيا، صاحبي أكبر اقتصاد في التكتل الأوروبي.

وقطر هي إمارة نظامها ملكي، تحكمها أسرة آل ثاني، التي تضم حوالي 2000 عضو. من بينهم رئيس الدولة الحالي الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.

أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني خلال خطاب له بالجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك (20 سبتمبر/ أيلول 2022)صورة من: Anna Moneymaker/Getty Images

ويقول خبراء إن قطر تتبنى نظام "الدولة الريعية"، بمعنى أن الدولة تجني معظم الإيرادات والعوائد المالية ثم تقدم على توزيع "الريع" على المواطنين بما يضمن حصول كل فرد على وظيفة مع توفير الماء والطاقة والتعليم بالمجان للمواطنين القطريين.

"الاستبداد المستنير"

يقول الخبراء إنه لا يوجد فصل حقيقي بين الدولة ومصالح الأسرة الحاكمة في قطر؛ رغم أنها تضم بعض مظاهر الديمقراطية مثل وجود "مجلس الشورى" الذي يعد الهيئة التشريعية للدولة، لكن البلاد تفتقر إلى معارضة حقيقية ومنظمات مجتمع مدني قوية ولا تشهد انتخابات نزيهة فضلا عن وجود قيود حيال انتقاد السلطات وأمير البلاد.

وكانت منظومة "التنبّؤ بمخاطر الفساد"، التي جرى تطويرها من قبل العديد من المؤسسات الأكاديمية ومن بينها المركز الأوروبي لأبحاث الفساد الأبحاث الأوروبي وكلية هيرتي، قد وصفت قطر بأنها تمتلك "نموذجا لحكم جيد قائم على الاستبداد المستنير".

وقد عكف قادة قطر منذ بداية العقد الثاني من الألفية الجديدة على تعزيز عناصر القوة الناعمة لقطر في سياستها الخارجية؛ في مسعى لإظهار البلاد في صورة الحليف المتطور والمحايد إلى جانب ممارسة ضغوط مباشرة على عدة أصعدة، تشمل ضخ استثمارات كبيرة وتدشين حملات إعلامية للتأثير على صناع القرار السياسي.

وفي مقال رأي نشر هذا الأسبوع في مجلة "بوليتيكو"، كتب جيمي دِتمر: "يستشهد الخبراء بحملات الضغط المتطورة والمستمرة وحملات التأثير المتشابكة، التي تقوم بها قطر في الخارج باعتبارها نموذجا لكيفية استثمار المال في عناصر القوة الناعمة".

نفوذ دولي لحماية البلاد

ويرى مراقبون أن قطر لديها أسباب وجيهة لتعزيز نفوذها على الساحة الدولية في ضوء كونها دولة صغيرة غنية بالموارد وتقع بين دول كبيرة لا سيما السعودية وإيران ما يعني أنها قد تكون مهددة.

ويضيف المراقبون إلى ذلك افتقاد قطر لعناصر "القوة الصلبة" المتمثلة في جيش قوي، لذا فهي في حاجة إلى تحسين مكانتها وعلاقاتها على المسرح العالمي من أجل حمايتها إذا ما تعرضت لعدوان خارجي.

صمم "متحف قطر الوطني" المهندس المعماري الفرنسي جان وجرى افتتاحه للجمهور عام 2019صورة من: AFP via Getty Images

لكن هناك دوافع أخرى وراء تعزيز قطر قوتها الناعمة منها أن قطر، مثل باقي جيرانها في منطقة الخليج، تدرك أن زبائنها في قطاع الغاز والنفط سوف يتجهون إلى مجالات الطاقة الصديقة للبيئة، لذا يتعين على قطر، التي تعد من أكبر موردي النفط والغاز في العالم، تنويع مواردها لذا تضخ استثمارات في قطاعات السياحة والرياضة وغيرها.

ويرى خبراء أن السياسة الداخلية لا تغيب عن ذلك، إذ مع تطور البلاد، لم يعد "شراء" ولاء القطريين بإيرادات النفط والغاز كفيلا ببقاء العائلة المالكة على سدة الحكم، لذا تعمل على تعزيز الوحدة والتراث القطري عبر رموز وكيانات تحصل على رعاية من الدولة.

ويقول الخبراء إنه يدخل في الإطار إنشاء متحف قطر الوطني ومتحف الفن الإسلامي وحتى تنظيم مونديال كأس العالم 2022.

تعزيز قيم لا تُمارس على أرض الواقع

ولا ينظر إلى ذلك باعتباره انتهاكا للقانون، إذ أن جميع الدول تقوم بتعزيز عناصر قوتها الناعمة للضغط والتأثير على الساحة الدولية، خاصة في ظل التنافس الكبير بين الدول.

بيد أن الانتقاد الموجهة إلى قطر في هذا الصدد يقوم على أساس أن هذا الانفاق السخي لا تشرف عليه أو تقوم به شخصيات منتخبة أو عرضة للتدقيق والمحاسبة، خاصة في ظل عدم وجود وسائل إعلام مستقلة.

قام بتصميم "متحف الفن الإسلامي" في الدوحة المهندس الصيني الأمريكي الشهير "آي إم باي" الحائز على جائزة "بريتزكر" للهندسة المعماريةصورة من: Norbert SCHMIDT/picture alliance

وقد حاولت قطر إجراء تحسينات خاصة في تطبيق مفاهيم محاربة الفساد، إذ أعطى مؤشر "المستويات المتصورة للفساد في القطاع العام" الخاص بمنظمة الشفافية الدولية، قطر 63 درجة من أصل مئة درجة، فيما تمنح أعلى الدرجات للدول الأقل فساد.

واستنادا إلى ذلك، جاءت قطر في المرتبة الثانية كأفضل دولة في الشرق الأوسط بعد الإمارات، بل وتفوقت على دول أوروبية مثل إسبانيا والبرتغال والمجر.

ويقول الخبراء إن استضافة قطر لكأس العالم قد جلب دعاية جيدة وسيئة على حد سواء للدولة الخليجية، فيما سلطت الفضيحة، التي عصفت بالبرلمان الأوروبي، الضوء على ممارسات قطر لتعزيز نفوذها على الساحة الدولية وقوتها الناعمة.

لكن الأمر يثير تساؤلات حيال هل يمكن أن يؤدي هذا الضغط المتزايد على قطر إلى دفعها إلى التصرف بطريقة أكثر شفافية؟

وفي ذلك، قالت كندة حتر، المستشارة الإقليمية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا لمنظمة الشفافية الدولية، إن هناك صعوبة حيال تعزيز الشفافية في ظل "غياب مساحة للمجتمع المدني ووسائل إعلام مستقلة". وفي مقابلة مع DW، أضافت "يمثل هذا الأمر إشكالية، لكن بشكل عام لا أرى أن دول الخليج تسير في هذا الاتجاه".

كاثرين شير /  م ع

 

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW