مغردون عرب: قيس سعيّد... أيقونة للشباب أم حالم مغامر؟
١٤ أكتوبر ٢٠١٩جاءت نتائج الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التونسية أمس الأحد (13 أكتوبر/ تشرين الأول 2019) متوقعة، ليحصل الرئيس الجديد قيس سعيّد على 76.9 في المائة من أصوات الناخبين، على الرغم من أنه لم يقم بحملة انتخابية مكلفة.
قيس سعيّد أستاذ القانون الدستوري البالغ من العمر 61 عاماً، والحاصل على شهادات عليا في القانون الدولي، أثار فوزه موجة من التغريدات والتعليقات عبر وسائل التواصل الاجتماعي في العالم العربي، ما بين مهللين للنتيجة باعتبارها انتصاراً لصوت الثورة، وما بين مشككين بقدرته على تحقيق وعوده الانتخابية.
"شعوب ستفرح... وأنظمة ستقيم العزاء"
اعتاد قيس سعيّد، الذي ذاع صيته بعد الثورة التونسية من خلال مداخلاته التلفزيونية، على التأكيد أنه لا يبيع "الأحلام"، وأن إمكانية وضع القرار بيد الشعب بشكل مباشر دون المرور في البرلمان سيمكّن من النهوض بتونس اقتصادياً واجتماعياً، وسيضع إرادة الشعب في المقدمة.
الرئيس التونسي الجديد، والذي بات يعتبر ظاهرة تستحق الدراسة، حصل على دعم كبير من عدد من المؤثرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إذ ساهم مؤيدوه، وهم في أغلبهم من الشباب، في توسيع دائرة الدعم الخاصة به، حتى وصلت للمنصات العربية خارج تونس أيضاً. وقد جاءت تغريدات عدة قبيل ليلة الانتخابات تقارن ما بين أداء سعيّد وخصمه، رجل الأعمال نبيل القروي، وما بينه وبين رؤساء عرب حاليين. ونشر الإعلامي المصري أحمد سمير، الذي وسم تغريدته بـ"خذوا السيسي وأعطونا مروحة".
بيد أن بعض التغريدات عشية الانتخابات طالبت بضرورة الالتزام بالقرار الانتخابي، إذ نشر الكاتب والباحث السوري خليل مقداد تغريدة يناشد فيها التونسيين بعدم "التفريط" به. إلى جانب ذلك، بارك الكاتب العماني زكريا المحرمي للعرب بفوز سعيّد، وطالب المثقفين العرب بدعمه وعدم زيادة "حمله"، وذلك في إشارة لبعض الانتقادات التي واجهها فيما يتعلق بخطته الانتخابية.
كما ضمت شبكة أنصار الرئيس الجديد عدداً كبيراً من الطلبة الجامعيين، إذ أشارت النتائج التقديرية حسب المستوى التعليمي إلى أنه حظي بتأييد 86.1 في المائة من حملة الشهادات الجامعية، بينما حصل فقط على تأييد 42.7 في المائة ممن لم يذهبوا للمدرسة.
عامل آخر ساهم في اتساع رقعة التأييد لقيس سعيّد وسط التونسيين والعرب هو انتشاره في مواقع التواصل الاجتماعي. فعلى الرغم من عدم اعتماده على دعايات انتخابية، إلا أن مؤيديه عملوا على نشر صوته وبرامجه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كما يؤكد لـDW عربية الخبير في تحليل الخطاب الانتخابي عبر شبكات التواصل الاجتماعي، منصور عيوني.
فوز سعيّد لم يكن فوزاً تونسياً فقط، فقد حملت التغريدات من جميع أقطار العالم العربي طابعاً ثوريّاً ترى في انتخابه الساحق ربيعاً عربياً جديداً، وانتصاراً لما أسموه "الثورات العربية"، كما ذكر الإعلامي القطري جابر الجرمي.
كما بدأ شعراء عرب في نشر قصائد مديح للرئيس التونسي الجديد، مثلما كتب الشاعر الموريتاني سيدي ولد الأمجاد: "شعب تسلح علماً فارتقى صعداً، وجاء يحمل أستاذاً هنا جازا". لكن من جهة أخرى، وجد بعض النشطاء نتيجة الانتخابات فرصة للسخرية من اجتماع القمة العربية القادم، وسلطوا الضوء على أوضاع الديموقراطية في العالم العربي، كما نقرأ في تغريدة الصحفي مكرم كلاش.
لم تخلو خطابات قيس سعيّد من شعارات يمكن وصفها بـ"الرنانة"، فقد وصفه مؤيدوه ومحللون بأنه خطيب فصيح يستطيع أن يطوّع الكلمة لأغراضه، بالإضافة إلى كونه رجلاً ذو سجل وطني نظيف، وهذا الذي ساهم في سطوع نجمه خلال السنوات الخمس السابقة. لكن في غضون ذلك، لا زال سعيّد يتعرض لانتقادات وتحفظات تتعلق ببرنامج الانتخابي الذي وصفه البعض بـ"الحالم".
"يوتوبيا" الجديدة في تونس.. هل ذهب سعيّد بعيداً في أحلامه؟
فوز سعيّد في الانتخابات لحقته تصريحات رئاسية فورية تتعلق بإصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية. لكن منصور عيوني يرى أن سعيّد لم يقدم برنامجاً واضحاً للعديد من الاستحقاقات العاجلة والضرورية في تونس، ومنها مسألة الأمن القومي، إذ قال الرئيس التونسي الجديد في مناظرته السياسية أمام غريمه إنه لن يخوض في الحديث عن المسألة الأمنية أمام الإعلام، إلا أنه ذكر في تغريدات سابقة أنه لا يبيع "أوهاماً"، بل هو ملتزم بما يقول ويعد به.
"يوتوبيا" الجديدة، كما أسماها عيوني، كانت محل نقاش لدى الكثير من المتحفظين على أداء الرئيس الجديد، إذ رأى البعض أن سعيّد يقدم وعوداً واهمة، كما ذكر الصحفي الليبي محمد عمر محمد بعيو على حسابه في "فيسبوك"، واصفاً إياه بـ"متصنّع شعاراتي".
أما المذيعة التونسية مريم بن حسين فقد كتبت أن من حق الجمهور أن يعبر عن تخوفاته من الوعود المقدمة، بل وصفتها بكونها "مشروعاً وواجباً وطنياً لأي مواطن واعٍ"، وأكدت أن انتخابه رئيساً يجعل هذا جزءاً من مسؤوليته ليبدد الخوف وليكون أكثر وضوحاً ودقة.
وفي حين وصفت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية المرشحيين الشعبويين في تونس على أنهم أفضل من نظرائهم في أوروبا، كونهم يركزون على محاربة الفقر والعنصرية، إلا أن بعض المغردين العرب رأوا أن المواقف الحقوقية التي اتخذها قيس سعيّد ضد بعض الفئات المهمشة في تونس، واتفاقه مع تطبيق أحكام الإعدام وعدم المساواة بالميراث، أموراً مثيرة للقلق. فقد كتب وسام سعدي على حسابه "فيسبوك" ساخراً: "هل هو أفضل ما تفتقت عنه ثورات الربيع العربي؟"
ترتب على هذا موجة أخرى من التغريدات في العالم العربي التي نادت بضرورة تمسك تونس بمدنية الدولة، وكذلك ضرورة التأكيد على الإنجازات الحقوقية التي وصلت لها تونس خلال الأعوام السابقة فيما يتعلق بحقوق المرأة، إذ شبه الناشط الشبابي المصري وائل عباس التنافس بين سعيّد والقروي، كالانتخابات بين مرسي وشفيق، ووصفه بـ "أفضل السيئين"، ودعا للحذر منه كونه "رجعياً" على حد تعبيره.
يأتي هذا ترامناً مع ما تحدثت عنه الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان حول مواقف الرئيس المنتخب فيما يتعلق بالحقوق الفردية والحريات والحفاظ على دولة مدنية، إذ كتبت الحقوقية رجاء بن سلامة على حسابها في "تويتر" أنها ستعارض توجهاته المحافظة و"المتناقضة"، كما أسمتها، فيما أعلنت في تغريدة أخرى عن تمسكها بمطلب المساواة التامة بين النساء والرجال، والوحدة الوطنية.
"الخوف من الاصطدام بالواقع"، كما ذكر عيوني، يجعل من نتيجة الانتخابات التونسية محط اهتمام كثير من المحللين والمواطنين والشباب، خاصة في ظل حضور الحركات الداعمة له على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام العربية الكبيرة، بالإضافة للتحركات على أرض الواقع. وفيما يرى عيوني أنه يجب على الرئيس التونسي الجديد أن يعلن عن عدم ارتباطه بمن يدّعون أنه يتبعهم، واصفاً إياهم بـ"بوادر فشله"، فإن الانتخابات التونسية لا زالت تحمل بوادر أمل في العالم العربي لإحقاق الديموقراطية.
مرام سالم