كأس آسيا يجمع "الخصوم".. هل تُصلح الكرة ما أفسدته السياسة؟
٤ يناير ٢٠١٩يقصّ منتخبا الإمارات والبحرين يوم السبت 05 يناير/كانون الثاني 2019 شريط مباريات نهائيات كأس آسيا لكرة القدم. دورة هذا العام استثنائية لعدة اعتبارات، أولها حجم المنتخبات المشاركة، إذ يبلغ 24 بعدما توقف عند رقم 16 في الدورات الماضية، ثانيها الحضور العربي القياسي البالغ 11 منتخباً، وثالثها الخلافات السياسية التي تلقي بظلالها على المباريات، رغم التأكيد الدائم بضرورة فصل الكرة عن السياسة.
وتعدّ كأس آسيا إحدى أكبر التظاهرات الرياضية التي تضمّ منتخبات تمثل دولاً متخاصمة أو حتى تعادي بعضها بعضا، خاصة في ظل الأزمات المتلاحقة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط. لكن الخلاف في الكأس لا ينحصر بين الدول، فهناك منتخبات تشهد نقاشاً داخليا حول حقيقة من تمثله، هل الشعب أم النظام. فهل ترتدي الكرة ثوب الصلح؟
الأزمة الخليجية والتراشق المستمر
منذ اندلاع الأزمة الخليجية، وصلّ التراشق الإعلامي بين قطر من جهة ودول المقاطعة من جهة أخرى، إلى مستويات غير معهودة، ما ألقى بظلاله على المجال الرياضي، خاصة مع وجود شخصيات مثيرة للجدل كالمسؤول الرياضي السعودي السابق تركي آل الشيخ الذي لم يفوّت أيّ مناسبة للهجوم على قطر.
ونقلت وسائل إعلام قطرية أن الإمارات محتضنة البطولة، منعت القطري سعود المهندي، نائب رئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، ورئيس اللجنة المنظمة للبطولة، من دخول أراضيها، وبرّرت ذلك بعدم توفّره على تأشيرة، غير أن مدير البطولة، الإماراتي عارف العواني، نفى لـ"فرانس برس" هذا الأمر، مشيراً إلى أن المهندي وصل إلى أبو ظبي صباح اليوم الجمعة، ومتحدثاً عن ضرورة إبعاد السياسة عن الرياضة. (حاولنا الاتصال بالاتحاد الإماراتي لكرة القدم، لكن لم نتوصل بأيّ رد).
وقبل شهرين، اتهم الإعلام القطري منتخب الإمارات للشباب، بالتآمر على نظيره القطري، وذلك عندما "تعمد" الأول منح الفوز للمنتخب الأندونيسي في آخر مباريات دور المجموعات بكأس آسيا للشباب، حتى يتم إقصاء "العنابي"، لكن هذا الأخير فاز على الصين، ممّا جعل المنتخبات الثلاثة الأولى تتعادل في النقاط، لكن أُقصي الإماراتيون بعد شطب نتائج الصينيين الذين حلّوا في المركز الرابع.
انقسامات داخلية
في الوقت الذي يصف فيه المتعاطفون مع المنتخب السوري هذا الأخير بـ"نسور قاسيون"، يصفه المناوئون بـ"منتخب البراميل" كناية عن دعم النظام السوري له. الانقسام الداخلي حول المنتخب يظهر جلياً في مواقع التواصل الاجتماعي، ففي الوقت الذي حقّق فيه منتخب سوريا نتائج غير مسبوقة بالمنافسة إلى آخر لحظة على بطاقة التأهل لمباراة السد الفاصلة في إقصائيات كأس العالم 2018، يرى الكثير من السوريين أن بشار الأسد يستخدم المنتخب لأجل الدعاية.
ويرفض المحلل الرياضي، علاء صادق الحديث عن منتخب نظام ومنتخب وطن: "صحيح أن بعض اللاعبين المعارضين فضلوا عدم المشاركة، لكن ليس كل من قبل اللعب يمثل النظام. هذا المنتخب يضم لاعبين سوريين ماهرين، يرغبون في رفع اسم سوريا وليس بشار الأسد، وهذا يمثل دافعاً لتشجيعهم" يقول صادق لـDW عربية.
بيدَ أن الجديد في موضوع المنتخب السوري، هو عودة الإمارات لفتح سفارتها في دمشق، والتودد السياسي الحاصل بين الأردن وسوريا مؤخراً، ما يتيح لمباريات المنتخب السوري، الذي سيواجه نظيره الأردني في دور المجموعات، أن تلعب دوراً في هذا التطبيع الحاصل بين النظام السوري ودول كانت ترفضه وتطالب برحيله.
لكن بالنسبة للمنتخب اليمني الذي يمثل بلداً تنهشه الانقسامات السياسية، لا تظهر مؤشرات كبيرة على وجود خلاف على من يحق له تمثيل اليمن. وهو ما أكدته تصريحات استقتها DW من فاعلين رياضيين يمنيين، وقد يكون سبب غياب الانقسام هو تكوّن المنتخب من لاعبين يمثلون مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليا وكذا مناطق سيطرة الحوثيين.
هل تصلح الرياضة ما أفسدته السياسة؟
يشير علاء صادق إلى أنه دائماً ما تلقي السياسة بظلالها على المجال الرياضي، إلّا أن الأمر هذه المرة زائد جداً عن حده، معطياً الأمثلة بجدل سعود المهندي وما ترّدد عن منع وفد إعلامي قطري من دخول الإمارات.
وتتجه الأنظار إلى مباراة السعودية وقطر في دوري المجموعات، إذ تعدّ أول مباراة رسمية تجمع بينهما بعد اندلاع الأزمة. ومن المتوقع أن تشهد المباراة حضوراً جماهيرياً كبيراً كما ستخلق تحدياً للمنظمين لأجل منع احتكاكات بين الجماهير. وقد لا تكون المواجهة الأخيرة في الكأس بين أطراف الأزمة الخليجية، إذ يمكن أن تلتقي قطر مع الإمارات أو اليمن أو البحرين في الأدوار اللاحقة إن تأهلت هذه المنتخبات إليها.
ولا يتوقع علاء صادق أن تسفر مباراة السعودية مع قطر عن تحسن في العلاقات، بل هذه الأخيرة مرّشحة لمزيد من التوتر حسب قوله، متحدثاً عن الرياضة لا تستطيع إصلاح ما أفسدته السياسة، بل السياسة هي ما تفسده الرياضة. ويعطي صادق مثال زيارة هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكية الأسبق للصين في إطار ما عرف بـ"ديبلوماسية البينغ بونغ" (في إحالة إلى الانفراج في العلاقات الأمريكية-الصينية)، بعد تصافح لاعبين من منتخبيها في بطولة تنس الطاولة عام 1971، كي يؤكد ضرورة وجود قرار سياسي يصاحب التقارب الرياضي.
عداوات تاريخية
الصراع السني-الشيعي قد يكون حاضراً في البطولة، فمنتخبا السعودية وإيران مرشحان بقوة للتأهل إلى الأدوار المتقدمة وبالتالي مواجهة ساخنة بينهما لم تحدث منذ مدة. العلاقات بين الدولتين مقطوعة تماماً منذ بداية 2016، والفرق السعودية سبق أن رفضت اللعب في إيران خوفاً على سلامتها حسب تصريحات الاتحاد السعودي. ولا تواجه إيران السعودية سياسياً لوحدها، فجلّ الدول الخليجية تتهم إيران بالتدخل في شؤونها، وقد سبق لفيفا أن طالبت إيران والسعودية بعدم إسقاط خلافاتهما السياسية على كرة القدم.
لكن علاء صادق لا يرى أن التوتر الخليجي-الإيراني لن يكون حاضراً في الكأس، خاصة وأن بعض البلدان الخليجية لديها علاقات "تحت الطاولة" مع إيران. ويضيف أن إيران والسعودية تواجها ضد بعضهما أكثر من مرة ذهاباً وإياباً ومرت الأجواء بسلام ومودة.
أيّ حظوظ لعرب آسيا في التتويج؟
فنياً، وبعيداً عن الجدل السياسي، يرى المحلل الرياضي محمد عواد، أنه رغم تراجع مستوى الكرة العربية الآسيوية مؤخراً، إلّا أن تنظيم الكأس في أرض عربية يعطي فرصة لعرب آسيا بالتتويج حسب حديث عواد لـDW عربية، مشيراً إلى واقعة وصول الإمارات لنهائي كأس آسيا عام 1996، وخسارتهما أمام السعودية بضربات الترجيح، وهي البطولة التي نظمتها الإمارات حينئذ.
ويرّشح عواد ثلاثة منتخبات عربية للمنافسة الجدية على اللقب: "السعودية نظراً لتطور أدائها بعد أول مبارياتها في كأس العالم، الإمارات نظراً لتنظيمها البطولة وللأداء الذي قدمه فريق العين في كأس العالم للأندية، وأخيراً سوريا التي يلعب منتخبها بشكل منظم". وسيتنافس هؤلاء على اللقب، وفق توقعاته، مع القوى الكروية التقليدية في آسيا، خاصة استراليا واليابان وكوريا الجنوبية وبدرجة أقل مع إيران.
الكاتب: إسماعيل عزام