كاتي كولفيتز فنانة الآلام
ولدت كاتي كولفيتز في الثامن من يوليو عام 1867 في مدينة كونييجسبيرج /كاليننجراد الحالية. وبدأت حياتها الفنية في سن صغيرة، وذلك بتعلمها فن النقش على النحاس على يد رودولف ماور وتلقيها دروس الرسم على يد الفنان جوستاف ناويوك. كان أول عمل فني لها في سن الثالثة عشر ثم بدأت دراستها للفن في برلين. تزوجت من الطبيب كارل كولفيتز عام 1891 ورزقت منه بولدين فقدت أكبرهم في الحرب العالمية الأولى. وكان لهذا الحدث دور مهم في اتجاهها إلى النزعة السلمية وميلها إلى الاشتراكية. غير أنه ليس السبب الوحيد، فإذا ما لاحظنا الوقت الذي ولدت فيه هذه الفنانة لاستطعنا أن نحلل تلك النزعة الاشتراكية التي طالما رافقتها طوال مشوارها الفني.
تعتبر أوائل القرن العشرين من أحد أصعب الأوقات في أوربا، فبعد الثورة الصناعية حدث تغير جذري في المجتمع الأوربي فالخوف من البطالة وحركة الانتقال من الريف إلى المدن أسهم في ظهور الطبقة العمالية بجميع مظاهرها من فقر وضيق في سبل المعيشة وسوء الرعاية الصحية وما صاحبه من وفيات للأطفال وانتشار الأمراض المعدية، كلها مظاهر إن كانت كولفيتز لم تنشأ فيها شخصيا إلا أنها تأثرت بمحيط هذا الجو السائد آن ذاك. لعب والداها أيضا دورا في زرع الفكر الاشتراكي في خلدها، فبجانب تنشئتها نشأة دينية إلا أن الاشتراكية كأيدلوجية سياسية كأسلوب لحفظ الحقوق الأساسية للبشر كانت من الأساسيات التي حرص والداها على زرعه.
فنانة أم زوجة؟
لم يشكل زواج كولفيتز عائقا في تطورها الفني، فزوجها كان مؤمنا بموهبتها ودفعها إلى الأمام. عملت كولفيتز مع زوجها في عيادته الخاصة وكانت تصحبه في خلال زيارته للمرضى مما ساعدها على تكوين صورة عن البؤس والفقر الذي تعيش فيه الطبقة العمالة في المدن. أثناء تلك الزيارات تعمق شعورها بالألم والحزن على هذه الطبقة الكادحة، وتأثرت بالوجوه البائسة للمترددين على عيادة زوجها حتى اتخذتهم موضوعا لرسوماتها.
بجانب اهتمام كولفيتز برسم ملامح الشقاء على تلك الوجوه البائسة، كانت مهتمة برسم وجهها وهذا ما تظهره أعمالها، فقد رسمت وجهها العديد من المرات بأساليب مختلفة. ربما كان هذا نوع من تأريخ مدى تأثير ما عاصرته وشاهدته في خلال رحلة حياتها على ملامح وجهها. برزت أمومة كولفيتز في أعمالها أيضا من خلال رسمها لولديها. حاول زوج كولفيتز العديد من المرات عرض رسوماتها في المعارض المتخصصة، إلا أنه لم ينجح في ذلك. فالصور الواقعية التي تعكس الفقر والبؤس بين الطبقة العاملة الكادحة وتأثير الرأسمالية على الأوضاع الاجتماعية بأسلوب سلبي لم تكن تجد صدى أو اهتمام لدى المترددين على المعارض الفنية.
الواقعية والخطوط الواضحة
أهم ما يميز رسومات كولفيتز هي الواقعية الشديدة والخطوط الواضحة التى تخلو من أي نوع من الجمال أو المبلاغة، واستخدام الفحم في الرسم أو النحاس في النقش وإن كانت قد نجحت في نفس الوقت في الاحتفاظ بالإحساس المرهف للفنان وتأكيد أن الفن أداة للتعبير عن مجريات الأمور. فإن كانت كولفيتز ترى بعينيها فهي تحس برسوماتها وتنقل الصور بخطوط قلمها.
أهم الأعمال
من أهم أعمال كولفيتز "ثورة النساجين" و"الوالدان المتألمان"، وكان هذا العمل الأخير من أصعب الأعمال الفنية عليها، شرعت فيه بعد أن فقدت ابنها في الحرب العالمية الأولى. وكلما كانت تحاول الانتهاء منه تتذكر ابنها وكم من الآلام يلاحقها وتبدأ في هذا العمل من جديد حتى تمكنت من إنهائه بعد 18 عاما من المعاناة الفنية و النفسية. ومن الممكن التعرف على المزيد من الأعمال الفنية لكاتي كولفيتز في المتحف المخصص لها في مدينة كولونيا.