كاميرا الشباب تحاول كسر تابوهات التاريخ الجزائري الحديث
١٥ يوليو ٢٠١١يقول سليم أغار رئيس جمعية: "الشاشات لنا" في حوار مع دويتشه فيله: "لقد شاركت في مهرجان أزفون السينمائي السنة الماضية بفيلم أنتجته عن الثورة الجزائرية، و شاركت عشرات الأفلام الأخرى من إنتاج أبناء منطقة القبائل الأمازيغية، وأؤكد لك أنها كانت حربا حقيقية، إن من حيث المنافسة على تقديم الأفلام أومن حيث التدليل على أن البربر الأمازيغ ساهموا بشكل أو بآخر في تحرير المنطقة و من بعدها الجزائر قاطبة".
و يضيف أغار: "لا أستحي و أنا أعترف أني غضبت جدا من هيئة التحكيم، لقد كانت الجائزة الأولى من حقي لكنهم أعطوها لشخص آخر، و أنا لازلت غاضبا، لأنهم لم يفهموا طريقة عملي و ما كنت أقصده أنا من الجيل الجديد وهيئة التحكيم من الجيل القديم، لا يمكن أن يفهمونا أبدا".
يدير سليم أغار هذا العام، الأيام السينمائية الجزائرية الثانية التي نظمت هذا الأسبوع في العاصمة الجزائرية، وضمن الأفلام التي تم قبول عرضها في قاعات عرض بالعاصمة الجزائرية، فيلم "مجاهد وجندي فرنسي" للمخرج الشاب مبارك مناد، الذي يطرح رؤية مختلفة للتاريخ الجزائري ومن النادر أن يُعترف بها في التظاهرات الثقافية الرسمية.
كسر التابوهات
وضمن سيناريو فيلم مبارك مناد(مدته 52 دقيقة) يلتقي مجاهد سابق في جيش التحرير الجزائري مع جندي سابق في الجيش الفرنسي. ويدور حوار بين الرجلين، من النادر أن يقبل به التاريخ الرسمي الجزائري، مثل قول الجندي الفرنسي: "أعترف أننا ارتكبنا مجازر وعذبنا آلاف الجزائريين، لكنكم أنتم أيضا قمتم بأفعال مشابهة"، فيرد المجاهد :" نعم هذا صحيح، و لئن كان بشكل أقل منكم، أعترف أننا أخطأنا عندما ذبح بعض المقاتلين أكثر من أربع مائة مدني في قرية ملوزة بتهمة التعامل مع العدو، لقد أساءت هذه المذبحة إلى سمعتنا كثيرا".
ومن جهتها ترفض الجهات الرسمية المشرفة على كتابة مادة التاريخ التي تدرس في المدارس الجزائرية الإشارة إلى مثل الأحداث التي اعترف بها المجاهد أمام الجندي الفرنسي في فيلم المخرج مبارك مناد، و هو ما أدى إلى خلاف بين ما تعرضه الدولة من تاريخ رسمي عن الثورة التحريرية وما يعرضه المخرجون المستقلون مثل مبارك مناد، خاصة وأن المخرجين المستقلين يريدون تسليط الضوء على مواضيع تتعلق باحترام حقوق الإنسان من قبل المجاهدين وكذا ملفات الاغتيالات السياسية لقيادات ثورية ما بين أعوام 1956 و1967 ترفض الجهات الرسمية الحديث عنها بشكل قاطع.
إعادة قراءة تاريخ الجزائر
أما مبارك مناد، مخرج الفيلم فيقول في حوار مع دويتشه فيله: "لابد أن نقول الحقيقة التاريخية للشباب، لأننا عندما نفعل ذلك يفهمون تاريخ بلادهم ويتعلقون به، أما إذا واصلنا الكذب عليهم، و إظهار كل شيء وردي كأنه تاريخ ملائكة، فإن الشباب ينفر من فهم تاريخهم، وقد قل الاهتمام بتاريخ الثورة الجزائرية، وهذا أمر مؤسف".
ومن جهته يرى الممثل الشاب عز الدين مداحي و هو من منطقة القبائل، أن تشجيع الدولة للمخرجين الشباب من أجل إنتاج أفلام عن الثورة، شيء جيد، ويضيف مداحي في تصريح لدويتشه فيله: "أنا قبائلي و أعتز في نفس الوقت بجزائريتي، لكني أريد أن أظهر تاريخ منطقتي التي شاركت في الثورة التحريرية وقد دمرت فرنسا الاستعمارية العشرات من قرانا، واليوم نجد من يتهمنا بالخيانة لأننا نتكلم الفرنسية كثيرا، أو أننا نريد حماية لغتنا البربرية من الزوال".
و يضيف مداحي: "أعتقد أن الحفاظ على الوحدة الوطنية يمر من هنا، لأنني و إن كنت أرى أن الذين يرفضون الحديث عن الثورة مطلقا بمثابة المجانين، إلا أني لا أريد أن أوصف بالجنون أوبالخيانة وأنا لست كذلك، وذكر الحقيقة التاريخية يحقق لي ثلاثة أشياء، أولها أنني سأعرف الحقيقة، وثانيا أنني سأعرف الحدود النفسية للجزائريين، وثالثا سأضمن لمنطقة القبائل تواصلا أكبر مع بقية الجزائر".
الجيل الجديد واكتشاف الحقيقة
وحول المفارقة أو الفجوة بين الخطاب السياسي الرسمي الجزائري وما ينتجه مخرجون جزائريون مستقلون عن تاريخ الجزائر وخصوصا الثورة الجزائرية، يتوخى سليم أغار والرفيق العامل معه نهج الحوار والتفاوض مع كل من شأنه المساعدة على كسر الطابوهات عن تاريخ الجزائر. ومثال ذلك فيلم المخرج البلجيكي جيروم لافون، الذي أنتج فيلما يتحدث فيه عن المخرج الفرنسي رونيه فوتييه الذي صور الثورة الجزائرية ما بين أعوام 1955 و 1962 من دون علم السلطات الاستعمارية، و يظهر في فيلم المخرج البلجيكي جيروم لافون، رونيه فوتييه و هو يصف بعض القيادات في جبهة التحرير الوطني: "لقد صورت كل شيء عن الثورة الجزائرية، وتعجبت من طريقة قصهم لبعض المقاطع التي كانت ستلهب مشاعر الرأي العام العالمي، من ذلك صور لبكاء بعض المجاهدين وهم يسمعون كلمة لأحد قادتهم الميدانيين". و يضيف فوتييه: "لقد قرر ذلك القائد الجاهل حذف صور بكاء المجاهدين، و قال لي: "إن المجاهد الجزائري لا يبكي" أعتقد أن هذا القائد هو قائد سيء، وأؤكد لكم أنه لم يشارك في أي معركة قد لقد كان في المنطقة الحدودية بين تونس و الجزائر، و لكن داخل تونس وليس في الجزائر".
وضمن ما صوره فوتييه، أحداث ساقية سيدي يوسف عام 1958 التي راح ضحيتها مئات المدنيين التونسيين والجزائريين، بعد أن قصفتهم الطائرات الفرنسية بالقنابل، ويضيف فوتييه: "لقد صورت تلك الأحداث، ومما صورته جثث القتلى والبيوت المهدمة، والجرحى والمستشفى الميداني، لكن الحكومة التونسية أخذت مني الفيلم وقدمته كدليل مادي في شكوى تقدمت بها للأمم المتحدة".
و يرى مراقبون كثيرون أن الاختلاف الرسمي مع المخرجين المستقلين في كيفية تناول موضوع تاريخ الثورة التحريرية سيزداد سنة بعد أخرى، بالنظر إلى شغف الجيل الجديد بالحقيقة من جهة، ولأن الذين يخافون ذكر كل الحقيقة عن الثورة من الجيل القديم قد مات أكثره، و الخوف من الفضيحة لا تحمر منه وجوه الأموات، كما يقال!.
هيثم رباني – الجزائر
مراجعة: منصف السليمي