1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

كرٌ وفرٌ ـ حيلة بوتين لاختبار يقظة حلف الناتو!

٢٦ سبتمبر ٢٠٢٥

تتوالى الانتهاكات الروسية للمجال الجوي لدول حلف شمال الأطلسي في استفزاز للحلف وقدرته على الرد. ففي لعبة كر وفر يختبر بوتين صبر أوروبا ومعها حلف الناتو. لعب بالنار قد تكون له عواقب وخيمة وفق الصحافة الألمانية والغربية.

مناورة الناتو "ضربة نبتون 25" بمشاركة حاملة الطائرات الأمريكية "يو إس إس جيرالد آر. فورد"
بحر الشمال 2025 | مناورة الناتو "ضربة نبتون 25" بمشاركة حاملة الطائرات الأمريكية "يو إس إس جيرالد آر. فورد"صورة من: Federico Gambarini/dpa/picture alliance

في تطور ملفت، أعلنت ألمانيا على لسان وزير دفاعها بوريس بيستوريوس (24 سبتمبر/ أيلول 2025) بأن طائرة عسكرية روسية قامت بالتحليق فوق فرقاطة تابعة للبحرية الألمانية في بحر البلطيق. جاء ذلك في كلمة لبيستوريوس أمام البرلمان (يوندستاغ).

حادث يدخل في سياق سلسلة تجاوزات قامت بها طائرات مسيرة ومقاتلات روسية في المجال الجوي لكل من بولندا وإستونيا ورومانيا. وقال الوزير إن روسيا تختبر حدود دول حلف الناتو، وبوتيرة متسارعة. وقال بيستوريوس إن الرئيس بوتين "يريد استفزازنا، يريد استفزاز دول الناتو، وتحديد وكشف واستغلال ما يعتبرها نقاط ضعف في الحلف (..) لقد رد الحلف بوضوح وحزم على الاستفزازات الروسية، وفي الوقت ذاته بالقدر اللازم من التعقل، وهو أمر مطلوب على نحو خاص في هذه الأيام".

وكان حلف شمال الأطلسي اضطر لنشر مقاتلات بعدما اخترقت ثلاث طائرات روسية من طراز ميغ ـ 31 المجال الجوي لإستونيا لمدة 12 دقيقة، ما أدى لعقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن الدولي وإجراء محادثات مع الحلفاء في التكتل.

وكانت بولندا العضو أيضاً في حلف الناتو أعلنت أن مسيّرات روسية انتهكت مجالها الجوي مراراً خلال هجمات على أوكرانيا، في ما وصفته وارسو بأنه "عمل عدواني".

وبهذا الشأن كتبت صحيفة "نويه تسوريخر تسايتونغ" السويسرية الناطقة بالألمانية (21 ايلول/سبتمبر 2025) معلقة: "خلال عشرة أيام فقط، طلبت إستونيا، ثاني دولة من دول الناتو، مشاورات مع شركائها في الحلف بموجب المادة الرابعة من معاهدة الدفاع المشترك، لأنها ترى أن أمنها مهدد. هذا أمر مقلق، فمنذ تأسيسه، لم يتعرض الناتو لمثل هذا التحدي من عدو خارجي. لكن فلاديمير بوتين يواصل استفزاز الأوروبيين بطائرات مسيرة وطائرات مقاتلة تحلق في المجال الجوي لبولندا ورومانيا وإستونيا (..) لا يجب أن نضلل أنفسنا: أوروبا بالفعل في صراع عسكري مع روسيا. لا يمكن احتواء حرب أوكرانيا. روسيا تريد أن ترى إلى أي مدى يمكنها تحدي الناتو. السبب واضح. منذ (قمة السلام) في ألاسكا في أغسطس، يعلم بوتين أنه يمتلك الرئيس الأمريكي في قبضته وأن التماسك السياسي للناتو يتآكل. كيف يجب أن ترد أوروبا؟ يجب أن تقدم المشاورات داخل الحلف رسائل واضحة: انتهاكات المجال الجوي للناتو المستمرة لها ثمن، وفي أقصى الحالات، يكون الرد بإسقاط الطائرة. ويمكن للناتو أن يعلن المجال الجوي لأوكرانيا الغربية منطقته الأمنية الجديدة. الطائرات المسيرة والصواريخ الروسية هناك لم تعد مقبولة".

هل تقف روسيا وراء انتهاك المجال الجوي لدول في الناتو؟

02:35

This browser does not support the video element.

"نمر من ورق" ـ لغة ترامب الجديدة لتقزيم روسيا

غيّر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من لهجته تجاه موسكو واصفا إياها بـ"نمر من ورق" وذهب لحد اعتبار أن أوكرانيا قادرة على استعادة كل أراضيها من روسيا، "وربّما الذهاب أبعد من ذلك!"، وذلك بعدما ردد ترامب لفترة طويلة أن موسكو مهيمنة عسكرياً ولا يمكن هزمها من قبل أوكرانيا.

وسارع الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف إلى الرد (24 أيلول/سبتمبر 2025) بالقول إن "فكرة أن بإمكان أوكرانيا استعادة شيء ما خاطئة من وجهة نظرنا (..) روسيا ليست نمراً. روسيا مرتبطة أكثر بالدب. والدببة الورقية لا وجود لها".

ورغم سيل من الغزل الذي قاله ترامب في حق بوتين، فإن مفاوضات وقف إطلاق النار أو التوصل إلى اتفاق سلام، فشلت في تحقيق أي اختراق، في ظل الهوة الواسعة بين موقفي موسكو وكييف. كذلك، استبعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عقد اجتماع مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

وبهذا الصدد كتبت وكالة رويترز (24 أيلول/سبتمبر 2025) في تحليل عنونته بـ"دب بلا ورق" كيف تتنافس روسيا مع الولايات المتحدة من أجل الهيبة" وكتبت معلقة: "الرئيس ترامب يجد نفس في الموقف ذاته الذي مر به سلفه الديمقراطي باراك أوباما قبل أكثر من عشر سنوات في السياق ذاته. ففي عام 2014، صرّح أوباما، على خلفية احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم، بأن روسيا تُهدد جيرانها المباشرين، ليس انطلاقاً من موقف قوة، بل من منطلق ضعف. وأضاف أن روسيا ليست سوى قوة إقليمية، رافضاً بذلك ادعاء موسكو بوصف نفسها بالقوة العظمى، رغم امتلاكها للسلاح النووي وعضويتها الدائمة في مجلس الأمن الدولي. وقد أثارت هذه التصريحات حينها استياءً كبيراً في روسيا (..) لم تتقبل روسيا أبداً فقدان نفوذها الذي بدأ مع الانهيار الاقتصادي للاتحاد السوفيتي. وقد وصف بوتين انهيار الاتحاد السوفيتي بأنه أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين (..) وكثيراً ما عبّر بوتين عن استيائه من توجّه الدول التي كانت أعضاء أو تدور في فلك الاتحاد السوفيتي سابقاً نحو الغرب، مثل دول البلطيق وبولندا، واعتبر ذلك تمدداً غير مشروع لحلف الناتو، الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، إلى منطقة النفوذ التي تزعم روسيا أحقيتها فيها".

حلف الناتو يستكشف خطوطه الحمراء

يواجه حلف شمال الأطلسي معضلة فريدة من حيث بلورة رد مناسب على استفزازات الرئيس فلادمير بوتين دون المخاطرة بإشعال صدام مباشر بعواقب وخيمة وغير محسوبة. وتكمن المعضلة في أنه من الصعب إثبات ما إذا كانت انتهاكات المجال الجوي من قبل الروس متعمدة أم لا. روسيا تستغل هذه المساحة الرمادية بمهارة. إنه اختبار حقيقي لصبر الغرب ووحدته، إذ أوضح الناتو أنه سيستخدم "جميع الوسائل العسكرية وغير العسكرية اللازمة" لمواجهة هذا الوضع. تحذير واضح لا لبس فيه للكرملين: في المرة القادمة قد تكون النتيجة مختلفة. وتأتي هذه التطورات في وقت تمر فيه العلاقات الدولية بفترة حساسة ودقيقة، جعلت جهات كثيرة في الغرب تدعو للصرامة في التعامل مع الاستفزازات الروسية، فوحده تحالف قوي وموحد وقادر على الدفاع عن الدول الأعضاء، يمكنه ضمان السلام في أوروبا.

صحيفة "صنداي تايمز" اللندنية (21 أيلول/سبتمبر 2025) كتبت معلقة: "لا شك أن الرئيس بوتين يصعّد عسكرياً ضد الناتو، يستطلع أراضيه ويختبر قدراته على حماية الحدود. كيف يجب أن يرد الناتو؟ لا تُعتبر أنشطة روسيا حتى الآن سبباً كافياً لتفعيل المادة 5 من ميثاق حلف شمال الأطلسي، التي تنص على أن أي هجوم مسلح على أحد أعضاء الحلف يُعتبر هجوماً على جميع الأعضاء. هذه الأنشطة تقع ضمن المنطقة الرمادية الكلاسيكية لنهج بوتين أي استفزاز غير واضح المعالم  (..) لقد التزمت الدول الأوروبية خلال العام الماضي التزامات كبيرة في مجال الدفاع، لكن تحركات بوتين الأخيرة تُظهر أن ذلك لا يزال غير كافٍ، وأن الكرملين لا يزال يشعر بالقدرة على مواصلة استفزازاته على الجبهة الشرقية للقارة. هذا يتطلب رداً جاداً. سيقوم حلف الناتو بمراجعة قواعد الاشتباك الخاصة به من أجل تمكين رد أسرع على انتهاكات المجال الجوي الروسي. من الضروري أن يرسم الحلف خطوطاً حمراء، وألا يسمح بأن تصبح مثل هذه العدوانية الروسية أمراً معتاداً".

مناورات روسية-بيلاروسية وسط توترات مع الناتو

02:29

This browser does not support the video element.

معنى السيادة الجوية المجال الجوي الوطني

حسب القانون الدولي، يُسمح لكل دولة بممارسة سيادتها والسيطرة على استخدام مجالها الجوي فوق أراضيها. ويُعتبر المجال الجوي الوطني خاصاً بكل دولة فوق كامل أراضيها البرية والبحرية. وغالباً ما يُسمح للطائرات المدنية بعبور المجال الجوي لدول أخرى، ولكن يجب عليها الالتزام بالأطر القانونية الوطنية السارية في تلك الدول. وبعد المجال الجوي الذي يخضع للسيادة الوطنية يبدأ المجال الجوي الدولي. يُسمح لجميع الطائرات باستخدامه طالما التزمت بالقوانين والقواعد التي تم الاتفاق عليها في المعاهدات الدولية. ويذكر أن المرجعية الدولية في تنظيم حركة الطيران الدولي مدونة في معاهدة شيكاغو لعام 1944، وهي التي تحدد المبادئ الأساسية لاستخدام المجال الجوي.

مبدئياً، تحترم روسيا المجال الجوي الدولي وتلتزم بالقوانين ذات الصلة. غير أن حلف الناتو يؤكد أن الطائرات العسكرية الروسية تحلق تقريباً دائماً باستخدام تقنيات تجعلها غير مرئية لهيئات مراقبة الحركة الجوية المدنية. كما أنها تقوم أحياناً بخرق المجال الجوي لدول الناتو لبضع دقائق فقط، وبالتلى يصعب عملياً إثبات عما إذا كام الأمر عرضياً أم مقصوداً. وحينما تتكرر هذه الاختراقات في وقت زمني محدد يشمل عدة دول أعضاء في حلف الناتو فإن التساؤل يصبح مشروعاً، من حيث وجود نية مسبقة من قبل صناع القرار في الكرملين لاستفزاز الحلف واختبار جاهزيته.

الناتو يبحث إحداث جدار ضد الطائرات المسيرة

توغل نحو عشرين طائرة مسيرة روسية في أجواء بولندا وضع الأصبع على ثغرات في أنظمة الناتو الدفاعية، فقد أقلعت طائرات حربية بملايين الدولارات لمواجهة طائرات مسيرة كلفت آلاف الدولارات، تحطمت في نهاية المطاف في الريف البولندي. ونفت روسيا استهدافها بولندا، لكن مسؤولين بولنديين أشاروا إلى أن العملية كانت متعمدة. وفي مواجهة هذه المشكلة المتصاعدة، تعتزم دول لحلف إنشاء جدار دفاعي لصد ضد الطائرات المسيرة. وعلى امتداد الحدود مع دول البلطيق إلى البحر الأسود، تواجه الدول المتاخمة لروسيا وبيلاروسيا تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، بتداعيات متصاعدة لا أحد يمكنه حالياً توقع مآلاتها.

وفي رد فعلها، على الاستفزازات الروسية للمجال الجوي البولندي، كتبت الصحيفة اللاتفية "نياتكاريغا ريتا أفيس" معلقة (21 أيلول/سبتمبر 2025): "لا يمكن حالياً الجزم بشأن سرعة وفعالية إسقاط هذه الطائرة من الناحية العسكرية، لكن يبدو أن كل شيء تم بسلاسة. ما أصبح واضحاً هو أنه تم اتخاذ قرار سياسي سابق بعدم التردد وإسقاط المتسللين في المجال الجوي بأسرع وقت ممكن. لا يزال من غير الواضح ما إذا كان هذا القرار يشمل الطائرات المأهولة، مثل الطائرات القتالية الروسية التي قد تتسبب في خسائر بشرية. في المستقبل، سيكون رد الفعل السياسي وكذلك في الرأي العام لدول الناتو ذا أهمية حاسمة (..) يأمل الرئيس بوتين من خلال تصعيد الأزمة على الأرجح تخويف المجتمع الغربي. وسيتضح ما إذا كان هذا سيجعل الرأي العام في دول الناتو أكثر مرونة أو، على العكس، الدفع نحو مزيد من التضحيات (مثل زيادة الإنفاق الدفاعي) ودعم أكبر لأوكرانيا".

أوروبا تسعى لرد منسق على الاستفزازات الروسية

يسعى الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز حماية حدوده مع روسيا، وبهذا الشأن قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورزولا فون دير لاين في خطاب مهم أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ: "ليس هناك شك في أن الجناح الشرقي لأوروبا يحمي القارة برمتها... من بحر البلطيق إلى البحر الأسود. ولهذا السبب، علينا الاستثمار في دعمه من خلال آلية مراقبة الجناح الشرقي". ولا يزال هذا المصطلح قيد البلورة، إذ لا تعرف بعد تفاصيله بالضبط. ووصفت فون دير لاين المبادرة بأنها خطة لتعزيز حماية دول الاتحاد الأوروبي المجاورة لروسيا أي فنلندا، وإستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا، وبولندا، عبر الاستثمار في مراقبة فضائية آنية وجدار من الطائرات المسيرة.

وبهذا الصدد كتبت صحيفة "إلموندو" الإسبانية (21 أيلول/سبتمبر 2025) معلقة: "لقد أطلقت روسيا أخطر استفزاز ضد الناتو منذ بداية الحرب في أوكرانيا، وذلك بانتهاكها المجال الجوي البولندي لاختبار قدرة أوروبا على الرد وكشف هشاشة جناحها الشرقي. الطائرات المسيّرة فوق بولندا هي بمثابة اختبار من فلاديمير بوتين لقياس قدرته على تنفيذ هجمات عابرة للحدود وتقدير رد فعل الحلف، وهي أيضاً بمثابة جرس إنذار أخير للاتحاد الأوروبي لتسريع وتيرة تسلّحه، ودمج صناعاته الدفاعية، وتبنّي دور فاعل استراتيجي في نظام عالمي تطغى عليه النزعة السلطوية".

وذهبت صحيفة "ذي تايمز" اللندنية (21 أيلول/سبتمبر 2025) في نفس الاتجاه وكتبت: "بتشجيع من فشل دونالد ترامب في وضع حدود واضحة لروسيا في حربها على أوكرانيا، يبحث الانتهازي فلاديمير بوتين عن نقاط ضعف في دفاعات الناتو. وعلى الرغم من أن هذه الحوادث ليست ذات أهمية عملياتية كبيرة، إلا أنها تمثل من الناحية الرمزية تجاوزاً لنقطة اللاعودة، لأنها المرة الأولى التي تحتك فيها قوات الناتو مباشرة بأسلحة روسية. فقد اضطر طيارو مقاتلات إفـ ـ 16  البولندية إلى تقليل سرعة طائراتهم إلى الحد الأدنى الممكن للحفاظ على استقرار الطيران، حتى يتمكنوا من إسقاط طائرات مسيّرة بدائية طوّرها الإيرانيون باستخدام مدافع الطائرات. وقد فعّلت بولندا بحق المادة الرابعة من ميثاق الناتو، والتي تُلزم الأعضاء بالتشاور في حال وجود تهديد مباشر. ويتهم الروس البولنديين بالكذب بشأن الحادثة. وبالطبع، هم من يكذب. فالإرباك، والخداع، والتخويف هو جزء من لعبة روسيا".

تحرير: خالد سلامة

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW

المزيد من الموضوعات من DW