نبدأ رحلتنا من جزيرة رايشيناو الواقعة على بحيرة الـ "بودنزيه" في جنوب ألمانيا، هذه البحيرة التي تتقاسمها ثلاث دول ألا وهي ألمانيا وسويسرا والنمسا. ويذكر أن القديس بيرمين، أحد المبشرين المسيحين في القرن الثامن، أسس على هذه الجزيرة دير البينديكتين الذي أصبح بعد بنائه ولمدة ثلاثمائة سنة على التوالي من أهم الأديرة في جنوب ألمانيا.

ونظرا لأهميته الثقافية والتاريخية، أدرج هذا الدير وكل الأبنية التابعة له والموجودة على جزيرة رايشيناو على لائحة التراث العالمي لمنظمة اليونسكوعام 2000، حيث تشمل هذه الأبنية التاريخية ثلاث كنائس رومانية أيضاً. وتعتبر "كنيسة القديسة مريم" في منطقة "ميتلتسيل" الأكبر والأقدم بينها في المنطقة. وفي كنيسة "القديسين بطرس وبولس" في منطقة "نيدرتسيل" ترك الرهبان البنيديكتون كنوزا فنية وتاريخية قيمة، منها اللوحات الجدارية الأثرية الموجودة في حجرة المذبح والتي يعود منشأها إلى القرن الثاني عشر الميلادي. ولكن الجداريات المنمقة في كنيسة "سان جورج" في منطقة "أوبرتسيل" هي الأقدم من نوعها، حيث لا يوجد إلا القليل من اللوحات الجدارية التي تعود إلى القرن العاشر الميلادي ومازالت في حال جيدة إلى يومنا هذا.

آثار لأوائل المستوطنات السكنية في أوروبا

 قبلتنا الثانية في هذه الرحلة هي إحدى كنوز التراث الثقافي العالمي الموجودة تحت الماء، حيث الأبنية الوتدية الموجودة في "اونَتراولدينغين" والتي تعود إلى ما قبل التاريخ. وتعتبر هذه الأوتاد الخشبية الموجودة في المياه دليل على أنه كان هناك منازل سكنية تم رفعها على أعمدة خشبية. هذا الطراز المعماري المميز كان نوع من أنواع المستوطنات المبكرة في أوروبا القديمة، حيث أمنت لسكانها الحماية من هجمات الأعداء ومن الحيوانات المفترسة. وتعتبر البلدة المائية في "اونتراولدينغين" من أهم المستوطنات التي تنتمي إلى فترة مابين القرن الثالث عشر والقرن الثامن قبل الميلاد أي إلى العصر البرونزي المتأخر. ووفقا لمعطيات الحفريات الأثرية، فقد تم عام 1922إعادة بناء بعض المنازل في هذه المستوطنة على شكلها الأصلي، ومن خلالها نستطيع أن نأخذ لمحة عن حياة هذه البلدة المرفوعة فقط الماء منذ ما قبل التاريخ في بحيرة الـ"بودنزيه".

والجدير بالذكر أنه تم عام 2011 ظم سبعة عشر موقعاً إضافياً من البيوت الوتدية المائية التي يعود منشأها إلى ما قبل التاريخ موجودة في ولايتي بادن فورتمبيرغ وبافاريا. وعلى ضوء ذلك يصل عدد هذه المواقع إلى 111 موقعاً تم إدراجها على لائحة التراث العالمي، منها ما يتواجد في ألمانيا ومنها ما يعبر الحدود.

جوهرة من عصر الباروك

على بعد مائة وخمسين كيلومتر شرق بحيرة الـ "بودنزيه" وعلى مقربة من منطقة شتاينغادن ترتفع هضاب المراعي الخضراء أمام بانوراما جبال الألب، حيث تقع كنيسة المراعي التي يطلق عليها هنا "فيزكيرشه". هذه الكنيسة التي يعود منشأها إلى العصر الباروكي مازالت تمارس فيها الطقوس الدينية إلى يومنا هذا. وقد أدرجت عام عام 1983 على لائحة مواقع التراث العالمي.

ويعود بناء هذه الكنيسة التي شيدت بدقة وثراء فريدين من نوعهما إلى عام 1745. وهذا حسب طلب مارينوس رئيس دير شتاينغادن الذي قال: "هنا تسكن السعادة، وهنا يسكن قلب السلام الهادئ". والجدير بالذكر أن التماثيل والأكاليل المزخرفة والمصنوعة من الجص والموزعة داخل مبنى الكنيسة، إضافة إلى اللوحة السقفية المشهورة عالمياً والتي تتوسط القبة، تاج مبنى الكنيسة ذي الشكل البيضاوي، يعطيان هذه الكنيسة فرادة مميزة. ويذكر أن كنيسة "فيزكيرشه" هي مثال العمارة البافارية من العصر الباروكي.