كورونا في العالم: إجراءات صارمة وأخرى بسيطة وتصفية حسابات!
٩ مارس ٢٠٢٠لا يوجد حدث يتصدر حاليا اهتمام العالم أكثر من وباء كورونا. انتشار الفيروس بسرعة كبيرة وحصده لآلاف الأرواح خلق حالة من الترقب والخوف في كل أنحاء العالم. تعامل دول العالم مع الفيروس الغامض متباين من دولة لأخرى منذ بداية انتشار الفيروس في الصين إلى انتقاله وانتشاهر حول العالم. فبينما تعاملت حكومات بصرامة شديدة وفرضت كل أنواع الإجراءات الاحترازية الممكنة لمنع ظهور الفيروس أو حصر انتشاره بأكبر قدر ممكن، بدا الوضع مختلفا في دول أخرى. أما في العالم العربي فقد شكل الفيروس وسيلة لتصفية الحسابات.
أخطاء في التعامل مع الفيروس
لم تعد تخفى على أحد قصة الطبيب الصيني الذي قيل إنه أول من اكتشف فيروس كورونا قبل وقت من انتشاره بشكل غير قابل للسيطرة. وعوض أن تأخذ السلطات الصينية تحذيراته على محمل الجد عوقب هو وآخرون بسبب تبلغيهم عن الفيروس. ولعل هذا من أول الأخطاء التي ارتكبت في التعامل مع فيروس كورونا وخطره. وربما كان الوضع سيكون مختلفا في الصين وخارجها الآن لو أن كلام الطبيب، الذي توفي لاحقا بسبب إصابته بالفيروس، تم التعامل معه بشكل مختلف.
ورغم فرض دول أوروبية إجراءات كتعليق أو تقليص الطيران من وإلى الصين، إلا أن إيطاليا سرعان ما تحولت إلى بؤرة للفيروس في العالم لينتشر الرعب أكثر في القارة العجوز وتتحول إيطاليا إلى مصدر لكثير من الحالات انتقل فيها الفيروس إلى دول أخرى في أوروبا وشمال أفريقيا. وكما كان تفشي كورونا في الصين سيكون ربما أخف لو أُخذ كلام الطبيب الصيني على محمل الجد، فإن إيطاليا لربما كانت ستتجنب عددا كبيرا من الإصابات بالفيروس لو أن كل مستشفيات البلد "تحترم المعايير".
وحول تقييم الإجراءات الاحترازية لدول العالم في مواجهة الفيروس وجدوى هذه الإجراءات، تقول نسرين رزق وهي أخصائية الأمراض المعدية في بيروت في مقابلة مع DW عربية "أعتقد أن الوقت الحالي ليس الوقت الأنسب لتقييم أو انتقاد إجراءات كل دولة في العالم على حدة بشأن تعاملها مع الفيروس، لأنه ينتشر بشكل سريع وغامض ومعظم الدول حتى المتقدمة منها تبدو عاجزة عن مواجهته، وذلك يعود إلى أنه حتى دولا كالدول الأوروبية والولايات المتحدة لم تتعود على مواجهة فيروسات من هذا النوع. لكن المهم الآن يبقى هو تنسيق الجهود بين الدول لمواجهة الفيروس".
كورونا يدخل حلبة الصراعات السياسية
أما في الشرق الأوسط فتبقى إيران أكبر بؤرة للمرض حتى الآن. ومنها انتقل المرض إلى دول أخرى في المنطقة منها لبنان ودول خليجية. وقد خضع الفيروس أيضا لحسابات السياسة والصراعات في المنطقة واستخدام نظرية المؤامرة. فعلى سبيل المثال حملت وسائل إعلام خليجية إيران المسؤولية عن انتقال المرض إلى دول مجاورة لها، وفي هذا السياق ذكر مصدر سعودي مسؤول لمحطة إماراتية أن إيران أدخلت مواطنين إليها "دون الختم على جوازاتهم"، وهو ما يحملها مسؤولية مباشرة عن انتشار الفيروس. ويشار هنا إلى أن كل الحالات التي ظهرت في السعودية هي لأشخاص كانوا في إيران أو احتكوا بأشخاص كانوا في هذا البلد.
في هذا السياق غرد مارك أون جونس وهو أستاذ مساعد في جامعة حمد بن خليفة في قطر على توتير قائلا إن الفيروس استُخدم كأداة لنشر البروبغندا والمعلومات الخاطئة بهدف "شيطنة الخصوم السياسيين وفي نفس الوقت ترسيخ الأحكام المسبقة".
ويضيف الخبير أنه رُصد تزايد في ظاهرة كره الأجانب تجاه كل من يبدو صينيا، بالإضافة إلى ربط مسألة ظهور الأوبئة بمجتمعات متخلفة وغير حضارية. أما في الشرق الأوسط فيرى الخبير أن الأمر اتخذ بعدا طائفيا "إذ يكفي البحث عن كلمة كورونا مع كلمة شيعة ليعثر المرء على تغريدات تربط الانتشار الكبير لكورونا في إيران بالتخلف الشيعي".
كما أعاد الفيروس أيضا الأزمة الخليجية إلى الواجهة فقد انتشر تصريح لكاتبة إماراتية تقول فيه إن قطر هي السبب في فيروس كورونا بعد أن أنفقت المليارات في الصين لتصنيعه، ولتلعن بعد ذلك أن تصريحها يندرج فقط ضمن الكتابة الساخرة. بينما تناقلت وسائل إعلام مصرية وسعودية خبر إصابة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد بفيروس كورونا، لينتشر على وسائل إعلام أخرى بعضها مقرب من قطر وتركيا خبر إصابة ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد بفيروس كورونا. من جهتها قررت مصر منع دخول المواطنين القطريين إليها عملا بمبدأ "المعاملة بالمثل" بعدما قررت قطر منع دخول المواطنين المصريين إليها.
التنسيق هو الأهم
وترى الأخصائية نسرين رزق أنه على عكس دول أخرى كالدول الأوروبية أو الولايات المتحدة ودول كثيرة تنسق مع الصين وجيرانها "يلاحظ غياب تنسيق بين الدول العربية، بل طغت الخلافات السياسية في منطقة أصلا تعاني من الفقر والحروب وأزمات اللاجئين". وتضيف الخبيرة أنه من المهم التعاون في هذه المرحلة الحساسة وأن تساعد الدول الغنية الدول الفقيرة أو تلك التي تعيش أزمات تجعل من مواجهتها للمرض الفتاك أمرا صعبا.
وفيما يخص الإجراءات الوقائية والاحترازية كانت خطوات السعودية لافتة في هذا السياق، فقد علقت المملكة زيارة الحرم المكي كما علقت التأشيرة السياحية وطالبت كل من يأتي من دولة ينتشر فيها كورونا بالخضوع لحجر صحي لأسبوعين. وفي أحدث قراراتها أعلنت السعودية تعليق الدخول والخروج من محافظة القطيف مؤقتا لمنع انتشار الفيروس بعد ظهور 11 حالة إصابة بالفيروس.
أما في دول أخرى كمصر مثلا فقد بدا الأمر مختلفا. إذ أنها لم تعلن في البداية وجود الفيروس لديها رغم ظهور حالات إصابة لدى أشخاص عائدين منها. وقد اتهم البعض السلطات بممارسة التعتيم ونشر معلومات خاطئة. ويعزو مراقبون أسباب هذا الموقف إلى مخاوف لدى مصر من أن تتأثر حركة السياحة لديها خاصة وأن هذا القطاع من أهم موارد الاقتصاد المصري المنهك أصلا. وفي هذا السياق أثار قرار شركة الطيران المصرية استئناف الرحلات من وإلى الصين حتى بعد انتشار الفيروس فيها نهاية فبراير/ شباط المنصرم، موجة من السخط والاستياء. وحاليا تقدر عدد حالات الإصابة بكورونا في مصر رسميا بـ 55 حالة، 45 منها فقط على متن باخرة سياحية، كما توفي سائح ألماني هو أول حالة وفاة في البلاد.
سهام أشطو