"كوشيب" أول قائد للـ"جنجويد" يُدان بجرائم حرب في دارفور
علي المخلافي أ ف ب، أ ب، د ب أ
٦ أكتوبر ٢٠٢٥
بعد أكثر من 20 عامًا على ارتكاب جرائم مروّعة في دارفور، أدانت الجنائية الدولية علي محمد علي عبد الرحمن، المعروف باسم "علي كوشيب"، بارتكاب جرائم حرب، بينها القتل والاغتصاب والتعذيب. وكوشيب ينفي تورطه في هذه الجرائم.
ينفي عبد الرحمن ارتكابه جرائم وسلم نفسه طوعا عام 2020 مؤكدا أنه أقدم على هذه الخطوة لأنه كان "يائسا" ويخشى أن تقتله الحكومة السودانية.صورة من: picture alliance / ANP
إعلان
أدانت المحكمة الجنائية الدولية اليوم الإثنين (السادس من أكتوبر/تشرين الأول 2025) قائدا في ميليشيا الجنجويد السودانية بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال الحرب الاهلية التي شهدها إقليم دارفور قبل عشرين عاما. وأدين علي محمد علي عبد الرحمن المعروف باسم علي كوشيب بارتكاب جرائم عدة بينها الاغتصاب والقتل والتعذيب، وقعت في دارفور بين عامَيْ 2003 و2004.
وهذه المرة الأولى من نوعها التي تدين فيها المحكمة مشتبها به بارتكاب جرائم في دارفور. وقضت المحكمة بأن تلك الفظائع، بما في ذلك جرائم القتل الجماعي والاغتصاب، كانت جزءا من خطة حكومية لقمع التمرد في المنطقة الغربية من السودان. وظهر علي محمد علي عبد الرحمن، المعروف أيضا باسم علي كوشيب في محكمة لاهاي الدولية في هولندا، مرتديا بدلة وربطة عنق ويستمع عبر سماعة رأس، دون أن يظهر أي انفعال أثناء تلاوة القاضية الرئيسية جوانا كورنر لـ27 حكما بالإدانة.
"اغتصاب جماعي وانتهاكات وقتل جماعي"
وقالت رئيسة المحكمة القاضية جوانا كورنر إن "المحكمة مقتنعة تماما بأن المتهم مذنب بما لا يدع مجالا للشك المعقول في الجرائم المنسوبة إليه". ويصدر الحكم في موعد لاحق بحسب رئيسة المحكمة. وتُعقد الجلسات في الفترة 17-21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025 ويصدر القرار "في الوقت المناسب" في ما بعد. وحضر عبد الرحمن الجلسة مرتديا بدلة زرقاء وربطة عنق قرمزية وكان يتابع الإجراءات بدون أي انفعال، ويدون ملاحظات من حين الى آخر.
وروت كورنر تفاصيل مروعة عن عمليات اغتصاب جماعية وانتهاكات وقتل جماعي. وقالت إنه في إحدى المرات، حمَّل عبد الرحمن حوالى 50 مدنيا في شاحنات وضرب بعضهم بالفؤوس قبل أن يجبرهم على الاستلقاء أرضا ويأمر قواته بإطلاق النار عليهم وقتلهم. وأضافت: "لم يكن المتهم يُصدر الأوامر فحسب... بل شارك شخصيا في الضرب وكان حاضرا لاحقا وأصدر أوامر بإعدام المعتقلين". وقال المدعون العامون في المحكمة إن المتهم قيادي كبير في ميليشيا الجنجويد العربية وقد شارك "بحماسة" في ارتكاب هذه الجرائم".
إعلان
المتهم سلم نفسه طوعا خشية مقتله وينفي ارتكابه جرائم
وقالت كورنر إن المحكمة "مقتنعة بأن المتهم هو الشخص المعروف ... باسم علي كوشيب"، ولم تأخذ بشهادة شهود الدفاع الذين أنكروا ذلك. وينفي المتهم المولود في العام 1949، أن يكون ارتكب ما يتهم به مؤكدا أنه ليس الرجل الملاحق.
وقال للمحكمة الجنائية الدولية خلال جلسة استماع في ديسمبر/ كانون الأول 2024: "لستُ علي كوشيب. ولا أعرف هذا الشخص.. ولا علاقة لي بالاتهامات المساقة ضدي". وفر عبد الرحمن إلى جمهورية إفريقيا الوسطى في فبراير/شباط 2020 عند تأليف حكومة سودانية جديدة أكدت نيتها التعاون مع تحقيق المحكمة الجنائية الدولية.
وسلم عبد الرحمن نفسه طوعا في عام 2020 مؤكدا أنه أقدم على هذه الخطوة لأنه كان "يائسا" ويخشى أن تقتله الحكومة السودانية. وقال المتهم: "كنت أعيش في الخفاء منذ شهرين (...) خشية أن توقفني" الحكومة السودانية. وتابع: "لو لم أقل ذلك لما استقبلتني المحكمة ولكنت في عداد الموتى".
"حليف للرئيس السوداني المطاح به عمر البشير"
واعتبرته المحكمة قائدا في ميليشيا الجنجويد وحليفا للرئيس السوداني المطاح به عمر البشير. وفي عام 2003، أطلق الرئيس السابق عمر البشير ميليشيات الجنجويد العربية لسحق تمرد لمجموعات غير عربية في دارفور، حيث ارتكبت فظائع خلفت حوالى 300 ألف قتيل وحوالي 2,5 مليون نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة. وانتهى هذا النزاع في عام 2020.
وقال المدعون العامون في المحكمة الجنائية الدولية: "الواقع المرير هو أن الأهداف في هذه القضية لم يكونوا المتمردين بل المدنيين. لقد استهدفوا وعانوا وقتلوا. وقد تعرضوا لصدمات جسدية ونفسية بأشكال مختلفة كثيرة". وقال كريم خان المدعي العام السابق الذي تنحى وسط اتهامات ذات طابع جنسي إن عبد الرحمن "تسبب بآلام ومعاناة شديدة للنساء والأطفال والرجال في القرى التي مر بها".
وأطاحت تظاهرات استمرت لأشهر بحكم البشير الذي قاد السودان بيد من حديد على مدى ثلاثة عقود. وهو ملاحق من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب مجازر إبادة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
قوات الدعم السريع انبثقت عن ميليشيا الجنجويد
ومنذ أبريل/نيسان 2023، يشهد السودان حربا عنيفة جديدة بين الجيش وقوات الدعم السريع المنبثقة من ميليشيات الجنجويد. وقُتل في هذا النزاع عشرات آلاف الأشخاص. وأدى كذلك إلى نزوح الملايين داخل البلاد وخارجها.
هل نقل المجلس العسكري في السودان الجنجويد من دارفور الى قلب الخرطوم؟
02:17
This browser does not support the video element.
ويأمل المدعون العامون في المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات توقيف مرتبطة بالنزاع الحالي في السودان. وتفيد منظمات إنسانية بأن النزاع الجديد الذي يُتهم فيه الطرفان بارتكاب فظائع كثيرة، جعل السودان على شفير المجاعة.
واعتبرت مجموعة محامو الطوارئ المعنية بتوثيق الفظائع في السودان، أن قرار المحكمة الجنائية "يوم تاريخي في مسيرة العدالة السودانية". وقالت في بيان: "بهذا القرار تفتح المحكمة باب أمل لضحايا الجرائم في دارفور وفي جميع أنحاء البلاد، وتؤكد أن ... الجرائم ضد الإنسانية لن تمر بدون محاسبة".
تحرير: صلاح شرارة
في صور: دوامة الصراع على السلطة في السودان..أبرز القوى السياسية والعسكرية
منذ سقوط نظام البشير تتصارع قوى سياسية وعسكرية على السلطة في السودان. وتسبب الصراع في عدم استقرار الأحوال بالبلاد على مدى سنوات، إلى أن اندلع القتال الأخير بين الجيش وقوات الدعم السريع. فما هي أبرز تلك الجهات المتصارعة؟
صورة من: Ebrahim Hamid/AFP/Getty Images
قوى "إعلان الحرية والتغيير"
وهي تجمع لعدد من التيارات والمكونات السياسية الإئتلافات المدنية السودانية، منها "تجمّع المهنيين" و "الجبهة الثورية" و "تحالف قوى الإجماع الوطني" و "كتلة التجمع الاتحادي" و "كتلة قوى نداء السودان".
صورة من: Mahmoud Hjaj/AA/picture alliance
تأسيس "إعلان الحرية والتغيير"
تأسّست قوى الحرية في كانون الثاني/يناير 2019 خِلال الاحتجاجات التي اندلعت عام 2018 ضد حكم الرئيس السابق عمر البشير. قامت تلك القوى المعروفة اختصاراً باسم "قحت" بصياغة "إعلان الحرية والتغيير" و"ميثاق الحرية والتغيير" الذي دعا إلى إقالة البشير من السلطة وهو ما حدث في نيسان/أبريل عام 2019.
صورة من: Mahmoud Hjaj/AA/picture alliance
الجيش يطيح باتفاق تقاسم السلطة
استمرت "قحت" في نشاطها ونظمت احتجاجات في وجه المجلس العسكري الذي حكم البلاد "نظريًا" بعد سقوط نظام البشير ثمّ دخلت في مرحلة مفاوضات مع الجيش حتى توصلت معه في 17 تموز/يوليو 2019 إلى خطة لتقاسم السلطة لكنها لم تصمد كثيراً، حيث أطاح الجيش السلطة المدنية واتُهم بتنفيذ "انقلاب".
صورة من: Mahmoud Hjaj/AA/picture alliance
الجيش الحاكم الفعلي منذ استقلال السودان
الحاكم الفعلي للبلاد منذ إعلان الجمهورية عام 1956. يحتل المركز 75 عالمياً في قائمة أقوى جيوش العالم ويصل عدد أفراده إلى نحو 200 ألف جندي بين قوات عاملة واحتياط. لدى الجيش السوداني 191 طائرة حربية متنوعة بين مقاتلات وطائرات هجومية وطائرات شحن عسكري وطائرات تدريب ومروحيات هجومية. كما يمتلك 170 دبابة وآلاف المدرعات وأنواع مختلفة من المدافع وراجمات الصواريخ إلى جانب أسطول بحري صغير.
صورة من: Sovereignty Council of Sudan/AA/picture alliance
انقلاب الجيش على الحكومة المدنية
استولى الجيش في أكتوبر/تشرين الأول 2021 على السلطة وأعلن حالة الطوارئ، منهياً اتفاق تقاسم السلطة بين المدنيين والعسكريين في خطوة وصفت بأنها انقلاب عسكري. تقول التيارات المدنية إن الجيش يرفض تسليم السلطة للمدنيين ما أدى لصدامات متعددة كان أبرزها ما سمى "بمجزرة القيادة العامة" في حزيران/يونيو 2019 وراح ضحيتها أكثر من 100 قتيلٍ في يومٍ واحد وتبرأ المجلس العسكري منها وأكد فتح تحقيقات بشأنها.
صورة من: Sudan Sovereignty Council Press Office/AA/picture alliance
الرجل القوي في الجيش السوداني
يقود الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان والذي برز اسمه في فبراير/شباط 2019، مع إعلان البشير ترقيته من رتبة فريق ركن إلى فريق أول. تولى العديد من المناصب داخل وخارج السودان. عقّدت الانقسامات بين قوات الدعم السريع والجيش جهود استعادة الحكم المدني. وسرعان ما دب الخلاف بين الرجلين القويين عبد الفتاح البرهان قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة ومحمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع ونائب البرهان.
صورة من: ASHRAF SHAZLY/AFP/Getty Images
قوات الدعم السريع..ميليشيات الجنجويد بالأمس
عمودها الأساسي ميليشيات الجنجويد وهي جماعات مسلحة كانت موالية للبشير، أثارت ذعراً شديداً منذ عام 2003 حين قامت بسحق تمرد في دارفور. اتهمت بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية. أضفى البشير الشرعية عليها لتتحول إلى "قوات الدعم السريع" وفق قانون أجازه المجلس الوطني في عام 2017". حصل قائدها محمد حمدان دقلو "حميدتي" على رتبة عسكرية وكان له مطلق الحرية في السيطرة على مناجم الذهب في دارفور.
صورة من: Hussein Malla/AP/picture alliance
قوات الدعم السريع..الرجال والعتاد
يُقدر عدد أفراد قوات الدعم السريع بنحو 100 ألف فرد ينتشرون في جميع أنحاء البلاد. تمتلك عدداً كبيراً من الأسلحة الخفيفة مثل البنادق والرشاشات والأسلحة المضادة للدروع والصواريخ الموجهة والمتفجرات اليدوية والأسلحة الثقيلة مثل المدافع والدبابات وآلاف من سيارات الدفع الرباعي وغيرها.
صورة من: Hussein Malla/AP/picture alliance
من هو محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع؟
"حميدتي" اللواء محمد حمدان دقل، هو تاجر جمال سابق وحاصل على قدر من التعليم الأساسي ويعد الرجل الثاني في السودان وأحد أثرى الأشخاص في البلاد. أدى دوراً بارزاً في السياسة المضطربة في السودان على مدى سنوات وساعد في إطاحة الرئيس البشير عام 2019، والذي كانت تربطه به علاقة وثيقة ذات يوم. تولى عدداً من أهم الملفات في السودان بعد سقوط البشير، بما في ذلك الاقتصاد المنهار ومفاوضات السلام مع جماعات متمردة.
صورة من: Mahmoud Hjaj/AA/picture alliance
"حميدتي" ..رجل من؟
يتمتع حميدتي بعلاقات دولية قوية مع عدة دول أجنبية مثل روسيا وإثيوبيا، وأخرى عربية منها السعودية والإمارات خاصة بعد أن أرسل قواته لدعمهما ضد الحوثيين في الحرب الأهلية اليمنية. يقول مراقبون إنه منذ سقوط البشير وهو يسعى ليصبح الرجل الأول في السودان.
صورة من: Russian Foreign Ministry Press Service/AP/picture alliance
كيانات التيار الإسلامي
وهي تنظيمات وتيارات وكيانات إسلامية متنوعة المشارب والاتجاهات، منها "حركة الإصلاح الآن" بقيادة غازي صلاح الدين العتباني وهو مستشار سابق للبشير، وأيضاً "الحركة الإسلامية السودانية" بقيادة حسن عمر و"منبر السلام العادل" و "حزب دولة القانون والتنمية".
صورة من: Mahmoud Hjaj/AA/picture alliance
موقف كيانات التيار الإسلامي
تقول قوى سياسية سودانية إن التيار الإسلامي في أغلبه يضم رموزاً من العهد السابق وأن أغلب مكوناته تنتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين. من جهتها تقول تلك التيارات الإسلامية إنها تعمل على حفظ السيادة الوطنية وجعل قيم الدين هي الحاكمة لجميع أوجه الحياة إضافة لإصلاح الشأن السياسي. إعداد: عماد حسن.