تعرف كل الديانات السماوية ومختلف الثقافات والحضارات انطلاق "موسم الحج" الذي يهدف إلى التقرب من الدين والإحساس بوحدة الصف والعقيدة. ويعتبر الحج قاسما مشتركا بين الدين الإسلامي والديانة المسيحية. فكما يفذ ملايين المسلمين سنويا من جميع أنحاء العالم إلى الأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج وليشهدوا منافع لهم، لا يستثنى المسيحيون كذلك من هذه الخاصية.

كولونيا قبلة الشباب من كل حدب وصوب

تحتضن مدينة كولونيا من الحادي عشر ولغاية الحادي والعشرين من هذا الشهر أكبر تظاهرة عالمية وذلك بمناسبة الملتقى العالمي للشبيبة باعتبار هذا اليوم حدثا هاما بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية. ومن المنتظر أن يحضر هذا الملتقى العالمي مشاركون من 160 بلدا مختلفا بحيث ستكون مشاركة 800ألف شاب، و 700 أسقف، و 7000 كاهن و4000 صحافي من جميع أنحاء العالم كلهم يحملون شعار "جئنا نسجد له". ويأمل مجلس أساقفة ألمانيا مشاركة 400 ألف شاب وشابة ألمانية في الأيام العالمية للشباب، كما أن هناك 31.145 متطوعا من 119 بلدا بينهم 22.722 من ألمانيا وحدها. وتجدر الإشارة إلى أن الأيام العالمية للشباب أطلقها البابا يوحنا بولس الثاني في عام 1985، وكان اللقاء الأول في مدينة روما في عام 1986.

الحج في الإسلام وفي المسيحية

الحج قديم في حياة البشر، ومعروف عند العرب والمسيحيين وغيرهم وهو ركن ديني اجتماعي. وفي الإسلام يعتبر الحج ركناً من أركان الإسلام الخمسة، وهو على عكس الأركان الأخرى مفروض مرة واحدة في الحياة بشرط الاستطاعة، حيث أنزل الله الوحي فيه على نبيه محمد، وفيه يتعبد الناس في الجامع المقدس، معلنين عن المساواة بينهم عن طريق أدائهم لنفس المراسم، طالبين كلهم رضاء الله، مجتمعين كلهم حول الكعبة الشريفة ومرتدين زيا واحدا، الشيء الذي يشعرهم بالوحدة. أما الحج في الديانة المسيحية فيبقى قرارا فرديا لا إجبار فيه. ويعد الحج عند المسيحيين طريق من أراد الهدى ودخول الجنة. ومن المعاني التي يبعثها الحج في النفوس هي وحدة الصف والهدف والتعاون والتكامل والتكافل التي تعتبر من الضروريات الحيوية لضمان أمن العالم وسلامته.

انطلقت هذا العام مسيرة حج الصليب من كاتدرائية در يسدا بسويسرا حيث حمل العديد من الشباب صليب الأيام العالمية سيرا على الأقدام لمدة أربعين يوما حتى كاتدرائية مدينة كولونيا وتم اختيار أربعين يوما للمسيرة لما يحمله هذا الرقم من معنى في التقليد المسيحي والكتابي: فهو يدل على مرحلة استعدادية مكثفة لحدث مهم ومصيري، وهذا ينطبق تماما على هذا الملتقى العالمي الهام الذي يقام بدافع رغبة لقاء الآخرين واحترامهم في تعدديتهم الشخصية والثقافية والدينية والاستعداد للانفتاح على الحوار والتفاهم وتقديم مشاعر الاحترام والسلام والتضامن.

أجواء الاستعدادات في كولونيا

بذلت كولونيا كل ما في وسعها لإنجاح هذا الملتقى العالمي والتحضيرات، ولا زالت الإستعدادات مستمرة حيث تم العمل على توفير أماكن الإقامة لهذا العدد الهائل المتوقع للزوار، كما فتحت مدارس المدينة أبوابها لاستقبال المشاركين وبادرت العائلات الألمانية بفتح بيوتها أمام المشاركين الأجانب قصد استضافتهم في هذه الفترة. وستكون هذه البادرة الحسنة من طرف سكان المدينة فرصة يتعرف فيها الزوار الأجانب على نمط العيش في ألمانيا وكذلك على اكتشافهم للعادات والتقاليد الألمانية. وإلى جانب ذلك قامت مؤسسة النقل بكولونيا بتكثيف وسائل المواصلات العامة لتسهيل التنقل في وسط المدينة حيث خصصت الجهات المعنية حافلات لنقل الأشخاص وسط المدينة وكلفت مرشدين يزودون الزوار بالمعلومات في جميع محطات الأوتوبيسات والترامات في المدينة،. كما تم توزيع جداول جديدة لمواعيد القطارات والأوتوبيسات باللغة الألمانية والإنجليزية، بالإضافة إلى توفير المياه الصالحة للشرب في أماكن مختلفة بالمدينة حتى يتمكن المشاركون من روي ظمئهم وستقوم شركة متخصصة بتوزيع وجبات الطعام بالقرب من الكاتدرائية وبجانب أماكن الأنشطة المختلفة. ولا نستثني بالذكر في هذا الصدد الإجراءات الأمنية حيث تعمل أجهزة الأمن المحلية جادة على تحقيق الأمن وذلك عن طريق تكثيف حضور رجال الشرطة في مختلف أماكن الأنشطة بالمدينة حتى يتمكن التدخل السريع في حالة الخطر. وحسب تصريحات هانز جورج بولنز أحد المسؤولين عن أجهزة الأمن بمدينة بون ليست هناك أي تخوفات من احتمال وقوع عمليات إرهابية. ولا زالت إلى حد الآن أجواء الاحتفالات هادئة والجميع يترقب وصول البابا بفارغ الصبر.

برنامج زيارة البابا

سيلقي البابا بنديكت السادس عشر عند وصوله إلى مطار كولونيا- بون يوم الخميس 18 من الشهر الجاري كلمة، ثم سينتقل في القارب فوق مياه نهر الراين باتجاه كولونيا للقاء الشباب، وسيتوجه بعدها إلى كاتدرائية المدينة ليعود بعدها إلى مقر رئاسة كاتدرائية كولونيا. وفي اليوم الثاني من زيارته سيحتفل البابا بالقداس الإلهي في رئاسة أسقفية كولونيا وسينتقل بعدها إلى فيلا هاميرشميت في بون لزيارة الرئيس الألماني هورست كولر. وبعد ذلك سيتوجه إلى كولونيا مجددا لزيارة الكنس اليهودي حيث سيتناول الغذاء مع مجموعة من الشباب في رئاسة أسقفية كولونيا. وفي يوم السبت سيلتقي البابا عددا من الشخصيات السياسية الألمانية من بينها المستشار الألماني غرهارد شرويدر ورئيس البرلمان فولفغانغ تييرس. كما سيجتمع البابا بممثلين عن الجماعات المسلمة في ألمانيا. وفي مساء السبت، سينتقل البابا إلى ساحة ماريينفيلد للمشاركة في أمسية مع الشباب. وتعتبر هذه الزيارة دعوة للسياح من جميع أقطاب العالم للاحترام والتعاون والحوار الأخوي والتقارب بين الحضارات والديانات، كما أنها في نفس الوقت رسالة للسياسيين وصناع القرار للالتزام أكثر فأكثر بنشر السلم والسلام والمحبة والوئام.

صفاء جاري