احتفى الكثير من العرب بالمظاهرات التي تجري في إيران، خاصة في الدول التي تعتبر إيران خصما لدودا له. غير أنه في الجانب الآخر، هناك من اعتبر أن سرور مواطن في دولة ديكتاتورية بالاحتجاجات في إيران، ليس له أيّ فائدة تُذكر.
إعلان
"مصائب قوم عند قوم فوائد".. هكذا يُلّخص الوضع في المواقع الاجتماعية بالمنطقة العربية، تفاعلاً مع ما يجري في إيران من احتجاجات شعبية أدت إلى مقتل 12 شخصاً على الأقل. فمجموعة من الشخصيات، خاصة بالمنطقة الخليجية، اعتبرت الاحتجاجات علامة إيجابية على إمكانية سقوط النظام الإيراني الذي يعدّ الخصم الأبرز في المنطقة لمجموعة من الدول الخليجية والعربية.
ففي سوريا التي تشهد تدخلاً إيرانياً لصالح نظام الأسد، احتفت مجموعة من الشخصيات بالمظاهرات التي ارتفع سقفها من مطالب اجتماعية بحتة إلى مطالب بتنحي المرشد الأعلى للدولة. ومنهم محمد ياسين نجار، الوزير السابق في الحكومة السورية المؤقتة، الذي اعتبر أن نظام ولاية الفقيه الإيراني وأدواته في أكثر من بلد، حاولوا "رفع مستوى التجييش الطائفي حتى يتم صرف الأنظار عن الاستبداد والفساد الذي يمارسه ملالي قم اتجاه الإيرانيين".
الموقف كان مشابهاً في قطر (رغم الانتقادات الخليجية الموجهة لها بتبني خط مهادن لإيران)، إذ كتب ماجد محمد الأنصاري، وهو أستاذ مساعد في علم الاجتماع السياسي في جامعة قطر: "فليذق النظام الإيراني الفوضى التي نشرها في العالم العربي وليتحمل نتائج سياساته المدمرة في المنطقة". كما كتب الإعلامي السوري بقناة الجزيرة القطرية، فيصل القاسم:" هل ستبدأ ايران بنشر دواعشها في البلاد كي تبرّر قمع المظاهرات الشعبية العارمة بحجة مكافحة الارهاب؟".
وكان الاحتفاء كبيراً في السعودية، فالشيخ راشد بن عثمان الزهراني، رقن قائلاً:" انقلب السحر على الساحر وحاق المكر السيء بأهله ورد الله لهم ما كادوا به غيرهم، أسأل الله أن يحفظ الإسلام والمسلمين من شر إيران وأذنابها".
غير أن الاحتجاجات في إيران تزامنت مع انتقادات داخل السعودية بسبب استمرار حالة التقشف والصعوبات الاقتصادية، وفي هذا الإطار كتب أحد المغرّدين أن الانتقادات السعودية لإيران بكونها تتسبب في تفقير شعبها غير مناسبة، لأن الأوضاع الداخلية ليست على ما يرام. وقد استخدم المغرّد هاشتاغ "الراتب ما يكفي الحاجة " المنتشر هذه الأيام على تويتر بالسعودية.
وتكرّر الأمر ذاته في الإمارات مع أحمد خليفة، رئيس اللجنة الاعلامية لبطولة الشيخ ماجد بن محمد، إذ شارك مشهد حرق السيارات في إحدى المظاهرات ببلد عربي، متحدثاً عن أن هذا الأمر يحصل في إيران حالياً، مستخدما المثل الشعبي "على الظالم تدور الدوائر".
إنصاف حيدر، زوجة المعارض السعودي، رائف بدوي، وهي المعروفة بانتقاداتها الدائمة للنظام السعودي، احتفت هي الأخرى بالاحتجاجات في إيران، وكتبت أن "أيّ حكومة تقاد من لدن رجال الدين هي حكومة مشوّهة وفاسدة". ووضعت مع التغريدة صورة التقطت في إيران قبل اندلاع الثورة الإسلامية.
في الجانب الآخر، اعتبر محمد هنيد، أستاذ محاضر بجامعة السربون باريس، أن "العربي الذي يركع أمام الحاكم الظالم ويرقص فرحاً بخروج الإيرانيين ضد نظام الملالي المجرم؛ يشبه الهر الذي يحكي انتفاخا صولة الأسد". وكتب في تغريدة أخرى: " نظام الملالي نظام مجرم سفاح قاتل وهذا أمر لا غبار عليه، لكن النظام العربي هو نظام أكثر إجراماً وخبثاً".
ودافع سليم عزوز، وهو كاتب صحفي مصري، عن النظام الإيراني بالقول إنه منتخب، في انتخابات شارك فيها 73 في المئة ممّن لهم حق التصويت"، متابعاً: "أنا ضد اسقاطه بالمظاهرات. مش رايحين نعمل قاعدة لكل دولة حسب هوانا".
وفي فيديو نشره على موقع "رأي اليوم"، قال الصحافي عبد الباري عطوان، إن هذه المظاهرات ترغب بتقويض الاستقرار الإيراني من الداخل، وإن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، طبق نظريته في نقل الحرب إلى العمق الإيراني. ولم يستبعد عطوان دخول الولايات المتحدة على خط هذه الاحتجاجات.
إسماعيل عزام
في صور.. نظام آيات الله في مواجهة الشارع من جديد
دخلت الاحتجاجات في إيران منعطفاً خطيراً بتأكيد مقتل 12 شخصاً. لكن التأمل في التاريخ الإيراني، وتحديداًَ منذ الثورة الإسلامية عام 1979، يبيّن أن البلد شهد الكثير من المظاهرات، وصلت حدّ الهتاف ضد المرشد الأعلى للدولة.
صورة من: AP
قتلى وجرحى
تبدأ إيران عامها الجديد على وقع اضطرابات واحتجاجات أدت إلى مقتل 12 شخصاً على الأقل وجرح العشرات. ورغم التدخل الأمني وتحذيرات السلطات، إلّا أن المحتجين لا يزالون يتبادلون منشورات للمزيد من التظاهر. بدأت الاحتجاجات أولاً في مدينة مشهد، ثاني أكبر مدن إيران من حيث الكثافة السكانية، وانتقلت المظاهرات بعد ذلك إلى جلّ أنحاء البلاد، كشاهين وسنندج وكرمنشاه وتشابهار وإيلام وإيذه والعاصمة طهران.
صورة من: Getty Images/AFP/STR
"يسقط الدكتاتور"
بدأت الاحتجاجات بشكل عفوي ضد ارتفاع الأسعار وارتفاع نسبة البطالة، لكنها بدات بعد ذلك بأخذ منحى سياسي. وصلت الاحتجاجات درجة انتقاد المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، عبر شعارات كـ "يسقط الدكتاتور" و"اترك البلاد وشأنها يا خامنئي"، بينما هتف البعض بحياة محمد رضا بهلوي، آخر شاه حكم إيران قبل أن تطيح به الثورة الإسلامية، فيما مزق آخرون صورة قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني.
صورة من: picture-alliance/AP Photo
تهديد ووعيد
أكد الرئيس حسن روحاني على حرية الاحتجاج، لكنه حذر من خرق النظام العام وإثارة القلائل. اعتقلت قوات الأمن المئات واستخدمت مدافع المياه. واتخذت الحكومة قراراً بالحدّ من استخدام تطبيقي تلغرام وانستغرام، فيما قال نشطاء إن الانترنت الجوال قُطع في بعض المناطق. وصرّح المدعي العام بطهران أن اعتقال بعض المحتجين أتى بسبب إضرامهم النار في مبانٍ عامة، متحدثاً عن أن إيران لن تعود إلى عهد "الظلام لحكم بهلوي".
صورة من: picture-alliance/Iranian Presidency Office
الباسيج.. اليد الطولى لسحق أي احتجاج
وُجهت اتهامات لقوات "الباسيج"، وكذا لجماعة أنصار حزب الله، وهي ميليشيات مسلحة تدعمها الدولة لـ"حماية الثورة"، بالتدخل في حق الطلبة في احتجاجات عام 1999.
صورة من: picture-alliance/dpa
انتفاض طلاب جامعة طهران عام 1999
خرجت مظاهرات من جامعة طهران في 9 تموز/يوليو 1999 بسبب إغلاق جريدة تقدمية تحمل اسم "سلام". تدخلت قوات شبه عسكرية في حي جامعي قتل خلالها رسمياً طالب (يقول الطلبة إن عدة طلبة قُتلوا) ممّا أدى إلى تطوّر الاحتجاجات على مدار ستة أيام اعتقل خلالها أكثر من ألف طالب، وقتل خلالها 3 أشخاص على الأقل. رفع المتظاهرون شعارات ضد المرشد الأعلى. صدرت أحكام بالإعدام والسجن في متظاهرين.
صورة من: Tasnim
الطلبة من جديد عام 2003
مرة أخرى، احتج الطلبة في تموز/يونيو 2003 ضد قرار ضد خصخصة عدة جامعات. تطور الاحتجاج بعد دخول قوات الأمن للحي الجامعي في جامعة طهران، وشارك فيه إثر ذلك الآلاف بعدة مدن. وُجهت الشعارات ضد الوجوه الدينية العليا في البلد وضد الرئيس محمد خاتمي. وجه علي خامنئي لوما قاسيا للطلبة، واتهمهم بجذب المخرّبين. اشتهرت هذه الاحتجاجات بقيام بعض الإيرانيين بإحراق أجسادهم في باريس ولندن احتجاجاً على التعامل الأمني.
صورة من: AP
"الثورة الخضراء" في 2009
في أخطر احتجاجات تشهدها إيران منذ الثورة الإسلامية، قُتل 36 شخصاً على الأقل واعتقل أكثر من ألف في احتجاجات حزيران/يونيو 2009 التي عرفت باسم "الثورة الخضراء". السبب الرئيسي كانت نتيجة اتهامات المعارضة للسلطات بتزوير الانتخابات الرئاسية التي انتهت لصالح ولاية ثانية لمحمود أحمدي نجاد. أعلن المرشد العام فتح تحقيق في اتهامات المعارضة، وتدخلت مرة أخرى قوات الباسيج وجماعة أنصار حزب الله ضد المحتجين.
صورة من: AP
نظرية المؤامرة
اتهم خامئني أطرافاً خارجية بتحريض المواطنين على الاحتجاج عام 2009، متحدثاً عن أن هذه الأطراف وجهت المظاهرات دون علم المعارضة، فيما دخل مثقفون في إضرابات عن الطعام للاحتجاج على التدخل الأمني. عُرفت الاحتجاجات بـ"ثورة تويتر" نتيجة استخدام هذا الموقع في التواصل بين النشطاء. من تداعيات الحدث، فرض الإقامة الجبرية على قائدي المعارضة مير موسوي ومهدي كروبي.
صورة من: Atta Kenare/AFP/Getty Images
فقيه بصلاحيات واسعة
المرشد الأعلى في إيران هو هرم السلطة، فهو القائد الأعلى للقوات المسلحة وللحرس الثوري وقوى الأمن، وهو من يعين ويعزل نصف أعضاء مجلس صيانة الدستور، وهو رئيس السلطة القضائية ومؤسسة التلفزيون والإذاعة، كما يمكنه إقالة رئيس البلاد وتوجيه عمله. يتم انتخابه من قبل مجلس الخبراء، ويستمر في مهامه مدى حياته عكس الرئيس الذي ينتخب لأربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة. إعداد: إسماعيل عزام