1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

بلدات منسية أصبحت عنوانا لاحتجاجات "جيل زد 212" في المغرب

محمد مستعد المغرب
٦ أكتوبر ٢٠٢٥

ثلاث بلدات صغيرة في جنوب المغرب تحولت من بلدات منسية إلى بؤرة اهتمام على خلفية احتجاجات "جيل زد 212" ضد الفساد والفقر والبطالة والمطالبة بإقالة رئيس الحكومة. لكن لماذا تسلط الأضواء على تلك البلدات المهمشة؟

شابات مغربيات في مظاهرات احتجاجية على أوضاع الصحة والتعليم
شابات مغربيات في مظاهرات احتجاجية على أوضاع الصحة والتعليم صورة من: Mosa'ab Elshamy/AP Photo/picture alliance

يخيم الحزن والصدمة على سكان بلدات آيت عميرة والقليعة وسيدي بيبي، وهي ثلاث مدن صغيرة متجاورة بنواحي مدينة أكادير كبرى حواضر جنوب المغرب، على وقع وفاة ثلاثة شبان أحدهم طالب في معهد السينما يدعى عبد الصمد أوبلا (25 عاما)، ليل الاربعاء الخميس في بلدة القليعة، حيث تقول السلطات المحلية إن مجموعة كانت تحاول اقتحام مركز للدرك "لسرقة ذخيرة وأسلحة" وهو ما نتج عنه تدخل أمني واستعمالٌ للرصاص أسفر عن مقتل ثلاثة شبان وإصابة آخرين بجراح، وهو الحادث الأسوأ منذ بداية احتجاجات حركة "جيل زد 212" قبل أسبوع.

البلدات الثلاث كانت منسية تقريبا، وسرعان ما صارت في قلب أحداث احتجاجات "جيل زد 212" غير المسبوقة منذ سنوات بالمغرب، حيث كانت البلدات الزراعية مسرحا لعمليات نهب وحرق للممتلكات العمومية والخاصة ولمواجهات عنيفة بين الشبان المحتجين وقوات الأمن، وكان أسوأها في مدينة القليعة.

عند الحديث عن هذه المنطقة، كثيرا ما يستعمل الأخصائيون وصف "الهشاشة الاجتماعية"، أو هيمنة ثقافة "الإحباط المجالي"، بل هناك من يستعمل وصف "الحُكرة المجالية" (الحُكرة كلمة مغاربية دارجة تعني الاحتقار).

يعيش في هذه المدن الثلاث شبه القروية حوالي 400 ألف نسمة، على هامش المدينة الكبرى أكادير، في ظل مشاكل اجتماعية واقتصادية متعددة. وبينما تعتبر أكادير عاصمة اقتصادية لجنوب البلاد ومنطقة سياحية عالمية، تعتمد البلدات الثلاث المجاورة لها على أساسا على الفلاحة وخاصةً زراعة الخضار والفواكه في ضيعات كبيرة عصرية ومغطاة. وتنتشر مظاهر اختلال اجتماعي متعددة مثل الرشوة والتهريب (مثل البنزين)، والنقل السري، مما يتسبب في حوادث سير كثيرة يذهب ضحيتها عدد من النساء العاملات في تلك الضيعات.

منطقة في ظل هشاشة اجتماعية

في تصريح لـ DW عربية، يوضح عبد الرزاق الحجري مدير جمعية "الهجرة والتنمية"، وهي جمعية مغربية - فرنسية تعمل في مجال التنمية المحلية منذ 35 سنة، أن المنطقة "تعيش هشاشة اجتماعية كبيرة. وهي منطقة هجرة بامتياز، يأتي إليها وافدون من مختلف مناطق المغرب إلى جانب مهاجري جنوب الصحراء؛ نظرا لفرص العمل المتوفرة في المجال الفلاحي. وتنتشر فيها مظاهر العنف والسرقة التي تعاني منها النساء بشكل خاص".

وكانت جمعية "هجرة وتنمية" نفسها، إحدى ضحايا موجات الاحتجاج التي عرفتها المنطقة، حين قام متظاهرون بإحراق وتدمير ممتلكات مركز خاص أقامته الجمعية بمدينة "آيت عميرة" لاستقبال وتوجيه المهاجرين المغاربة المقيمين بالخارج من أبناء المنطقة وللمهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء. وهو مركز كان يقدم لهم عدة خدمات في مجال التوعية بالحقوق في قضايا التقاعد والخدمات الصحية والتمدرس. وقد تم تأسيسه، قبل سنوات، بشراكة مع وزارة الصحة والمجلس الجماعي المحلي.

ويعتبر الحجري أن هناك إشكاليات تتعلق بتحديد معاني السياسات العمومية الاجتماعية وخاصة سياسيات إدماج الشباب وتدبير الإدارة الترابية. ويشير في هذا الصدد إلى أن مدينة آيت عميرة، مثلا، ما زالت تُعتبر جماعة قروية رغم أن سكانها أصبح يفوق 100 ألف نسمة، وهو ما يخولها قانونيا، الحق في أن تتحول إلى جماعة حضرية بشكل يسمح لها بالاستفادة من عدة خدمات عمومية. ويرى الناشط الجمعوي أن ما وقع من أحداث وعنف هو بمثابة "جرس إنذار" بسبب الفوارق الاجتماعية، ولأن "الفجوة تكبر بين من يزداد غنى ومن يزداد فقرا" حسب تعبيره.

مع تصاعد الاحتجاجات تصاعدت مطالب المحتجين أيضا لتصل إلى الدعوة إلى رحيل رئيس الحكومة عزيز أخنوشصورة من: Abdel Majid Bziouat/AFP

والملاحظ هو أن المتظاهرين الشباب استهدفوا خلال المظاهرات عددا من أماكن ورموز السلطة والمال مثل البنوك ومقرات المجالس الجماعية وأحد مراكز تخزين الدراجات حيث تمت سرقة حوالي 300 دراجة نارية. ويعرف المغرب جدلا واسعا حول تقنين استعمال الدراجات النارية التي تمت مصادرة العشرات منها في إطار حملة للسلطات. وهو ما خلف موجة انتقاد واحتجاج خاصة في صفوف الشباب الذين يستعملون بكثرة هذه الوسيلة للنقل.

عمال من إفريقيا جنوب الصحراء وشباب عاطل عن العمل!

إلى جانب العمال القادمين من مناطق مختلفة من المغرب، هناك حوالي 10 آلاف مهاجر من أفريقيا جنوب الصحراء جاؤوا إلى المنطقة واستقروا فيها، بعد أن استفاد بعضهم من تسوية وضعية آلاف المهاجرين الأجانب غير القانونيين خلال السنوات الأخيرة. لكن العديد من هؤلاء العمال يعيشون ظروفا صعبة وبدون تعويضات عائلية مقابل أجور تتراوح ما بين 80 و90 درهما في اليوم (حوالي 9 يورو). وتتميز اليد العاملة عموما بغلبة العنصر النسوي، وهو ما أدى إلى تهميش الشباب الذكور في سوق العمل، وإلى انتشار ظواهر اجتماعية مثل الأمهات العازبات.

الباحث المتخصص في الجغرافية البشرية والناشط الجمعوي الدكتور خالد ألعيوض يتحدث عن وجود "مثلثٍ للفقر" بهذه المنطقة ناتج عن السياسات الفلاحية الرأسمالية".

ويرى ألعيوض وهو مدير مركز "تاوسنا للدراسات والأبحاث" وله أطروحة حول "التحولات السوسيو - مجالية بسهل اشتوكة، حالة جماعة سيدي بيبي وآيت عميرة"، أن الضيعات الفلاحية تعرف "استغلالاً انتقائياً. ففي البداية، كان هناك تفضيل لليد العاملة النسوية. واليوم هناك تفضيل لليد العاملة الوافدة من إفريقيا جنوب الصحراء (...) فالشباب لا يرغبون في مثل هذا النوع من العمل. ولكن حتى إذا أرادوا ذلك، فلن يتم تشغيلهم."

عمالة أفريقية في مزارع الطماطم جنوب المغربصورة من: Marco Simoncelli/DW

أما على المستوى السياسي، فيعرف تدبير الشأن المحلي من قبل الأحزاب التي يقودها حزب الأحرار (حزب عزيز أخنوش رئيس الحكومة ورئيس مجلس جماعة أكادير) توترات وتصدعات داخل الأغلبية المسيرة لها، مما يؤدي إلى تعثر في المشاريع التنموية. ويشير ألعيوض إلى أن "التجربة السياسية في المنطقة لا تخضع بالضرورة لمنطق الأحزاب. فحزب الأحرار يضم خليطا من الناس الذين جاؤوا من أحزاب مختلفة الى جانب الأعيان وأصحاب النفوذ المرتبط بالعقار وعالم الأعمال. وهو ما يجعل تأثيرهم سلبياً وينظر إليهم السكان نظرة سيئة. فالسياسة تبقى مطية لتحقيق تلك المصالح. وهناك قلة قليلة من الجماعات الترابية استطاعت ان تنجز بعض الأشياء لصالح البادية".

وتتصاعد مطالب المحتجين من "جيل زد 212" في المغرب بإقالة رئيس الحكومة عزيز أخنوش، أحد كبار أثرياء المغرب، وهو ينحدر من هذه المنطقة وله استثمارات كبيرة في قطاع الزراعة، و يُشار إليه من قبل المحتجين بالأصابع باعتباره عنوانا للمسؤولية عن تهميش الشباب والفقراء.

بالنسبة للآفاق المستقبلية، يرى خالد ألعيوض أن "الوضع كان مرشحا للانفجار منذ مدة، سواء مع جيل زد أو مع غيره من الحركات الاحتجاجية، وأن الأوضاع يمكنها أن تتفاقم، لأن الهشاشة تتزايد في ظل تراجع أدوار الأحزاب والجمعيات".

في المقابل يتحدث أحد علماء الاجتماع، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، بنوع من التفاؤل، ويرى أن هناك بعض المؤشرات الإيجابية. حيث يعتبر أن "الفاعل المؤسساتي وشباب جيل زد شرعا في التفاوض حول فضاء للتحاور". لكن هناك أطراف تقترح الفضاء الرقمي للتفاوض، بينما هناك من يقترح الفضاء الواقعي. وبعد أن يتم التوافق حول هذه النقطة، يمكن أن ينطلق الحوار. وبحسب هذا الباحث، فإن "الحوار يدفع إلى التحدي لإيجاد أجوبة وطنية ومحلية في أفق الوصول إلى السلم الاجتماعي".

تحرير: عارف جابو

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW