كيف تخطط الدول الأوروبية لإيقاف توافد طالبي اللجوء؟
٢ أكتوبر ٢٠٢٣
زيادة ملفتة في أعداد طالبي اللجوء المتوافدين على ألمانيا. وهو ما يزيد الضغوط على السلطات بشأن توفير الرعاية لهم. المواقف بشأن سياسة الهجرة بدأت تتغير. والدنمارك باتت في سياسة الهجرة واللجوء نموذجا للعديد من الدول.
إعلان
في جميع الولايات الألمانية، صارت مهمة استقبال وتوفير الرعاية اللازمة لطالبي اللجوء أمرا يثقل كاهل المسؤولين، فالأعداد في تزايد مستمر والطاقة الاستيعابية صارت محدودة.
فبالإضافة لطالبي اللجوء من مختلف دول العالم التي تشهد أزمات وحروب، فإن حوالي 1.1 مليون لاجئ حرب قدموا من أوكرانيا، هم أيضا في حاجة للسكن والعلاج الطبي وتمكين أطفالهم من التعليم. هذه العوامل تساهم بشدة في تصاعد الجدل حول سياسة الهجرة في البلد.
صرح المستشار الألماني أولاف شولتز مؤخرًا ارتباطا بالموضوع قائلا "إن عدد الأشخاص الذين يصلون إلى ألمانيا أكثر بكثير مما يمكننا التعامل معه". كما صرح الرئيس فرانك فالتر شتاينماير بالقول إن "ألمانيا وصلت إلى أقصى حدود قدرتها على الاستقبال". ومن جهته قال نائب المستشار روبرت هابيك، عن حزب الخضر في مقابلة مع (RND) الألمانية إنه "لأجل حماية حق اللاجئين، يجب علينا تقبل الواقع وحل المشاكل، حتى لو كان ذلك يعني اتخاذ قرارات صعبة أخلاقيا".
سياسة الهجرة في الدنمارك
لسنوات عديدة، اتبعت الحكومة الديمقراطية الاجتماعية الدنماركية، مساراً صعباً فيما يتعلق بسياسة الهجرة. والنتيجة بالأرقام بالأرقام توضح أنه في يوليو/تموز 2023، تقدم 180 شخصًا فقط بطلب اللجوء في البلد الذي يبلغ عدد سكانه 6 ملايين نسمة. أما في ألمانيا، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 84 مليون نسمة، فقد بلغ عدد طالبي اللجوء 25165، وفقا للمكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين.
ومن ضمن الطرق التي تستخدمها الدنمارك: تخفيض المساعدات الاجتماعية المقدمة للمهاجرين. جوديث كولينبرجر، باحثة في شؤون الهجرة مقيمة في فيينا، صرحت لـ DW تعليقا على الأمر قائلة "كان الهدف من هذا الإجراء هو منع قدوم طالبي اللجوء أو دفع الأشخاص الذين وصلوا للبلد إلى الانخراط في سوق العمل بسرعة أكبر، لكن هذا الأمر لم ينجح تماما". كما أشارت المتحدثة أيضا إلى "ارتفاع معدل الإجرام، وتراجع الأداء التعليمي للمهاجرين"، موضحة أن "كلتا النتيجتين كانتا متوقعتين".
خبير الهجرة السويدي بيرند باروسيل، أوضح في تصريحات لـ DW أن "الدنمارك فرضت قيودًا شديدة على لم شمل الأسر. إضافة إلى ذلك، بُذلت محاولات لتشجيع اللاجئين السوريين على العودة إلى بلادهم". من جهتها قالت كولينبرجر إن "ظروفأ أكثر صعوبة منعت المهاجرين من الذهاب إلى الدنمارك، كما أن استقبال الدول المجاورة لها لهؤلاء اللاجئين، أنقص عنها ضغط الهجرة". مضيفة أن "السبب الرئيسي وراء وصول عدد أقل من الأشخاص إلى الدنمارك هو أن ألمانيا لا تزال تستقبل اللاجئين".
حل البلدان الثالثة لإجراءات اللجوء!
حسب بيرند باروسيل، فإنه من عوامل نقصان توافد اللاجئين على الدنمارك، هو خطتها الثانية، التي تم تعليق العمل بها الآن، وهي إرسال طالبي اللجوء إلى دولة ثالثة خارج الاتحاد الأوروبي لمعالجة طلباتهم.
ومن الممكن أن تكون رواندا الخيار الأول لتطبيق هذه الخطة، كما تم تعليق العمل بخطط مماثلة من قبل المملكة المتحدة، مؤقتًا على الأقل. وتشرح الباحثة كولينبرجر السبب وراء ذلك قائلة "يجب أن يتم تمكين الأشخاص الذين فروا من بلدانهم، من إجراءات اللجوء بما ينص عليه القانون، لكن رواندا لا تمتلك الأركان القانونية لهذا".
في ألمانيا أيضا، برزت نقاشات حول الاستعانة بمصادر خارجية لإجراءات اللجوء في دول ثالثة. فالفكرة الأساسية هي أن للأشخاص الذين فروا من بلدانهم الأصلية الحق في الحماية، لكن ليس لهم الحق في اختيار المكان الذي يحصلون فيه على الحماية. وكثيراً ما يُستشهد بأستراليا كمثال في هذا الصدد، فقد خفضت عدد اللاجئين الوافدين إليها من خلال الاستعانة بمصادر خارجية، بعضها مثير للجدل من الناحية القانونية مثل بابوا غينيا الجديدة.
عمليات الترحيل
تتصاعد مطالب باعتماد إجراءات ترحيل أكثر فعالية مرارًا خلال النقاشات المرتبطة بالهجرة واللجوء، ووفقًا للسجل المركزي الألماني للمواطنين الأجانب AZR، إذ توجب على 304000 شخص مغادرة ألمانيا في نهاية عام 2022، حوالي 248000 منهم حصلوا على وضع الدولدونغ، أو التسامح المؤقت، ما يعني أنه لا يمكن ترحيلهم لأسباب مثل المرض أو الحرب في بلدهم الأصلي. بينما تم ترحيل حوالي 13 ألف شخص من ألمانيا في عام 2022.
كثيراً ما يتم الاستشهاد بالنمسا باعتبارها نموذجاً يحتذى به في هذا المجال، ولكن كولينبرجر لها رأي آخر في هذه التجربة، إذ قالت "لقد شهدنا زيادة حقيقية في عمليات الترحيل من النمسا في السنوات الأخيرة، لكن معظم هذه الحالات كانت إلى دول أوروبية أخرى فقط، ونادرا ما تشمل عمليات الترحيل الأشخاص الذين تم رفض طلباتهم للجوء".
مازال الاتحاد الأوروبي يفتقر لتفعيل نظام صارم لتوزيع مسؤولية اللاجئين أو تقسيم التكاليف المرتبطة بهم. ولهذا السبب حسب باروسيل، فإن العديد من البلدان تتخذ قرارات بشكل أحادي على أمل أن تصبح وجهة أقل جاذبية للهجرة غير القانونية. منها تقييد المساعدات في دول الشمال، ونهج صارمة للغاية في دول جنوب شرق أوروبا مثل اليونان، حيث يتم إعادة الناس إلى الحدود المجاورة.
الباحث في شؤون الهجرة، باروسيل، أوضح في تصريحه لـ DW أن "الشيء الأكثر أهمية هو أن نحترم القوانين، أي القانون الدولي وقانون الاتحاد الأوروبي والقانون الأساسي الألماني"، لكن الوقائع تثبت أنه يتم تجاهل هذه القوانين في العديد من الأماكن.
مهاجرون أفارقة يتنازلون عن "الحلم الأوروبي" من أجل المغرب!
بدلًا من اتخاذه نقطة عبور إلى أوروبا، أصبح المغرب بلد استقرار للعديد من المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء الكبرى. ورغم أن كثيرين ما زالوا يحلمون بالوصول إلى أوروبا، إلا أن بعضهم قرر البقاء.
صورة من: Marco Simoncelli/DW
الاستفادة القصوى من الوضع الصعب
تشير التقارير إلى وجود ما بين 70 ألف إلى 200 ألف مهاجر من جنوب الصحراء الكبرى في المغرب، والعديد منهم وصلوا بشكل غير نظامي منذ سنوات ويخططون للعبور إلى أوروبا. لكن سياسة بروكسل المتمثلة في تشديد الحدود الخارجية جعلت من الصعب عليهم العبور. ويبدو المغرب أكثر ترحيبًا، رغم أن سياسته المتعلقة بالهجرة لا تزال غامضة. ويعاني بعض المهاجرين من الاستغلال، كما أن الاندماج في المجتمع ليس أمرًا مسلمًا به.
صورة من: Marco Simoncelli/DW
على طول الطريق من داكار إلى الدار البيضاء
سيارة "فان" صغيرة في طريقها إلى المغرب تنقل البضائع والأشخاص على طول الطريق من روسو (على الحدود بين السنغال وموريتانيا) إلى نواكشوط. تغادر الحافلات الصغيرة داكار عدة مرات في الأسبوع وتسير على طول الساحل إلى الدار البيضاء، قاطعة مسافة 3000 كليومتر ذهابًا وإيابًا. يبدأ العديد من المهاجرين، بما في ذلك السنغاليون، رحلتهم إلى البحر الأبيض المتوسط من هنا أو يقومون بأعمال تجارية على طول الطريق.
صورة من: Marco Simoncelli/DW
ظروف العمل صعبة
عثمان دجوم مع صديق له على سطح أحد المباني في بلدية آيت عميرة جنوب أغادير. وفي الخلفية، تشير مئات الدفيئات الزراعية إلى نجاح "مخطط المغرب الأخضر" الذي حول المنطقة إلى مركز للزراعة. يعمل العديد من الشباب الأفارقة من جنوب الصحراء الكبرى هنا مقابل حوالي 6 يورو (6.50 دولارًا) يوميًا. لا أحد تقريبًا لديه تصريح إقامة ساري المفعول، كما أن ظروف العمل صعبة.
صورة من: Marco Simoncelli/DW
لا أوراق، لا حماية!
دجوم وزميله يمشيان بين أشجار الموز في إحدى الدفيئات الزراعية العملاقة. يعد العمل بدون أوراق رسمية والافتقار إلى الحماية القانونية أمرًا شائعًا في قطاعات أخرى أيضًا، مثل البناء وصيد الأسماك. هناك قدر معين من التسامح مع المهاجرين الذين انتهت مدة تأشيراتهم، ما يفيد الصناعات التي توظف أعدادا كبيرة من العمال غير المسجلين بتكلفة منخفضة.
صورة من: Marco Simoncelli/DW
كسب لقمة العيش في مراكش
تعد الجالية السنغالية، وهي أكبر جالية للمهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى وما زالت تكبر، منظمة بشكل جيد، خاصة في المراكز الحضرية مثل مدينة مراكش السياحية. هنا، من السهل ممارسة تجارة الشوارع (أو تجارة الأرصفة) كعمل أول - مثل هذا البائع السنغالي في ساحة جامع الفنا الشهيرة.
صورة من: Marco Simoncelli/DW
التضامن بين المهاجرين
بابكر ديي، رئيس جمعية السنغاليين في المغرب (ARSEREM)، يتحدث إلى أعضاء آخرين في منطقة بمراكش. تساعد الجمعية والشبكات الدينية الأعضاء في العثور على السكن وفهم الإجراءات الإدارية والحصول على الخدمات الأساسية. الجمعية لديها 3000 عضو. تضم جماعة المريدين الصوفية السنغالية 500 عضو في مراكش وحدها.
صورة من: Marco Simoncelli/DW
حلم الوصول إلى أوروبا لايزال يراود كثيرين!
بعد العمل الشاق في العديد من الوظائف ذات الأجر المنخفض في جميع أنحاء المغرب، وجد عمر باي عملًا كطاهٍ في مطعم بأغادير. يقول: "لم آت إلى المغرب للبقاء. حاولت دون جدوى الوصول إلى إسبانيا (بشكل غير منتظم بالقارب) لمدة ثلاث سنوات". وعلى الرغم من أنه أصبح الآن مهاجرًا نظاميًا في المغرب وكوّن أسرة، إلا أنه لم يتخل عن حلمه بالذهاب إلى أوروبا.
صورة من: Marco Simoncelli/DW
ميزات التحدث بالفرنسية
يعمل باباكر ديوماندي (الواقف في الصورة) منذ سنوات في مركز اتصال بمراكش. وهو الآن يقود فريقًا صغيرًا لشركة تجارية. ويعمل آلاف المهاجرين في مراكز الاتصال براتب شهري يصل إلى 55 يورو. تتعامل الشركات بشكل أساسي مع السوق الفرنسية، ما يزيد من صعوبة توظيف المغاربة، الذين ابتعدوا قليلًا عن اللغة الفرنسية التي فرضت خلال فترة الحكم الاستعماري الفرنسي.
صورة من: Marco Simoncelli/DW
مواجهة العنصرية في الحياة اليومية
يدير محمد الشيخ موقف سيارات في ضواحي مراكش. حصل على تصريح الإقامة مبكرًا لأنه تزوج من مغربية. ويقول إن المجتمع مازال لا يقبل الزواج المختلط، ولذلك يجب أن تظل مثل هذه الزيجات سرية في كثير من الأحيان. يتمتع الشيخ بعلاقة جيدة مع زبائنه، لكنه لا يزال "يواجه العديد من أشكال العنصرية"، كما يقول.
صورة من: Marco Simoncelli/DW
التوترات الاجتماعية والعنف
افتتح يحيى عيدارا مطعمًا ومشروعًا تجاريًا في مراكش لاستيراد المنتجات من السنغال. ويقول إن لديه العديد من الأصدقاء المغاربة اليوم، لكن كان لديه "الكثير من الخلافات مع البائعين في الماضي". ويبلغ معدل البطالة في المغرب 13 بالمئة، بينما تصل النسبة بين المغاربة الذين تقل أعمارهم عن 24 سنة إلى 30 بالمئة. وحيثما تكون المنافسة شرسة، تؤدي التوترات بين السكان المحليين والمهاجرين في بعض الأحيان إلى العنف.
صورة من: Marco Simoncelli/DW
تشجيع الاندماج
تُلقب إحدى مناطق سوق المدينة بالدار البيضاء بـ "marché sénégalais" (السوق السنغالية) بسبب كثرة تجارها السنغاليين. الزيادة في أعداد المهاجرين المستقرين في المغرب دفعت الرباط إلى إعادة التفكير في استراتيجيات الاندماج. منذ عام 2014، سمحت حملتا تسوية لأكثر من 50 ألف أجنبي بالحصول على تصاريح إقامة. وفي عام 2018، أطلق الاتحاد الإفريقي على المغرب لقب "البطل الإفريقي للهجرة".
صورة من: Marco Simoncelli/DW
المهاجرون يحتاجون إلى المزيد من الدعم
شاب سنغالي (في الوسط) يستمع إلى الموسيقى على الترامواي في الدار البيضاء. بين عامي 2014 و2022، خصص الاتحاد الأوروبي 2.1 مليار يورو (2.2 مليار دولار) من أموال التعاون للمغرب لتعزيز حدوده وإدارة الهجرة. ومع ذلك، فإن الإطار القانوني للهجرة في البلاد لا يزال يعتمد على قانون مكافحة الإرهاب لعام 2003 ويفتقر إلى الأموال اللازمة لسياسات الاندماج.
إعداد: ماركو سيمونسيلي/دافيد ليمي/م.ع.ح