كيف تسبب لقاء على قناة إماراتية بموجة غضب في مصر وإسرائيل؟
٧ يوليو ٢٠٢٥
أجرى الإعلامي المصري عماد الدين أديب الأسبوع الماضي حواراً مطولاً مع زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد على قناة "سكاي نيوز عربية" الإماراتية، متسببًا في موجة غضب والكثير من التساؤلات حول الأهداف وراء ذلك اللقاء التليفزيوني في هذا التوقيت.
واعتبر لابيد الحوار "فرصة لإخبار العالم العربي وكل من له تأثير وكل دول المنطقة"، على حد تعبيره، عن ضرورة دفع حماس لقبول الاتفاق قائلًا: "الحرب يمكن أن تنتهي خلال 24 ساعة إذا وضعت حماس سلاحها. حماس باعت المساعدات الإنسانية من أجل شراء أسلحة. نحن نقاتل حماس وليس سكان غزة".
كما جدد لابيد طرح رؤيته، التي عرضها سابقًا على صناع القرار في واشنطن، بشأن فرض وصاية مصرية على قطاع غزة في مقابل حصول مصر على حوافز مالية وإسقاط ديونها، وهو ما رفضته القاهرة رسميًا.
موجة غضب في مصر
آثار اللقاء التليفزيوني انتقادات حادة في مصر، وخاصة في الأوساط الصحفية والحقوقية، حيث انتقد كتاب وصحفيون وحقوقيون مصريون إفراد مساحة للرواية الإسرائيلية عن التطورات الخطيرة التي تشهدها المنطقة بدون عرض وجهة النظر الأخرى بشكل محايد في نفس اللقاء.
وتساءل المستشار التنفيذي لمؤسسة محمد حسنين هيكل للصحافة العربية الكاتب الصحفي أيمن الصياد، عبر حسابه الرسمي علي موقع فيسبوك، ما إن كان اللقاء "مساحة إعلانية مجانية على قناة عربية". أما مدير تحرير جريدة الشروق المصرية الصحفي محمد بصل، فكتب أن اللقاء محاولة لـ"حمل العرب على أداء العمل القذر بدلًا من إسرائيل"، على حد تعبيره.
وأمام هذه الموجة من الغضب، أوضح نقييب الصحفيين في مصر الصحفي خالد البلشي، أن الإعلامي عماد الدين أديب الذي أجرى اللقاء مع لابيد لم يعد عضوا في نقابة الصحفيين المصرية وأنه مشطوب بالفعل من جداول النقابة منذ سبتمبر/ أيلول 2020 على خلفية قيامه بفصل عشرات الصحفيين تعسفيًا من صحيفة العالم اليوم.
وقال البلشي، في بيان نشره عبر حسابه الشخصي على موقع فيسبوك: "أوكد أن النقابة ما كانت لتتوانى عن عقاب أديب فورًا لو كان محتفظًا بعضويته. وأدعو جميع الزملاء الصحافيين للالتزام بقرار الجمعية العمومية للنقابة، وأشدد على أن أي عضو يخالف القرار سيتم احالته للتحقيق النقابي فورًا".
كانت نقابة الصحفيين المصرية قد أصدرت قرارًا عن جمعيتها العمومية "بحظر كل أنواع التطبيع الشعبي والمهني والشخصي، وعقاب كل من خرج عن هذا الإجماع مهما كان منصبه"، بحسب تصريحات إعلامية لعضو مجلس النقابة، الصحفي هشام يونس.
"الانزعاج" يصل إلى إسرائيل
وصلت الأصداء إلى إسرائيل أيضًا ولكن لأسباب مختلفة عن مصر. ونشر لابيد في حسابه الرسمي على موقع إكس صورة تجمعه بوزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد آل نهيان، مصرحًا بعقد اجتماع معه ومع رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في أبو ظبي "لمناقشة التطورات الإقليمية".
وتناقلت مواقع إخبارية إسرائيلية تقارير بشأن "انزعاج" من دعوة زعيم المعارضة الإسرائيلي لزيارة الإمارات وللقاء رئيسها، حيث وصف مقربون من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الأمر بـ "تدخل غير لائق في الشؤون المحلية"، وفقًا لموقع تايمز أوف إسرائيل.
وأشارت الصحيفة إلي أن نتنياهو لم يتلقى دعوة رسمية لزيارة الإمارات منذ توقيع اتفاقيات إبراهيم مع أبو ظبي في عام 2020 وحتى الآن، وهو ما يفسر "الانزعاج" في الأوساط الحاكمة في إسرائيل. وقالت مصادر مقربة من نتنياهو، لم يُكشف عن هويتها: "لا يمكن دعوة زعيم المعارضة قبل دعوة رئيس الدولة"، نقلًا عن هيئة البث الإسرائيلي.
أما بالنسبة للقاء التليفزيوني علي قناة سكاي نيوز عربية الذي أجراه خلال رحلته القصيرة لأبو ظبي، اكتفت مواقع إسرائيلية بالإشارة إلي ما وصفته بـ"استغلال المنصة لنقل رسالة إلى العالم العربي بشأن حركة حماس والتعبير عن التعاطف مع وضع سكان غزة"، وفقًا لموقع إسرائيل ناشيونال نيوز.
ليست المرة الأولى!
وليست هذه المرة الأولى التي يثار فيها النقاش في مصر حول التطبيع مع إسرائيل. وتسبب نفس الإعلامي المصري في جدل مشابه العام الماضي بعد زيارة قام بها إلى تل أبيب وإجراء حوار مع السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن إيتمار رابينوفيتش. وحملت الحلقة حينها اسم "عماد الدين أديب يبحث في تل أبيب عن أسرار سقوط الأسد" ضمن البرنامج الذي يقدمه الصحفي المصري على قناة سكاي نيوز العربية.
وفي عام 2020، تعرض الممثل المصري محمد رمضان لهجوم كبير عبر مواقع التواصل الاجتماعي بسبب صور نُشرت له بصحبة شخصيات عامة إسرائيلية في دبي. وما زاد من حدة الهجوم حينها، هو قيام حساب الحكومة الإسرائيلية باللغة العربية علي فيسبوك والناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي بإعادة نشر صورة رمضان مع المطرب الإسرائيلي عومير آدام.
وظهرت حينها دعوات لتعليق عضوية الممثل المصري في نقابة المهن التمثيلية، والتي تعتبر العضوية فيها شرطًا للتمثيل في مصر، لينفي رمضان من جانبه علمه المسبق بأن الشخص الذي التقط معه الصورة إسرائيلي.
"سلام بارد" بين الجارتين؟
ويعيد هذا النوع من الأخبار فتح ملف "السلام البارد" بين الجارتين. فعلى الرغم من كون مصر الدولة العربية الأولى التي وقعت على اتفاق سلام مع إسرائيل، لايزال التطبيع مرفوضًا إلى حد كبير على المستوى الشعبي في مصر ولا يخرج عن النطاق السياسي والدبلوماسي والأمني.
وتعتبر إسرائيل رفض النقابات المهنية المصرية لكافة أشكال التعاون أو التبادل "عقبة مركزية أمام العلاقات بين البلدين"، وفقًا لدراسة سابقة أجراها معهد أبحاث الأمن القومي بجامعة تل أبيب. "فمن يتم ضبطه متلبسا في عملية التطبيع يُرغم على الاعتذار والتعهد بعدم تكرار تلك الخطيئة"، بحسب صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية.
ومنذ ثمانينيات القرن الماضي وحتى الآن، يحظر اتحاد النقابات المهنية على أعضائه التعامل أو التطبيع بأي شكل مع إسرائيل، كما ترفض النقابات المصرية تطوير أي علاقات مدنية معها. وبنشوب الحرب الأخيرة في غزة وتفاقم سوء الأوضاع الإنسانية في القطاع، يزيد الرفض في مصر للأصوات المؤيدة للتطبيع أو المطبقة له على المستوى الشعبي.