تتعرض القوات الأوكرانية لضغوط متزايدة على الأرض لكنها كسرت التفوق البحري الروسي في البحر الأسود، مستخدمة تقنيات جديدة، ما تسبب بخسائر لجيش بوتين.
إعلان
شاركت السفينة الحربية الروسية قيصر كونيكوف (الصورة أعلاه) في عدة صراعات خلال فترة خدمتها، بما في ذلك دعمها القوات الروسية خلال حرب روسيا في جورجيا في عام 2008.
لكن قبل أيام، أعلن الجيش الأوكراني على تيليغرام أنه أغرق هذه السفينة الحربية التي يبلغ طولها 112 متراً قبالة سواحل شبه جزيرة القرم. كما نشرت الخدمات الاستخباراتية الأوكرانية فيديو للحادثة، بين انفجارات وحريق هائل على متن السفينة.
كان إغراق هذه السفينة بلا شك ليس النجاح العسكري الأول لأوكرانيا فيالبحر الأسود، الذي يمثل ساحة معركة حاسمة في حربها ضد روسيا، ففي الوقت الذي يستمر فيه القتال دون تغيير كبير على الأرض، تمكنت أوكرانيا من كسر تفوق روسيا البحري في البحر الأسود.
لم تكن الأمور تبدو هكذا عندما شنت روسيا غزوها الشامل لأوكرانيا في فبراير/ شباط 2022. أشارت الأرقام إلى أن روسيا تحتفظ بميزة عسكرية ضخمة على جارتها، وسرعان ما أغلق أسطول البحر الأسود الروسي موانئ أوكرانيا، واحتل جزيرة الثعبان الإستراتيجية قبالة ساحل رومانيا، وزرع مساحات شاسعة من البحر بالألغام، ما قطع أوكرانيا عن بقية العالم.
التحرر من القبضة الروسية
لكن شيئاً فشيئاً، تحررت أوكرانيا من قبضة روسيا البحرية. جاءت الخطوة الأولى في أبريل/ نيسان 2022، مع غرق موسكفا، السفينة الأم لأسطول البحر الأسود الروسي. ثم تمت استعادة جزيرة الثعبان في يوليو/ تموز 2022، وتعرضت السفن الروسية والموانئ وطرق الإمداد بشكل روتيني للهجمات الأوكرانية
صيف 2023، هاجمت أوكرانيا جسر كيرتش، الذي يربط شبه جزيرة القرم المحتلة بالبر الروسي، مما تسبب في تضرره بشدة. وبعدها بأشهر قليلة، أُجبرت روسيا في نهاية المطاف على سحب معظم أسطولها من سيفاستوبول إلى المياه الشرقية للبحر الأسود.
ومع ذلك، حتى هناك، بقيت سفنها الحربية عرضة للهجوم، كما وقع عندما تمكنت أوكرانيا من الهجوم على زورق إنزال في ميناء نوفوروسيسك على بعد حوالي 300 كيلومتر شرق سيفاستوبول.
نجاحات أوكرانيا "تُظهر أن الروس غير قادرين على حماية أنفسهم بشكل كاف ضد أشكال القتال البحرية والمدفعية بدون طيار الأوكرانية"، كما يقول ستيفن بلانك، محلل الشؤون الأوراسية في معهد أبحاث السياسة الخارجية في واشنطن، في مقابلة أجراها في سبتمبر 2023 مع DW، مضيفاً: "أكثر من ذلك، لا يبدو أنهم قادرون على الرد على التهديد الذي تشكله أوكرانيا لهم".
تُظهر إحصاءات مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، وهو مركز أبحاث في واشنطن، أن روسيا قد خسرت حوالي 40 في المئة من آلياتها العسكرية البحرية في البحر الأسود منذ فبراير/شباط 2022، كما كتب الضابط الأمريكي المتقاعد في مشاة البحرية والمستشار الأقدم في المركز مارك كانسيان في تعليق نُشر في مجلة شؤون الخارجية في وقت سابق من هذا الشهر.
كيف تحقق هذا ؟
حققت أوكرانيا هذه الانتصارات العسكرية بمزيج غير عادي من الأسلحة، وفقاً لما كتبه كانسيان. جزء من ترسانتها يتكون من صواريخ مضادة للسفن - بعضها مصنوع محلياً والبعض الآخر قدمه لها الحلفاء الغربيون - بمدى يصل إلى 200 كيلومتر.
صُممت هذه الصواريخ لإطلاقها في البحر، ولكن الجيش الأوكراني قام بتعديلها لتنطلق من مناطق محمية على الأرض، مما يجعلها أقل عرضة للهجوم المضاد. كما استخدمت القوات الأوكرانية بفعالية نوعاً آخر من الصواريخ طويلة المدى التي قدمها الحلفاء الغربيون لمهاجمة الأهداف المتحركة في البحر، على الرغم من أنها صُممت لمهاجمة الأهداف الثابتة على الأرض.
وبهذه الطريقة، ضربت القوات الأوكرانية الموانئ والمراكز اللوجستية ومستودعات الإمداد في القرم، بالإضافة إلى السفن الحربية الراسية في الموانئ الروسية.
كما أثبتت المسيّرات البحرية الأوكرانية - وهي قوارب صغيرة مليئة بالمتفجرات بدون طواقم بشرية- صعوبة في اكتشاف الخصم لها وبالتالي والدفاع ضدها. يُقال إن الواحدة من هذه المسيرات البحرية لها مدى يصل إلى 800 كيلومتر. وتملك كاميرات ويتم التحكم بها عن بُعد، ويمكن استخدامها لمهام متعددة. كما أنها يمكن أن تتخذ إجراءات للفرار عند الضرورة وتغيير الأهداف في اللحظة الأخيرة إذا تعذر مهاجمة الهدف الأولي.
طورت أوكرانيا المسيّرات البحرية "ماغورا في 5" بنفسها، وقامت بتحسينها طوال الحرب. والآن، كثيرا ما يتم إرسال هذه الطائرات بدون طيار في أسراب، مما يجعل الدفاع ضدها أكثر صعوبة.
القدرة الأوكرانية على منع السفن الروسية من دخول المياه الغربية للبحر الأسود حالياً، تصّعب على روسيا الحفاظ على القدرة اللوجستية لإعادة تزويد القوات في جنوب أوكرانيا، بينما تمكنت أوكرانيا من إرسال الجنود الذين تم تكليفهم في البداية بالدفاع عن الجزء الجنوبي من البلاد إلى الجبهة الشرقية لتعزيز القوات هناك.
كما كان لهذه التطورات تأثير كبير على صادرات الحبوب الأوكرانية. تمكنت الأمم المتحدة بعد أشهر من اندلاع الحرب من التوسط في اتفاق حبوب حيث رفعت روسيا حصارها البحري مما سمح بشحن كمية محدودة من صادرات أوكرانيا من أوديسا. ومع ذلك، بعد عام، انسحبت روسيا من الاتفاقية وهددت بمهاجمة أي سفن تجارية تبحر عن طريق أوكرانيا.
ولكن لم تحدث الهجمات أبداً، وشرعت السفن في عبور البحر الأسود متجهة إلى موانئ كونستانتا وإسطنبول - منذ ديسمبر/ كانون الأول 2023، حتى تجاوزت أحجام الصادرات تلك التي تم تحقيقها خلال الصفقة التي رعتها الأمم المتحدة.
المساعدة العسكرية الغربية تظل ضرورية
لكن تقوّي القدرات العسكرية الأوكرانية في البحر الأسود لوحده لن يؤدي إلى نصر عسكري لأوكرانيا. الوضع على الأرض متجذّر بعيدًا جدًا عن ذلك.
ومع ذلك، وفقًا لمارك كانسيان، قد يسمح ذلك لأوكرانيا بالتفاوض من موقع أقوى في حال بدأت مفاوضات السلام مع روسيا. حتى ذلك الحين، تظل أوكرانيا، مع ذلك، معتمدة على شركائها الغربيين للحصول على الأسلحة، خاصة الصواريخ وذخائر المدفعية.
هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن للجيش الأوكراني من خلالها الاستمرار في السيطرة على أسطول البحر الأسود الروسي. خلاف ذلك، يمكن سريعًا أن تُمحَى نجاحات أوكرانيا المذهلة في البحر، وفق كانسيان.
أعده للعربية: ع.ا
قتال لم يقع مثله في أوروبا منذ 1945- محطات من الغزو الروسي لأوكرانيا
في نزاع لم تشهد له أوروبا مثيلاً منذ الحرب العالمية الثانية، تتواصل المعارك الشرسة بين الغزاة الروس وبين الأوكرانيين. وبحسب تقديرات يزيد عدد قتلى وجرحى الحرب في كلّ معسكر عن 150 ألف شخص.
صورة من: Zohra Bensemra/REUTERS
بوتين يناقض نفسه ويبدأ الهجوم على أوكرانيا
بعد شهور من التوتر والجهود الدبلوماسية لتجنب الحرب، بدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فجر الخميس 24 شباط/ فبراير 2022، ما أسماه "عملية عسكرية خاصة" في أوكرانيا. وكان الكرملين قد سبق ونفى مراراً التقارير الغربية حول نية بوتين في غزو أوكرانيا. وقد بدأ الغزو واسع النطاق بضربات جوية في جميع أنحاء أوكرانيا، ودخلت القوات البرية من الشمال من بيلاروسيا حليفة موسكو، ومن الشرق والجنوب.
صورة من: Ukrainian Police Department Press Service/AP/picture alliance
نزوح ملايين الأوكرانيين هرباً من الحرب
مع بداية الهجمات الروسية بدأت موجة نزوح الأوكرانيين من مناطق القتال. ونزح نحو 5.9 مليون شخص داخلياً بسبب الحرب الروسية العام الماضي. كما فر الملايين إلى خارج أوكرانيا، وفقاً لتقرير مركز مراقبة النزوح الداخلي ومقره جنيف (الخميس 11 مايو/ أيار 2023). ومعظم النازحين هم من النساء والأطفال وكبار السن وغير القادرين على القتال.
صورة من: Andriy Dubchak/AP/picture alliance
محاولة فاشلة للسيطرة على العاصمة كييف
في غضون أيام، سيطرت القوات الروسية على ميناء بيرديانسك الرئيسي والعاصمة الإقليمية خيرسون القريبة من البحر الأسود، إضافة لعدة بلدات حول كييف في وسط شمال البلاد. لكن محاولتها السيطرة على كييف اصطدمت بمقاومة القوات الأوكرانية ومن ورائها الرئيس فولوديمير زيلينسكي الذي تحول إلى قائد حربي. وفي الثاني من نيسان/ أبريل 2022، أعلنت أوكرانيا تحرير منطقة كييف بأكملها بعد "الانسحاب السريع" للقوات الروسية.
صورة من: Emilio Morenatti/AP/picture alliance
كليتشكو من نزال الملاكمة إلى قتال المعارك
هب الأوكرانيون للدفاع عن بلادهم، فإضافة إلى القوات العسكرية كان هناك المتطوعون المدنيون من كافة الأطياف. هنا مثلاً بطل العالم السابق في الملاكمة فيتالي كليتشكو، عمدة كييف، وقد ارتدى سترة عسكرية خلال تواجده على الأرض لمشاركة أهل بلده في صد الغزو الروسي. كما تطوع أيضاً شقيقه الأصغر وبطل العالم السابق في الملاكمة فلاديمير كليتشكو للقتال. كما وظّف الشقيقان شهرتهما لكسب التعاطف العالمي مع قضية بلدهما.
صورة من: Sergei Supinsky/AFP
توالي العقوبات الغربية على روسيا
اتخذ الغرب، خصوصاً الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، مسار فرض عقوبات على روسيا، سواء في استيراد البضائع والطاقة منها أو تصدير التكنولوجيا إليها أو مصادرة أموال رجال أعمال مرتبطين بالكرملين. وفي قمة مجموعة السبع في قصر إلماو في بافاريا الألمانية (يونيو/حزيران 2022)، اتخذت المجموعة، التي تضم ألمانيا والولايات المتحدة وفرنسا وكندا وإيطاليا واليابان وبريطانيا، قرارات بتوسيع العقوبات على روسيا.
صورة من: Michael Kappeler/dpa/picture alliance
مساعدات عسكرية مكنت أوكرانيا من الصمود
وأعلنت دول غربية عديدة على رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا تقديم مساعدات عسكرية بالمليارات لأوكرانيا. فقدمت واشنطن أسلحة ومعدات في 2022 بقيمة 22.9 مليار يورو، لتحتل بذلك المرتبة الأولى بين الدول الداعمة عسكريا لأوكرانيا، فيما حلت بريطانيا بالمركز الثاني خلال 2022 بمساعدات بقيمة 4.1 مليار يورو. أما ألمانيا فقدمت في العام نفسه 2.3 مليار يورو، لتحتل بذلك المرتبة الثالثة بين داعمي أوكرانيا عسكرياً.
صورة من: Polish Chancellery of Prime Ministry/Krystian Maj/AA/picture alliance
اتهامات بجرائم حرب مروعة في بوتشا
في بلدة بوتشا التي دمرتها المعارك، عُثر في الشوارع على جثث مدنيين أعدموا بدم بارد. لاحقاً عُثر على جثث مئات المدنيين حمل بعضها آثار تعذيب في مقابر جماعية في المدينة الصغيرة الواقعة على مشارف كييف. وأثارت صور هذه المجازر المنسوبة لروسيا استياء الغرب والأمم المتحدة وتعددت الاتهامات بارتكاب جرائم حرب، رغم نفي موسكو.
صورة من: Carol Guzy/Zuma Press/dpa/picture alliance
حصار ماريوبول وسقوط آزوفستال
في 21 أبريل/نيسان 2022، أعلن الكرملين دخول ماريوبول، الميناء الاستراتيجي على بحر آزوف. سمحت السيطرة على ماريوبول لروسيا بضمان التواصل بين قواتها من القرم والمناطق الانفصالية في دونباس. لكن حوالي ألفي مقاتل أوكراني واصلوا القتال متحصنين في متاهة مصنع آزوفستال تحت الأرض مع ألف مدني. قاوم المقاتلون حتى آخر طلقة. وقالت كييف إن 90% من ماريوبول دُمرت وقُتل فيها ما لا يقل عن 20 ألف شخص.
صورة من: Peter Kovalev/TASS/dpa/picture alliance
يوم تاريخي في خيرسون
في بداية سبتمبر/أيلول 2022، أعلن الجيش الأوكراني هجوماً مضاداً في الجنوب، لكنه حقق اختراقًاً خاطفًاً للخطوط الروسية في الشمال الشرقي وأرغم الجيش الروسي على الانسحاب من منطقة خاركيف. في أكتوبر/ تشرين الأول، بدأت موسكو بإجلاء السكان وإدارة الاحتلال من خيرسون. وفي 11 نوفمبر/تشرين الثاني بعد يومين من انسحاب القوات الروسية، استعادت كييف السيطرة على المدينة في "يوم تاريخي" كما وصفه الرئيس زيلينسكي.
صورة من: Bulent Kilic/AFP/Getty Images
مذكرة توقيف بحق بوتين وروسيا ترد
في مارس/ أذار 2023، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق بوتين بتهمة ارتكاب جرائم حرب على خلفية ترحيل أطفال أوكرانيين بشكل غير قانوني. وقالت كييف إنه تم ترحيل أكثر من 16 ألف طفل أوكراني إلى روسيا. وأصدرت المحكمة أيضاً مذكرة مماثلة بحق مفوضة حقوق الأطفال في روسيا ماريا لفوفا بيلوفا. وفي مايو/ أيار ردت روسيا بإصدار مذكرة توقيف بحق المدعي العام للمحكمة كريم أحمد خان، وهو بريطاني الجنسية.
صورة من: Rich Pedroncelli/AP Photo/picture alliance
الاستعداد لهجوم مضاد
في مواجهة طلبات زيلينسكي المتكررة وبعد فترة من المماطلة، قرر الأمريكيون والأوروبيون إرسال عشرات الدبابات الثقيلة من أجل تحسين قدرة الجيش الأوكراني على صد الهجمات. وفي 19 أبريل/ نيسان 2023، أعلنت كييف تلقيها أول منظومة دفاع جوي أمريكية من طراز باتريوت. في نهاية الشهر نفسه، أعلنت أوكرانيا أنها ستكون مستعدة قريباً لشن هجوم مضاد بهدف تحرير نحو 20% من أراضيها المحتلة، بما في ذلك شبه جزيرة القرم.
صورة من: Susan Walsh/POOL/AFP/Getty Images
قتال طيلة شهور في باخموت
في يناير/ كانون الثاني 2023، عاد الجيش الروسي إلى شن هجمات لا سيما في دونباس، بدعم من مرتزقة مجموعة فاغنر المسلّحة ومئات الآلاف من جنود الاحتياط الذين تمت تعبئتهم منذ أيلول/سبتمبر. احتدم القتال، خاصة حول باخموت، وهي مدينة في الشرق تحاول روسيا احتلالها منذ الصيف. وشهدت باخموت أطول المعارك وأكثرها فتكاً منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/فبراير 2022.
صورة من: Muhammed Enes Yildirim/AA/picture alliance
تضارب بشأن سقوط باخموت
وأعلنت روسيا مساء السبت 19 مايو/ أيار 2023 استيلاءها على باخموت بالكامل، بعدما أعلن رئيس مجموعة فاغنر الروسية المسلحة يفغيني بريغوجين في نفس اليوم أن المجموعة ستسحب مقاتليها من المدينة اعتبارا من 25 مايو/ أيار وستسلم الدفاع عن المدينة إلى الجيش الروسي. في غضون ذلك، قالت كييف إنها لا تزال تقاتل في مناطق معينة معتبرة وضع مقاتليها "حرجاً". إعداد صلاح شرارة/خ.س (أ ف ب، رويترز، د ب أ).