كيف توّحد الموسيقى فلسطينيين وإسرائيليين في برلين؟
٢٥ أكتوبر ٢٠٢٣
في أكاديمية بارنبويم-سعيد الموسيقية في برلين، يدرس الطلاب الإسرائيليون والفلسطينيون معاً. هجمات حماس الإرهابية وقعت قبيل الفصل الدراسي الجديد، فكيف ينظر الطلاب لما يجري وكيف يمكن للموسيقى أن تدعمهم في هذا الظرف الصعب؟
إعلان
"أول شيء فكرت فيه هو: كيف سيكون رد فعل طلابنا؟ كيف سيتعاملون مع ما يجري؟ كيف ستتطور الأمور؟" هكذا يتساءل ميشائيل بارنبويم، عميد أكاديمية بارنبويم-سعيد للموسيقى، الموجود مقرها في برلين.
كان في فيينا عندما هاجمت حركة حماس إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وفي اليوم التالي، عاد إلى مدرسة الموسيقى، وهو يعلم أن الأحداث الجارية سوف تؤثر بشكل مباشر على طلابه، فعدد منهم إسرائيليين وفلسطينيين. "كان يمكن لمس توتر الجو"، يتذكر بارنبويم، انطباعاته الأولى عند عودته إلى أكاديمية الموسيقى ذلك اليوم.
كان الفصل الدراسي على وشك أن يبدأ، بعد 10 أيام من بداية التصعيد. وصل الطلاب الجدد بالفعل لحضور أسبوع التوجيه. وبينما كانوا يحاولون معرفة ماذا يجري في مناطقهم، كان عليهم التكيّف مع بيئتهم الجديدة في برلين.
بعد حوالي أسبوعين على بداية الأحداث، وتحديداً يوم 23 من هذا الشهر، أحيت أوركسترا الأكاديمية الشابة حفلها الأول لهذا الفصل الدراسي.
ويذكر أن حركة حماس هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
فضاء يجمع موسيقيين عرب وإسرائيليين
تحمل هذه الأكاديمية قصة تجعلها لا تشبه أيّ مؤسسة أخرى في العالم. افتتح والد ميشائيل بارنبويم، دانييل بارنبويم، وهو قائد أوركسترا وعازف بيانو، هذه المؤسسة عام 2015، حتى تكون استمراراً لرسالته مع المنظر الفلسطيني-الأمريكي الراحل إدوارد سعيد، التي بدأت عبر جوقة الديوان الغربي-الشرقي، وهي مجموعة تتكون من شباب موسيقيين، عرب وإسرائيليين.
المنهج الدراسي داخل هذه الأكاديمية يهتم بشكل كبير بالعلوم الإنسانية. فإلى جانب تدريبهم الموسيقي، يتعلم الطلاب هنا الفلسفة والتاريخ، وهو منهج مستوحى من اعتقاد إدوارد سعيد أن "الإنسانية هي المقاومة الوحيدة - أو حتى الأخيرة - التي نملك ضد الممارسات اللإنسانية وغير العادلة التي تشوه التاريخ البشري".
تجمع هذه الأكاديمية اليوم بين إسرائيليين وفلسطينيين، بالإضافة إلى موسيقيين شباب من إيران ولبنان وسوريا. تؤكد مديرة الأكاديمية ريغولا راب أن حوالي ربع الطلاب الثمانين في الأكاديمية هم من خارج الشرق الأوسط، ما يخلق فضاءً لمجموعة من المواهب الشابة "من 27 دولة".
خلق مساحة آمنة
لكن عندما بدأ الفصل الدراسي الجديد، وجد الطلاب أنهم بحاجة إلى تجاوز الدروس المقررة لأجل مناقشة ما يجري. توضح راب: "هناك الكثير من المشاعر: حزن وغضب.. والكثير من الخوف"، وتضيف: "الخوف على أسرهم وأصدقائهم، ومنازلهم، وكذلك على مستقبلهم، كل شيء يتطور يوماً بعد يوم".
نظم الطلاب سريعاً اجتماعات حتى يتمكنوا من تبادل وجهات نظرهم بانتظام. كما أنشأت المدرسة حصصاً خاصة بالدعم النفسي، ووفرّت اختصاصيين يقدمون جلسات دعم للطلاب باللغتين العبرية والعربية.
يقول ميشائيل بارنبويم إن الطلاب اليهود الإسرائيليون "يشعرون من جانبهم بالقلق إزاء تزايد معاداة السامية في برلين". ويضيف في الوقت نفسه أن الطلاب الفلسطينيون يواجهون كذلك وضعاً خاصاً في ألمانيا، إذ "يشعرون بأنهم لا يستطعيون التعبير عن أنفسهم، ولا يستطيعون التجمع معًا".
يشير بارنبويم إلى الحظر الذي فرضته برلين على مجموعة من المظاهرات الداعمة للفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة. وتخشى السلطات في العاصمة الألمانية من جهتها أن تتضمن المسيرات شعارات معادية للسامية أو تحريضاً على معاداة إسرائيل.
لهذا الغرض، ترى الأكاديمية بضرورة أن توّفر مكاناً آمناً للطلاب حتى "يمكنهم الاستمرار في التعبير عن أنفسهم بثقة وحرية، وأن يثقوا أن لديهم فضاءً يمكنهم أن يكونوا فيه معاً".
اتحاد الطلاب وإدارة الأكاديمية اتفقا على أن تكون الأكاديمية مساحة آمنة للطلاب. وكإجراء للحفاظ على هذه الأمان، قرروا عدم دعوة وسائل الإعلام للمشاركة في هذه الاجتماعات، كما تم الاتفاق على تجنب إجراء الطلاب مقابلاتٍ مع الصحافة.
على خطى دانييل بارنبويم وإدوارد سعيد
يفسر الطلاب الأحداث بشكل مختلف، يشير بارنبويم إلى أن الطلاب الفلسطينيين يميلون إلى رؤية أن ما جرى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول كجزء من سياق تاريخي أكبر، ولكن بالنسبة للإسرائيليين، فإن هذه الهجمات الإرهابية لحماس غيّرت كل شيء. ويبرز ميشائيل بارنبويم أن هذا مجرد مثال يبين كيف تختلف وجهات النظر حول الأحداث نفسها، ولكن "مع ذلك، أعتقد أننا جميعا متفقون على أننا نريد البقاء هنا" حسب قوله.
ما يوّحد الطلاب هنا هي الموسيقى. تؤكد ريغولا راب أن المعزوفات التي يتدربون عليها تتيح لهم التركيز على شيء واحد، شيء يمكنهم العمل عليه معاً"، وتقول: "أعتقد أن عملنا اليومي أدى إلى شكل من أشكال التماسك".
قال الطلاب في بيان مشترك في برنامج حفلهم يوم 23 تشرين الأول/أكتوبر، بعد افتتاحه بدقيقة صمت، "من الصعب جداً على الكثير منا أن يعزفوا في حفل موسيقي الآن. ولكن حتى في هذه الأوقات الصعبة، سنواصل السير على خطى مؤسسي الأكاديمية، دانييل بارنبويم وإدوارد سعيد".
يجب اتباع هذه المثل بالنسبة لدانييل بارنبويم نفسه، الآن أكثر من أي وقت مضى. كتب في بيان قبل الحفل "رسالتنا للسلام يجب أن تكون أعلى صوتاً من أي وقت مضى". وأضاف: "يجب على كلا الجانبين الاعتراف بأعدائهم كبشر ومحاولة التعاطف مع وجهة نظرهم وآلامهم وضائقتهم".
وكما يشير ميشائيل بارنبويم، فهناك أماكن قليلة في جميع أنحاء العالم، منها برلين أو ألمانيا، حيث يعمل الفلسطينيون والإسرائيليون معاً بشكل وثيق كما هو الحال في أكاديمية بارينبويم-سعيد. ويضيف: "أكيد أن هذا الحفل لن يجلب السلام، ولا أحد يعتقد هذا الأمر، لكنها طريقة بديلة للتفكير في طريقة تجعل الناس يعيشون معاً في منطقة ما، من دون القنابل والأسلحة، بل بالتعاون والحوار والاستماع لبعضهم البعض".
إليزابيث غرينير- ج. زليك/ع.ا
معبر رفح.. تحديات كبيرة تواجه شريان الحياة الوحيد لسكان غزة
الوضع الإنساني في غزة كارثي حسب تأكيدات منظمات مستقلة. المساعدات الإنسانية بدأت بالتدفق أخيراً عبر معبر رفح، لكن حجمها يبقى "ضعيفا" بسبب الحاجيات الكبيرة، خاصة مع خروج عدة مستشفيات عن الخدمة وارتفاع حصيلة القتلى والجرحى.
صورة من: Mahmoud Khaled/Getty Images
بدء تدفق المساعدات لقطاع محاصر
عشرات الشاحنات، المحملة بالمساعدات الإنسانية، دخلت إلى غزة عبر معبر رفح قادمة من مصر. الشاحنات محملة بالأدوية والمستلزمات الطبية وكميات من الأغذية. الأمم المتحدة تقول إن 100 شاحنة على الأقل يجب أن تدخل غزة بشكل يومي لتغطية الاحتياجات الطارئة، وسط تأكيدات أن ما دخل بعد فتح المعبر يبقى قليلاً للغاية، بينما تؤكد مصادر مصرية وجود العشرات من الشاحنات التي تنتظر دورها للعبور.
صورة من: Mahmoud Khaled/Getty Images
شريان الحياة الوحيد في زمن الحرب
معبر رفح هو المعبر الرئيسي لدخول غزة والخروج منها في الفترة الحالية، بعد فرض إسرائيل "حصاراً مطبقاً" على القطاع، وقطع الكهرباء والماء والتوقف عن تزويده بالغذاء والوقود، في ظل الحرب الدائرة مع حركة حماس. لا تسيطر إسرائيل على المعبر لكنه توقف عن العمل جراء القصف على الجانب الفلسطيني منه. وبتنسيق أمريكي، تم الاتفاق على إعادة فتح المعبر لدخول المساعدات، بشروط إسرائيلية منها تفتيش المساعدات.
صورة من: Ahmed Gomaa/Xinhua/IMAGO
"ليست مجرد شاحنات"
الخلافات على تفتيش الشاحنات أخذت وقتاً كبيرا، ما أثر على وصول سريع للمساعدات. الأمم المتحدة أكدت أن العمل جارِ لتطوير نظام تفتيش "مبسط" يمكن من خلاله لإسرائيل فحص الشحنات بسرعة. أنطونيو غوتيريش صرح من أمام معبر رفح: "هذه ليست مجرد شاحنات، إنها شريان حياة، وهي تمثل الفارق بين الحياة والموت لكثير من الناس في غزة"، واصفاً تأخر دخول المساعدات (لم تبدأ إلّا بعد أسبوعين على بدء الصراع) بـ"المفجع".
صورة من: Ahmed Gomaa/Xinhua/IMAGO
إجراءات مشددة منذ زمن
تشدد مصر بدورها القيود على معبر رفح منذ مدة، ويحتاج المسافرون عبره إلى تصريح أمني والخضوع لعمليات تفتيش مطولة ولا يوجد انتقال للأشخاص على نطاق واسع، خصوصاً في فترات التصعيد داخل غزة. دعت القاهرة مؤخراً جميع الراغبين في تقديم المساعدات إلى إيصالها إلى مطار العريش الدولي، لكنها رفضت "تهجير" الفلسطينيين إلى أراضيها ودخولهم عبر معبر رفح، واقترحت صحراء النقب.
صورة من: Majdi Fathi/apaimages/IMAGO
توافق أمريكي - إسرائيلي على معبر رفح
بعد أيام على الحرب، توافق جو بايدن وبنيامين نتانياهو على استمرار التدفق للمساعدات إلى غزة . بايدن قال إن "المساعدات الإنسانية حاجة ملحة وعاجلة ينبغي إيصالها"، وصرح مكتب نتياهو أن "المساعدات لن تدخل من إسرائيل إلى غزة دون عودة الرهائن"، لكنها "لن تمنع دخول المساعدات من مصر" بتوافق أمريكي - إسرائيلي على عدم استفادة حماس منها، التي يصنفها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى كحركة إرهابية.
صورة من: Evelyn Hockstein/REUTERS
غزة بحاجة إلى وقود
رفضت إسرائيل أن تشمل المساعدات الوقود، وهو ما انتقدته وزارة الصحة التابعة لحماس في غزة، قائلة إن القرار "سيُبقي أرواح المرضى والمصابين في غزة في خطر". وكالة الأونروا أكدت أن الوقود المتوفر لديها في القطاع غزة "سينفد قريباً، ودونه لن يكون هناك ماء ولا مستشفيات ولا مخابز ولا وصول للمساعدات". لكن مدير إعلام معبر رفح البري قال إن ستة صهاريج وقود دخلت يوم الأحد (22 تشرين الأول/ أكتوبر).
صورة من: Said Khatib/AFP
دعم أوروبي لإسرائيل مع ضمان المساعدات لغزة
بعد جدل حول تجميدها للمساعدات، ضاعفت المفوضية الأوروبية مساعداتها الإنسانية لغزة ثلاث مرات لتصل إلى أكثر من 75 مليون يورو، مع "تأييدها حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد إرهابيي حماس". الاتحاد الأوروبي أكد أنه يدرس فرض "هدنة إنسانية للسماح بتوزيع المساعدات". ألمانيا علقت المساعدات التنموية للفلسطينيين لكنها أبقت على الإنسانية منها، وأولاف شولتس رحب ببدء إرسال المساعدات، قائلا: "لن نتركهم وحدهم".
صورة من: FREDERICK FLORIN/AFP
مطالب عربية بوقف إطلاق النار
ربطت عدة دول عربية بين دخول المساعدات وبين وقف إطلاق النار. وأعلنت دول الخليج دعماً فورياً لقطاع غزة بقيمة 100 مليون دولار، فضلاًَ عن مبادرات منفردة لعدة دول في المنطقة. الدول العربية التي شاركت في "قمة القاهرة للسلام" دعمت بيان مصر، الذي دعا إلى "وقف الحرب الدائرة التى راح ضحيتها الآلاف من المدنيين الأبرياء على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي".
صورة من: Khaled Desouki/AFP/Getty Images
"عدم التخلي عن المدنيين الفلسطينيين"
وزيرة التنمية الألمانية سفنيا شولتسه بعثت بخطاب إلى كتل أحزاب الائتلاف الحاكم قالت فيه إن احتياجات ومعاناة الناس في غزة وفي أماكن أخرى يمكن أن تزداد. وأدانت هجوم حماس ووصفته بأنه هجوم وحشي وغادر. وقالت :" نحن لا نواجه حركات نزوح كبيرة ووضع إمدادات منهارا وحسب بل إننا نواجه أيضا أعمالا حربية نشطة وكان من بينها التدمير الأخير للمستشفى الأهلي في غزة الذي كانت تشارك وزارة التنمية الألمانية في دعمه".
صورة من: Leon Kuegeler/photothek.de/picture alliance
ضريبة إنسانية باهظة للحرب
بدأت الحرب بهجوم دموي لحماس في السابع من أكتوبر، خلّف مقتل أكثر من 1400 إسرائيلي أغلبهم من المدنيين، فضلاً عن اختطاف أكثر من مئتين. ردت إسرائيل بقصف متواصل للقطاع، ما أوقع أكثر من خمسة آلاف قتيل وتدمير بنى تحتية وتضرّر 50 بالمئة من إجمالي الوحدات السكنية في القطاع، بينما نزح أكثر 1,4 مليون شخص داخل غزة حسب الأمم المتحدة، فضلا عن مقتل العشرات في الضفة الغربية وسط مخاوف من تمدد الصراع إقليمياً.
صورة من: YAHYA HASSOUNA/AFP/Getty Images
هجوم حماس الإرهابي
مشهد يبدو فيه رد فعل فلسطينيين أمام مركبة عسكرية إسرائيلية بعد أن هاجمها مسلحون تسللوا إلى مناطق في جنوب إسرائيل، ضمن هجوم إرهابي واسع نفذته حماس يوم 07.10.2023، وخلّف مقتل أكثر من 1400 إسرائيلي أغلبهم من المدنيين واختطاف أكثر من مائتين. ويذكر أن حركة حماس هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية. إ.ع/ ع.خ / م.س.