كيف يؤثر صراع تركيا وفرنسا حول ليبيا على الدول المغاربية؟
١٩ يونيو ٢٠٢٠حالة من المواجهة الكلامية والاتهامات بين تركيا وفرنسا على خلفية الوضع في ليبيا. فباريس تتهم أنقرة بأنها تنهج "سياسة متصلبة وعدوانية" عبر تدخلها العسكري لدعم قوات حكومة الوفاق في النزاع المسلح مع قوات شرق ليبيا بقيادة خليفة حفتر، فيما ترّد أنقرة بأن الدعم الذي "تقدّمه فرنسا للانقلابي القرصان حفتر فاقم الأزمة في ليبيا (...) وزاد معاناة الشعب الليبي".
لكن التوتر بين الحليفين في شمال الأطلسي لا تقتصر تداعياته على ليبيا، إذ قد تصل شظاياه إلى دول أخرى، خاصة في المنطقة المغاربية، حيث لم ينجح خليفة حفتر في ضمان وجود حليف له هناك. بينما استطاع فايز السراج ضمان موقف دولتين مهمتين، هما المغرب وتونس، اللتان تؤكدان أنه لا محيد عن "اتفاق الصخيرات" لإيجاد حلّ سلمي للأزمة في ليبيا، وهو الاتفاق الذي تولدت عنه حكومة الوفاق، برئاسة فايز السراج.
فرنسا، المتهمة من قبل تركيا بنهج سياسة تخدم مصالح الإمارات ومصر، أكبر الداعمين العرب لخليفة حفتر، لم تجد في المغرب وتونس والجزائر، الدول التي ترتبط مع باريس بشراكات اقتصادية قوية وتنهل من الوجود الفرنسي القوي في المنطقة، أيّ رجع لصدى سياستها في ليبيا. ويحدث هذا في وقت ترتفع فيه أسهم تركيا في تلك الدول الثلاث، ما قد ينبئ بتنافس اقتصادي بين تركيا وفرنسا في هذه المنطقة، في وقت تبتعد فيه موريتانيا بشكل كبير عن دائرة هذا التقاطب.
"تركيا وفرنسا لديهما حضور تاريخي في المنطقة، والصراع بينهما على النفوذ فيها هو صراع تاريخي، سواء أكان في الكواليس أو بشكل مفتوح كما يحدث في ليبيا" يقول الخبير الاقتصادي المغربي رشيد أوراز لـDW عربية، مضيفاً أن هذا الصراع ينتقل أحياناً إلى ما هو اقتصادي، وأن فرنسا تحاول مضايقة النشاط التركي في المنطقة. لكن أنقرة ماضية في اتفاقياتها بالمنطقة رغم هذه الضغوط الفرنسية، يضيف الخبير، في إحالة منه إلى تدخل وزير الصناعة والتجارة المغربي حفيظ العلمي، لتعديل اتفاق التبادل الحر مع تركيا.
مؤشرات لتزايد النفوذ التركي
نشرت صفحات مغربية على الإنترنت صوراً لافتتاح متجر لشركة الملابس التركية الشهيرة LC Walkiki في مدينة العيون بمنطقة "الصحراء الغربية". وافتتاح هذا المتجر لم يكن ليحدث لولا تنسيق مغربي-تركي، خاصة وأن المدينة تقع في منطقة تشهد نزاعاً سياسياً مع جبهة البوليساريو، التي نقلت عدة تقارير انزاعجها من تلك الخطوة. لكن الأكيد أن الخطوة تخدم بشكل واسع مصالح المغرب وتفتح الباب لمزيد من التعاون بين تركيا والمغرب.
وفي الجزائر، جرى اتفاق مع تركيا على مشروع ضخم للبتروكيماويات بولاية أضنة التركية بمشاركة "سوناطراك"، شركة المحروقات الحكومية الجزائرية، وهو اتفاق يأتي لتعزيز علاقات البلدين، إذ تتوفر الجزائر على 377 مشروعا استثماريا تركيا، ما يجعلها ثالث دولة عبر العالم تستقبل الشركات التركية، حسب الإعلان الرسمي.
أما تونس، فترتبط بدورها باتفاقية للتبادل الحر، وتدفع أطراف في الحكومة التونسية لتمرير مشروع جديد يخصّ تفعيل اتفاقية لحماية الاستثمارات بين تركيا وتونس. وترغب أنقرة، وفق تصريحات رسمية، بوصول التبادل التجاري مع تونس إلى ملياري دولار، بدل مليار دولار، مسجل حالياً.
في المقابل، تعدّ فرنسا ثاني ممون للجزائر بعد الصين، وهي ثاني موّرد للمغرب بعد إسبانيا، وهي الشريك التجاري الأول لتونس داخل الاتحاد الأوروبي. لكن الأرقام الفرنسية الرسمية تبيّن أن هناك تراجعا طفيفا في نسبة الصادرات الفرنسية إلى الدول الثلاث.
كيف تعمل تركيا؟
يرى رشيد أوراز أن أنقرة تلعب كذلك على وجود تناقضات بين دول المنطقة وعدم وجود قبول كبير لفرنسا عند كثير من الفئات، التي تستحضر الصورة الاستعمارية لفرنسا، وكذلك باعتبار "الطريقة الأبوية" التي تتعامل بها فرنسا مع هذه الدول.
ويمضي أوراز قائلاً أن أنقرة تستهدف الطبقات الوسطى وأصحاب الدخل المتدني، لكنها تنافس شركات الصناعة الثقيلة الأوروبية، ما جعلها تكسب الرهان في منافسة السلع الصينية الرخيصة عبر تقديم سلع أكثر جودة. لكن الأهم، يستطرد الخبير، أن تركيا باتت تنافس فرنسا حتى في سوق الموارد الطبيعية بالمنطقة المغاربية وأفريقيا عموماً، وهو ما دفع باريس إلى الرد بحدة على تدخلات تركيا في ليبيا.
غير أن تركيا بدورها تتعرّض لانتقادات من فئات واسعة داخل الدول المغاربية لوجود عجز تجاري لصالح أنقرة، وكذلك بسبب توجهها لمنافسة صناعات محلية كالنسيج ومنتجات البقالة.
ويتحدث المحلّل السياسي التونسي صلاح الدين الجورشي، عن أن تركيا ستستفيد من أيّ انكماش فرنسي في المنطقة، لكن يجب انتظار الموقف الجزائري للحكم أكثر، فأي تطوّر واسع لعلاقات تركيا والجزائر سيزيد من نفوذ تركيا في المنطقة، بيد أن ذلك لا يعني، حسب الباحث، ضرب المصالح الفرنسية، ومن الصعب للغاية تحييد فرنسا من مكانتها.
السياسة بوابة الاقتصاد؟
وقد نقلت وسائل إعلام مغربية، منها صحيفة "الأيام"، أن هناك ترتيبات لعقد قمة بين الملك محمد السادس والرئيس رجب طيب أردوغان قريباً لأجل التباحث بشأن الأزمة الليبية. خبر جاء بعد تأكيدات مغربية أن الرباط لم تتخلّ عن "اتفاق الصخيرات"، والتأكيدات ذاتها قادمة من تونس التي لم يصدر منها ما يخالف موقفها في أبريل/ نيسان 2020، عندما أكدت دعمها للاتفاق الموقع في المنتجع المغربي عام 2015.
وإن كانت الجزائر قد أخذت موقفا محايدا في عهد الرئيس عبدالمجيد تبون، لتنهي به توترا نشب بينها وبين سلطات الشرق الليبي عندما تحركت الجزائر للقاء قبائل ليبية في الجنوب الليبي، فإنه لا تونس ولا المغرب ولا الجزائر دعموا مبادرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، المؤيد لحفتر، لوقف إطلاق النار بين طرفي الحرب الليبية، والالتزام بتسوية سياسية على أساس قمة برلين، وهي القمة التي لم يحضر لها المغرب ولا تونس، ودعيت لها الجزائر بشكل متأخر.
غير أن الجورشي يرى أن خليفة حفتر لم يعد يتمتع بالتأييد نفسه من طرف العديد من الدول الأوروبية، متابعاً أن فرنسا لن تغامر بعلاقاتها مع الدول المغاربية لأجل حماية حفتر، وأنها لن تحاول فرض كل شروطها في ليبيا، لأنها تدرك وجود "طبخة" لاستفادة كل الأطراف المتوّرطة هنا ولو بشكل متفاوت، والأهم حالياً بالنسبة لها عدم نقل الحرب من غرب ليبيا إلى شرقها، وبالتالي عدم تجاوز القسمة التقليدية التي وُزعت مسبقًا بها مناطق النفوذ بين طرفي الحرب، حسب الجورشي.
إسماعيل عزام (+أ ف ب، د ب أ، رويترز، وكالات محلية)