لا يختلف اثنان في أن كرة القدم هي الرياضة الأكثر شعبية في ألمانيا، كما هو الحال في معظم البلدان في جميع أنحاء العالم. هذا المعطى، يستغله السياسيون لكسب ود شرائح واسعة من المجتمع الألماني. وذلك من خلال إظهار قربهم واهتمامهم بكرة القدم، كما كان الشأن في كأس العالم قبل الأخيرة التي احتضنتها ألمانيا، حيث استغلتها المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل للظهور بشكل لافت أمام وسائل الإعلام. هذا الاستغلال لكرة القدم من أجل الوصول إلى أهداف معينة، يستغله اليمين المتطرف أيضا، لنشر أفكاره بين الشباب.

ويرى الكاتب والصحافي روني بلاشكه، مؤلف كتاب "هجمة من اليمين- كيف يسيء النازيون الجدد استخدام كرة القدم"، أن نشاط اليمين المتطرف في الملاعب الألمانية مدروس، ومبرر، من وجهة نظرهم، باعتبار الدور الكبير التي تلعبه كرة القدم في حياة المحبين للعبة. وأظهرت الدراسات التي شملت نوادي كرة القدم في شرق ألمانيا كما في غربها أن كرة القدم الألمانية تعاني من مشكل التطرف اليميني خاصة في البطولات غير الاحترافية.

صعوبة التعرف على النازيين الجدد

ويقول بلاشكه أنه " لم يعد بوسع المرء أن يميز بين النازيين الجدد وغيرهم، كما كان الحال عليه في السابق"، حيث كان النازيون الجدد يتميزون بطريقة لباس معينة، بارتداء نوع خاص من الأحذية والمعاطف مع حلق شعر الرأس بالكامل. أما الآن، فهم يستعملون رموزا مشفرة للتواصل فيما بينهم والتعرف على بعضهم، أو يتفقون على ارتداء ملابس لعلامة (ماركة) معينة دون غيرها. وتتيح رابطات المشجعين في ألمانيا المتمثلة في "الأولتراس" (Ultras)، بيئة مناسبة لظهور مجموعات تتبنى الأفكار اليمينية المتطرفة. ففي أغلب هذه الرابطات يوجد شباب منظمون بشكل تحكمه التراتبية. ويؤكد بلاشكه أن "بعض مشجعي كرة القدم يستعملون نفس المصطلحات التي يستخدمها أعضاء الحزب الوطني الديمقراطي الألماني (NPD) اليميني المتطرف". ويقصد بلاشكه مصطلحات من قبيل: الشرف، الوطن، الوفاء، والتلاحم، وهي نفس الكلمات التي يوظفها اليمين المتطرف لدغدغة مشاعر أتباعه وكسب المزيد منهم.

شعارات عنصرية في الملاعب

ومن جهته، يؤكد أندرياس شميدت، وهو أحد العاملين في الجمعية التربوية لرعاية مشجعي نادي كولونيا، أن ملاعب كرة القدم في ألمانيا لا تخلو من ترديد بعض الشعارات التي تتضمن كلمات جارحة. ويقول شميدت أن "هذه الكلمات غير اللائقة تختلف في درجة قوتها". فهناك شعارات ذات محتوى عنصري، كوصف بعض اللاعبين الذين انتقلوا للعب لفريق آخر غير فريقهم الأصلي ب "الغجر". ويعتبر بلاشكه أن بنية كرة القدم تعطي الأرضية المناسبة، مقارنة مع باقي الأنواع الرياضية، لانتشار الأفكار اليمينية المتطرفة. ويقول بلاشكه: "مثل هذه الممارسات توجد أيضا في ملاعب كرة السلة وفي ملاعب كرة اليد. لكنها ليست متأصلة ولها تقاليد، كما هو الشأن بالنسبة لبيئة كرة القدم". ومن المعروف أن مشكل التطرف اليميني في ألمانيا ليس جديدا، لكن ما تحقق لحد الآن من أجل مكافحته يبقى متواضعا، رغم كل المبادرات التي تسعى لمواجهته. ويرجع ذلك إلى صعوبة التعامل مع هذا الموضوع الشائك.

أوليفيافريتس/ عادل الشروعات

مراجعة: منصف السليمي