لا يزال الباحثون يعرفون القليل نسبياً عن "الذئاب المنفردة" من ارهابيي اليمين المتطرف، إنهم الذين يخططون وينفذون الجرائم بدوافع يمينية متطرفة بشكل منفرد، لكن يبدو أن كثيراً منهم قد أصبحوا متطرفين عبرالإنترنت. كيف ذلك؟
يشير تحليل أجرته وكالة الاستخبارات الداخلية الألمانية عام 2019 إلى أنها تكافح لتتبع "الذئاب المنفردة" المتطرفة. و يزعم أن كثيراً منهم قد تطرف ليس من خلال الانخراط مع جماعات اليمين المتطرف المعروفة، وإنما بشكل منفرد. في الصيف الماضي، أطلقت الوكالة وحدة عاملة لمراقبة السلوك المتطرف على وسائل التواصل الاجتماعي لمواجهة تهديد التطرف عبر الإنترنت.
مشهد اليمين المتطرف نشط للغاية على الإنترنت
ترى مؤسسة أماديو أنطونيو ومقرها برلين، والتي تعمل على مواجهة التطرف اليميني، أنه يمكن للأفراد أن يصبحوا متطرفين بسهولة عبر الإنترنت. يقول ميرو ديتريتش، الذي أشرف على دراسة استغرقت عامين لمحتوى الوسائط الاجتماعية المتطرفة، إن هناك : "شبكة من المحتوى على الإنترنت تخاطب المجموعات المستهدفة المختلفة وتجذبهم إلى عالم بديل (متطرف)".
يقول ديتريتش، منذ نشأة الإنترنت، تعلم النشطاء اليمينيون المتطرفون، على الرغم من "التجربة والخطأ"، تأطير المحتوى ورعايته لجذب المتطرفين. ويقول إن هؤلاء النشطاء سارعوا بتجربة منصات جديدة على الإنترنت واعتمادها، وكذلك إنتاج مردود مادي، على سبيل المثال من خلال إعلانات "يوتيوب"، والتبرع، وحملات التمويل الجماعي. ويجادل بأن مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي يتواصلون بشكل متزايد مع بعضهم البعض على شبكات "Dark social"، والتي يصعب مراقبتها.
تطبيقات الدردشة ووسائل التواصل الاجتماعي قد تساهم في التطرف
وعامل آخر هو القدرة على إنشاء دردشات المجموعة مع 200 ألف مستخدم على خدمة "تيليغرام ماسنجر". غير أن تطبيق "واتساب" يحدد عدد المستخدمين في مجموعة الدردشة بـ 256 شخصاً على الأكثر. يسمح تطبيق "تيلغرام" أيضاَ للمستخدم بالعثور على مستخدمين آخرين. يمكن أن توفر كلتا الميزتين منصة كبيرة لنشر المحتوى المتطرف.
تشير الدراسة أيضاً إلى أن المتطرفين على "إنستغرام" قد بدأوا في نشر أيديولوجيتهم من خلال استخدام هاشتاغات شعبية. كما أن "حركة الهوية" قد بدأت في نشر محتوى متطرف يميني ولكن بطريقة مختلفة. علاوة على ذلك، بدأ المتطرفون في إنشاء منصاتهم الخاصة على الإنترنت والتي تعمل بشكل فعال على إيقاف أي شخص لا يشاركهم نظرتهم للعالم. ووجدت الدراسة أن تأثير "غرفة الصدى" هذه يعزز طريقة تفكيرهم. وبحسب الدراسة، فالعديد من أولئك الذين يجتمعون على هذه المنصات يعتبرون أنفسهم "صليبيو العصر الحديث"، الذين يجب عليهم إنقاذ "العالم الغربي".
ما الذي ستفعله المانيا لمحاربة خطاب الكراهية على الإنترنت؟#مسائية_DW
01:51
الروايات المسمومة
تشير الدراسة إلى أن الروايات المسمومة، مثل تلك التي تدعي أن الألمان يهجرون من قبل الأجانب، من شأنها أن تنتشر بسهولة عبر الإنترنت. عندما يصادف المستخدمون محتوى مثير للريبة عبر الإنترنت يؤكد مثل هذه الروايات، يشعرون بشكل متزايد بالتهديد ويصبحون أكثر انفتاحاً على الحلول الجذرية.
تشير الدراسة إلى أن الأوساط اليمينية المتطرفة في مختلف البلدان تستخدم الإنترنت للتواصل مع بعضها البعض. وتستخدم اللغة الإنكليزية كلغة مشتركة للتواصل فيما بينهم. والإرهابيون اليمينيون المتطرفون يتعلمون ويستلهمون من بعضهم البعض، الأمر الذي قد يحفز آخرين على ارتكاب جرائم مماثلة.
منذ هجوم أندرس بريفيك الإرهابي في عام 2011، بات من الشائع أن يترك الإرهابيون المتطرفون اليمينيون بياناً. ومنذ هجمات كرايست تشيرش في عام 2019، قام العديد من المتطرفين ببث جرائمهم.
تفيد الدراسة أنه من خلال بث أعمالهم الوحشية، يسعى هؤلاء الإرهابيون إلى جذب اهتمام وسائل الإعلام والانترنت. وبينما يبدو أنهم مثل "الذئاب الوحيدة أو المنفردة"، فإنهم في الواقع مرتبطون بشبكة واسعة من المتطرفين المتشابهين في التفكير.
كاي أليكساندر شوتس/ ر.ض
مظاهر متعددة للتطرف في شرق ألمانيا
رغم أن اليمين المتطرف ظاهرة لا تقتصر على بلد معين، إلا أن الحكومة الألمانية أعربت مؤخرا عن قلقها من تنامي كراهية الأجانب ومعاداة الإسلام في الولايات الألمانية الشرقية. جولة مصورة في مظاهر التطرف اليميني بشرق ألمانيا.
صورة من: Getty Images/AFP/R. Michael
أعربت الحكومة الألمانية عن قلقها إزاء تنامي كراهية الأجانب والتشدد اليميني في شرق ألمانيا، محذرة من أنهما يشكلان تهديدا على السلم الاجتماعي وينفر المستثمرين الأجانب. الإحصائيات الأخيرة تؤكد هذه المخاوف: ففي عام 2014 مثلا سجل 47 من الاعتداءات ذات الدوافع العنصرية في شرقي ألمانيا، على الرغم من عدد السكان فيها لا يشكل سوى 17 بالمائة من إجمالي سكان البلاد.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Balk
فمثلا، على الرغم من أن نشاط النازيين الجدد لا يقتصر على ألمانيا فحسب، بل سجل في عدد مناطق من العالم على غرار أمريكا والنرويج، إلا أن حزبهم "حزب ألمانيا القومي الديمقراطي" لم ينجح حتى الآن في الدخول إلى البرلمانات المحلية والمجالس المحلية إلا في شرقي ألمانيا.
صورة من: picture-alliance/dpa/F. Bimmer
شكلت مدينة دريسدن، بولاية سكسونيا شرقي ألمانيا، مهد ومعقل حركة "أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب" (بيغيدا) التي تتظاهر منذ أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2014 ضد الإسلام والمسلمين وتواجد الأجانب في ألمانيا. وقد بلغت هذه الاحتجاجات ذروتها مع تدفق سيل اللاجئين، وأغلبيتهم من سوريا، على ألمانيا العام الماضي.
صورة من: picture-alliance/dpa/J. Stratenschulte
خلال احتجاجاتهم الليلية التي تنظمها حركة "أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب" (بيغيدا) لم يتوان اليمينيون المتطرفون عن التعبير عن رفضهم لقدوم اللاجئين إلى ألمانيا. في إحدى المظاهرات حمل أحدهم لافتة تصور أناسا في قطار – وذلك في إشارة إلى أن أغلبية اللاجئين قدموا إلى ألمانيا في القطارات انطلاقا من المجر والنمسا – وقد كتب عليها بالإنجليزية: "اللاجئون غير مرحب بهم، عودوا بعائلاتكم إلى أوطانكم".
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Schutt
اليمين المتطرف يرفضو أيضا التعددية الثقافية في إشارة إلى المهاجرين، الذين يعيشون في ألمانيا منذ عقود، ويعتبرونها دخيلة على الثقافة الألمانية. في الصورة أحد المتظاهرين في احتجاجات نظمتها حركة بيغيدا في مدينة دريسدن وهو يحمل لافتة كتب عليها "يجب وقف التعددية الثقافية. وطني (يجب) أن يبقى ألمانيّا".
صورة من: picture-alliance/dpa/A. Burgi
كثيرا ما شهدت مدن شرق ألمانيا احتجاجات متكررة ضد اللاجئين وتنديدات بالمستشارة ميركل التي يتهمونها بفتح الأبواب على مصراعيها أمام "من هب ودب" دون أن تعير اهتماما لمخاوفهم ومشاكلهم. وفي الواقع، فقد شهد حزب المستشارة، الحزب الديمقراطي المسيحي، تراجعا في الانتخابات البرلمانية المحلية لعدد من الولايات الألمانية، وليس في شرق ألمانيا فقط.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/J. Meyer
إضرام الحرائق في مآوي اللاجئين أو في البنايات المخصصة لإيواء اللاجئين أحداث - وإن لم تقتصر على ولايات شرق ألمانيا - تحسب على اليمين المتطرف وعلى كارهي الأجانب بصفة عامة واللاجئين بصفة خاصة. الصورة تظهر بناية خصصت لإيواء اللاجئين في بلدة باوتسن وهي تحترق. كما أظهرت التحقيقات فيما بعد أن الحريق كان بفعل إجرامي.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Löb
بعدما سمع اليمنيون المتطرفيو أن طائفة الأحمدية تريد أن تبني مسجدا بمنطقة نائية في إيرفورت بولاية تورينغن، شرقي ألمانيا، حتى سارعوا للاحتجاج رغم أن الأمر لم يتعد طور التخطيط. ورغم أن هذا المسجد الذي لايزال مجرد حبر على ورق هو الأول من نوعه في الولاية بأسرها والثالث في شرقي ألمانيا (باسثناء برلين)، إلا أن حزب "البديل من أجل ألمانيا" الشعبوي يرى فيه مشروعا بعيد المدى لأسلمة ألمانيا.
صورة من: Getty Images/AFP/R. Michael
الاحتجاج على بناء المساجد من قبل البعض في ألمانيا ليس بالأمر الجديد. بيد أن البعض استخدم وسائل أخرى للتعبير عن احتجاجه: ففي عام 2013 ومع انطلاق أشغال بناء أول مسجد في مدينة لايبتسغ وثاني مسجد على الإطلاق في شرق ألمانيا (باستثناء برلين) قام مجهولون بوضع رؤوس خنازير دامية على أرضية المبنى. حادث مماثل تكرر بعدها بثلاث سنوات عندما وضع مجهولون خنزيرا صغيرا ميتا أمام مسجد في المدينة ذاتها.
صورة من: picture-alliance/dpa
لأكثر من 10 سنوات ويمنيون متطرفون، ينشطون في إطار ما يسمي بالخلية النازية السرية انطلاقا من مدينة تسفيكاو بشرق ألمانيا، يقتلون أناسا في مختلف أنحاء ألمانيا. والمتهمون هم أوفه موندلوز، أوفه بونهارت (في الصورة – في الوسط) وبيآته تشيبه. ضحاياهم: ثمانية أتراك ويوناني وشرطية. دافعهم في ذلك هو كراهيتهم للأجانب. وإلى حدود عام 2011 كان الرأي العام يجهل هوية هؤلاء وأن القتلة هم من اليمينيين المتطرفين.