لاجئون قاصرون ـ الهروب إلى مستقبل مستقبل خال من العنف
٢٩ أكتوبر ٢٠١٨
ينحدرون من أفغانستان وسوريا والصومال أو غينيا، إنهم يأتون بدون صحبة الأبوين تحت ظروف تكون في الغالب خطيرة. اللاجئون الصغار يكدٌون من أجل حياة جديدة، إلا أن ذلك يبقى صعبا في ظل الوحدانية مع أن هناك من يساعدهم.
إعلان
"كنت في العاشرة من عمري عندما عانقت جدتي للمرة الأخيرة. كنت في العاشرة من عمري عندما سُرقت مني طفولتي"، روجين نامر تلقي قصيدة حول الطفولة المفقودة في قريتها السورية. الهدوء يسيطر على الجمهور في الحفل الثقافي الخاص باللاجئين القاصرين والذين يقوموا برعايتهم. عدد من الأطفال اللاجئين يشاركون في مشروع شعري حول تجارب هربهم.
اقترحت مراسلة مجلة شبيغل، سوزانه كولب المشروع في 2015 لتجاوز الغربة والتعبير عن المشاعر من خلال الشعر. ووسط الجمهور في مدينة فوبرتال يمكن للكثيرين فهم ما يتحدث عنه الأطفال من تجارب ذاتية أو من خلال الشباب الذين يساعدونهم.
"النظر إلى الأمام وليس إلى الخلف"
مشتاق عرب من الصومال يعجبها كيف أن الشباب يفصحون عن قصصهم الشخصية فوق المنصة. هربت الصومالية قبل ثلاث سنوات إلى أوروبا، وجاءت إلى الحفل الثقافي مع مونيكا كوبر، المعلمة التي تقدم يد المساعدة للشباب بصفة تطوعية بدعم من كنيسة فوبرتال وفي إطار مشروع "افعل هذا/ Do it": " الشباب ليسوا موجودين هنا بدون سبب" تقول كوبر وتضيف: "لم أكن أعرف ماذا يعنيه الهرب"، تعرفت كوبر على صعوبة هذا الطريق من التلاميذ الآخرين، ولذلك لا تتفهم "ماذا يحصل سياسيا" في ألمانيا، مثلا لا تتفهم عندما يشتكي الناس من اللاجئين، لاسيما وأن أحوال الناس في هذا البلد جيدة.
مشتاق عرب تشكرها بإسهاب على مساعدتها وتقول:" إنها دوما مستعدة لمساعدتي". ومونيكا كوبر تمدح اجتهادها والنقاط الجيدة التي تحصل عليها، إنها تشعر بالارتباط معها:" أنا مُبرمجة على تحقيق النجاح وهي كذلك". والشابة البالغة من العمر 17 عاما تريد مواصلة التعلم وتحسين مستواها في الألمانية وفي المدرسة. وهي ترغب في اجتياز البكالوريا والدراسة فيما بعد. إنها تريد أن تصبح مدرسة للرياضيات مثل مونيكا كوبر "والنظر إلى الأمام وليس إلى الخلف".
الأطفال الصغار ماتوا جميعا"
"كانت مجموعة كبيرة من الأطفال على متن القارب الذي انقلب. كان لدي خوف رهيب"، هكذا يصف الشاب من مزار الشريف الهلع المميت في الطريق من تركيا إلى اليونان: "الجميع كانوا يصرخون، أنا أيضا". شاهزامير هتاكي يقرأ قصيدته بالداري ثم تأتي الترجمة:" أم غرقت أمام أعيني، وولدها في ذراعها". 65 شخصا كانوا في القارب وانتظروا ساعتين في الماء البارد لتلقي الإنقاذ:" ونجا منهم 20 شخصا. والأطفال الصغار ماتوا جميعا". والشاب الأفغاني جاء إلى المستشفى، وكان عمره 15 عاما. وبعد 20 يوما تمكن من الاتصال هاتفيا بوالدته. وقال لها بأنه وصل بخير.
والمستمعون في فوبرتال يصغون في هدوء ثم يصفقون. شاهزامير هتاري لن ينسى التجربة الصادمة. "عندما يسأل الناس كيف حالنا، نقول أننا بخير"، يقول أثناء مقابلة خلف المنصة. وبقصائدهم أراد الشباب تبيان "أننا لسنا أشخاصا سيئين". ينتاب شاهزامير خوف شديد مما سيحصل عندما يبلغ سن الرشد، لأن الأفغان يتعرضون في الغالب للترحيل. لقد شرع لتوه في تأهيل نفسه كأخصائي في المعلوماتية ويحضّر بموازاة ذلك لاجتياز البكالوريا. وقد تراجع عدد اللاجئين القاصرين بدون صحبة الأبوين بقوة منذ 2016.
وتفيد صحيفة "زوددويتشه تسايتونغ" أن الحكومة الألمانية لا تريد الالتزام بحكم صادر عن المحكمة العليا الأوروبية يقضي بأن يتمكن اللاجئون القاصرون من جلب عوائلهم عندما يبلغون سن الرشد حتى أثناء البت بطلبات اللجوء. والنقطة الحاسمة حسب الحكم هي متى تم تقديم الطلب وليس الوقت الذي تحتاجه الإدارة الحكومية المختصة لمعالجته. ويقضي القانون الألماني بأن يكون اللاجئ دون سن البلوغ حتى يتم لم شمله مع الأبوين.
" هنا يكمن الحظ وكذلك القساوة"
ياسر نيكسادة ترعرع كلاجئ أفغاني في إيران. وقصيدته موجهة لشقيقه الذي بقي في البلاد:" ثق بي هنا ليس الجنة. هنا يسكن الحظ وكذلك القساوة". والقساوة تعرفها أيضا مونيكا كوبر من خلال صحبة مشتاق عرب، وتقول بأن المهاجرين لا يتعرضون للمعاملة الجيدة إذا لم يكن أحد بصحبتهم. وهي تتحدث عن بعض الأطباء "الذين كانوا وقحين تجاهنا. ولم أتخيل ذلك".
قصيدة روبينا كريمي تدور أيضا حول القساوة غير العادلة. "ليس جريمة أن تكوني أفغانية"، تؤكد في قصيدتها. لقد هربت من كابول وتشتكي من احتقار الأفغان. "لماذا يتم معاقبتنا نحن الأفغان عندما يكون سلوك أحدنا سيئا؟" تتساءل. وتواجه انعدام ثقة كبير لدى السلطات التي تتهمها بالكذب. والتقارير من أفغانستان حول الاعتداءات اليومية بالقنابل تؤثر عليها:" الكثير من الناس يموتون، الكثير من الأطفال والكثير من النساء". لا يمكن لها مواصلة الكلام وتذرف الدموع.
"عندما يكون للمرء هدف، فإنه يحققه"
روبينا كريمي وروجين نامر وياسر نيكسادة لم يكتبوا سابقا قصائد. وشاهزامير هتاكي ينحدر عكس ذلك من عائلة شعراء: والده كان شاعرا وجده أيضا. وهو نفسه بدأ بنظم الشعر في سن الحادية عشرة. والشباب الآخرون لم يكونوا متعودين على التعبير عن مشاعرهم. وهم الآن مسرورين بأن يصغي أشخاص إليهم. يقول ياسر نيكسادة:" إذا تفهم أحدهم مشاعري، فإنه يفهم أيضا كيف هو الوضع صعب بالنسبة إلى والدي ولي عندما غادرت إيران وتجاوزت تسعة بلدان في طريقي بدونهما". إنها تجربة قاسية ويضيف:" الروح ظلت في إيران عند عائلتي، والجسم موجود هنا".
"الوضع متعب في مدرسة ثانوية"، تقول روجين من سوريا، لكن هذا لا يمنعها من مواصلة الطريق مضيفة: " عندما يكون للمرء هدف، فإنه سيحققه. كان هدفي تعلم الألمانية، وهذا ما حققته". روبينا أنهت القسم العاشر في أفغانستان بنجاح. وفي برلين حصلت في الصيف على أحسن شهادة مدرسية رغم أنها جاءت هي الأخرى مصدومة إلى ألمانيا. واجتازت تدريبا مهنيا في معهد الرياضيات في الجامعة التقنية.
أندريا غروناو/ م.أ.م
اللاجئون في ألمانيا - من "ثقافة الترحيب" إلى "سياسة الترحيل"
في خريف عام 2015، فتحت ألمانيا أبوابها للآلاف من اللاجئين. وكان تفهم الألمان لمآسي هؤلاء ملفتا جداً. إلا أن أحداثاً عديدة قلبت ثقافة الترحيب إلى مطالب بالترحيل. بالصور: محطات من السياسة الألمانية تجاه اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/G. Fischer
بداية الموجة
في 25 آب/ أغسطس 2015، علقت ألمانيا تنفيذ اتفاق دبلن تجاه اللاجئين السوريين. وينص الاتفاق على إعادة اللاجئين إلى بلد دخلوه في الاتحاد الأوروبي. وبعدها بأيام قالت المستشارة ميركل إن التغلب على موجة اللجوء؛ "مهمة وطنية كبيرة"، كما أصرت على أن "ألمانيا ستنجح في هذه المهمة". وخشيةً من مأساة تحل بآلاف اللاجئين، قررت ميركل إلى جانب النمسا استقبال اللاجئين، وكان ذلك في الخامس من أيلول/ سبتمبر 2015.
صورة من: Reuters/H. Hanschke
استقبال وترحيب
مثلت ""ثقافة الترحيب" عنصراً مهماً في استقبال اللاجئين في خريف 2015. وقد حظي اللاجئون عند وصولهم إلى عدد من المدن الألمانية بترحيب منقطع النظير من جانب المتطوعين من المواطنين الألمان والأجانب المقيمين في ألمانيا. وبادر هؤلاء المتطوعون إلى تقديم المساعدة المعنوية والمادية للعديد منهم. ففي ميونيخ مثلاً، تم إنشاء مطاعم مؤقتة للاجئين المنتظرين تسجيل أسماءهم لدى الشرطة، ونقلهم إلى مراكز الإيواء.
صورة من: picture alliance/dpa/J. Carstensen
أزمة السكن
عدد كبير من اللاجئين قصد ألمانيا بعد قرار ميركل عام 2015. الأرقام المتزايدة للاجئين شكلت تحديا كبيراً للألمان. وبدأت مدن ألمانية باستعمال المباني الخالية أو المهجورة كمراكز إيواء للاجئين، فيما استدعت السلطات الحكومية المختصة الموظفين المتقاعدين للعمل من جديد في مراكز اللاجئين. ويعتبر هذا المعطى واحداً من المؤشرات الأخرى التي فرضت على ألمانيا دخول تحدٍ جديدٍ، بسبب اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/I. Fassbender
بداية أحداث قلبت الموازين
كانت أحداث كولونيا، التي وقعت في ليلة رأس السنة الجديدة 2016/2015 بداية فاصلة لتغير مزاج الألمان تجاه اللاجئين. حيث شهدت تلك الليلة عملية تحرش جماعي كبرى لم تشهدها ألمانيا من قبل. تلقت الشرطة مئات البلاغات من نساء تعرضن للتحرش والسرقة وفتحت الشرطة أكثر من 1500 تحقيق لكن السلطات لم تنجح في التعرف إلا على عدد قليل من المشتبه بهم، الذين كانت ملامحهم شرق أوسطية وشمال إفريقية، طبقا لشهود.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Böhm
مطالب بالترحيل
أعمال التحرش الجنسي في كولونيا، ليلة رأس السنة، تسببت في موجة استياء واسعة في ألمانيا بداية من عام 2016، وقد دفعت كثيرين للمطالبة بتشديد القوانين لترحيل الجناة وجعلت آخرين يطالبون بتفادي تجريم فئة معينة في المجتمع. وكانت حركة "بغيدا" أهم الأطراف، التي دعت إلى وقف تدفق اللاجئين على ألمانيا. وتعارض هذه الحركة الشعبوية بوجه خاص إيواء لاجئين من دول إسلامية بدعوى أن ثقافتهم لا تنسجم مع القيم الغربية.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
تحديد سقف لعدد اللاجئين
على خلفية اعتداءات كولونيا ليلة رأس السنة، وجد زعيم الحزب الاجتماعي المسيحي المحافظ آنذاك هورست زيهوفر في الواقعة فرصة للتأكيد على طلبه الرئيسي المتمثل في تحديد سقف أعلى لعدد اللاجئين المسموح لهم بدخول ألمانيا. لكن ميركل كانت قد رفضت الأمر في مؤتمر حزب "الاتحاد الاجتماعي المسيحي" (البافاري) في ميونيخ.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Karmann
هجمات متفرقة ينفذها لاجئون
وقام بعض اللاجئين بأعمال عنف و"إرهاب" جعلت مؤيدين كُثراً يسحبون دعمهم لسياسة الترحيب. ومن أبرز هذه الاعتداءات، ما حصل بمدينة أنسباخ جنوبي ألمانيا. فقد فجَّر طالب لجوء سوري عبوة ناسفة من صنعه وهو ما أدى إلى مقتله وإصابة 12 شخصاً. كما أصاب طالب لجوء آخر (2016) خمسة أشخاص بجروح بفأس وسكين على متن قطار في فورتسبورغ.
صورة من: Reuters/M. Rehle
هجمات معادية للاجئين
وفي المقابل قام أشخاص بالاعتداء على مجموعة من مراكز إيواء اللاجئين مثل إضرام الحريق في مركز فيرتهايم. كما شهدت بعض المدن الألمانية مظاهرات معادية لاستقبالهم. هذه التصرفات دفعت المستشارة ميركل للقول إنه لا تسامح مع اليمينيين المتطرفين الذين يقومون بهجمات ضد اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Engmann
عملية دهس وراءها داعش!
في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2016 اهتزت برلين لفاجعة الدهس بشاحنة، التي أدت لمقتل 12 شخصاً وإصابة 48 آخرين. هذا العمل الإرهابي قام به لاجئ في ألمانيا، فقد وُجهت التهمة لأنيس العامري، وهو تونسي الجنسية، كان يبلغ حينها 24 عاماً، باختطاف شاحنة بولندية ضخمة، ودهس بها تجمعاً بشرياً بأحد أسواق أعياد الميلاد في قلب برلين، قبل أن تقتله الشرطة الإيطالية. وقد أعلنت "داعش" فيما بعد تبنيها للاعتداء.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
سياسة ميركل في مرمى الانتقادات
تصاعد الأزمات، وتفاقم المشاكل جعل شعبية المستشارة ميركل تقل، فقد اتهمها منتقدوها بأن سياسة "الباب المفتوح" التي اتبعتها فاقمت الأوضاع من خلال تشجيع المزيد من اللاجئين على الدخول في رحلاتهم الخطرة نحو أوروبا. وفي سبتمبر 2016 بدأت ألمانيا أيضا بعمليات مراقبة مؤقتة على حدودها مع النمسا.
صورة من: Getty Images/J. Simon
هل ستستقبل ألمانيا لاجئين جدد؟
أعلنت المفوضية الأوروبية لشؤون اللاجئين موافقة الحكومة الألمانية على استقبال 10 آلاف لاجئ ضمن برنامج "إعادة التوطين" التابع للاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي يحاول وزير الداخلية الألمانية الإسراع بفتح مراكز جديدة للاجئين تتولى استقبال اللاجئ والبت في قراره ثم ترحيله في حالة رفض طلبه. بالإضافة إلى توجهه نحو التشدد حيال لمّ شمل عائلات اللاجئين الحاصلين على الحماية الثانوية. إعداد: مريم مرغيش