لاجئون يعيدون الحياة لأراض زراعية في معقل اليمين الإيطالي
٤ أغسطس ٢٠١٨
في معقل حزب ليغا اليميني المناهض للمهاجرين في ايطاليا، أنشأ مزارع مع عدد من اللاجئين مزرعة عضوية. ورغم الاندماج الجيد، يبقى مصير اللاجئين رهين السياسة. التقرير التالي من بلدة أوليجيو شمال إيطاليا، يلقي الضوء على المشكلة.
إعلان
يتوجه ديمبو سيسيه للعمل في الحقل كل صباح. يصعد الشاب، البالغ من العمر 21 عاماً والمنحدر من غينيا، داخل سيارة عائلية قديمة مع اثنين آخرين. وينتقل من أوليجيو، وهي بلدة صغيرة في منطقة بييمونتى بشمال غرب إيطاليا، إلى حقل في المنطقة المجاورة. لكن ديمبو وزملاءه لا يعملون كعمالة موسمية رخيصة في المزارع الكبيرة، وإنما ضمن مشروع أسسه أحد المزارعين المتقاعدين.
يجلس الشاب ديمبو في سيارة رافاييلي داكونتو، المعروف باسم ليلو، وهو كان أول مزارع مختص في الزراعة العضوية في المنطقة، لكنه تقاعد وبعدها عاد مجدداً إلى العمل كمزارع، وأسس مع ديمبو وأربعة رجال آخرين من مالي والسنغال ونيجيريا شركة، تقوم بإنتاج المنتجات العضوية وبيعها في السوق المحلية.
بينما يقوم بانتزاع طفيليات البطاطا يقول ديمبو:"لم يعتنِ أحد بهذه الأرض طوال الأربعين سنة الماضية"، ويضيف: "عندما بدأنا العمل بالأرض، كانت مليئة بالصخور وكانت أرضا صعبة للغاية ولا تساعد على الزراعة بها". قبل ثلاثة أشهر بدأت المجموعة بإعادة استخدام جزء من الأرض المهجورة. المالك الأصلي للقطعة الأرضية لم يكن لديه اعتراضات. ويقوم ديمبو وزملاؤه بزراعة البطاطس والقرع وأنواع أخرى من الخضروات. كما تم توقيع اتفاق مع مركز الاستقبال المحلي للمهاجرين لتطوير حديقة الخضروات الخاصة بهم. وبلغة إيطالية متقنة يقول ديمبو "هنا يمكننا أن نكون رؤساء أنفسنا". وصل ديمبو إلى إيطاليا قبل 18 شهراً، وانتظر فترة طويلة حتى حصوله على موعد من أجل إجراء مقابلة طلب اللجوء. اليوم هناك جواب على طلب لجوئه.
فترة انتظار طويلة
يمكن لفترة الانتظار أن تستغرق وقتاً طويلاً. في دول الاتحاد الأوروبي انتظر أكثر من نصف طالبي اللجوء لأكثر من ستة أشهر لأخذ قرار بشأن طلبات لجوئهم نهاية أيار/ مايو. ويعيش في إيطاليا أشخاص في مراكز استقبال خاصة تمولها الدولة لأكثر من عامين. يجد المحظوظون بينهم عملاً بأجور زهيدة في السوق السوداء. وبهذا يحصلون عادة على زيادة بـ2.50 يورو في اليوم أكثر من الذي تمنحه لهم الحكومة الإيطالية. وعلى سبيل المقارنة ، تتلقى مراكز الاستقبال ما يصل إلى 35 يورو في اليوم لكل طالب لجوء. هذه الأموال تكون مخصصة للاستقبال وبرامج الاندماج، بما في ذلك دروس تعليم اللغة. بعض مراكز الاستقبال تقدم هذه الخدمات، لكن النظام يتسم بالفوضى والانتهاكات، حتى من قبل المافيا.
حظ اللاجئ ديمبو كان أفضل، إذ شارك في دورة البستنة والزراعة. وهناك التقى بالمزارع المتخصص في الزراعة العضوية، ليلو، الذي كان معلمه. لكن تلك الصورة النمطية عن المهاجرين غيرها ديمبو وعن هذه التجربة يقول: "ليس أنا من يحدد ما إن كنت أريد الاستمرار في هذا العمل، هذا يعتمد على المكان الذي سيُسمح لي بالعيش فيه في المستقبل ولا أعلم ما سيحدث غداً".
رفض العديد من طلبات اللجوء
ديمبو يعرف الأرقام، فقد غرق موخراً 77 في المئة من القادمين عبر طريق المهاجرين الرئيسي بالبحر المتوسط. وبناء على ذلك انخفض عدد طلبات اللجوء في إيطاليا بنسبة 50 في المائة في الربع الأول من عام 2018 مقارنة بالعام السابق. مع ذلك يتم في المتوسط رفض 60 في المئة من طلبات اللجوء. وتقدم إيطاليا بالأحرى "الحماية الإنسانية" على شكل تصريح إقامة لمدة عامين وذلك من أجل مساعدة أولئك الذين لا يحصلون على اللجوء.
وكتب وزير الداخلية الإيطالي اليميني المتطرف ماتيو سالفيني مؤخراً رسالة إلى لجان اللجوء المحلية وطلب فيها التدقيق في طلبات اللجوء والحد من عدد تصاريح "الحماية الإنسانية" الصادرة. وتخشى جمعيات حقوق الإنسان من قرارات غير عادلة بشأن طلبات اللجوء.
حصل حزب "ليغا"، الذي ينتمي إليه سالفيني، خلال الانتخابات البرلمانية في آذار/ مارس في أوليجيو على ما يقرب من 30 في المئة من الأصوات، وهي نسبة أكثر من أي حزب آخر. و تزداد مؤخراً شعبية الحزب اليميني في جميع أنحاء البلاد. المزاج العام متوتر بسبب إشاعات عديدة، من بينها إشاعة أن طالبي اللجوء يحصلون على 35 يورو يومياً من الدولة. لذلك غالباً ما ينظر للمهاجرون في كثير من الأحيان بكثير من الريبة.
ديمبو سيسيه يشعر بذلك أيضاً، ويقول "عندما تتحدث إلى شخص ما في الشارع وتسأله عن شيء، أحياناً يديرون ظهورهم لك". ربما يعتقد الناس أنك تريد طلب المال منهم، لكن ليس هذا ما يبحث عنه ديمبو. فالعمل في المزرعة يسير بشكل جيد. وبدأوا خلال الأسابيع القليلة الماضية ببيع منتجاتهم مباشرة إلى المستهلكين.
بالنسبة للمزارع العضوي، ليلو، الذي جاء إلى المنطقة منذ 30 عامًا كمهاجر، فإن هذا المشروع يمثل فرصة كبيرة لنقل معرفته وشغفه، ويقول "اللقاء مع الشبان (المهاجرين) جعلني أدرك قيمة أشياء معينة لا أستطيع أن أفعلها مع أولادي". ويقول لزملائه الجدد: "لكنني متفائل وأقول لهم: ليس لدينا ما نخسره".
إلينيا غوستولي/ إ.م
المهاجرون غير النظاميين بإيطاليا- من أين جاؤوا وإلى أين يذهبون؟
يقصد الآف اللاجئين والمهاجرين غير النظاميين إيطاليا. بعضهم يراها منفذا نحو دول أوروبا وآخرون يفضلون البقاء فيها بشكل غير نظامي لإنهاء رحلة معاناة بدأت في بلدانهم وتستمر في غياب وضع قانوني يسمح لهم بالإقامة في إيطاليا.
صورة من: Reuters
من كل حدب وصوب
المهاجرون غير القانونيين الى إيطاليا لا تقتصر أصولهم على جنسية واحدة، إذ يتدفقون إليها من كل من دول أفريقيا. من نيجيريا وبنغلاديش وغينيا، ومن ساحل العاج وغامبيا والسنغال. كما يهاجر إليها كثيرون من المغرب ومالي وإريتريا، فضلا عن السودان والصومال ومصر وتونس وليبيا... وفي السنين الأخيرة أضيف السوريون إلى قائمة القاصدين لهذا البلد، سواء من ليبيا أو عن طريق تركيا.
صورة من: Getty Images/M. Di Lauro
أفواج كبيرة
عام 2006، بلغ عدد المهاجرين غير القانونيين الآتين عبر البحر 22 ألفا. وفي 2014، وصلوا إلى 220 ألفا؛ أي بزيادة 296 في المائة. عام2017، قالت وزارة الداخلية الإيطاليّة، إن أعداد المهاجرين غير القانونيين تجاوزت الـ94 ألفًا منذ بداية 2017، وهو ما يعني التزايد المهول في عدد المهاجرين غير النظاميين القاصدين للبلد، إذ يشكلون ما يقارب 8.3 في المائة من السكان هنالك. آلاف من هؤلاء يعيشون في مخيمات مؤقتة.
صورة من: Gaia Anderson
أرقام مهولة
أشارت بيانات أصدرها المعهد القومي للإحصاء في روما، عام 2015، إلى أن عدد المهاجرين غير القانونيين القادمين إلى إيطاليا لا يقل عن ألف من كل وجهة. فمن المغرب، هاجر 449 ألف شخص. في حين تم استقبال حوالي 104 آلاف شخص من مصر. ومن رومانيا، دخل إلى البلد 2.1 مليون مهاجر. أما بالنسبة للفلبين وتونس وبنغلاديش وباكستان فيناهز عدد القادمين منها 90 ألف. وأوضحت البيانات، أن معظمهم يسكنون روما، ميلانو وتورينو.
صورة من: picture-alliance/dpa/Italian Navy/Handout
مجرد معبر
ليس كل المهاجرين إلى إيطاليا ينوون الاستقرار فيها أو الإقامة على أراضيها. جزء مهم منهم يريد الوصول إلى مدن أوروبية أخرى كفرنسا والسويد وألمانيا التي يرونها أكثر ترحيبا باللاجئين. وتعتبر منطقة فانتيمي الحدودية إحدى الوجهات التي يعقد عليها هؤلاء أملا في العبور إلى فرنسا. كما أن القطارات التي تسمح بالتنقل داخل الإتحاد الأوروبي، تمثل حلا لبعض هؤلاء المهاجرين الذين يركبونها للوصول إلى وجهاتهم.
صورة من: picture alliance/AA/Tacca
طريق الفردوس والموت واحد!
رحلة قدوم المهاجرين غير القانونيين إلى إيطاليا، لا يمكن وصفها سوى بالقاتلة والخطيرة. فكثير من المهاجرين يركبون البحر، وهو ما يعرضهم لمتاعب قد تصل حد الموت. وإلى جانب انقلاب قواربهم الصغيرة والمتهالكة نتيجة رداءة الطقس أحيانا، يتعرض كثير منهم للابتزاز والنهب من طرف المهربين. الرحلة لا تقتصر على جنس معين ولا تقف عند سن، لذلك تتضرر النساء غالبا، وخاصة الحوامل الواتي يصعب عليهن إكمال الرحلة.
صورة من: Reuters/E. Gaillard
دوافع اقتصادية وسياسية
يشكل الفقر والمجاعة والبطالة أسباباً رئيسية للهجرة غير القانونية، وحتى لو اختلفت جنسيات المهاجرين فإن أسبابهم تبقى واحدة. في السنين الأخيرة، أضيف إلى هذا الجانب ما هو أمني وسياسي. فقد هرب البعض خوفا من الإرهاب والحرب والدمار في بلدانهم الأصلية، أو بهدف البحث عن سبل تحسين ظروفهم الاقتصادية الصعبة وضمان العيش الكريم لعائلاتهم.
صورة من: REUTERS
ظروف مؤسفة وتحديات كثيرة
يضطر المهاجرون إلى إيطاليا في غالب الأحيان إلى العيش في ظروف مؤسفة، تصفها بعض الجهات بـ"غير الإنسانية". بعضهم يتوسد الطرقات ويأكل من بقايا النفايات. في حين يقصد آخرون مخيمات تنعدم فيها إمكانية الحصول على أكل وشرب ولباس. وفي مرات عديدة خرج هؤلاء للتنديد بوضعهم المزري، كما تحدثوا عن غياب مرافق مهمة بهذه المخيمات كالمدارس والدورات المهنية المدفوعة، وفرص العمل التي قدموا من أجلها.
صورة من: picture alliance / landov
طلبات اللجوء في تزايد
بعد الوصول إلى إيطاليا يسعى مهاجرون كثر إلى البحث عن طرق تعفيهم من وصف "غير قانوني"، فيعتمدون تقديم طلبات اللجوء. ووفق تقرير لمنظمة العفو الدولية، فإن السلطات الإيطالية توصلت بـ130 ألف طلب لجوء في 2017 . وحصل 40 بالمئة منهم في العام الجاري على الحماية منذ الفترة الأولى. إلا أن عدد المهاجرين الذين يستقبلهم المركز من يوم لآخر يتغير بين الفينة والأخرى.
صورة من: D. Cupolo
آليات العمل تعيق طلبات اللجوء
يواجه طالبو اللجوء في إيطاليا عراقيل بيروقراطية، سبق لمنظمات عديدة أن أدانتها ونددت بالتعقيدات الإدارية التي تشمل طالبي اللجوء والحاصلين على الحماية الدولية. وأشارت هذه المنظمات إلى عامل اشتراط توفر المسكن من أجل إصدار أو تجديد تصريح الإقامة، مثلا، وهو ما لا يتوافر للعديد ممن يعيشون خارج نظام الاستقبال، على عكس ما ينص عليه القانون الإيطالي، الذي يضمن التسجيل السكاني كحق للشخص الأجنبي.
صورة من: Reuters/A. Bianchi
جرائم وعنف ترافق المشهد
تعتبر بعض التقارير فتح إيطاليا الباب أمام المهاجرين غير القانونيين، يضعها وجها لوجه أمام مشاكل يتسبب فيها بعضهم. فقد قدرت بعض التقارير نسبة المسؤولين عن الجرائم في البلد، والذين ينتمون إلى شريحة المهاجرين غير الشرعيين بـ50 بالمائة من الجرائم، و40 بالمائة من حوادث السرقة. كما يتسببون في 37 بالمائة من العنف الجنسي، فضلا عن 25 بالمائة من جرائم القتل، و50 بالمائة من الجرائم الأخرى كالبغاء.
صورة من: ANSA/A. Carconi
وجود دائم رغم تناقص أعداد الوافدين
سجلت إيطاليا في الربع الأول من 2018 وصول 6161 مهاجرا غير قانوني إلى جبال الأبينيني، بينما في الربع الأول من العام الماضي بلغ عددهم أكثر من 24 ألف مهاجر، حسب تقرير الداخلية الإيطالية. كما سجلت السلطات الإيطالية انخفاضا حادا في تدفق المهاجرين إليها من ليبيا، فقد وصل في الربع الأول من العام الجاري 4.4 آلاف مهاجر، أي أقل بنسبة 81٪ مقارنة بالربع الأول من عام 2017. لكن ذلك لا ينفي استمرارية توافدهم.
صورة من: Getty Images/AFP/V. Hache
وصول اليمين ومخاوف من المستقبل
تقدم اليمين المتطرف في الانتخابات بإيطاليا، زاد مخاوف دول أوروبية فيما يخص مستقبل اللاجئين والمهاجرين غير القانونيين في إيطاليا وبقية أوروبا. ويخشى البعض من أن يشكل صعود اليمين المتطرف في إيطاليا عائقا كبيرا أمام المشروع الفرنسي الألماني لإصلاح الاتحاد الأوروبي وقضية اللاجئين، خاصة مع رواج خبر طرد اللاجئين المرفوضة طلباتهم للبقاء، وترحيل 500 ألف مهاجر غير قانوني. إعداد: مريم مرغيش.