مع استمرار وصول السوريين الهاربين من العنف في إدلب يزداد قلق اللاجئين الذين ينحدرون من مدينة إدلب في ألمانيا على عائلاتهم، وسط تحذيرات من موجة لجوء جديدة.
إعلان
القيامة قائمة في إدلب"، هكذا يصف وليد، اللاجئ السوري في ألمانيا، الأوضاع في إدلب التي وصل عدد سكانها في السنوات الماضية إلى حوالي ثلاثة ملايين شخص، نصفهم نازحون.
يقول وليد لمهاجر نيوز إنه يتواصل مع عائلته في محافظة إدلب- ويتابع: "أنا قلق جداً على أهلي في إدلب، فالعديد من الناس هناك لا يدرون إلى أين يذهبون في حال حدوث هجوم- لا سمح الله- في ظل إغلاق تركيا حدودها".
منذ شهور تستعد منظمات إنسانية على الأقل للتخفيف من الآلام الكبيرة. "في المنطقة يسكن نحو ثلاثة ملايين نسمة"، تقول أنيسة هاينلاين من منظمة CARE الألمانية. " وما يزيد الوضع تعاسة هو أن نحو نصف هؤلاء الأشخاص مهجرون في الداخل". ولقد غادر بعض الناس المدينة في الأيام الماضية. "لكن الوضع صعب جدا ـ ولا توجد أماكن أخرى يمكن الهرب إليها".
منسق الأمم المتحدة للمساعدة الطارئة مارك لوكوك، حذر من خطورة الأوضاع في إدلب، عندما قال:"يجب إيجاد سبل للتعامل مع هذه الإشكالية التي قد تتحول في الشهور المقبلة إلى أسوء كارثة إنسانية مع أكبر خسارة للحياة البشرية في القرن الواحد والعشرين". المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية قال إن نحو نصف النازحين انتقلوا إلى مخيمات في حين ذهب آخرون إلى أماكن إيواء غير رسمية أو ظلوا مع عائلاتهم أو استأجروا سكناً.
التحذير من موجة لجوء جديدة
وتقول تركيا التي تستضيف نحو 3.5 مليون لاجئ سوري إنها لا تستطيع استقبال المزيد من اللاجئين، وتخشى من أن يؤدّي الهجوم على إدلب إلى تدفق جديد للاجئين صوب حدودها، بل إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حذّر من أنّ أيّ هجوم على إدلب سيتسبّب في مخاطر إنسانية وأمنية لأوروبا أيضاً.
ورغم إغلاق تركيا حدودها إلا أن إبراهيم ق.، الذي يعيش مع عائلته في محافظة إدلب، يرى أنه ليس هناك بديل من التوجه إلى تركيا في حال حدوث الهجوم، ويتابع لمهاجر نيوز: "إن حدث هجوم، فالخطوة الأولى هي أن نتوجه إلى تركيا والتي قد نستقر فيها أو أن نتوجه إلى إحدى الدول الأوروبية".
"المساعدة المالية والدعاء"
ويرى اللاجئ السوري وليد أن اللاجئين من أهالي إدلب في ألمانيا لا يمكنهم أن يساعدوا أهاليهم الموجودين هناك إلا "عن طريق تقديم المساعدة المالية والدعاء لهم"، ويتابع: "لا نستطيع أن نقرّر عنهم فنحن لا نعيش واقعهم" مشيراً إلى أنه سيبذل كلّ ما بوسعه ليصل أهله إلى مكان آمن في حال حدوث هجوم.
أما اللاجئ السوري عبدالله، ورغم ازدياد قلقه على أهله في إدلب عند سماعه بالهجوم المحتمل عليها، إلا أنه يحاول التخفيف من خوفه عن طريق إقناع نفسه بأن "الهجوم الواسع على إدلب ليس سوى حملة إعلامية لإخافة الناس".
يقول عبدالله، الذي يتواصل مع أهله في إدلب، لمهاجر نيوز: "الأوضاع في إدلب سيئة للغاية، ولذلك أرجو أن يتمّ الوصول إلى حلّ سياسي لكي لا يتعرض المدنيون للأذى"، مشيراً إلى أن والديه يرفضان الخروج من إدلب واللجوء إلى دولة أخرى.
التحذير من "حمّام دمّ"
ولم يستطع رؤساء تركيا وإيران وروسيا في اجتماعهم الذي عقد في طهران الأسبوع الماضي من أن يتفقوا على وقف لإطلاق النار في إدلب يحول دون الهجوم المتوقع، رغم أن اجتماعات سابقة لزعماء تركيا وروسيا وإيران أدت إلى إقامة ما يسمى بـ"مناطق خفض التصعيد" في سورية، بما في ذلك إدلب.
ويأمل اللاجئ السوري حسن بأن تفتح الحكومة التركية أبوابها لأهالي إدلب، ويتابع لمهاجر نيوز: "إذا دخل النظام إلى إدلب ستحدث مجازر وسيسقط عدد كبير من القتلى"، مضيفاً بأن خوفه على عائلته التي تعيش في إدلب ازداد كثيراً بعد سماع أخبار التحضير لهجوم واسع عليها.
وقد حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش النظام السوري وداعميه من شن هجوم شامل على إدلب، مشدداً على ضرورة ألا تتحول إدلب إلى "حمام دم". وأضاف أن شنّ هجوم شامل على إدلب "سيطلق العنان لكابوس إنساني لم يسبق له مثيل في الصراع السوري الدموي".
يقول عبدالله إن ما يحدث في إدلب هو صراع بين دول يدفع ثمنه المدنيون، ويضيف: "لا نريد الحرب ولا يمكننا أن نقوم بأيّ شيء لإيقافها".
إدلب الخضراء.. طبول الحرب تقرع في "أرض مملكة إيبلا"
ترتفع الأصوات الدولية التي تحذّر النظام السوري من إعادة استخدام الأسلحة الكيميائية في محافظة إدلب، مع سعي النظام للسيطرة على المعقل الرئيسيّ لفصائل المعارضة. فما هي الأهمية الاستراتيجية والتاريخية لإدلب؟
صورة من: picture-alliance/AP
أهمية استراتيجية
تعتبر محافظة إدلب في شمال غربي سوريا آخر المعاقل الرئيسية لفصائل المعارضة، وتتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة فهي من جهة محاذية لتركيا الداعمة للمعارضة، ولمحافظة اللاذقية، معقل الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الرئيس السوري بشار الأسد من جهة ثانية. كما أن مدينة إدلب (مركز المحافظة) لا تبعد عن طريق حلب - دمشق الدولي سوى 20 كليومتراً.
صورة من: AP
إدلب الخضراء
قبل اندلاع الحرب الأهلية في سوريا كان غالبية سكان إدلب يعتمدون على الزراعة وخصوصاً الزيتون والقطن والقمح. وبسبب اشتهارها بزراعة الزيتون فقد كان يطلق عليها "إدلب الخضراء". كما أنها كانت سوقاً تجارياً واسعاً للمناطق المحيطة بها، بالإضافة إلى كونها أحد مراكز صناعة الصابون في سوريا.
صورة من: Colourbox
أرض مملكة إيبلا
وتعرف محافظة إدلب بكثرة متاحفها ومواقعها الأثرية التي تعود لحقب تاريخية قديمة، ومن أبرزها مدينة إيبلا الأثرية، إحدى أقدم الممالك في سوريا قبل الميلاد. قبل اندلاع النزاع في 2011، كان متحف إدلب يتميز باحتوائه على مجموعة قيمة من الرقم المسمارية، التي تروي عبر نصوص سياسية وأدبية تاريخ مملكة إيبلا. إلا أن المتحف الذي أُعيد افتتاحه هذا الشهر، لم يسلم خلال سنوات الحرب من القصف وأعمال السرقة والنهب.
صورة من: Daniel Leal-Olivas/AFP/Getty Images
معقل للمعارضة
انضمت محافظة إدلب سريعاً إلى ركب الاحتجاجات على النظام السوري التي اندلعت في آذار/ مارس 2011، والتي تحولت لاحقاً الى نزاع مسلح تعددت أطرافه. وفي آذار/ مارس 2015 سيطر "جيش الفتح"، وهو تحالف يضم فصائل إسلامية وجهادية بينها جبهة النصرة (فرع تنظيم القاعدة بسوريا) التي تحولت إلى "هيئة تحرير الشام" على كامل محافظة إدلب باستثناء بلدتي الفوعة وكفريا ذات الغالبية الشيعية.
صورة من: dapd
اقتتال داخليّ
بعد اقتتال داخلي بين الفصائل المتعددة في 2017، باتت هيئة تحرير الشام تسيطر على الجزء الأكبر من محافظة إدلب مقابل تواجد محدود لفصائل أخرى أبرزها حركة أحرار الشام وحركة نور الدين زنكي. وفي 18 شباط/ فبراير 2018، أعلنت الحركتان المذكورتان اندماجهما تحت مسمى "جبهة تحرير سوريا" لتخوضا مجدداً معارك مع جهاديي هيئة تحرير الشام.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/Nusra Front on Twitter
مليونان ونصف المليون
ومنذ سيطرة فصائل المعارضة عليها، وطوال سنوات، شكلت محافظة إدلب هدفاً للطائرات الحربية السورية والروسية، كما استهدف التحالف الدولي بقيادة واشنطن قياديين جهاديين فيها بشكل دوريّ. ويعيش في إدلب حالياً نحو 2,3 مليون شخص بينهم أكثر من مليون نزحوا من مناطق أخرى، مع أعداد كبيرة من المقاتلين الذين رفضوا إلقاء السلاح ولا سيما من الغوطة الشرقية التي خضعت لحصار طويل وهجمات عنيفة.
صورة من: picture-alliance/AA/M. Khder
هجمات كيميائية
منذ 2014 تعرضت إدلب إلى عدة هجمات كيميائية، فبعد تأكيد لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة أن قوات النظام استخدمت الغازات السامة في كل من بلدة تلمنس (21 نيسان/ ابريل 2014) وبلدتي سرمين وقميناس (آذار/ مارس 2015)، تعرضت مدينة خان شيخون لهجوم كيميائي في 2017، أدوى بحياة عشرات الأشخاص بينهم 30 طفلاً. واتهمت الأمم المتحدة النظام السوري بشن الهجوم، رغم نفي الأخير.
صورة من: Reuters/A. Abdullah
تصعيد في منطقة "خفض التصعيد"
تشكل محافظة إدلب مع أجزاء من محافظات محاذية لها إحدى مناطق اتفاق خفض التصعيد التي تم التوصل إليها في أيار/ مايو 2017 في أستانا برعاية روسيا وإيران، حليفتي دمشق، وتركيا الداعمة للمعارضة. وبدأ سريان الاتفاق في إدلب في أيلول/ سبتمبر الماضي. لكنها تعرضت نهاية 2017 لهجوم عسكري تمكنت خلاله قوات النظام بدعم روسي من السيطرة على عشرات البلدات والقرى في الريف الجنوبي الشرقي وعلى قاعدة عسكرية استراتيجية.
صورة من: picture-alliance/AA/M. Sultan
الأسد: هدفنا الآن إدلب
أكد الرئيس السوري بشار الأسد في 26 تموز/ يوليو الماضي أن "هدفنا الآن هو إدلب على الرغم من أنها ليست الهدف الوحيد". وفي 9 آب/ أغسطس الجاري قصفت قوات موالية للنظام السوري مواقع في إدلب قالت بأنها لفصائل معارضة وجهاديين وألقت منشورات تدعو السكان للاستسلام.
صورة من: picture-alliance/abaca
تحذيرات من "حمّام دم"
ودعت الأمم المتحدة إلى التوصل إلى "اتفاقات" لتفادي "حمام دم" في إدلب، وكان مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ستافان ديمستوريا قد قال في أيار/ مايو إنه في حال تكرار سيناريو الغوطة في إدلب فإن حجم الدمار وأعداد الضحايا قد تكون أكبر بست مرات، مشيراً إلى نصف الناس الذين يعيشون في إدلب، البالغ عددهم 2,3 مليون شخص، نازحون و"ليس لديهم مكان آخر يلجؤون إليه".
صورة من: Reuters/K. Ashawi
تمهيد للهجوم؟
وبعد أن اتهمت روسيا فصائل المعارضة بالتحضير لعمل "استفزازي" يتمثل بهجوم كيميائي في إدلب بهدف تحميل دمشق المسؤولية عنه واستخدامه كمبرر للقوى الغربية لضرب أهداف حكومية في سوريا، أبدت الدول الغربية الأعضاء في مجلس الأمن الدولي قلقاً متزايداً على مصير ملايين المدنيين في إدلب، خصوصاً بعد أن عززت روسيا من وجودها العسكري قبالة السواحل السورية، فهل سيتكرر سيناريو الغوطة في إدلب؟
محيي الدين حسين