لارتباطه بحماس.. جدل في ألمانيا حول حظر رمز "المثلث الأحمر"
٨ أغسطس ٢٠٢٤سواء أكان رمزا للمقاومة أو شارة شرفية أو كان شعارا يعود للحقبة النازية، فإن رمزية "المثلث الأحمر المقلوب" تثير الجدل داخل ألمانيا حيث يلقى الأمر تفسيرات متباينة بين الكثيرين.
وظهر "المثلث الأحمر المقلوب" في مقاطع مصورة نشرتها كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، لتحديد الأهداف العسكرية الإسرائيلية المحتملة مثل الدبابات بعد وقت قصير من بدء العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة.
يشار إلى أن حركة حماس جماعة إسلاموية فلسطينية مسلحة، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى أنها منظمة إرهابية. وعقب هجومها الإرهابي على إسرائيل في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حظرت وزيرة الداخلية جميع أنشطة حماس في ألمانيا.
وفي العاصمة برلين، جرى رسم "المثلث الأحمر المقلوب" على جدران بعض الأماكن مثل ملهى ليلي وحانة أُقيم داخلهما فعاليات لمناهضة معاداة السامية أو للتعبير عن التضامن مع إسرائيل بعد هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول. ولم تشر بيانات الشرطة إلى عدد المرات التي جرى فيها استخدام هذا الشعار في هذا السياق.
وقد ظهر شعار "المثلث الأحمر المقلوب" في إطار موجة احتجاجات متضامنة مع فلسطينيين التي شهدتها العديد من الجامعات في أنحاء العالم بما في ذلك ألمانيا فضلا عن أنه جرى استخدامه على منصات التواصل الاجتماعي وفي مظاهرات مناهضة للحرب.
دعوات للحظر
وفي مطلع يوليو/تموز الماضي، أقر برلمان ولاية برلين اقتراحا طارئا يرمي إلى تمديد الحظر الذي فرضته الحكومة الألمانية على حماس ليشمل أي استخدام لشعار "المثلث الأحمر" بشكل صريح مع تجريم استخدام رموز المنظمات المناهضة للدستور أو المنظمات الإرهابية بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات.
وتقدمت أحزاب الائتلاف الحاكم في ولاية برلين، الحزب المسيحي الديمقراطي (يمين وسط) والحزب الاشتراكي الديمقراطي (يسار وسط)، بالمقترح الذي ينص على أن "المتعاطفين مع المنظمات الإرهابية الفلسطينية" يستخدمون (المثلث الأحمر) "لتحديد المواقع المحتملة للهجمات أو لتهديد المعارضين لهم أو للادعاء بان مساحة عامة باتت ملكا لهم."
وأضاف الاقتراح أن الشعار أضحى يشكل تهديدا للسلامة والنظام العام ويثير الخوف خاصة داخل المجتمع اليهودي. وجاء في المقترح أن "الهدف هو منع رؤية الشعار في الأماكن العامة وضمان معاقبة استخدامه قانونيا سواء في سياق الصراع في الشرق الأوسط أو في سياق حماس". وتدرس وزارة الداخلية الألمانية إمكانية فرض هذا الحظر في عموم البلاد.
المثلث الأحمر.. ماذا يقول التاريخ؟
وفي المانيا، فإن شعار المثلث الأحمر يرمز للحقبة النازية فيما جرى استخدامه من قبل بعض ضحايا النازية للإشارة إلى إنهم كانوا سجناء سياسيين داخل معسكرات الاعتقال. ورغم أن الأشهر الأخيرة قد شهدت ارتباط الشعار بحماس، إلا أنه يسبق تأسيس الحركة بالكثير من الأعوام.
واتهمت "جمعية مضطهدي النظام النازي- اتحاد مناهضي الفاشية"، الأحزاب السياسية بـ "فقدان الذاكرة التاريخية" مع انتقاد أعضاء برلمان ولاية برلين بالتسرع في الانخراط في سياسات في سياق مناهضة معاداة السامية والعداء لإسرائيل. وأعربت الجمعية عن قلقها إزاء "سوء استخدام" الرمز.
يُشار إلى أنه منذ منتصف ثلاثينيات القرن الماضي، جرى إجبار السجناء السياسيين القابعين داخل معسكرات الاعتقال النازية على ارتداء شارات من القماش رُسم عليها المثلث الأحمر في إطار منظومة وصم عامة.
وفي مقابلة مع DW، قال مدير "المؤسسة التذكارية لبوخنفالد وميتلباو دورا"، ينس كريستيان فاغنر، "إنه في البداية كان معظم السجناء السياسيين ينتمون إلى حزب الاشتراكي الديمقراطي والأحزاب الشيوعية فيما كان لون المثلث الأحمر يشير إلى ألوان احزابهم، لكن لاحقا شملت الاعتقالات المواطنين غير الألمان من مختلف الأطياف السياسية ممن عارضوا الاشتراكية القومية أو احتلال ألمانيا النازية لبلدانهم."
وعقب انتهاءالحرب العالمية الثانية في عام 1945، استخدم الناجون من معسكرات الاعتقال النازية وأقاربهم والمتعاطفين معهم، رمز "المثلث الأحمر" كشارة شرفية لنضالهم ضد الفاشية في أنحاء أوروبا خاصة ألمانيافيما جرى استخدام الشعار من قبل حركات مؤيدة لحقوق المثليين.
من جانبه، أدان ينس كريستيان فاغنر الاستخدام الأخير لشعار "المثلث الأحمر" باعتباره "تحريفا للتاريخ" لأنه يشوه سمعة الشعار كرمز لمناهضة الاشتراكية القومية (النازية)، لكن قال إنه "إذا جرى تغيير معنى الشعار واستخدامه لتمييز الأعداء من منظور معادٍ للسامية، فيجب منع استخدامه في هذه الحالة".
المزيد من الجدل
وتساءل كثيرون حيال دلالة استخدام هذا الشعار من قبل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين أو من قبل رواد التواصل الاجتماعي المعارضين لاستمرار الحرب.
وفي تعليقه، قال رالف مايكلز، مدير معهد "ماكس بلانك للقانون الخاص المقارن والدولي" في هامبورغ، "إن الرموز بشكل عام تحمل في طبيعتها تناقضات، لذا يصعب تنظيم الأمر. لا يمكن الافتراض أنها تعني دعم الإرهاب عندما يستخدمها فلسطينيون أو اخرون".
وكانت وزارة الداخلية في ألمانيا قد أدرجت أواخر العام الماضي شعار "من النهر إلى البحر" باعتباره رمزا لحركة حماس وقامت على إثر ذلك بحظر استخدامه.
ويرى البعض أن هذا الشعار، الذي يسبق إنشاء حماس بفترة طويلة، ليس سوى معادٍ للسامية لأنه يحرض على قتل اليهود، لكن في المقابل يفسر أخرون الشعار على أنه يدعو للحرية والمساواة في الحقوق لجميع الناس بين نهر الأردن والبحر المتوسط.
ومنذ ذلك الحين، تم إحالة عدد من المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين إلى المحكمة لاستخدامهم هذا الشعار عبر الإنترنت أو في خلال الاحتجاجات، لكن قانونية الحظر أثارت تساؤلات من قبل قضاة بعض المحاكم. وفي هذا الصدد، نص قرار صدر عن محكمة محلية في يونيو/حزيران الماضي على أن "التلفظ بهذا الشعار لا يجب المعاقبة عليه بأي حال من الأحوال".
وفي مقابلة مع DW، قالت باولا زيمرمان، الباحثة في فرع منظمة العفو الدولية في ألمانيا، إنه "يجب دائما التحقق من الطبيعة الإجرامية المحتملة لاستخدام الرموز بشكل منفرد وحسب كل حالة على حدة مع إيلاء اهتمام دقيق لحرية التعبير".
ومنذ بدء الصراع بين حماس وإسرائيل، أصدرت محاكم ألمانية أحكاما مثيرة للجدل بما في ذلك حظر ارتداء الكوفية في مدارس برلين وإغلاق "مؤتمر فلسطين" الذي كان من المفترض أن يستمر ثلاثة أيام في برلين مع صدور قرارين بحظر دخول اثنين من المتحدثين، لكن محكمة نقضت أحد القرارين.
وقال رالف مايكلز "ثمة خلط بين كونك مؤيدا للفلسطينيين ومعارضا للحرب في غزة وبين معاداة السامية أو مؤيدا لحماس"، مشيرا إلى أن هذا الأمر ينطبق أيضًا على اليهود الذين عبروا عن تضامنهم مع الفلسطينيين.
يُشار إلى أنه جرى استخدام شعار "المثلث الأحمر" في جامعة هومبولت في برلين جنبا إلى جنب أسماء عمدة المدينة ورئيس الجامعة وتهديدات صريحة، فيما تساءل مايكلز عما إذا كان هذا الحظر سيكون ضروريا لإحالة مثل هذه الوقائع للمحكمة.
وقال "إذا قام شخص بوضع شعار المثلث الأحمر على مدنيين أو أشخاص عاديين في ألمانيا، فإن ارتباط ذلك بسلوك عدائي سيكون قويا. وفي هذا السياق، أرى استخدام مثل هذا الرمز يعد إشكاليا. ومع ذلك، لست متأكدا عما إذا كان من الضروري الحظر أم لا؟ لأنه من غير فرض حظر، فيمكن اعتبار الأمر تحريضا على ارتكاب جريمة جنائية".
أعده للعربية: محمد فرحان