قامت منظمة إسلامية بالإبلاغ عن لاجئ سوري في كولونيا للاشتباه في ارتباطه بتنظيم "داعش". الخبير مروان أبوتمام من المكتب الاتحادي لمكافحة الجريمة يشرح أهمية الدور الذي تلعبه المنظمات الاسلامية في الحرب على الإرهاب.
إعلان
DW: قامت منظمة اسلامية بتحذير السلطات الألمانية. هل يمكن اعتبار ذلك أمرا استثنائيا؟
مروان أبو تمام: هناك حوار عميق بين الشرطة في كامل ألمانيا والمنظمات الاسلامية. كما أن رجال الشرطة متواجدون في عين المكان في الأحياء. لقد نشأت علاقة شخصية مبنية على الثقة في السنوات الماضية. ما يعني أن الطرق صارت أقصر وحواجز التواصل اندثرت بينهم. وهذا ما ساعد على تبادل المعلومات بين الطرفين. لكن رغم ذلك فإن حجم هذه المعلومات لا يزال محدودا جدا في الوقت الحالي.
لماذا برأيكم؟
هناك عوامل عديدة لذلك. إذ أن المتطرفين يتفادون طبعا الاندماج في وسط له تواصل مع أجهزة الشرطة. من جهة لدينا في ألمانيا بنى تحتية لما يسمى "الإسلام الشرعي" وأخرى للسلفيين من جهة أخرى. ولا تُكن الشرطة الألمانية أي ثقة للسلفيين.
في المقابل تقع المنظمات الإسلامية في ألمانيا تحت الضغط، بسبب عدم أخذها مسافة كبيرة من السلفيين، خاصة منظمة "ديتيب"، في ولاية في شمال الراين فستفاليا، إحدى أكبر المنظمات الإسلامية في ألمانيا.
لكن الإبلاغ عن الإرهابي المحتمل جاء من هذه المنظمة. كيف تفسرون ذلك؟
تعتبر "ديتيب" منظمة لا مركزية إذ أن لها فروعا عديدة في ألمانيا. عندما يتعاون فرع ما مع الشرطة، فإن ذلك أمر مغاير لتعامل منظمة بأسرها تملك مواقف سياسية. تكمن المشكلة لدى منظمة "ديتيب" في ارتباطها بشكل قوي مع الدولة التركية، وبالتالي فهي تتعرض لتأثير من أطراف خارجية.
ماهو مدى حضور المنظمات الإسلامية في مخيمات اللاجئين؟
يقوم اللاجئون أنفسهم باختيار المساجد التي يرتادونها. لهذا هناك مسؤولية كبيرة تقع على كاهل الجمعيات الدينية وخاصة الباحثين في العلوم الدينية. إذ أن التطرف الإسلامي يحدث بناءا على الانتماء الديني.
عندما يتم تعليل العنف بالدين، فإنه لا يمكن للدين أن يدافع عن نفيه إلا عند خلق خطاب مضاد. لا يمكن مواجهة التطرف بشكل مصداقي إلا عبر خطاب يتم تأسيسه من الطوائف. بمعني آخر، عندما يقول إمام "ما تعلمونه لا يمت للإسلام بصلة" يكون الخطاب أكثر مصداقية من أن يقوله موظف في الرعاية الاجتماعية.
هل هناك جهود كافية لذلك؟
هناك بعض الفراغات الكبيرة. لا تملك الجمعيات الإسلامية البنى التحتية والكفاءات الكافية. فهي لا تملك الإمكانات ولا المعرفة الدينية الكافية للرد على التطرف. السؤال الكبير المطروح الآن هو كيف تملأ هذه الجمعيات تلك الفراغات. لدينا علماء دين عصاميين يعملون كموظفين دينين أكثر من قيامهم بمواجهة فقهية مع ظاهرة التطرف أو مع المجتمع ومشاكل الشباب. هذا ما يؤدي إلى انزلاق الشباب إلى التطرف. هناك يجدون من يتحدث معهم بلغتهم ومن يدلهم ظاهريا على الدين.
كما يعمل لدى الجمعيات الإسلامية غالبا أشخاص يترجمون أو يمكن تقديم نصائح من قبيل أين يمكن إيجاد طبيب معين. كما يمكن الحصول على رعاية اجتماعية. لكن إذا ما وصل اللاجئون عند الأشخاص الخاطئين، فإنه من الوارد أن يمنحهم ذلك استقلالية تؤدي بهم إلى التطرف.
كيف يمكن للمنظمات الإسلامية مراقبة ما يفعل أعضائها وزوار المساجد التي تقع تحت إدارتها؟
الجمعية الإسلامية هي منظمة ولها أعضاؤها وهيئة إدراية وهم يعرفون بعضهم جيدا. يقع فتح المساجد في أوقات الصلاة ويمكن لأي شخص أن يدخلها. ما يعني أن الإمام لا يعرف دوما من يصلي وراءه. عندما تلاحظ الجمعيات أن أشخاصا بعينهم يحملون تصورات دينية معينة ويرتادون مساجدهم بصفة منتظمة، فمن مصلحتهم حينئذ إبلاغ الشرطة عنهم.
الدكتور مروان أبو تمام هو خبير في شؤون الإرهاب العالمي وشؤون الأمن الداخلي والسلفية. يعمل كباحث لدى المكتب الاتحادي لمكافحة الجريمة.
أجرت الحوار كريستينا روتا.
تعصب وتطرف أم خوف من الآخر؟ مظاهر العنف في أوروبا
لئن عاشت الأغلبية العظمى في أوروبا من أوروبيين ومن أصول مهاجرة من مختلف الأديان والثقافات في كنف السلام والاحترام، إلا أنها لم تخل أيضا من مظاهر للعنف تحت ذرائع مختلفة: دينية وقومية وغيرها، لكنها مرفوضة من الأغلبية.
صورة من: picture-alliance/dpa/SDMG/Dettenmeyer
مظاهر التطرف والدعوة إلى العنف باسم الدين لم تقتصر على الدول العربية والإسلامية، بل أيضا دول غربية على غرار ألمانيا شهدت بدورها مظاهرات لأقلية سلفية حمل بعض عناصرها الأعلام السوداء ودعا فيها للعنف. الصورة لمظاهرة تعود إلى عام 2012 في مدينة بون الألمانية حيث تظاهر سلفيون ضد يمينيين متطرفين واعتدوا خلالها على رجال شرطة.
صورة من: picture-alliance/dpa
استخدام الدين كذريعة لارتكاب جرائم إرهابية، مثلما حدث خلال الاعتداء على مقر صحيفة شارلي إيبدو مطلع هذا العام وقتل 11 شخصا من طاقمها بدافع الانتقام لصور كاريكاتورية للرسول محمد نشرتها الصحيفة، أثار استهجان الملايين ليس في فرنسا وأوروبا فقط وإنما ايضا في العديد من الدول الإسلامية والعربية.
صورة من: Reuters/Platiau
الإرهابيون لم يستهدفوا مقر صحيفة شارلي إيبدو الفرنسية فقط وإنما أيضا شرطيا مسلما واسمه أحمد وشرطية أخرى كانت تنظم حركة المرور وكذلك أربعة يهود، بينهم يهودي تونسي، كانوا في أحد المتاجر اليهودية بصدد التبضع لإحياء مراسم السبت. العمليات الإرهابية كانت من توقيع تنظيم "الدولة الإسلامية".
صورة من: AFP/Getty Images/K. Tribouillard
وبعد الهجمات الإرهابية التي طالت باريس واسفرت عن سقوط 18 شخصا، ها هو الإرهاب تحت ذريعة الدين يضرب العاصمة الدنماركية كوبنهاغن ويتسبب في مصرع رجل يهودي كان يحرس كنيسا يهوديا وآخر مخرجا سينمائيا، ذنبه أنه كان حاضرا في ندوة حول حرية التعبير.
صورة من: Reuters/S. Bidstrup
ولكن مساجد المسلمين بدورها تعرضت أيضا للاعتداء بالحرق وتهشيم النوافذ وحتى لهجوم بالمتفجرات. ففي فرنسا مثلا ارتفع عدد الأعمال "المعادية للإسلام" بنسبة 70 بالمائة منذ الاعتداءات التي قام بها جهاديون في باريس في كانون الثاني/ يناير، مقارنة بعام 2014، وفقا لجمعية التصدي لمعاداة الإسلام الفرنسية.
صورة من: Reuters/Y. Boudlal
حتى المقابر اليهودية لم تسلم من اعتداءات بعض المتطرفين إما بدافع العنصرية أو بدافع معاداة السامية. على أحد القبور اليهودية في مقاطعة الآلزاس الفرنسية كتب باللغة الألمانية "أرحلوا أيها اليهود" إلى جانب الصليب المعقوف، رمز النازيين الذين أبادوا ستة ملايين من يهود أوروبا.
صورة من: picture-alliance/dpa
حتى وإن كان هؤلاء لا يمثلون إلا أقلية مطلقة داخل المجتمع الألماني، إلا أن النازيين الجدد، الذين يستلهمون أفكارهم من النازية واليمين المتطرف، يشكلون مصدر قلق في ألمانيا، خاصة وأنهم لا يتوانون عن استخدام العنف ضد الأجانب أو من كان شكله أو مظهره يوحي بأنه ليس ألمانيا. وفي الفترة الأخيرة سجل في عدد من الدول الأوروبية صعود التيارات اليمينية المتطرفة، مستغلة أعمال الإرهابيين للإسلاميين المتطرفين.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Balk
ولازال القضاء الألماني ينظر في قضية خلية تسيفيكاو النازية، والتي سميت نسبة لمدينة تسيفيكاو الواقعة شرقي ألمانيا، في محاكمة تحظى باهتمام دولي الواسع. هذه الخلية متهمة بقتل عشرة أفراد، تسعة أتراك ويوناني في ألمانيا، ذنبهم الوحيد أن أشكالهم توحي بأصولهم الشرقية. في الصورة العضوة الوحيدة المتبقة من الخلية، بعدما انتحر عنصران منها، والتي ترفض الإدلاء بأي تفصيل يساعد في الكشف عن الحقيقة.
صورة من: Reuters/M. Rehle
اليمينيون المتطرفون استغلوا مخاوف البعض في ألمانيا وعدد من الدول الأوروبية من عدم معرفتهم للإسلام والمسلمين وخلطهم بالتطرف الإسلامي، خاصة بعد الجرائم البشعة التي ارتكبها تنظيم "الدولة الإسلامية" في المناطق التي سيطر عليها في العراق وسوريا، للدعوة إلى مظاهرات مناهضة للإسلام. الصورة مظاهرة مناهضة للإسلام في مدينة هانوفر، شمالي ألمانيا.
صورة من: picture-alliance/dpa/J. Stratenschulte
وبعد الانتقادات اللاذعة والرفض الشعبي الألماني الواسع للمظاهرات المناهضة للإسلام، أصبحت هذه الاحتجاجات نقتصر على بعض اليمينيين المتطرفين الذين خرجوا للتظاهر ضد قدوم اللاجئين إلى ألمانيا، معللين رفضهم بأن ثقافة هؤلاء تختلف عن ثقافتهم وأنه لا يمكنهم الاندماج في المجتمع الألماني.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/J. Meyer
بعض المتطرفين اليمينيين أصبح يعمد بدل الاحتجاج إلى إضرام النيران في البنايات والمقرات التي من شأنها أن تأوي اللاجئين. حتى وإن لم تسفر عمليات إحراق المباني عن أي أضرار بشرية، إلا أن تكرارها في عدد من الولايات والمدن الألمانية أثار قلقا وجدلا واسعا في البلاد.