لا مفرّ من التفاوض والحوار مع طالبان.. لكن كيف؟
٧ سبتمبر ٢٠٢١تؤكد الكثير من الحكومات علنا، على عدم التفاوض مع الإرهابيين. لكن في الممارسة العملية والسياسة الواقعية الوضع مختلف. فكما يشير التاريخ، غالبا ما دخلت الحكومات في مفاوضات وجلست على طاولة واحدة مع منظمات وجماعات مسؤولة عن العنف والهجمات، من أجل حل النزاعات. وهذا ما حصل مثلا بين الحكومة البريطانية والجيش الجمهوري الإيرلندي، وبين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية.
كل الشعب رهينة بيد طالبان!
في حالة أفغانستان أصبحت مسألة التفاوض الحساسة والمثيرة للجدل، موضوعا ساخنا. فكل الشعب تقريبا أصبح رهينة بيد مقاتلي طالبان وورقة مساومة قوية. فمن يريد مساعدة الناس لا يمكنه تجاوز طالبان، التي استعادت السلطة بعد عشرين عاما من الإطاحة بها.
المجتمع الدولي يريد منع وقوع الأسوأ في البلد الذي مزقته الحرب، مثل استمرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، أو حدوث موجة نزوح كبيرة، أوانتشار المجاعة في البلاد أو أن تتحول أفغانستان مرة أخرى إلى ملاذ للتنظيمات الإرهابية الأجنبية مثل القاعدة أو تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)". ولا يستبعد الخبراء حدوث ذلك في حال تفاقم الوضع وانهيار هذا البلد ذو الموقع الجيوستراتيجي المهم الواقع بين وسط وجنوب آسيا.
ميركل تعول على استعداد طالبان للتعاون
تعول المستشارة أنغيلا ميركل على استعداد حركة طالبان للتعاون، إذ قالت في جلسة البرلمان "بوندستاغ" حول الوضع في أفغانستان "يجب أن يتمثل هدفنا في الحفاظ قدر الإمكان على التغييرات التي قمنا بها على مدار العشرين عاماً الماضية في أفغانستان"، وأضافت "طالبان الآن حقيقة واقعة في أفغانستان"، موضحة أن "هذا الواقع الجديد مرير لكن علينا مواجهته".
وقبل عدة أيام أشار وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، إلى إمكانية استئناف المساعدات التنموية التي تم تجميدها بعد سيطرة طالبان على البلاد، مشترطا ألا تقتصر الحكومة القادمة في أفغانستان على حركة طالبان، واحترام حقوق المرأة والإنسان.
التوسل وممارسة "سياسة الميكروفون"!
لكن طريقة تعامل الحكومة الألمانية مع حركة طالبان، تعرضت لانتقادات شديدة من مسؤولي الشؤون الخارجية في الكتل البرلمانية للاتحاد المسيحي والحزب الليبرالي وحزب الخضر.
إذ صرح نوربرت روتغن، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البوندستاغ، لصحيفة "دي فيلت" الألمانية، بأن "الولايات المتحدة والدول الأوروبية أصبحت متضرعة بطريقة مهينة" وقال إنه لا يتفهم "سياسة الميكروفون" التي يمارسها وزراء الخارجية في تقديمهم العروض والطلبات لحركة طالبان. وأضاف روتغن، العضو البارز في حزب المستشارة ميركل، بأن "العروض المفتوحة تجعلنا أضعف، ولا يمكننا تحقيق المطالب عمليا".
في حين طالب أوميد نوري بور، مسؤول السياسة الخارجية في الكتلة البرلمانية لحزب الخضر المعارض، بالاعتراف بنائب الرئيس السابق أمر الله صالح، رئيسا مؤقتا. وقال: "لسنوات كنا نروج للديمقراطية في أفغانستان، وعلينا الاستمرار في ذلك الآن"، مضيفا أنه "على ألمانيا أن تتمسك بالحكومة التي اعترفنا بشرعيتها في الماضي".
والآن تتحدث الحكومة الألمانية مع طالبان فقط، و"هذا خطأ فظيع". وقد سبق لنوري بور أن حذر من النظر إلى حركة طالبان كشريك مفاوضات يعتمد عليه. صحيح يجب التحاور معها لأنها "تحتجز رهائن" لكنها "وضعت شروطا كثيرة، وقد تم تحقيق كثير منها، ولم تلتزم حتى الآن بأي شيء".
قلق حول إمكانية خضوع ألمانيا للابتزاز!
أما نائب رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الليبرالي، ألكسندر غراف لامبسدورف، فإنه يخشى أن تستغل طالبان "فشل الحكومة الألمانية، وهو ما أدى إلى أن تصبح قابلة للابتزاز". وقال إن على وزير الخارجية هايكو ماس أن يركز على ذلك ولا يتقرب من الحركة، وأضاف "لم يحن الوقت لإعادة فتح السفارة الألمانية ولا لأي تنازلات أخرى".
لكن على عكس انتقادات الأحزاب الأخرى، دافع نيلز شميد، مسؤول السياسة الخارجية في الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي الديمقراطي، عن موقف رفيقه في الحزب وزير الخارجية هايكو ماس، مشيرا إلى أنه يجب تقديم مساعدات إنسانية لتخفيف وطأة المجاعة ومساعدة المنظمات الدولية التي تساعد النازحين داخل البلاد.
وقال شميد: "علاوة على ذلك يمكن التفكير بمسألة التعاون في مجال الصحة والتعليم، حين تحترم طالبان حقوق المرأة والإنسان الأساسية".
كذلك مسؤول السياسة الخارجية في الكتلة البرلمانية لحزب اليسار، غريغور غيزي، فيرى أنه لا مفر من التفاوض مع طالبان لإجلاء المواطنين الذين تعاونوا وساعدوا الغرب.
ويقول غيزي: "إذا تم تقديم مساعدات مالية من أجل التعليم مثلا، فيجب مراقبة صرف الأموال بدقة شديدة، فيما إذا كانت تصرف على التعليم فعلا، ومراقبة المنهاج التعليمي وكذلك المساواة التامة للفتيات والحق في الذهاب إلى المدرسة". ويؤكد غيزي، على أنه بدون تحقيق هذه الشروط لا يمكن تقديم أي مساعدات مالية.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك محادثات مع طالبان منذ أشهر في العاصمة القطرية الدوحة، حول قضايا عديدة على رأسها تشكيل حكومة جديدة. والآن تحاول الدول الغربية استئناف عمليات إجلاء مواطنيها والأفغان المحتاجين للحماية.
لا إفراط في التفاؤل!
في الدوحة وكابول تحاول حركة طالبان تقديم صورة مختلفة لما هو معروف عنها، وتقدم نفسها كسلطة معتدلة، يجب ألا يخشاها المواطنون. بل حتى أن مسؤولين في الحركة سمحوا لصحافيات بإجراء مقابلات معهم. ومن ناحية أخرى ترد أخبار وتقارير عن ممارسة العنف في مناطق مختلفة من البلاد، ومنع الفتيات من الذهاب إلى المدرسة ومنع النساء من الذهاب إلى العمل.
ولكن رغم ذلك يبدو أنه لابد من الحوار مع طالبان ولا يوجد خيار آخر، "من أجل إجلاء ما تبقى من الموظفين المحليين والأشخاص المهددين من أفغانستان" يقول يواخيم كراوزه، مدير معهد السياسات الأمنية في جامعة كيل.
ويحذر كراوزه في رد على سؤال لـDW من الإفراط في التفاؤل، ويرى أن هناك جدوى فقط من التفاوض حول إجلاء الموظفين المحليين الذين عملوا وتعاونوا مع الغرب.
أما غير ذلك، مثل التفكير بمنع حدوث موجة نزوح جديدة أو منع عودة المجموعات الإرهابية، فالفرص ضئيلة لتحقيق النجاح في هذا المجال. ويقول كراوزه "كيف يمكن لطالبان أن تمنع نزوحا خارجا عن السيطرة أو تمنع عودة المجموعات الإرهابية الأجنبية وهي تسيطر فقط على أجزاء من البلاد؟ ونحن لا نريد منع تدفق اللاجئين بإطلاق (طالبان) النار عليهم".
وبالتالي يرى يواخيم كراوزه، خبير السياسات الأمنية، أن ألمانيا في موقف ضعيف، ولأنها لم تستطيع إجلاء كل الموظفين المحليين الذين تعاونوا معها "أصبحت قابلة للابتزاز". ويقول "سواء أردنا أم لا، علينا أن نقبل بشروط طالبان من أجل مساعدة هؤلاء على الخروج بطرق أخرى". ويمكن أن تطلب طالبان من أجل ذلك أموالا أو مواد غذائية أو أدوية.
وتجدر الإشارة إلى أن ألمانيا استطاعت إجلاء 138 شخصا فقط من الموظفين المحليين، وتقدر وزارة الخارجية الألمانية أنه لايزال هناك حوالي 50 ألف شخص ينتظرون مساعدتهم للخروج من أفغانستان.
المصلحة الذاتية محرك للمفاوضات؟
نجاح وفشل المفاوضات يتوقف على استعداد طالبان للالتزام بما تم التفاوض عليه. وفي هذا الصدد يبدو توماس روتيغ، المؤسس والمدير المشترك لمركز الأبحاث المستقل "شبكة محللي أفغانستان AAN"، أكثر تفاؤلا من الخبير الأمني كراوزه، ويرى أن الإسلاميين يهمهم نجاح المفاوضات لأن لهم مصلحة ذلك.
ويقول في حوار مع DW "تحتاج طالبان كل أنواع المساعدات الاقتصادية من أي جهة جاءت، لأن البنية التحتية في البلاد بعد أربعين عاما من الحرب منهارة" وعندما تبدأ طالبان بابتزاز الحكومات "فإنها تجعل من الصعب على الحكومات تقديم المساعدات والأموال لأفغانستان".
وقد أوقفت ألمانيا ودول أخرى مساعداتها التنموية، كما تم تجميد أموال الحكومة الأفغانية في الخارج، وأصبحت التعاملات المالية مع أفغانستان صعبة.
لا مركز جديد للإرهاب الإسلاموي؟
يجب أن تدرك طالبان التي تقدم نفسها للشعب كسلطة أفضل، أنه بدون المساعدات الإنسانية لا يمكنها الاستمرار. ولذلك يعتقد الباحث توماس روتيغ، أن طالبان لن تسمح بأن تصبح أفغانستان مرة أخرى مركزا للإرهاب الإسلاموي.
ويقول روتيغ "لأنها تخشى الهجمات الانتقامية والمزيد من العقوبات، فهي لا تستطيع تحمل ذلك. وأعتقد أن طالبان منظمة ذات تفكير سياسي، ويجب عدم التقليل من شأنها بسبب اللحى والمظهر الذي يبدو عليه أعضاؤها وكأنهم من العصور الوسطى".
ويدعو روتيغ إلى التركيز على المساعدات الإنسانية خلال الأشهر القادمة، والمراقبة فيما إذا كان قمع طالبان للناس سيزداد. ويجب التوضيح لها بأن هناك معايير عالمية عليها الالتزام بها.
ويؤكد روتيغ أن على الغرب ألا يتفاوض انطلاقا من موقع أخلاقي أسمى، وعلى الغرب التوقف "عما فعله في أفغانستان أو تسامح معه، فيما يتعلق بجرائم حرب مزعومة وانتهاكات حقوق الإنسان". ولم يتبق الكثير من الوقف من أجل مفاوضات ناجحة، فالوضع في أفغانستان يتدهور ويزداد سوءا.
رالف بوسن/ ع.ج