لا يمكن تجاهله.. المغرب شريك صعب لكنه مهم لألمانيا
١ سبتمبر ٢٠٢٢
يكتسب المغرب أهمية متزايدة لأوروبا وألمانيا كشريك اقتصادي، ومورد محتمل للطاقة، وكذلك كمَصد أمام تدفق المهاجرين إلى أوروبا. والعلاقات بين المغرب وألمانيا وثيقة، لكن المغرب يظل شريكا صعبا ليس بسبب حقوق الإنسان فقط.
إعلان
يكاد لا يوجد بلد آخر لديه الكثير ليقدمه للسياح الأجانب مثل ما يقدمه المغرب بأسواقه التاريخية وشواطئه الممتدة وصحاريه الرملية وجباله وكذلك ثقافته المتنوعة. لكن السياحة، لم تعد هي المهيمنة على التبادل بين ألمانيا والمغرب. ويوضح أندرياس فينتسل، المدير التنفيذي لغرفة التجارة الخارجية في الدار البيضاء، أنه في خلال عشر سنوات فقط، أصبح المغرب أهم ثاني موقع استثماري للشركات الألمانية في أفريقيا، بعد جنوب أفريقيا.
خلق 40 ألف فرصة عمل في المغرب
يقول فينتسل: "لقد وضع المغرب نفسه بقوة كبيرة كموقع استثماري للشركات الألمانية في السنوات الأخيرة. وعلى مستوى قارة أفريقيا، يحتل المرتبة الثانية بعد جنوب أفريقيا، متقدمًا حتى على مصر. لقد استثمرت شركات صناعة السيارات وإنتاج الكهرباء على وجه الخصوص هنا في المغرب، وهي تستفيد من مزايا المكان لتزويد الأسواق في أوروبا من المغرب". وخلقت الشركات الألمانية حوالي 40 ألف فرصة عمل في المغرب، وهو ما يمكن أن يثبته أندرياس فينتسل بالأرقام.
لذلك كان من السيئ أن يقوم المغرب بتعليق العلاقات الدبلوماسية مع برلين في مارس/ آذار من العام الماضي. لقد كان هناك شبه انقطاع بين الرباط وبرلين، بل إن المغرب سحب سفيرته من برلين. لكن الأزمة الدبلوماسية لم تكن قادرة على خنق التبادل بين القطاع الخاص بين البلدين. على العكس من ذلك: يمثل عام 2021 نموًا قياسيًا في حجم التبادل. وتجاوزت الاستثمارات حاجز الـ1.4 مليار يورو. وهذا التوجه يزداد أيضا هذا العام.
لا يزال سبب الأزمة غير واضح
لكن الخلاف مع المغرب تسبب في أضرار في منطقة ذات أهمية استراتيجية خاصة، كما يقول فينتسل: "إن بناء شراكة في مجال الهيدروجين الأخضر هو في البداية من واجب حكومتي كلا البلدين، لوضع إطار للعمل الريادي على الأقل في هذا المجال. لقد فقدنا وقتًا ثمينًا بسبب الأزمة الدبلوماسية ويتعين علينا الآن تعويضه".
ولا تزال التكهنات مستمرة حتى يومنا هذا حول أسباب الأزمة الدبلوماسية بين المغرب وألمانيا. وعلى أي حال، كان المغرب مستاءً من أن ألمانيا، على عكس الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب، لم ترغب في الاعتراف بالصحراء الغربية كأراض مغربية.
العلاقات الآن أفضل من عام 2021
الآن أعلن كلا الجانبين أنهما يريدان إزالة سوء التفاهم. ووصفت ألمانيا الاقتراح المغربي بالحكم الذاتي الموسع للصحراء الغربية بأنه مساهمة مهمة في حل سلمي. وعموما فإن العلاقة الآن أفضل بكثير مما كانت عليه في العام الماضي، حسب الخبيرة في الشؤون المغربية أنيا هوفمان، التي ترأس مكتب مؤسسة هاينريش بول في الرباط منذ منتصف أغسطس/ آب تقريبا. وقالت هوفمان بعد يومين من تسلمها لمنصبها: "لدي شعور بأنني جئت في قلب مرحلة انفراج (الأزمة). هناك دولتان، ينبغي أن يكون لديهما اهتمام ثنائي بخصوص مصالح تتعلق بالسياسة الأمنية والاقتصادية وتوجه القيم، لأنه لا يمكنهما إلا الاستفادة من ذلك".
"مجال كبير لتحسين العلاقات"
لكن المملكة المغربية لا تزال شريكًا إشكاليًا، لا سيما فيما يتعلق بحقوق الإنسان، وقد اتُهمت بحبس الصحفيين والمعارضين لسنوات بسبب "اتهامات سخيفة" في بعض الأحيان. كما أن قضية ضم المغرب للصحراء الغربية، مخالفة للقانون الدولي، تظل قضية حساسة في العلاقات بين البلدين.
رغم ذلك فإن البروفيسور عبد الجبار عراش، من كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية (كلية الحقوق)، التابعة لجامعة الحسن الأول في سطات، يرى أنه "لا يزال هناك مجال كبير للتحسين عندما يتعلق الأمر بنوعية العلاقات الألمانية المغربية" ويقول: "العلاقات جيدة، لكن يمكن أن تكون أفضل".
مكافحة الإرهاب وقضية الهجرة والطاقة
ويرى عراش وجود مصالح مشتركة في مكافحة الإرهاب والهجرة والطاقة. وعلى خلفية الحرب في أوكرانيا على وجه الخصوص، اكتسب موضوع الهيدروجين الأخضر من المغرب أهمية مرة أخرى: "اليوم، هذه المادة، الهيدروجين، لا يمكن أن تحد فقط من اعتماد المغرب على (مُورديّ) الطاقة، ولكن أيضًا من اعتماد ألمانيا" على مُصدّري الطاقة.
وعلاوة على ذلك، يؤكد أستاذ العلوم السياسية على أن هنالك مصالح اقتصادية مشتركة أخرى، فهو يعلم أن العديد من الـ 150 شركة ألمانية تقريبا في المغرب، تستخدم البلد المضيف كجسر مع بلدان أفريقية أخرى: "يمكنك القول إن هذا البلد أصبح الآن مركزًا للتجارة بين أوروبا وأفريقيا".
باختصار: يكاد لا يوجد طريق لا يمر عبر المغرب. وتضع ألمانيا منذ مدة طويلة هذه المسألة في عين الاعتبار، من خلال شراكة إصلاح خاصة وقرض منخفض الفائدة بقيمة 250 مليون يورو وتعاون مكثف، ليس أقله في قطاع الطاقة.
شتيفان إيلرت، من ستوديو القناة الألمانية الأولى (ARD) في الرباط/ ص.ش
التقرير مترجم من موقع "تاغس شاو" التابع لقناة (ARD)
الهجرة غير الشرعية.. مواقف وأوضاع شركاء أوروبا بشمال أفريقيا
تكثف دول الاتحاد الأوروبي مؤخراً مساعيها من أجل كبح جماح الهجرة غير الشرعية نحو أراضيها، وذلك من خلال عقد شراكات وثيقة مع دول شمال أفريقيا، لكن كيف هي أوضاع ومواقف هذه الدول من أزمة اللاجئين والهجرة غير الشرعية؟
صورة من: Abdelhak Senna/AFP/GettyImages
مصر: بلد عبور يثير القلق
في السنوات الأخيرة تحولت مصر إلى أحد بلدان العبور إلى أوروبا المثيرة للقلق. ولا توجد أرقام دقيقة من جانب السلطات المصرية عن أعداد اللاجئين والمهاجرين السريين، الذين انطلقوا من السواحل المصرية على متن قوارب الصيد. لكن بحسب الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود "فرونتكس"، فقد انطلقت عام 2016 نحو ألف سفينة تهريب بشر من مصر. كما شكلت مصر كابوساً للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا عام 2016.
صورة من: picture-alliance/dpa
مصر: موقف متحفظ
أثار قرار إقامة مراكز لجوء أوروبية في دول شمال افريقيا، بينها مصر انتقادات المنظمات الحقوقية التي تعنى بشؤون اللاجئين، و تتهم هذه المنظمات نظام عبد الفتاح السيسي بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وأبدت مصر عن موقف متحفظ إزاء إقامة أوروبا مراكز لاستقبال اللاجئين على أراضيها. في المقابل يُشاع أن مصر تسعى للدخول في مساومة مع أوروبا لمنع تدفق المهاجرين إلى أوروبا مقابل مساعدات مالية.
صورة من: DW/M. Hashem
ليبيا: هاجس بدون حل
تعد ليبيا واحدة من أهم دول عبور المهاجرين واللاجئين السريين نحو أوروبا. ظلت موجة الهجرة المتدفقة من هذا البلد تمثل هاجساً للزعماء الأوروبيون، الذي لم ينجحوا لحد الآن في إيجاد حل له. في عام 2008 اُبرم اتفاق أوروبي ليبي لمكافحة الهجرة مقابل 500 مليون دولار. وكان الزعيم الليبي معمر القذافي قد تنبأ بتدفق ملايين المهاجرين لأوروبا وطالب آنذاك بروكسل بدفع خمسة مليارات يورو سنويا لليبيا.
صورة من: picture-alliance/dpa/AP/Küstenwache Lybien
ليبيا: موقف رافض
في عام 2017 وصل حوالي 150 ألف مهاجر إلى أوروبا عبر المتوسط. و من أجل كبح جماح هذا التدفق اتفق زعماء الاتحاد الأوروبي على خطة جديدة وكان أهم مقترحاتها إقامة مراكز خارجية لاستيعاب المهاجرين في دول شمال أفريقيا. وقوبل هذا المقترح الأوروبي بالرفض من أغلب دول شمال أفريقيا، بينها ليبيا، التي أعلنت رفضها لأي إجراء يتعلق بإعادة المهاجرين السريين إليها.
صورة من: AP
تونس: ارتفاع عدد الرحلات غير الشرعية
بالرغم من تشديد الحكومة اليمينية الشعبوية في إيطاليا ودول الاتحاد الأوروبي من استقبال قوارب المهاجرين ومراكب المنظمات الناشطة لإنقاذ المهاجرين في البحر، إلا أن الفترة الأخيرة شهدت موجة رحلات هجرة غير شرعية انطلقت من السواحل التونسية باتجاه ايطاليا. فبحسب أرقام للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين ومنظمة الهجرة الدولية، فإن 3811 مهاجرا تونسيا سري وصلوا السواحل الإيطالية هذا العام حتى نهاية آب/أغسطس.
صورة من: DW
تونس: رفض معسكرات المهاجرين
لا يختلف موقف تونس عن موقف دول شمال أفريقيا الرافضة لقرار تقديم الاتحاد الأوروبي المزيد من الدعم المالي لدول شمال أفريقيا مقابل المساعدة في التصدي للهجرة غير الشرعية من خلال إقامة معسكرات للمهاجرين.
صورة من: dapd
الجزائر: أكبر دول المنطقة
الجزائر هي أكبر دول منطقة شمال افريقيا، التي يعبرها المهاجرون باتجاه البحر المتوسط نحو أوروبا. ولا توجد إحصاءات رسمية جزائرية بشأن عدد المهاجرين الجزائريين غير الشرعيين، غير أن تقريرا نشرته في عام 2015 منظمة "ألجيريا ووتش" (غير حكومية)، استنادا إلى الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود "فرونتكس"، وضع الجزائر في المرتبة التاسعة بين الدول المصدرة للهجرة غير الشرعية عبر الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي .
صورة من: picture-alliance/dpa/F. Batiche
الجزائر ترفض مراكز الاستقبال
تتعاون الجزائر مع الاتحاد الأوروبي في ملف الهجرة غير الشرعية، وذلك عن طريق إعادة المهاجرين السريين القادمين من دول جنوب الصحراء إلى وطنهم، إذ رحلت خلال الأربع والخمس سنوات الماضية حوالي 33 ألف مهاجر و لاجئ أفريقي إلى بلدانهم بجنوب الصحراء. كما ترفض الجزائر من جانبها بناء مراكز لإيواء المهاجرين الأفارقة على أراضيها.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
المغرب: عودة الهجرة بقوة
عرفت السواحل الإسبانية هذا العام تدفقاً لما يعرف بـ "قوارب الموت" التي تنطلق من الطريق البحرية بين إسبانيا والمغرب والجزائر. فمن أصل 74.501 مهاجرسري وصلوا أوروبا بحراً، استقبلت إسبانيا لوحدها حوالي 43 بالمئة منهم (32.272)، وذلك في الفترة بين الأول من كانون الثاني/ يناير و12 أيلول/سبتمبر 2018، ممّا يجعلها الوجهة الأولى للهجرة السرية عبر البحر الأبيض المتوسط.
صورة من: picture alliance/AP Photo
المغرب: حسابات سياسية ومالية
منذ سنوات يحاول الاتحاد الأوروبي إبرام اتفاق مع المغرب بخصوص عودة المهاجرين من دول افريقيا جنوب الصحراء. ولكن المغرب يرفض ذلك لأسباب سياسية ومالية، أهمها أن ذلك يتعارض مع مسعى المغرب لتقوية علاقاته مع الدول الأفريقية جنوب الصحراء، والاستفادة منها اقتصادياً من خلال شراكات تجارية، وأيضاً لدعم موقف المغرب في النزاع حول الصحراء الغربية.