لبنانيون يختارون "قوارب الموت": "لا طريق أمامنا إلا البحر"
١١ يناير ٢٠٢٢
بعد عامين من انهيار اقتصادي غير مسبوق يفاقمه شلل سياسي، لم يعد لبنان نقطة انطلاق للاجئين فحسب بل أيضاً لمواطنيه الذين أرهقتهم الأزمات وبات غالبيتهم تحت خط الفقر.
إعلان
يقول ابراهيم (42 عاماً) الذي استخدم اسماً مستعاراً لوكالة فرانس برس في مدينة طرابلس (شمال)، إنه يؤمن مدخولا إضافيا عبر المساعدة على تهريب لبنانيين الى الخارج عبر البحر. ويضيف "لو أنني لا أعمل في هذا المجال، لكنت غادرت مثلهم وقصدت مهرّباً لمساعدتي".
وليست الهجرة غير القانونية ظاهرة جديدة في لبنان الذي شكّل منصة انطلاق للاجئين خصوصاً سوريين باتجاه قبرص خصوصا، الدولة القريبة والعضو في الاتحاد الأوروبي. لكن يتزايد عدد اللبنانيين الذين يخاطرون بأرواحهم بحثاً عن بدايات جديدة بعيداً عن بلدهم الغارق في الأزمات.
منذ عام 2019، تمكّن إبراهيم من تهريب قرابة مئة لبناني إلى أوروبا. ويقول "أخرجتهم من هنا، من التسوّل. هناك على الأقل إذا وضعوا في مخيم، سيأكلون ويشربون بكرامة".
ويتباهى إبراهيم بأنه يساعد اللبنانيين فقط. ويقول "يأتيني سوريون وفلسطينيون لكنني لا أقبل طلباتهم، فأنا مسؤول عن أبناء بلدي فحسب". ويضيف "لبنانيون كثر يودون المغادرة.. ومستعدون لبيع بيوتهم وسياراتهم. يبيعون كل شيء، المهم أن يرحلوا".
وفاة وغرق
يبدو لبنان الذي يقطنه حالياً قرابة ستة ملايين شخص بمثابة سفينة غارقة تصارع تبعات انهيار اقتصادي صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ منتصف القرن الماضي. وأدّت الأزمة الى خسارة الليرة أكثر من 95 في المئة من قيمتها أمام الدولار. وانعكس ذلك تدهوراً غير مسبوق في قدرة السكان الشرائية بعدما بات الحدّ الأدنى للأجور يعادل أقل من 23 دولارا، في بلد يعتمد على الاستيراد إلى حدّ كبير. وجراء ذلك، تراجعت قدرة السلطات على توفير الخدمات الأساسية ودعم سلع حيوية خصوصاً المحروقات والأدوية.
وتخللت محاولات الهجرة غير القانونية حوادث وفاة وغرق في عرض البحر. وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن 1570 شخصاً على الأقل، بينهم 186 لبنانياً، شرعوا أو حاولوا المغادرة في رحلات بحرية غير قانونية من لبنان خلال الفترة الممتدة بين كانون الثاني/يناير وتشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي، غالبيتهم باتجاه قبرص.
وأوضحت المتحدثة باسم المفوضية ليزا أبو خالد لفرانس برس إن العدد الإجمالي كان 270 بينهم 40 لبنانياً عام 2019.
وتعمل الأجهزة الأمنية والجيش على وقف هذه المحاولات. وفي رد على أسئلة لفرانس برس، أكّد الجيش أن عمليات المراقبة والرصد "تنفَّذ من خلال وحدات الكشف المتقدم المتمثلة بشبكة رادارات منتشرة على طول الشاطئ، ومن خلال دوريات متواصلة" في المياه الإقليمية، بالإضافة الى جهود مديرية المخابرات لملاحقة المهربين.
في عام 2020، نجحت القوات البحرية، وفق الجيش، "في ضبط نحو 20 مركباً وتوقيف 596 شخصاً وتسليمهم إلى السلطات المختصة". وكثفت دورياتها مع ارتفاع عدد عمليات التهريب.
ويقول الجيش إن "عصابات التهريب" تضمّ غالباً أشخاصاً من جنسيات مختلفة، لكنّ رؤساءها "يكونون عادة من اللبنانيين لمعرفتهم بتفاصيل الشواطئ والمناطق اللبنانية".
ونسّق ابراهيم حتى الآن عشر رحلات تهريب، كان أولها عام 2019 لأسرة من خمسة أشخاص تقيم حالياً في ألمانيا، وآخرها في أيلول/سبتمبر الماضي وضمّت 25 راكباً وصلوا إيطاليا، على حدّ قوله.
وتتراوح كلفة سفر الفرد بين 2500 دولار لبلوغ قبرص وسبعة آلاف دولار للوصول إلى شواطئ إيطاليا، وفق ابراهيم الذي قد يجني قرابة خمسة آلاف دولار كربح صاف مقابل كل رحلة تضم عشرين شخصاً. ويوضح "في السابق، كنا ننشر الخبر، أما حالياً فالناس هم من يأتون إلينا".
"لا مستقبل هنا لنا أو لأولادنا"
على مقعد مواجه للشاطئ، يجلس بلال موسى (34 عاماً)، وهو أب لثلاثة أطفال، ينفث دخان سيجارته مراقباً الأمواج العاتية التي كادت أن تبتلعه في تشرين الثاني/نوفمبر لدى محاولته السفر بطريقة غير شرعية. ويقول لفرانس برس إنه سيحاول مرة أخرى، إذ "لا مستقبل هنا لنا أو لأولادنا" بعدما تخلى قبل ستة أشهر عن وظيفته في سوبرماركت إذ بات راتبه (55 دولاراً) بالكاد يكفيه لدفع بدل التنقل.
في أيلول/سبتمبر، قرر بلال خوض الرحلة المحفوفة بالمخاطر. باع سيارته واقترض من صديقه مبلغ 1500 دولار كان ينقصه ليدفع أربعة آلاف دولار الى المهرّب الذي أعلمه بموعد السفر قبل ثلاثة أيام من حصوله.
في 19 تشرين الثاني/نوفمبر، وضّب حقيبة ظهر صغيرة وغادر منزله في منطقة الضنية (شمال) من دون إخبار زوجته حتى. وأعلمه المهرّب أنه سيسافر برفقة 72 شخصاً. لكن عند وصوله إلى نقطة الاجتماع في طرابلس، تفاجأ بوجود نحو تسعين شخصاً يتسلقون شاحنة أقلتهم إلى منطقة القلمون المجاورة التي انطلقوا منها. وكان في عداد الرحلة 15 لاجئاً فلسطينياً وعشرة سوريين، بينما البقية من اللبنانيين. وكان هناك 35 طفلاً ونحو عشرين امرأة.
بعد ساعتين من إبحار المركب، طارده زورق تابع للقوات البحرية أمر سائقه بالعودة الى الشاطئ. لكن الأخير لم يمتثل وتابع طريقه الى المياه الإقليمية. بعد ساعة من المطاردة، تسرّبت مياه البحر الى المركب. ثم تعطّل المحرّك، وكان الوقت ليلا. وبدأت المياه تُثقل المركب تدريجياً، ما دفع الركاب الذين أصابهم الهلع الى التخلّص من الحقائب وعبوات المازوت. وسارع بعضهم بينهم بلال الى الاتصال بأفراد عائلاتهم لإرسال إغاثة.
وعملت سفينة تابعة للجيش اللبناني على سحبهم باتجاه الشاطئ، حيث تم التحقيق معهم قبل الإفراج عنهم.
ويقول بلال "شعرت بالقهر لأنني عدت أدراجي ولم أتمكن من بلوغ وجهتي"، مضيفا "لكنني أعرف أنني سأغادر لبنان مجدداً.. لا طريق أمامنا إلا البحر".
خ.س/ع أ. ج (أ ف ب)
"جارة القمر" فيروز.. أسطورة فنية وصوت ملائكي قد لا يتكرر
85 عاماً، ولا تزال شريان الحياة دون أن تُعكره صراعات المنطقة، أسطورة على مر العصور. فيروز، العصفورة التي تغرًد بصوت ملائكي قدمت للعالم كله تراثاُ موسيقياً لن يتكرر. جولة مصورة عن أبرز محطات قيثارة الشرق فيروز.
صورة من: Nabil Mounzer/dpa/picture alliance
طفولة صعبة
هي المطربة اللبنانيّة نهاد رزق وديع حداد الملقبة بفيروز. ولدت في حارة زقاق البلاد في مدينة بيروت في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1934 من عائلة سريانية كاثوليكية فقيرة الحال. ويعود نسب والدها وديع حداد إلى مدينة ماردين، تركيا، وكان عاملاً في مِطْبَعَة الصحيفة اللبنانيّة لوريون، وكانت والدتها ليزا البستاني لبنانيّة مسيحيّة مارونيّة.
صورة من: DW/K. Zeineddine
المذياع حلم صعب المنال
عاشت فيروز (الطفلة الأولى) مع أسرتها في منزل مكون من غرفة واحدة، وكان الجيران يتشاركون مع والدتها أدوات المطبخ. وبسبب الفقر الشديد، لم تستطع عائلتها شراء المذياع. وكانت فيروز تحب الغناء منذ صغرها، فتجلس إلى شباك البيت لتردد أغاني أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وأسمهان وليلى مراد مع صوت المذياع القادم من بعيد.
صورة من: AFP
الأب يرفض غناء ابنته
بدأت فيروز مشوارها الفني كمغنيةَ كورس في الإذاعة اللبنانية عام 1940، عندما اكتشف صوتها الموسيقي محمد فليفل وضمها لفريقه الذي كان ينشد الأغاني الوطنية. وألف لها حليم الرومي مدير الإذاعة اللبنانية أول أغانيها، وأطلق عليها اسم فيرُوز. وكان هذا بعد محاولات عديدة من الوسطاء لإقناع والدها المحافظ أن تغني ابنته أمام عموم الناس.
صورة من: Nabil Mounzer/dpa/picture alliance
طريق الشهرة
1952 كانت سنة الانطلاقة الحقيقية لفيروز عندما بدأت الغناء من كلمات وألحان الأخوين عاصي ومنصور الرحباني. وقدمت مئات الأغاني التي أحدثت ثورة في الموسيقى العربية خاصة وأنها كانت أغان قصيرة في وقت كانت الأغاني تتجاوز فيه الساعتين. كما شاركت فيروز في بطولة عدد من الأفلام السينمائية الغنائية من أشهرها "بنت الحارس" و"بياع الخواتم" بالإضافة إلى المسرحيات الغنائية كميس الريم، والشخص، وبترا.
صورة من: Balkis Press/abaca/picture alliance
أسرة فيروز
تزوجت فيروز من الموسيقار عاصي الرحباني عام 1955، وأنجبت منه أربعة أطفال وهم: زياد، وهالي، وليال، وريما.
صورة من: AFP
رحلتها مع القرآن والكنيسة
تعلمت فيروز على يد الأخوين محمد وأحمد فليفل أصول الإنشاد والتجويد القرآنى وهي لا تزال طالبة لضبط مخارج الكلمات. كما بدأت رحلتها الكنسية وصلواتها بعد إتقانها التجويد فى الخمسينيات، حيث رنمت بمناسبة عيد الميلاد "تلج تلج" و"المجد لله فى الأعالي"، ومن ثم كان أول ظهور لها فى عيد القيامة فى كنيسة مار إلياس في أنطلياس. ولم تقتصر صلواتها فقط على أعياد القيامة، ولكن رافقتها فى العديد من مسرحياتها.
صورة من: Ramzi Haidar/AFP/Getty Images
زهرة المدائن
تغصّ حقيبة فيروز بالأغاني والقصائد والأفلام والمسرحيات والسكتشات، التي نأت بها عن الشعارات السياسية والطائفية، حيث غنت للحب والأطفال والوطن والأم. وخلال الحرب اللبنانية (1975- 1990) رفضت أن تُجر إلى أي خصومات سياسية أو طائفية، وشكلت أغانيها جسراً بين اللبنانيين خلال الحرب الأهلية. كما غنت للقدس (لأجلك يا مدينة الصلاة أصلي)، وغنت أيضا ً لمكة ويافا والإسكندرية ولعمّان، والأردن.
صورة من: picture-alliance/NurPhoto/A. Widak
طريق العالمية مع الابن
غنت فيروز لكثير من الشعراء والملحنين؛ منهم ميخائيل نعيمة، وسعيد عقل. كما غنت أمام العديد من الملوك والرؤساء وفي أغلب المهرجانات الكبرى في العالم العربي. وأطلق عليها عدة ألقاب منها "سفيرتنا إلى النجوم" و"جارة القمر". وبعد وفاة زوجها عاصي عام 1986 خاضت تجارِب عدّة مع مجموعة ملحنين ومؤلفين، لكنها عملت بشكل رئيسي مع ابنها زياد الذي قدم لها مجموعة كبيرة من الأغاني.
صورة من: Hasan Mroue/AFP/Getty Images
عقد حافل
أصدرت فيروز خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي العديد من الألبومات وحظيت بنجاح منقطع النظير لما قدمته من جديد على صعيد التوزيع الموسيقي والتنوع في الأغاني بين القديمة والحديثة. على سبيل المثال "جارة الوادي" و"باكتب اسمك يا حبيبي" و"سهر الليالي" و"أنا لحبيبي" و"نسم علينا الهوى" و"القدس" و"حبيتك تنسيت النوم" و"سلملي عليه" و"سألوني الناس" و"سألتك حبيبي" و"أعطني الناي وغني" و"كيفك انت".
صورة من: Bertrand GuayAFP/picture-alliance
"صح النوم"..حادثة مثيرة للجدل
رغم نأي فيروز بنفسها عن أي خلافات وصراعات سياسية، إلا أن البعض وضعها منذ سنوات في زاوية ضيقة حينما غنت في دمشق فقد أثارت مشاركتها في إحياء احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية لعام 2008 وتقديم مسرحية "صح النوم" في دار الأوبرا، مواقف رافضة ومنددة بهذه المشاركة. واتهمها سياسيون ومن بينهم زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي بأنها تخدم مصالح الاستخبارات السورية.
صورة من: Ramzi Haidar/AFP/picture-alliance
أيام صعبة
عاشت المطربة الكبيرة أزمة حقيقية نهاية عام 2010 عندما تفجرت خلافات مالية وقضائية بين ورثة زوجها عاصي الرحباني وورثة شقيقه منصور الرحباني على الحقوق التجارية للأعمال التي قدماها معا، مما دعا عددا كبيرا من الفنانين والإعلاميين العرب إلى تنظيم وقفة احتجاجية أمام وزارة العدل اللبنانية للمطالبة بوقف هذا الصراع حفاظا على اسم فيروز.
صورة من: Hasan Mroue/dpa/picture-alliance
إطلالة فيروز في الألفية الجديدة
غزى حضور فيروز البهي مهرجانات العالم: القاهرة والرباط وتونس وعمان ودبي (قي الصورة) ونيويورك ولندن وباريس وأثينا. وتجاوز عدد أغانيها 1500 قطعة وأصدرت أكثر من 80 ألبوماً ولعبت دور البطولة في 20 مسرحية موسيقية على الأقل. في بداية الألفية الجديدة أعادت ابتكار نفسها باصدار ألبوم الجازي "إيه في أمل" بالتعاون مع نجلها الملحن زياد الرحباني. وفي عام 2017 كان ألبوم "ببالي" آخر انجاز في سلسلة أعمالها الفنية.
صورة من: Ramzi Haidar/AFP/picture-alliance
أيقونة في الشرق والغرب
بعد بلوغها 85 عاماً، لا تزال فيروز أسطورة فريدة يقصد زعماء العالم لقاءها، ومنحت عشرات الجوائز والأوسمة. شهرتها ومكانتها الرمزية جعلت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يحرص على لقائها في منزلها بضاحية الرابية ببيروت أثناء زيارته إلى لبنان إثر انفجار مرفئ بيروت في أغسطس 2020. وقد منحها ماكرون وسام جوقة الشرف الفرنسي وهو أعلى تكريم فرنسي، وأهدته هي بدورها لوحة فنية. إعداد: وفاء عبد الرحمن / م.س