لبنان ـ حداد وغضب غداة مقتل العشرات في انفجار خزان للوقود
١٦ أغسطس ٢٠٢١
تسود في لبنان أجواء من الحداد والصدمة الممزوجة بغضب شعبي غداة مقتل نحو 30 شخصاً في شمال البلاد كانوا يحاولون الحصول على بضعة ليترات من البنزين من خزان انفجر بهم، في كارثة جديدة مني بها البلد الغارق في أزمات لا تنتهي.
أرشيف: احتجاج لبنانيين على نقص البنزينصورة من: Marwan Naamani/dpa/picture alliance
إعلان
أعاد انفجار خزان الوقودفي بلبنان الذي أودى بحياة ثلاثين شخصا إلى الأذهان انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب/ أغسطس 2020 الذي قضى فيه 200 شخصا على الأقل حتفهم، ولم يتخط اللبنانيون حتى الآن صدمته. وقد نتج انفجار المرفأعن تخزين كميات ضخمة من نيرات الأمونيوم في عنبر من دون أي إجراءات وقاية. بينما خزان الوقود الذي انفجر في بلدة التليل في منطقة عكار الشمالية كان يحوي كميات من البنزين المخزّن في غير مكانه، في وقت لا يتوافر البنزين لسكان المنطقة.
وأعلنت السلطات حداداً وطنياً اليوم (الإثنين 16 أغسطس / آب 2021) على الضحايا. وتقول فرح (21 عاما) الشابة المتخرجة حديثا من الجامعة، "لا أعرف إن كنت أبكي على انفجار عكار أو على كل شيء. أخشى أن نصل إلى مرحلة نصبح مضطرين إلى الهرب عبر البحر.. وربما نموت غرقاً". وتضيف "خفت أكثر بعد انفجار عكار... صرت أسأل نفسي: ماذا لو وقع الانفجار قرب منزلي؟" لوجود محطتي محروقات في الجوار.
طوابير أمام محطات البنزين
وينتظر اللبنانيون يومياً في طوابير طويلة أمام محطات الوقود للحصول على كميات قليلة من البنزين، بينما أقفلت بعض المحطات أبوابها. ويلجأ كثيرون إلى شراء المحروقات من السوق السوداء. ويعود السبب الأساسي للأزمة الى أن مصرف لبنان لم يعد يملك ما يكفي من العملات الأجنبية ليفتح اعتمادات لاستيراد المحروقات بسعر الدولار الرسمي (أي 1.500 ليرة، أو حتى بالسعر الذي حدده منذ أشهر 3.900 ليرة لبنانية)، فأعلن أن الاعتمادات ستفتح بالسعر المتداول بالدولار في السوق السوداء، أي نحو عشرين ألف ليرة.
ويعني ذلك أن أسعار المحروقات سترتفع بنسبة تفوق 300 في المئة. ويغذي شح المحروقات الاحتكار. في الوقت نفسه، أكد مسؤولون وتقارير إعلامية مرارا أن كميات ضخمة من البنزين والمازوت تهرب الى سوريا المجاورة، ما يسهم في تعميق الأزمة.
تدخل الجيش اللبناني
ويقوم الجيش اللبناني منذ أيام بحملة لفتح محطات بنزين او مستودعات تخزن وقوداً بالقوة. وكان الخزان الذي انفجر في الشمال جزءاً من هذه الحملة، إذ عثر الجيش فيه على كمية من البنزين، فصادرها لتوزيعها على المواطنين. وعندما هرع الأهالي الى المكان للحصول على بعض البنزين، ترك عناصر الجيش لهم ثلاثة آلاف ليتر، وفق ما قال شهود.
وحصلت فوضى في المكان، ثم وقع الانفجار الذي لم تعرف أسبابه بعد، وقد أدى الى مقتل 28 شخصاً على الأقل وعشرات المصابين معظمهم بحروق خطيرة. ولا تزال هناك أشلاء لم يتم التعرف على أصحابها بسبب تفحمها. وقال طبيب في أحد مستشفيات عكار لفرانس برس إنه بدأت عمليات فحص الحمض النووي على كمية كبيرة من الأشلاء. وأكد عدد من سكان المنطقة عبر شاشات التلفزة خلال اليومين الماضيين أن هذا البنزين كان مخزنا ليهرب الى سوريا المحاذية لمنطقة عكار.
غضب ضد النخب السياسية
وقال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قبل يومين في مقابلة إذاعية "من غير المقبول ان نستورد 820 مليون دولار (في الشهر) من المحروقات ولا نرى لا مازوت ولا بنزين ولا كهرباء". وأضاف أن هدف المصرف المركزي بتوفير الأموال للاستيراد، دعم "لبنان وليس بلدا آخر". ومنذ عشرات السنين، تنشط عمليات التهريب بين لبنان وسوريا خصوصا من منطقتي عكار والبقاع (شرقاً) وتشمل بضائع مختلفة.
وفي رد فعل غاضب على انفجار الأحد، قصد سكان بعد وقت قصير على المأساة الأرض التي كان البنزين مخزنا فيها في بلدة التليل وأضرموا النار في منزل صاحبها تحت أنظار عناصر من الجيش الذين لم ينجحوا في إيقافهم. وحصلت تجمعات واحتجاجات شعبية هنا وهناك، لا سيما قرب منازل نواب من المنطقة ومسؤولين بينهم نجيب ميقاتي المكلف تشكيل حكومة جديدة، وطالب المتظاهرون برحيل الطبقة السياسية. ويحمّل اللبنانيون الطبقة السياسية مسؤولية الكوارث الحاصلة والانهيار الاقتصادي جراء الفساد المستشري في مؤسسات الدولة والعجز والإهمال.
وتقول الباحثة في الشأن اللبناني في منظمة العفو الدولية سحر مندور لفرانس برس "أمس وقعت مجزرة بسبب أزمة اقتصادية ناتجة عن فساد هائل مستمر منذ سنوات وتصاعد مع الأزمة الاقتصادية الأخيرة". وأضافت "إنه فساد قاتل بالعين المجردة.. وسط غياب للمسؤولية السياسية".
انهيار الخدمات والمؤسسات الصحية
زاد انفجار الأحد الضغط على المستشفيات المرهقة منذ أشهر طويلة نتيجة نقص المحروقات والتجهيزات والأدوية والتي حذر بعضها من احتمال توقف العمل فيها. واضطرت السلطات إلى إجلاء جرحى إلى تركيا والكويت لعدم قدرة المستشفيات على علاجهم. وتراجعت تدريجياً خلال الأشهر الماضية قدرة مؤسسة كهرباء لبنان على توفير التغذية، ما أدى الى رفع ساعات التقنين لتتجاوز 22 ساعة يومياً. ولم تعد المولدات الخاصة قادرة على تأمين المازوت اللازم لتغطية ساعات انقطاع الكهرباء، ما اضطرها إلى التقنين أيضا.
وجراء أزمة المحروقات المتفاقمة، باتت أفران غير قادرة على صناعة الخبز، ما يجعل المواطنين يقفون أيضاً في طوابير لشرائه أو يشترونه بسعر خيالي، بينما هناك خشية من انقطاع الغاز المنزلي.
في صور.. عام على جراح لم تندمل لدى اللبنانيين!
تحل الذكرى الأولى لانفجار مرفأ بيروت المروع وجراح اللبنانيين لم تندمل. انهيار اقتصادي متسارع فاقمته تداعيات مأساة المرفأ وتفشي فيروس كورونا، فيما تعجز القوى السياسية على التوافق وتشكيل حكومة تضمد جراح لبنان.
صورة من: Reuters/A. Taher
شرارة الاحتجاجات
إعلان الحكومة اللبنانية أواخر عام 2019 عزمها فرض رسم مالي على الاتصالات المجانية عبر تطبيقات المراسلة الإلكترونية مثل واتساب، فجّرغضب لبنانيين لمسوا قبل أسابيع مؤشرات أزمة اقتصادية حادة، أبرز ملامحها كان انهيار سعر الليرة وأزمة الخبز فنزلوا إلى الشوارع تعبيراً عن رفضهم القرار ورغبتهم في إسقاط النظام. من هنا انطلقت شرارة الإحتجاجات مع توالي الأزمات على اللبنانيين، أسوؤها انفجار مرفأ بيروت.
صورة من: Marwan Bou Haidar/Zuma/picture alliance
استقالة حكومة الحريري
على الرغم من تراجع حكومة سعد الحريري عن فرض الرسم المالي، استمرت الاحتجاجات الشعبية. وخلال أيام بلغ الحراك الشعبي ذروته مع تظاهر مئات الآلاف في كل أنحاء البلاد مطالبين برحيل الطبقة الحاكمة التي لم يمسها تغيير جوهري منذ عقود والمتهمة بالفساد وبعدم الكفاءة. على وقع غضب الشارع، استقالت حكومة سعد الحريري في 2019.
صورة من: Imago-Images/ITAR-TASS
أزمة كورونا
في فبراير/ شباط 2020، سجل لبنان أول إصابة بفيروس كورونا. وتراكمت الأعباء تدريجياً على القطاع الصحي الذي أنهكه الوضع الاقتصادي المزري الذي تعيشه البلاد. وفي طل غياب الخطط الحكومية للتعامل مع الفيروس وتوالي الأزمات الاقتصادية والسياسية بدأ الوضع الوبائي للبلاد يتخذ منحنى أكثر سوءاً مع تفشي المتحور دلتا.
صورة من: Emma Freiha/Reuters
فشل حكومة دياب
في السابع من مارس/ آذار 2020 أعلنت الحكومة الجديدة برئاسة حسان دياب عن خطة إنعاش اقتصادي في لبنان وطلبت مساعدة صندوق النقد الدولي. بعد نحو أسبوعين انطلقت المفاوضات بين الطرفين، إلا أنها توقفت في صيف 2020 بعد عدة جلسات جراء خلافات بين الفرقاء اللبنانيين أنفسهم.
صورة من: Getty Images/AFP
انفجار مرفأ بيروت
في الرابع من أغسطس / آب 2020، دوى انفجار ضخم في بيروت دمر أحياء فيها وقتل أكثر من مئتي شخص. بعد ساعات قليلة على وقوعه، عزت السلطات الانفجار إلى كميات ضخمة من مادة نترات الأمونيوم مخزنة في العنبر رقم 12 بمرفأ بيروت منذ عام 2014. ألحق الانفجار، الذي يعد أحد أكبر الانفجارات غير النووية في العالم، دماراً ضخماً في المرفأ والأحياء القريبة منه، وأسفر عن مقتل 214 شخصاً وإصابة 6500 آخرين.
صورة من: Ahmad Terro/picture alliance
الانفجار يفاقم مآسي لبنان!
شكل الانفجار صدمة غير مسبوقة لللبنانيين، الذين أنهكتهم الأزمات المتتالية. بدأ سكان بيروت في اليوم التالي يبحثون عن المفقودين ويتفقدون منازلهم وأبنيتهم المتضررة، فيما انهمك عمال الإغاثة بالبحث عن ناجين محتملين تحت الأنقاض. ووصف محافظ بيروت مروان عبود وقتها الوقع بأنه "كارثي". وأعلنت حالة الطوارئ وبدأت المساعدة الدولية تتدفق إلى البلاد.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Naamani
ماكرون يمدّ يد الإنقاذ
في السادس من أغسطس/ آب زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بيروت حيث تفقد المرفأ والأحياء المتضررة وسط حشد من اللبنانيين الغاضبين على طبقة سياسية متهمة بالفساد وسوء الإدارة. في ختام زيارته، دعا إلى "تغيير" في النظام. ثم رعى مؤتمراً دولياً لدعم لبنان، تعهد خلاله المجتمع الدولي بتقديم مساعدة طارئة بقيمة نحو 300 مليون دولار، على ألا تمر عبر مؤسسات الدولة.
صورة من: Reuters/G. Fuentes
استقالة حكومة دياب
في الثامن من أغسطس/ آب، تظاهر آلاف اللبنانيين ضد المسؤولين السياسيين الذين حمّلوهم مسؤولية مأساة انفجار مرفأ بيروت. وشهدت التظاهرات مواجهات عنيفة بين محتجين غاضبين والقوى الأمنية التي استخدمت الغاز المسيل للدموع بكثافة والرصاص المطاطي. وأعلن عدة وزراء تباعاً استقالتهم، إلى أن أعلن رئيس الحكومة حسان دياب في العاشر من آب/أغسطس استقالة حكومته.
صورة من: Reuters/H. Mckay
أزمة تليها أخرى!
على وقع الانهيار الاقتصادي المتسارع، بات أكثر من نصف اللبنانيين تحت خط الفقر، بحسب الأمم المتحدة. كما فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90 في المئة من قيمتها أمام الدولار في السوق السوداء، فيما ارتفعت أسعار المواد والبضائع كافة، حتى أن أسعار مواد غذائية أساسية ارتفعت بأكثر من 70 في المئة خلال عامين. كما تشهد البلاد منذ أسابيع أزمة وقود وشحاً في الدواء وتقنيناً شديداً في الكهرباء يصل الى 22 ساعة.
صورة من: Reuters/A. Konstantinidis
إجهاض تشكيل حكومة جديدة
بعد تسعة اشهر من تكليفه، اعتذر سعد الحريري عن عدم تشكيل الحكومة بعدما حالت الخلافات السياسية الحادة مع رئيس الجمهورية دون إتمامه المهمة وتم تكليف نجيب ميقاتي الذي ترأس حكومتين في 2005 و2011، بتشكيل حكومة جديدة. عادة ما يستغرق تشكيل الحكومات في لبنان أشهراً طويلة جراء الانقسامات السياسية. لكن الانهيار الاقتصادي، الذي فاقمه انفجار المرفأ وتفشي فيروس كورونا، عوامل تجعل تشكيلها أمراً ملحاً.
صورة من: Dalati Nohra/Lebanese Official Government/AP Photo/picture alliance
الدعم مقابل الاستقرار السياسي
منذ عام كامل، لم يعلن القضاء اللبناني عن تحقيق أي تقدّم في التحقيق بشأن انفجار مئات الأطنان من مادة نترات الأمونيوم المخزنة منذ سنوات في مرفأ بيروت من دون أي إجراءات وقاية. كما لا تلوح في الأفق أي حلول جذرية لإنقاذ البلاد، فيما يشترط المجتمع الدولي تسريع تشكيل حكومة تباشر بتنفيذ إصلاحات ملحة، مقابل تقديم الدعم المالي للبنان.
صورة من: Aziz Taher/REUTERS
لبنان في ذكرى أسوأ أزماته
في الذكرى الأولى لإنفجار مرفأ بيروت، ينظم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤتمرا دوليا من أجل مساعدة لبنان، وهو الثالث بالتعاون مع الأمم المتحدة. تسعى باريس من خلال هذا المؤتمر إلى جمع مساعدات إنسانية عاجلة بقيمة 350 مليون دولار من أجل شعب لبنان، الغارق في أزماته الاقتصادية والأسوأ في العالم منذ منتصف القرن الماضي، كما صنفها البنك الدولي. فهل تندمل جراح لبنان قريباً؟ إعداد: إيمان ملوك
صورة من: Reuters/H. McKay
12 صورة1 | 12
وصنف البنك الدولي الانهيار الاقتصادي في لبنان بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850. وعلى الرغم من معاناة الناس، ما زال المسؤولون اللبنانيون غير قادرين على الاتفاق على تشكيلة حكومية بل يختلفون على توزيع الحصص.
واستقالت الحكومة برئاسة حسان دياب بعد انفجار المرفأ، وكُلف رئيس الحكومة السابق سعد الحريري تشكيل حكومة، لكنه اعتذر عن عدم إتمام المهمة بعد تسعة أشهر. ومن المفترض أن يلتقي ميقاتي الإثنين رئيس الجمهورية ميشال عون لمواصلة البحث في تشكيل الحكومة. ويشترط المجتمع الدولي تشكيل حكومة تنفذ إصلاحات جذرية ليقدم الدعم المالي للبنان. وتقول مندور "السلطة السياسية غير مهتمة سوى بتأمين استمراريتها واستمرارية الفساد الذي تقوم عليه".