لبنان ـ هل يشتّت غياب الحريري الساحة السنّية ويقوي حزب الله؟
١٣ مايو ٢٠٢٢
قبل أيام من الانتخابات النيابية في لبنان، تجد الطائفة السنيّة نفسها مشتّتة، بعدما أعلن زعيمها الأبرز سعد الحريري مطلع العام عزوفه عن خوض الاستحقاق، في قرار أعقب نكسات مالية وسياسية مني بها في السنوات الماضية.
إعلان
رغم أن خبراء لا يتوقعون أن تحدث الانتخابات تغييراً كبيراً في المشهد السياسي العام في البلاد الغارقة في أزمة سياسية واقتصادية حادة منذ أكثر من عامين، إلا أن سعد الحريري (52 عاماً)، سيكون الغائب الأكبر، في حين يتوقع أن يكون حزب الله، القوة العسكرية والسياسية الأبرز في البلاد، مستفيدا من غيابه.
ولعلها المرة الأولى من استقلال لبنان في العام 1943، تشهد البلاد التي تقوم على نظام محاصصة طائفية، انتخابات من دون قطب سني بارز. ويقول الأستاذ الجامعي والباحث السياسي كريم بيطار لوكالة فرانس برس "أعتقد أننا نتجه نحو عودة ظهور أقطاب سنيّة عدة" بعدما كان الحريري الزعيم شبه الوحيد على الساحة السنية.
"تأليف لوائح انتخابية"
ويضيف "تحرّكت وجوه سنيّة تقليدية على غرار رؤساء الحكومات السابقين لمحاولة تأليف لوائح انتخابية بهدف الحؤول دون استفادة حزب الله". وأعلن الحريري المقيم حالياً في الإمارات العربية المتحدة في 24 كانون الثاني/يناير، "تعليق" نشاطه في الحياة السياسية وعزوفه وتيار المستقبل الذي يتزعمه، عن خوض الانتخابات.
وقال الحريري الذي كان يحظى بدعم سعودي قوي قبل أن تسوء علاقته مع الرياض التي تتهمه بعدم مواجهة حزب الله المدعوم من إيران، "لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبّط الدولي، والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة".
انتخابات على خلفية أزمة اقتصادية
وتجري الانتخابات على خلفية أزمة اقتصادية حادة ونقمة شعبية منذ أكثر من سنتين. وكان لتيار المستقبل 18 نائبا في البرلمان المنتهية ولايته. وبرز الحريري على الساحة السياسية في البلاد بعد اغتيال والده في 14 شباط/فبراير 2005 في تفجير مروع في وسط بيروت أغرق لبنان في أزمة كبرى.
قاد آنذاك فريق "قوى 14 آذار" المناهض لسوريا إلى فوز كبير في البرلمان، ساعده في ذلك التعاطف الكبير معه بعد اغتيال والده، والضغط الشعبي الذي تلاه وساهم في إخراج الجيش السوري من لبنان بعد نحو ثلاثين سنة من تواجده فيه.
منذ العام 2009، شكّل الحريري ثلاث حكومات، آخرها بعد انتخابات 2018 التي انتهت بتراجع حجم كتلته النيابية بنحو الثلث وكرّست نفوذ حزب الله وقوته. وأعاد البعض انخفاض شعبيته حينها الى تنازلات سياسية قدّمها وبرّرها بالحفاظ على السلم الأهلي في مواجهة تنامي نفوذ حزب الله.
بعد استقالة الحريري..إلى أين يتجه الحراك في لبنان؟
41:23
التحذير من "خطورة الامتناع"
وشكّل توتّر علاقته مع السعودية منعطفاً في مسيرته السياسية. فأعلن في 4 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 استقالته من رئاسة الحكومة من الرياض، مندداً بتدخل حزب الله في النزاعات الإقليمية. واعتبر خصومه حينها قرار استقالته "سعودياً"، قبل أن يعود الى لبنان بعد أيام بوساطة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ويتراجع عن الاستقالة.
وهي المرة الأولى منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990) التي تغيب فيها عائلة الحريري المعروفة بشبكة علاقات دولية واسعة، عن المشهد السياسي. وأحدث عزوف الحريري صدمة على الساحة السياسية وداخل طائفته. لكنّ دار الفتوى، المرجعية السنية الأعلى في البلاد حذّرت مؤخراً من "خطورة الامتناع" عن الاقتراع ودعت الى المشاركة الفعلية الكثيفة.
ع.ش/ع.ج.م (أ ف ب)
لبنان 100 عام.. من طوائف الجبل إلى دولة على شفا الانهيار
لبنان.. بلد صغير المساحة، لكنه يختزل على مدار قرن من إعلان قيامه أحداثاً كبيرة جعلته صورة مصغرة عما جرى في العالم العربي من خيبات متواصلة. يحتضن تاريخه كل شيء: العنف والصلح، الحرب والسلم، الرخاء والشدة، الوطنية والتبعية.
صورة من: Getty Images/AFP/J. Eid
فتنة جبل لبنان
سكنت عدة طوائف في المناطق المعروفة حالياً بلبنان، خاصة منطقة جبل لبنان. لكن الطوائف الأبرز كانت ستة: الموارنة والأرثودوكس والكاثوليك، وفي الجانب الآخر الدروز والسنة والشيعة. بقي الجبل تحت سيطرة العثمانيين، لكنه شهد توترات طائفية خطيرة خاصة المجازر بين الدروز والموارنة عام 1860. تدخلت قوى أوروبية في المنطقة خاصة منها فرنسا، وشهد جبل لبنان بضغط أوروبي قيام نظام "المتصرفية" الذي عزّز الوجود الماروني.
صورة من: picture-alliance/Design Pics
قيام لبنان الكبير
بعد هزيمة العثمانيين في الحرب العالمية الأولى، استطاعت فرنسا فرض انتدابها على لبنان بعد توسيعه ليضم البقاع وولاية بيروت فضلاً عن ترسيم الحدود مع سوريا. ويقول جوزيف باحوط في مقال على كارنيغي إن فرنسا هدفت إلى خلق وطن شبه قومي للمسيحيين في الشرق الأوسط، لكن الطوائف المسلمة رفضت بشدة الوضع الجديد. أعلن لبنان استقلاله عام 1943 على يد الرئيس بشارة الخوري، لكن جلاء القوات الفرنسية لم يتم إلّا عام 1946.
صورة من: picture-alliance/United Archives/TopFoto
الميثاق الوطني
شهد إعلان استقلال لبنان ما عُرف بالميثاق الوطني الذي منح رئاسة الدولة للموارنة ورئاسة الوزراء للسنة ورئاسة مجلس النواب للشيعة. وكان هدف الميثاق تسهيل الاستقلال حتى لا يطلب المسيحيون حماية فرنسا ولا يطالب المسلمون بالوحدة مع سوريا. لم يُكتب الميثاق لكنه بقي مطبقاً في البلاد منذ ذلك الحين، ويرى متتبعون أنه سبب المشاكل الطائفية في البلاد بما أنه هو من أسس لنظام المحاصصة.
صورة من: picture-alliance/dpa/W. Hamzeh
إنهاء حكم شمعون
تحوّلت بيروت إلى مدينة تجمع الكل منذ سنوات الاستقلال، لكن اندلاع النزاع العربي-الإسرائيلى ألقى بظلاله على بلد يصارع لخلق هويته. استقبلت بيروت آلاف اللاجئين الفلسطينيين كما استقبلت مهاجرين عرب وشهدت نمواً اقتصادياً لكن في الآن ذاته ركزت قوى عربية متصارعة نفوذها داخل المدينة منذ ذلك الحين. غير أن أبرز حدث شهدته بيروت في الخمسينيات كان الانتفاضة ضد الرئيس كميل شمعون الذي كان له علاقات قوية مع الغرب.
صورة من: Imago Images/United Archives International
العصر الشهابي
من بين أكثر رؤساء لبنان احتراما هو فؤاد شهاب الذي حكم البلاد منذ 1958 إلى 1964 ورفض التمديد له رغم شعبيته الطاغية. تحقق في عهد شهاب الكثير من الاستقرار في البلد رغم الانتقادات الموجهة له بتقوية دور المخابرات بعد محاولة الانقلاب. جاء بعده شارل حلو الذي حاول اتباع النهج الشهابي بعدم تفضيل أيّ طرف سياسي على آخر، لكن البلد شهد في عهده عدة مشاكل اقتصادية، ما مهد الباب لسليمان إفرنجية ليخلفه.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Tödt
الحرب الأهلية تندلع
شهد لبنان توقيع اتفاق القاهرة عام 1969 بين الفصائل الفلسطينية في مخيمات اللاجئين وبين الدولة اللبنانية حتى لا تتكرر مناوشات بين الطرفين، وبموجبه تم الاعتراف بالوجود الفلسطيني المسلح في لبنان. وقف اليسار اللبناني مع الفلسطينيين، في حين رفضهم اليمين المشكل أساساً من منظمات مارونية. ومع تعاظم النفوذ الفلسطيني تعددت الاحتكاكات مع القوى اليمينية، لتندلع رسمياً الحرب الأهلية في أبريل/ نيسان 1975.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/M. Raouf
بيروت تشتعل
قُسمت بيروت إلى شرقية تحت سيطرة القوات اليمينية وغربية للفلسطينيين والقوات اليسارية. زاد التناحر الطائفي بين المسلمين والمسيحيين من الحرب خاصة مع وجود اختلالات اجتماعية بينهم. زاد التدخل السوري من سعير الحرب، وكذلك فعلت إسرائيل عندما اجتاحت لبنان عام 1982 وحاصرت بيروت الغربية ما أدى إلى جلاء المسلحين الفلسطينيين، لكن الحرب لم تنته، ووقعت بعد ذلك مواجهات حتى داخل الأطراف التي كانت متحالفة.
صورة من: Ziad Saab
حزب الله يخرج منتصرًا
انتهت الحرب رسميا عام 1991 سنتين بعد توقيع اتفاق الطائف. شهدت الحرب مجازر مروعة كالكرنتينا والدامور وصبرا وشاتيلا، ووثقت الكاميرات مشاهد مرعبة كما جرى في حصار بيروت وحرب المخيمات. تقوّت لاحقا التنظيمات الشيعية، وخصوصا حزب الله المرتبط بإيران، وبقي التنظيم محافظًا على سلاحه بعد حلّ كل الميلشيات، فتراجع نفوذ التنظيمات المسلحة اليمينية واليسارية والفلسطينية، كما ضمنت سوريا استمرار حضورها في البلد.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Amro
الاغتيالات تستمر
استقر لبنان نسبيا في التسعينيات، لكن سنوات الألفية شهدت مواجهات مسلحة بين حزب الله وإسرائيل في صيف 2006، لكن الهزة الأعنف كانت اغتيال رفيق الحريري، رئيس الوزراء السابق الذي ساهم في إعمار لبنان. كانت من نتائج الاغتيال خروج القوات السورية نتيجة ما عُرف بـ "ثورة الأرز". شهد البلد في تلك السنوات استمرار الاغتيالات السياسية التي وجهت فيها الاتهامات لدمشق كاغتيال الشيوعي جورج حاوي والصحفي سمير قصير.
صورة من: picture-alliance/dpa/N. Mounzer
حراك لبنان
لأول مرة في تاريخ البلاد، يخرج مئات الآلاف من اللبنانيين عام 2019 رفضاً لنظام المحاصصة الطائفية، مطالبين برحيل الطبقة السياسية ككل. جاءت الاحتجاجات في ظل استمرار ترّدي الوضع الاقتصادي وارتفاع نسب الفساد، ما أدى إلى استقالة حكومة سعد الحريري، وتشكيل حكومة حسان دياب التي استقالت بدورها بعد انفجار مرفأ بيروت الذي أودى بحياة ما يناهز مئتي قتيل. تقرير: إسماعيل عزام