لجنة الدستور السورية تجتمع في جنيف.. هل هناك ما يُقال؟
٢٩ أكتوبر ٢٠١٩
فيما تتجه الأنظار إلى شمال سوريا وتبعات الهجوم التركي، ينبعث "دخان أبيض" من جنيف قد يمهد لعملية سياسية طال انتظارها. المبعوث الأممي أعلن أن اللجنة الدستورية ستلتئم لوضع دستور جديد. بيد أن الكثيرين يشككون في عمل اللجنة.
إعلان
تطلب الأمر عامين من العمل لتشكيل لجنة الدستور السورية التي ستجتمع لأول مرة الأربعاء (30 تشرين الأول/ اكتوبر 2019) في جنيف. وقال المبعوث الأممي إلى سوريا، "غير بيدرسون" إنه لا يجب تعليق آمال مبالغ فيها على هذه اللجنة. فهي لن تحل الأزمة السورية، لكن بمقدورها المساهمة في تجاوز الاختلافات الكثيرة داخل المجتمع السوري وخلق ثقة متبادلة. كما أنها قادرة على إطلاق عملية سياسية شاملة في البلاد.
وحتى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بدا متفائلا. فالحكومة السورية ومجموعة العمل الخاصة باللجنة اتفقتا على "لجنة دستورية ذات مصداقية ومتكافئة وشاملة" تدعمها الأمم المتحدة. واللجنة تعمل من أجل "ميثاق اجتماعي جديد يساعد على إصلاح بلاد مدمرة".
والجانب المهم هو أن العمل على صياغة دستور جديد يتم داخل المجتمع السوري، كما أشار إلى ذلك بيدرسون. "سوريون وليس أجانب من سيقوم بصياغة الدستور والمجتمع السوري يجب عليه الموافقة عليه على مستوى واسع".
لجنة مستقلة؟
وبالفعل كان قرار تشكيل اللجنة بيد السوريين فقط. وعملية الاستئناف تم الاتفاق عليها خلال مؤتمر سلام في موسكو في يناير 2018 بين الحكومة السورية و"الهيئة العليا للمفاوضات " التي تمثل المعارضة وتتخذ من العاصمة السعودية الرياض مقرا لها. وعلى هذا الأساس تحدد الحكومة شغل 50 من مجموع 150 عضوا. والمعارضة ممثلة بالهيئة العليا للمفاوضات توفد 50 مشاركا إضافيا، في الوقت الذي يبقى فيه القرار حول الربع الأخير بيد المجتمع المدني السوري.
وتقول الباحثة المتخصصة في الشأن السوري كريستين هيلبرغ إن اللجنة مكونة فعلا من السوريين فقط لكن هناك تأثير أجنبي عليها. "فتركيا مثلا منعت أن يجلس ممثلون عن حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) في اللجنة"، تضيف هيلبرغ. وروسيا من جانبها تتحفظ في ممارسة التأثير المباشر.
وفي المقابل هي تتبع هدفا أبعد: "فالحكومة في موسكو تراهن على أن لجنة الدستور ستوهم بإيجاد حل سياسي في نزاع حُسم عسكريا. وهذا من شأنه أن يسمح للغرب بالحفاظ على ماء الوجه والتفاهم مع الأسد، لأنه بعدها فقط سيكون مستعدا لتمويل إعادة بناء البلاد".
بيد أن كاميران حاجو، مسؤول هيئة العلاقات الخارجية في المجلس الوطني الكردي وعضو اللجنة الدستورية، يرى أن اقتصار عضوية اللجنة على السوريين وحدهم لا يشكل ضمانة لعملية سياسية عادلة تراعي جميع مكونات المجتمع السوري. فالطابع المتساوي للتشكيلة (50 عضوا لكل طرف) يوهم بتوازن حقيقي للقوة. لكن الواقع يختلف، إذ إن المعارضة متنازعة فيما بينها في العديد من القضايا ولا تتخذ القرار بصوت واحد، وبذلك يقف ممثلوها أمام الكتلة الموحدة للحكومة. ويؤكد كاميران حاجو على أن النظام السوري غير جاد في صياغة دستور جديد يؤسس لنظام سياسي جديد.
لغة الدبلوماسية
هل بإمكان الأمم المتحدة أن تمارس تأثيرا معتدلا على حكومة الأسد؟ فممثل النظام السوري في الأمم المتحدة بشار الجعفري عبر عن موقف دبلوماسي مرن في نيويورك حيث قال إن سوريا عملت مع المبعوث الخاص وفاعلين حاسمين آخرين لتأسيس لجنة الدستور، معتبرا أن الدستور يعكس تنوع المجتمع السوري، كما قال هذا الدبلوماسي أمام الأمم المتحدة.
إلا أن كريستين هيلبرغ تعتبر أن الجعفري يتكلم بأسلوب نظام الأسد. فالنبرة المعتمدة في نيويورك لا تغير شيئا في موازين القوة في سوريا. فحكومة الأسد غير مستعدة للتخلي ولو جزئيا عن السلطة.
مصلحة الأوروبيين
والسياسيون الأوروبيون لهم اهتمام واحد، كما تفيد هيلبرغ، إذ إنهم يريدون إعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم، ويعقدون بالتالي آمالهم على اللجنة ومن ثم يبالغون في تقييم دورها. ومهمة اللجنة هي العمل على الإعداد لانتخابات ديمقراطية. لكن هذه الانتخابات تستوجب حرية الصحافة وحرية التعبير. "سوريا بعد 50 عاما من الدكتاتورية بعيدة عن ذلك. وبدون هذه الشروط ستكون الانتخابات فقط ذرا للرماد في العيون. والنظام استولى على العديد من المؤسسات لتوطيد سلطته ونشر الخوف بين الناس. وعمل لجنة الدستور لن يغير شيئا في هذا".
كرستين كنيب/ م.أ.م
المدنيون يتحملون العبء الأكبر للهجوم التركي في سوريا
يحاول من نزح جراء المعارك في شمال شرق سوريا النجاة بالاحتماء في منازل ومدارس مهجورة. ومع رحيل المنظمات الدولية غير الحكومية، يصطف المواطنون لساعات من أجل كسرة خبز. أما القلة القليلة التي تبقت من الأطباء فغارقة في عملها.
صورة من: DW/K. Zurutuza
المحطة الأولى رأس العين
تشير مصادر أممية إلى وجود أكثر من مائتي ألف نازح داخل شمال شرق سوريا منذ بداية الهجوم التركي، الذي بدأ في التاسع من تشرين الأول / أكتوبر 2019. وكان لمدينة رأس العين الحدودية النصيب الأكبر إثر هجوم مشترك لميليشيات مدعومة من تركيا التركية وقصف جوي. وستبقى المدينة تحت السيطرة التركية وفق اتفاق سوتشي الذي توصلت إليه روسيا وتركيا.
صورة من: DW/K. Zurutuza
"فقدنا كل شيء"
وتفيد تقارير بأن أغلب الفارين ينتمون إلى الأكراد. أما ما تبقى في المدينة من مدنيين فهم غالبًا من العرب الذين لا يزالون على تواصل هاتفي بجيرانهم القدامى. وقال هذا الرجل لـ DW (دويتشه فيله): "لقد أخبروني أمس أن الإسلاميين كانوا ينهبون منزلنا؛ لقد فقدنا كل شيء".
صورة من: DW/K. Zurutuza
كل كَسرة خبز تساعد
قوات النظام السوري تتمركز على مسافة كيلومترات قليلة من تل تمر بمحافظة الحسكة. ومن ثم، فقد فرَّت على مدار الأيام القليلة الماضية منظماتٌ دولية غير حكومية كانت تتخذ المنطقة مركزًا لها في السابق. ويعتمد النازحون داخليًّا من رأس العين والقرى المجاورة على عمل المنظمات غير الحكومية التي تكافح لمواكبة الأزمة.
صورة من: DW/K. Zurutuza
قرى خاوية ومخاطر عديدة
وبخلاف تل تمر، تستقبل قرى متاخمة أخرى مئات النازحين، الذين يعتمدون على منظمات محلية غير حكومية. وأوضح حسن بشير، منسق محلي لمنظمة غير حكومية، في تصريحات لـ DW أنهم "يعيشون في قرى خاوية، يوجد كثيرٌ منها بالقرب من مواقع أخرى خاضعة لسيطرة المليشيات المدعومة من الأتراك أو خلايا نائمة لداعش".
صورة من: DW/K. Zurutuza
وجبة واحدة لكل أسرة
لهذا النازح العربي القادم من رأس العين أربع زوجات وسيكابدون جميعا مشقة الحصول على ما يكفي لإطعام جميع أطفالهم، إذ تقول المنظمات غير الحكومية إنها لا تستطيع توزيع أكثر من وجبة غذائية واحدة لكل أسرة. وقال لـ DW بعد أن حصل على وجبة غذائية واحدة: "ليس ذنبهم أنهم مجرد أطفال".
صورة من: DW/K. Zurutuza
المدارس مغلقة.. إلى الأبد؟
منذ بداية الهجوم في شمال شرق سوريا والمدارس مغلقة، ويستقبل كثيرٌ منها الآن نازحين داخليًّا من رأس العين. وسينتقل من يستطيع تحمل التكلفة إلى مدن مثل الحسكة، التي تقع على بعد 80 كيلومترًا نحو الجنوب، أما البقية فسيتعين عليهم التكيف مع الظروف القاسية في مدينة حدودية تواجه المزيد من الهجمات من الشمال.
صورة من: DW/K. Zurutuza
"استمرار الوضع ينذر بكارثة كبرى"
تعيش حاليًا 50 أسرة كردية من رأس العين في هذه المدرسة المهجورة بتل تمر، وسط غيابٍ للمياه والكهرباء. ومع تدهور الأوضاع الصحية، يخشى أطباءٌ محليون والمستشفى في تل تمر من تفشي الكوليرا وغيرها من الأمراض، إذ أخبر أحد الأطباء المحليين DW: "إذا استمر الوضع هكذا، يجب أن نستعد لكارثة إنسانية كبرى".
صورة من: DW/K. Zurutuza
مرضى تقطعت بهم السبل
على الرغم من أن المشفى في تل تمر يعالج الجرحى، فإنه لا يستطيع مساعدة أولئك الذين يعانون من أمراض مثل السرطان. وأخبر نازحان DW أنهما كانا من المفترض أن يتلقيا علاجًا كيميائيًّا في دمشق قبل بدء الهجوم، إلَّا أن الوضع الأمني الحالي يجعل الوصول إلى هناك مستحيلًا.
صورة من: DW/K. Zurutuza
نوع آخر من أماكن اللعب
منذ سيطرة تنظيم "داعش" على تل نصري، بقيت القرية المسيحية الواقعة على أطراف تل تمر خاوية، إذ رحل أغلب سكانها السابقين خلال حصار داعش عندما دمَّرت المليشيات الكنائس بمتفجرات، قبل سقوط "الخلافة" المزعومة. ومع عدم وجود مكان آخر يذهبون إليه، يعيش العديد من النازحين داخليًّا من رأس العين في تل نصري.
صورة من: DW/K. Zurutuza
العيش على الصلاة
هؤلاء الفِتيانٌ من بين عشرات العالقين في تل نصري، إلَّا أن أوضاع المعيشة القاسية هي أبسط مشكلاتهم. فقبل التقاط الصورة مباشرة، أخبر نازحون DW أنهم تعرضوا لهجوم من قرية مجاورة يُقال إنها واقعة في قبضة إسلاميين، وأوضح مقاتلٌ بقوات سوريا الديمقراطية لـDW: "بدأوا بإطلاق النار علينا واشتبكنا [معهم] لأكثر من ساعة".
كارلوس زوروتوزا (تل تمر) / ج.ا