التهريب الذاتي.. حل التونسيين الجديد للوصول إلى أوروبا
١٦ أغسطس ٢٠٢١في مقطع فيديو بث على الهواء مباشرة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، بدا مجموعة من المهاجرين التونسيين مرتاحين على متن قاربهم وهم يعبرون به البحر باتجاه الساحل الإيطالي، وكأنهم في عطلة استجمام.
"سلامي لحي التضامن وصديقي عبد المجيد" ، قال حمود، أحد الشبان العشرة الموجودين على القارب، وهو يمزح أمام الكاميرا. إنه يتحدث هنا عن حي التضامن الشعبي في ضواحي تونس العاصمة. "وتحياتي لمن تمت دعوتهم للمشاركة في هذه الرحلة ولكنهم رفضوا"، يتابع بسخرية. وتفاعل أصدقاؤه المرافقين له مع كلامه بضحكات وابتسامات.
قالت إحدى الشابات الثلاث المهاجرات على متن القارب "وداعا للجميع في تونس، وداعا الولايات الأربع والعشرين، من كل قلبي". وقال شاب آخر بنبرة حزينة "كل ما أريده الآن هو الوصول إلى هناك".
الفيديو المنشور على فيسبوك ليس الوحيد من نوعه، هناك الكثير من الأمثلة على وسائل التواصل الاجتماعي لشباب تونسيين يركبون قوارب ويحاولون الهجرة نحو أوروبا، يُرجح أنهم عاطلون عن العمل، وقد سئموا من الفوضى السياسية في بلادهم، ويحاولون الوصول إلى أوروبا حيث يأملون تحقيق حياة أفضل لأنفسهم. يطلق السكان المحليون عليهم "الحراقة" وعلى "الحرق" إلى إيطاليا.
لكن ما يميز هذا الفيديو هو أن الشباب المعنيين يعرفون بعضهم البعض، وينحدرون من نفس الحي ويبدو أنهم نظموا رحلتهم بأنفسهم، أو بعبارة أخرى، إنهم "يهربون أنفسهم".
هجرة وتهريب ذاتي
مصطلح التهريب الذاتي يصف نفسه: بدلاً من الدفع لمهربي البشر ليوصلوك إلى أوروبا، عليك أن تنظم رحلتك بنفسك. عادة ما يكون للمهربين الذاتيين خلفية اجتماعية مشتركة - هم من نفس الحي أو ربما من العائلة نفسها. يجمعون أموالا لشراء قارب ومحرك وبنزين، وإذا كان بإمكانهم تحمل تكلفة ذلك، يشترون أيضا وحدة GPS.
مثال حزين حول مغامرات التهريب الذاتي على موقع يوتيوب يظهر رؤوف الحويج وعائلته على متن قارب، يحيطون بابن الحويج المريض. بعد ادخار المال وجمع التبرعات، اشترت الأسرة قاربًا صغيرًا ومحركًا، وسافروا جميعًا معًا ، وغادروا مدينة الشابة التونسية الساحلية لمحاولة الوصول إلى إيطاليا.
قام خفر السواحل التونسي بتتبع الأسرة، ونشر الحويج مقطع الفيديو على موقع يوتيوب لتسليط الضوء على الأحداث والضغط على السلطات التونسية. وقال في الفيديو "كل ما أريد فعله هو الاعتناء بنفسي وأولادي".
وفقًا لبحث أجرته منظمات حقوقية تونسية وجمعيات أخرى، فإن عدد المهاجرين التونسيين الذين يغادرون بحراً دون الاستعانة بالمهربين، آخذ في الازدياد.
قال مات هربرت، المتخصص في منطقة شمال إفريقيا والهجرة غير النظامية ومدير الأبحاث في المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، إن "التهريب الذاتي شائع على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط".
وأوضح هربرت أن الظاهرة نادرة في ليبيا، حيث تهيمن شبكات تهريب البشر، لكنها موجودة على سواحل المغرب والجزائر.
خلال العامين الماضيين، لم يكن التهريب الذاتي ملحوظ بشكل كبير في تونس. "لكن الآن مع الإقبال الكبير على الهجرة غير النظامية الذي رأيناه من التونسيين في عام 2020، برزت الظاهرة أكثر وانتشرت"، حسب الخبير.
سرية التهريب الذاتي
نظرًا لأن بعض التونسيين الهاربين ذاتياً قد يكونون قد وصلوا إلى أوروبا دون أن يتم اكتشافهم والبعض الآخر ممن قد يخططون لرحلتهم لن يتحدثوا إلى الصحفيين أو الباحثين، فلا أحد يعرف بالضبط كم عدد التونسيين الذين يختارون هذا النوع من الهجرة. ومع ذلك، من الواضح أن الهجرة غير النظامية من شمال إفريقيا نحو أوروبا قد زادت بشكل كبير خلال العام الماضي.
بين يناير/كانون الثاني وأغسطس/آب 2020، وصل إلى إيطاليا ما يقرب من 15000 مهاجر غير نظامي. خلال نفس الفترة من هذا العام، تقول الحكومة الإيطالية إنها اعترضت أكثر من 31000 شخص (إلى غاية 9 آب/أغسطس).
أفادت المنظمة الدولية للهجرة، أنه من بين جميع المهاجرين غير الشرعيين الذين وصلوا إلى إيطاليا، كان التونسيون هم أكبر مجموعة في عام 2021 حتى الآن. بين يناير / كانون الثاني ومارس / آذار، شكلوا 15 بالمئة من إجمالي الوافدين، بين أبريل/نيسان ويونيو/حزيران 14 بالمئة . ومعظم المهاجرين الذين يغادرون تونس عن طريق البحر هم من السكان المحليين وليسوا من الأجانب.
التونسيون يغادرون وطنهم بوتيرة أكبر
قال الخبير هربرت إنه في الآونة الأخيرة فقط بدأت عمليات المغادرة من تونس في الانتعاش مرة أخرى، موضحًا أن هذا يرجع إلى انخفاض قيمة الدينار التونسي في عام 2017، وارتفاع معدلات البطالة، والمشاكل السياسية في البلاد، وخاصة التأثير المدمر لجائحة كوفيد 19. إذ أوضح هربرت أن الأزمة الصحية أغلقت سبل الهجرة القانونية ومنعت السياح من القدوم.
قد يكون الافتقار إلى السياحة في حد ذاته أحد الأسباب وراء انتشار التهريب الذاتي، يوضح هربرت أن قطاع السياحة يتركز على طول السواحل، والتي كانت إلى حد ما معزولة عن الفوضى الاقتصادية في البلاد.
وتابع هربرت أن الوباء غير كل ذلك، غالبًا ما ينحدر الهاربون الذاتيون من المجتمعات الساحلية لأن لديهم بالفعل بعض الخبرة البحرية - على سبيل المثال من صيد الأسماك أو العمل في القوارب أو الإبحار - وبالتالي يشعرون بمزيد من الثقة بشأن العبور بأنفسهم.
خيار أكثر أمانًا
هناك عوامل أخرى تلعب دورًا أيضًا في انتعاش التهريب الذاتي بين التونسيين - على الرغم من حقيقة أنه عادةً ما يكون أغلى قليلاً.
أفاد الباحثون أن الذهاب مع مهرب بشري محترف يكلف ما بين 1200 يورو و 2200 يورو (1025 و 2600 دولار) على متن قارب عادي، بينما يقسم المهربون الذاتيون تكاليف أي معدات يجب عليهم شراؤها.
أوضح رمضان بن عمر، المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، أن المهربين الذاتيين على استعداد لدفع مال أكثر لأنهم يجدونه خيار أكثر أمانًا.
"كثير من الشباب هنا لا يثقون في المهربين، يعمل العديد منهم مع الشرطة. سيأخذون أموال المهاجرين ويجمعونهم معًا، ثم يسلمونهم إلى الشرطة. لكن بهذه الطريقة، يمكن للمهربين الذاتيين الاستعداد للرحلة دون أن يتم اكتشافهم وفضح أمرهم". ويدرك المهربون الذاتيون جيدًا أيضًا أن المهربين المحترفين يهتمون بالربح أكثر منهم.
على سبيل المثال، لخفض التكاليف، قد لا يضع المهربون ما يكفي من البنزين في قارب للوصول إلى وجهته، أو سيقومون بتحميل القارب بعدد كبير جدًا من الأشخاص، يقول بن عمر.
وجهات مختلفة
قال بن عمر إن المهربين الذاتيين يحاولون في كثير من الأحيان إنزال قواربهم في مناطق أخرى غير تلك التي يستخدمها المهربون المحترفون، لذا لديهم فرصة أفضل لعدم القبض عليهم من قبل السلطات وترحيلهم.
يشق الكثيرون طريقهم إلى جزيرة صقلية الإيطالية الأكبر، حيث يسهل الهبوط دون أن يتم اكتشافهم، بينما ينتهي الأمر بعدد من المهاجرين المهربين في جزيرة لامبيدوزا الأصغر والأقرب.
وأشار هربرت إلى أن "ما يفعله المهربون الذاتيون هو قانوني تقنيًا، باستثناء أنهم يغادرون مياههم الإقليمية". "أشياء مثل شراء قارب أو شراء محرك أو شراء وحدة GPS من الأمور القانونية وطبيعية تماما في العرف البحري".
لماذا يغادرون بلدهم؟
قال هربرت في رده على هذا السؤال "هناك الكثير من الاعتبارات السياسية والكثير من الأموال التي ينفقها الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء في شمال إفريقيا على أساس أننا بحاجة إلى نهج آمن لمكافحة تهريب البشر"، مشيراً إلى حقيقة أن معظم التركيز في هذا المجال ينصب على شبكات تهريب الأشخاص "المهنية" مثل تلك التي تنشط خارج ليبيا.
واعتبر هربرت أنه سيكون أكثر أهمية للدول التي تسعى إلى معالجة قضية الهجرة غير النظامية أن تنظر إلى الدوافع الكامنة وراءها، لا سيما بالنظر إلى انعدام الأمن السياسي في تونس في الوقت الحالي.
كاثرين شاير/ طارق قيزاني (م.ب.)