لماذا امتنعت ألمانيا عن التصويت على قرارات أممية بشأن غزة؟
٢١ ديسمبر ٢٠٢٣في أواخر أكتوبر / تشرين الأول الماضي، أثار قرار ألمانيا بالامتناع عن التصويت على قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تدعو لهدنة إنسانية في غزة غضب السفير الإسرائيلي. وجاء التصويت بعد ثلاثة أسابيع من شن حماس هجومها الإرهابي على إسرائيل، ما أسفر عن مقتل مئات الجنود والمدنيين الإسرائيليين فضلا عن احتجاز عشرات الرهائن.
وردا على الهجوم، شنت إسرائيل هجوما واسع النطاق على قطاع غزة أسفر حتى الآن عن مقتل أكثر من 20 ألف شخص في القطاع الذي يقطنه أكثر من مليوني شخص.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد تبنّت قرارا في 27 أكتوبر / تشرين الأول الماضي دعا إلى "هدنة إنسانية فورية ودائمة تؤدي إلى وقف الأعمال القتالية"، لكن نص القرار لم يتطرق إلى الجرائم التي ترتكبها حماس.
وصوتت 14 دولة ضد القرار، بما في ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل والمجر وجمهورية التشيك والنمسا فيما كانت ألمانيا واحدة من بين الدول الـ 45 التي امتنعت عن التصويت.
انتقادات السفير الإسرائيلي
وقد أثار القرار الألماني انتقادات السفير الإسرائيلي في برلين، رون بروسور، الذي قال إن الامتناع عن التصويت "بسبب عدم القدرة على القول بشكل مباشر إن حماس هي المسؤولة عن هذه المذبحة المروعة، ليس كافيا..نحتاج إلى دعم ألمانيا في الأمم المتحدة".
في المقابل، جرى التأكيد على أن السبب وراء امتناع ألمانيا عن التصويت يرجع إلى أن ألمانيا غير مستعدة للتصويت لصالح القرار لأنه لم يذكر هجمات حماس الإرهابية أو يدينها، لكن في الوقت نفسه رفضت برلين التصويت ضد القرار لأن ذلك لا يظهر اهتماما كبيرا بمعاناة سكان قطاع غزة، فضلا أن سياسة ألمانيا تقوم من حيث المبدأ على الدعوة إلى وقف إطلاق النار في أي نزاع بشكل عام.
وفيما يتعلق بالقرار الأممي، فقد عملت ألمانيا بشكل مكثف مع كندا لمحاولة تحسين نصه قبل إجراء التصويت عليه ليتضمن إدانة هجمات حماس واحتجاز الرهائن والدعوة إلى إفراج فوري وغير مشروط عنهم، لكن المقترح الألماني- الكندي لم يحظ بدعم أغلبية الدول.
توافق ألماني - ألماني على الامتناع
وتكرر السيناريو ذاته في 12 ديسمبر/كانون الأول حيث امتنعت ألمانيا مرة أخرى عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار غير ملزم يدعو إلى "وقف إطلاق نار إنساني فوري" في غزة فيما جاء موقف برلين من التصويت عقب تشاور وثيق بين المستشارية ووزارة الخارجية. وقد نالت الخطوة دعم عدد من أعضاء البوندستاغ من مختلف الأحزاب.
وفي مقابلة مع DW، قال السياسي المخضرم من حزب الخضر، ماكس لوكس، "نريد جميعا إنهاء العنف. وألمانيا تدعو بقوة إلى إنهاء العنفوتدعو كافة الأطراف إلى الامتثال للقانون الدولي. لكن ألمانيا اضطرت إلى الامتناع عن التصويت، لأن القرار لا يذكر من هو المعتدي؟ ومن هي الضحية في هذا الموقف؟".
تنامي الانتقادات لإسرائيل
وفي سياق متصل، يؤكد مراقبون للشأن الألماني على أن قرارات البلاد بشأن التصويت داخل الأمم المتحدة تأخذ في الحسبان ظروفا بعينها تخصها، إذ عقب الجرائم التي ارتكبت خلال الحقبة النازية، باتت العلاقة بين ألمانيا وإسرائيل "مصلحة وطنية" ما يعني ضرورة تضامن برلين مع تل أبيب.
لكن المراقبين أشاروا إلى وجود أقلية مسلمة في ألمانيا تبلغ حوالي 5.5 مليون مسلم يتعاطفون بشكل أساسي مع سكان غزة.
وفي السياق ذاته، ألمح محللون إلى حدوث تغيير في الفترة الزمنية بين التصويت الأول والثاني حيث تزايدت الانتقادات الدولية لإسرائيل فيما أرغم القصف الشديد لقطاع غزة الرئيس الأمريكي جو بايدن، المدافع القوي عن إسرائيل، على التدخل.
ففي اجتماعه مع أنصاره في الحزب الديمقراطي، شدد بايدن على أن الحكومة الإسرائيلية تخاطر في الوقت الراهن بخسارة التضامن الدولي الكبير مع إسرائيل عقب السابع من أكتوبر / تشرين الأول الماضي، بسبب "القصف العشوائي" لغزة.
وعند سؤاله في 14 ديسمبر/ كانون الأول عما إذا كان يريد من إسرائيل تقليص نطاق هجومها على غزة بحلول نهاية هذا العام، رد بايدن "أريدهم أن يركزوا على كيفية إنقاذ أرواح المدنيين، لا أن يتوقفوا عن ملاحقة حماس، لكن أريدهم أن يكونوا أكثر حذرا".
مسؤولية ألمانيا التاريخية تجاه إسرائيل
في المقابل، يعتبر العديد من المشرعين الألمان التضامن مع إسرائيل أمرا "مطلقا". وفي ذلك، قال المتحدث باسم السياسة الخارجية للحزب المسيحي الديمقراطي، يورغن هاردت، إن "لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها والحق في تدمير حماس التي تمثل أكبر تهديد في تاريخ إسرائيل".
وفي مقابلة مع DW، أضاف أن "أي وقف لإطلاق النار لا ينص صراحة على فترة زمنية محددة أو ساعات أو أيام محددة سوف يساعد فقط حماس على التعافي". وأدلى السياسي في الحزب الاشتراكي الديمقراطي، رالف ستيجنر، بدلوه في هذا الطرح إذ كشف النقاب عن سبب عدم قدرة ألمانيا على التصويت لصالح القرارين.
وقال "ترى ألمانيا أن تجاهل أمن إسرائيل يعد أمرا غير وارد على الإطلاق. تأسست دولة إسرائيل نتيجة للمحرقة. هذه هي مسؤوليتنا التاريخية وهذا يعد السبب الرئيسي وراء القرار الألماني".
بدوره، قال يورغن تريتين، خبير السياسة الخارجية في حزب الخضر، "نرحب بمطلب الجمعية العامة للأمم المتحدة بإطلاق سراح الرهائن، لكن ما ينقصنا هو الاعتراف الجلي بأن حماس ليست حركة تحرير بل منظمة إرهابية. منظمة إرهابية معادية للفلسطينيين."
وشدد السياسي على أن اعتباره حماس "منظمة معادية للفلسطينيين" ليس زلة لسان، مؤكدا أن تصرفات الحركة تؤدي في نهاية المطاف إلى تقويض آمال الفلسطينيين في إقامة دولتهم.
بيربوك: معاناة الفلسطينيين لا تطاق
وعقب التصويت الثاني في الأمم المتحدة، أشار الناطق باسم وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك إلى الجانب المنطقي من القرار الألماني، قائلا: "ليس من المنطقي بالنسبة لنا أن نطالب بوقف إطلاق النار عندما يتعين علينا الافتراض بأن أحد الطرفين سيواصل إطلاق هجماته الصاروخية من غزة".
وعلى خلاف ما تلى التصويت الأول في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، خرجت بيربوك في وقت سابق من الشهر الجاري لتؤكد على أن "معاناة المدنيين في غزة لا تحتمل".
ورغم حدوث تغيير بين التصويت الأول والثاني لا سيما فيما يتعلق بتزايد الانتقادات لإسرائيل حتى في ألمانيا، إلا أن برلين لن توافق على هدنة تتجاهل الأعمال الإرهابية التي تقوم بها حماس.
يُذكر أن حركة حماس، وهي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
أعده للعربية: محمد فرحان