لماذا تضاعفت الاعتداءات المعادية للسامية في ألمانيا؟
٦ يونيو ٢٠٢٥
"عبّرت لي قبل بضعة أشهر امرأة يهودية وأم لطفلين عن عواقب معاداة السامية في ألمانيا على حياتها اليومية كما يلي: جميع استراتيجيات التعامل مع معاداة السامية في الحياة اليومية لم تعد ذات نفع منذ الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر 2023"، يقول بنيامين شتاينيتس، مدير مركز الأبحاث والمعلومات حول معاداة السامية (RIAS) خلال تقديمه في برلين التقرير السنوي الصادر عن مركزه.
سجّلت العام الماضي مراكز الإبلاغ عن معاداة السامية وقوع 8627 حادثًا معاديًا للسامية في ألمانيا. وهذا يمثّل زيادة مثيرة للقلق بنسبة 77 بالمائة بالمقارنة مع عام 2023: فقبل عامين، بلغ متوسط الحوادث المعادية للسامية 13 حادثًا في اليوم؛ بينما تضاعفت في عام 2024 وارتفع عددها إلى أقل بقليل من 24 حادثًا في اليوم. حيث ارتفعت حوادث معاداة السامية في ألمانيا بشكل كبير منذ هجوم حركة حماس الإرهابي على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 والحرب التي اندلعت بعده في غزة.
وحول ذلك يقول بنيامين شتاينيتس: "مع استمرار الحرب في غزة ومعاناة المدنيين الفلسطينيين التي لا تطاق، تراجع في ألمانيا أيضًا التأييد لإجراءات الحكومة الإسرائيلية". والنتيجة المحزنة: "لم نعرف من قبل بوقوع عدد أكبر من الحوادث المعادية للسامية خلال عام واحد - سواء في الشوارع أو المؤسسات التعليمية أو المواقع التذكارية أو على الإنترنت - أكثر مما عرفناه في عام 2024".
زيادة الهجمات على الأفراد
وكذلك ارتفع بشكل حاد عدد حوادث معاداة السامية المباشرة ضد أفراد يهود أو إسرائيليين إلى 1309 اعتداء. كما حدث في كانون الأول/ديسمبر بولاية ساكسونيا الألمانية عندما كانت امرأة تقرأ الأخبار باللغة العبرية في هاتفها الذكي وتعرضت للإهانة من قبل مجموعة هددتها بهتافات "زيغ هايل" (عاش النصر) النازية. وهذه الحوادث تمثّل تهديدًا خاصًا بالنسبة للمتضررين.
وينتقد بنيامين شتاينيتس الوضع في ألمانيا قائلًا إنَّ "خطر تعرض اليهود رجالًا ونساءً للمعاداة في ألمانيا زاد غالبًا بشكل موضوعي منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، ومع ذلك يبدو أنَّ النقاشات حول تعريف معاداة السامية تحتل حيِّزًا أكبر من التعاطف مع المتضررين".
ويضيف أنَّ التضامن مع المتضررين من معاداة السامية وضحايا 7 تشرين الأول/أكتوبر الإسرائيليين لا يتعارض مع "التعاطف مع وضع الناس في غزة وانتقاد الحكومة الإسرائيلية على إجراءاتها في قطاع غزة".
وكذلك سجّل مركز الأبحاث والمعلومات حول معاداة السامية (RIAS) وقوع ثمانية حوادث عنف شديد في العام الماضي. ومنها مثلًا حادث وقع في 5 أيلول/سبتمبر 2024 بمدينة ميونيخ الألمانية - في ذكرى هجوم أولمبياد عام 1972؛ حيث قام شخص يشتبه بأنَّه إسلاموي بإطلاق عدة طلقات نارية على القنصلية الإسرائيلية ومركز توثيق جرائم النازية. وقد أسفر هذا الحادث عن إصابة شخصين بأضرار طفيفة نتيجة صدمة نفسية. أما الجاني - وهو شاب نمساوي عمره 18 عامًا - فقد قُتل خلال تبادل إطلاق النار مع الشرطة.
"مكافحة معاداة السامية مهمة كل المجتمع"
ويقول فيليكس كلاين، مفوض الحكومة الألمانية الاتحادية للحياة اليهودية في ألمانيا ومكافحة معاداة السامية منذ عام 2018: "لقد أصبحت كراهية اليهود في ألمانيا أمرًا طبيعيًا بحيث وصلت إلى مستوى مخجل". ويضيف أنَّ هذه الحوادث تشمل جميع مجالات الحياة: في الجامعات، حيث تنتشر الكتابات على الجدران والملصقات المعادية للسامية، وفي المظاهرات، حيث يُقارن سلوك إسرائيل بسلوك النازيين، ولدى نساء يُشتمن بوصفهن عاهرات يهوديات".
ومكافحة كراهية اليهود تعتبر بحسب كلاين مسألة شاملة. ولذلك فإنَّ النهج المحدود لا يكفي؛ بل يجب فهم مكافحة معاداة السامية كمهمة لكل المجتمع، كما يقول وينتقد: "يجري تحميل اليهود مسؤولية جماعية عن ما يحدث في قطاع غزة. إذ بات يُنتظر من اليهود فجأةً أن يشرحوا ما يحدث هناك، على الرغم أنَّهم مواطنون ألمان".
شعور بانعدام الأمن لدى الطلاب اليهود
ومن بين إبرز أعمال العنف المعادية للسامية وأكثرها إثارة خلال العام الماضي حادث الطالب اليهودي لاهاف شابيرا، الذي تعرض في بداية شباط/فبراير لضرب عنيف أثناء مغادرته أحد البارات في برلين، وخضع نتيجة لذلك لعملية جراحة بسبب إصابته بعدة كسور في الوجه. وكان الجاني حينها زميلًا له في الجامعة، وقد حُكم عليه بالسجن ثلاث سنوات.
وفي هذا الصدد يقول رون ديكل، رئيس اتحاد الطلاب اليهود في ألمانيا: "لم يعد الكثير من الطلبة اليهود يشعرون بالأمان في الجامعات بألمانيا، وهذه ليست عبارة فارغة". ولذلك يطالب رون ديكل بوجود مفوض لمكافحة معاداة السامية في جميع الجامعات، وبضرورة الإبلاغ عن الحوادث ومعالجتها وملاحقتها. ويضيف أنَّ "هذا يتعلق بتمكننا من تصميم دراساتنا لا بحسب المخاوف الأمنية، بل بحسب مصالحنا. والجامعات يجب أن تتوقف أخيرًا عن التسامح مع معاداة السامية والاستمرار في التهرب منها".
زيادة كبيرة على الإنترنت وفي المدارس
وبالإضافة إلى ما سبق وثَّق التقرير السنوي زيادة قياسية بلغت نحو 2000 تعبير معادٍ للسامية على الإنترنت، وهذا يعني أنَّ نحو ربع الحوادث المبلغ عنها قد حدثت على الإنترنت: من خلال البريد الإلكتروني أو رسائل عبر تطبيقات المراسلة أو تعليقات على منصات التواصل الاجتماعي. وسجل مركز الأبحاث والمعلومات حول معاداة السامية (RIAS) أعلى عدد من الحوادث المعادية للسامية ذات الخلفيات اليمينية المتطرفة حتى الآن، والتي بلغت 544 حادثًا. وكذلك زادت الحوادث المعادية للسامية زيادة كبيرة في المدارس، حيث تم الإبلاغ عن 284 حالة.
وخلال عرضه التقرير السنوي، رفض مدير مركز الأبحاث والمعلومات حول معاداة السامية، بنيامين شتاينيتس، الانتقادات الموجهة من الصحفي الإسرائيلي إيتاي ماشياخ إلى مركزه. وقال إنَّ هذا الصحفي اتهم مركزه في دراسة بـ"المبالغة في وصف الحوادث المعادية للسامية" وتفسير مصطلح "معاداة السامية المتعلقة بإسرائيل" تفسيرًا فضفاضًا للغاية.
وفي الختام دعا مدير مركز الأبحاث والمعلومات حول معاداة السامية، بنيامين شتاينيتس، إلى سد الثغرات القانونية، وطالب بفرض "حظر على الهتافات الداعية إلى محو دولة عضو في الأمم المتحدة وإجراء إصلاح في القانون الخاص بمكافحة التحريض، وتحديد السمات العنصرية والمعادية للسامية".
أعده للعربية: رائد الباش
تحرير: خ.س