لماذا تنظر الجزائر بتخوف كبير لانتخاب لوبان رئيسةً لفرنسا؟
٢٢ أبريل ٢٠٢٢
تترقب دول كثيرة نتائج رئاسيات فرنسا، ومنها الجزائر التي تجمعها علاقة ذات حساسية كبيرة ببلد الإليزي. الأهمية هذه المرة تعود لما يراه كثيرون خطر انتخاب لوبان، مع ما يحمله ذلك من تحديات للجزائر ولجاليتها.
إعلان
بين كل البلدان التي استعمرتها سابقاً فرنسا، تظهر العلاقة مع الجزائر الأكثر حساسية لأسباب اجتماعية منها أن الجالية الجزائرية في فرنسا تعدّ الأكبر في البلد، ولأسباب تاريخية تخصّ الجدل المتواصل عن "التاريخ الأسود لفرنسا" والمطالب الجزائرية الدائمة بضرورة تقديم اعتذار عن الاستعمار الفرنسي للجزائر الذي دام ما يقارب 130 عاما، ولأسباب اقتصادية كذلك نظراً للشراكة التجارية بين البلدين.
ويتأثر النقاش الجاري بين المرشحين لرئاسة فرنسا، الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون ، ومنافسته مارين لوبان (أو مارين لوبن)، زعيمة حزب التجمع الوطني، اليميني المتطرف. وبين هذا وذاك، يظهر الجزائريون في فرنسا مبدئياً، كغيرهم من أفراد الجاليات المسلمة والمهاجرين عموما، في صف كلّ من سينافس اليمين المتطرف الذي لم تكن علاقته مع هذه الجاليات وردية، لكن بالنسبة لجل الجزائريين، تبقى لوبان وحزبها وعائلتها، خياراً يجب تفاديه بقدر الإمكان.
عقدة التاريخ لم تحل
يظهر إيمانويل ماكرون، رغم رفضه تقديم اعتذار عن الاستعمار الفرنسي للجزائر، واحدا من أكثر الرؤساء الفرنسيين بحثا عن صلح تاريخي مع الجانب الجزائري، ومن آخر خطواته وصف قمع المتظاهرين الجزائريين عام 1961 بأنها "جريمة لا تغتفر" ، ورفع السرية عن جزء كبير من أرشيف الاستعمار، رغم التوتر الذي وقع بينه وبين الجزائر عندما نفى وجود "أمة جزائرية" قبل الاستعمار.
في المقابل، كانت لوبان ضد الكثير من خطوات مصالحة الذاكرة، بل اعتبرت عام 2017 أن الاستعمار الفرنسي حمل الكثير من الأشياء الإيجابية للجزائر، وطلبت لاحقاً من الجزائر الاعتذار للحركى (جزائريون قاتلوا إلى جانب فرنسا) إن هي أرادت المضي في المصالحة.
ولا ينسى الجزائريون أن والدها ومؤسس حزب التجمع الوطنية جون ماري لوبن، كان جندياً في الجزائر خلال فترة الاستعمار، واعترف في تصريحات مثيرة أنه كان سيشارك في التعذيب لو طُلب منه ذلك، كما صرّح: "قمنا بالتعذيب في الجزائر لأن ذلك كان ضروريا"، مستدركا أن الحديث بالجمع يعني الجيش الفرنسي وليس بالضرورة هو شخصيا أو زملاؤه الذين لم يكلفوا بمهمة "الاستنطاقات الخاصة".
لكن ابنته لا تظهر ملمة كثيراً بالتاريخ الجزائري، وخلطت قبل أيام بينه وبين التاريخ التونسي عندما قالت إن الحبيب بورقيبة سبق له أن منع الحجاب في الجزائر.
الهجرة والغاز.. ملفين حاضرين
تريد مارين لوبن علاقة مختلفة تماماً مع الجزائر عن تلك التي سطرها إيمانويل ماكرون، ولذلك صرّحت أنها ستعمل على "خطاب واضح غير معقد ومقروء" تجاه الجزائر. ولذلك تتجه أكثر إلى ملفات الحاضر، وخصوصاً الهجرة غير النظامية، إذ تضغط على الجزائر لأجل استعادة مواطنيها "غير المرغوب بهم" في فرنسا.
ورغم أن فرنسا بدأت هذا الضغط في عهد ماكرون، ونتيجة لذلك قررت باريس تقليل عدد التأشيرات الممنوحة لمواطني الجزائر والمغرب وتونس، إلّا أن لوبن تريد المضي أكثر وربطت بين الرضوخ الجزائري وبين أيّ إصدار جديد للتأشيرات أو تحويل الممتلكات أو شراء ممتلكات فرنسية من قبل جزائريين.
ولا ترى لوبن أن الجزائر لديها ما تضغط به على فرنسا، إذ ترى أن فرنسا "مستقلة اقتصادياً عن الجزائر وعن غازها"، ويعد الغاز أهم الصادرات الجزائرية وتعول الجزائر على لعب دور أكبر في المجال الطاقي الأوروبي خصوصا بعد الحرب الروسية على أوكرانيا.
ولا يمثل الغاز الجزائري جزءاً رئيسياً في واردات الاتحاد الأوروبي، لكن فرنسا جاءت على رأس دول الاتحاد الأوروبي استفادة من الغاز الطبيعي المسال الجزائري عام 2021، وهو وضع قد يتغير نتيجة اتجاه إيطاليا لزيادة استيراد الغاز الجزائري لتعويض نظيره الروسي.
تضييق على المسلمين؟
لا توجد أرقام واضحة لعدد الجزائريين في فرنسا بحكم أن الجزء الأغلب منهم يحملون الجنسية الفرنسية كذلك، لكن مؤشرات متعددة تبين أن عددهم يتجاوز ستة ملايين، ما يجعلهم الجزء الأكبر من ذوي الأصول الأجنبية، وخزاناً انتخابياً قد يؤثر على نتائج الرئاسيات الفرنسية.
وترغب لوبان بكسب أصوات الفرنسيين الراغبين في تقليص عدد المهاجرين، لأجل تعويض خسارة أصوات ذوي الأصول الجزائرية والمسلمة عموماً. وتعتقد المرشحة أن إعلانها بشكل واضح حظر ارتداء الحجاب في الأماكن العامة سيزيد من تصويت الكتلة اليمينية لها، وسيتيح لها الاستفادة من أصوات من صوتوا لصالح الأحزاب اليمينية في الدور الانتخابي الأول الذي شهد تأهلها هي وماكرون من أصل 12 مرشحا.
ورغم التوتر بين الجانبين على خلفية تصريحاته بخصوص "الأمة الجزائرية"، إلاّ أن الجزائريين يرون ماكرون الخيار الأفضل، إذ خلقت المجتمعات المهاجرة، ومنها الجزائرية، تجمعات لها في فرنسا، وانتخاب رئيسة يمينية يهدد استمرار هذه التكتلات التي تعيش مسبقا ضغوطا واسعة، خصوصا مع القيود التي تريد لوبان تنفيذها على التجمع العائلي واكتساب الجنسية الفرنسية والمساعدات الشهرية، وكذلك رغبتها تجريم أيّ عمل يساعد المهاجرين غير النظاميين.
وقد تخلق إجراءات لوبان تهديداً على السلم الاجتماعي حسب ما أكده منافسها إيمانويل ماكرون، وقد تدفع بالجزء الأكبر من المسلمين، ومنهم الجزائريين، الذين صوتوا للمرشح اليساري جان لوك ميلنشون (يقدر الرقم بـ69 بالمئة حسب استطلاع رأي لمعهد إيفوب) إلى التصويت لماكرون.
ورغم أن الجزائر لم تعلن عن موقف بخصوص هذه الانتخابات، إلاّ أن صحفا فرنسية قرأت في التصريح المشترك قبل أسبوع، لرئيس مجلس الأمة، صالح قوجيل، ورئيس مجلس الشيوخ الفرنسي جيرار لارشيه (أعلن عن تصويته لماكرون)، بضرورة "التغلب على الأحزاب وجماعات الضغط من بقايا الاستعمار التي تحاول طمس أي محاولة للتقارب في العلاقات بين البلدين"، رسالة ضد انتخاب لوبان، فهل يلقتطها الجزائريون-الفرنسيون؟
إ.ع/ع.ج.م
ماكرون يتصدر الانتخابات ويتواجه مع لوبان في الدور الثاني
تصدّر الرئيس إيمانويل ماكرون نتائج الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية بفارق واضح عن منافسته مارين لوبان وليتواجه الاثنان في الجولة الثانية من الانتخابات المقرر إجراؤها في 24 أبريل/ نيسان.
صورة من: JB Autissier/PanoramiC/IMAGO
عقبات كثيرة قبل دخول الإليزيه
صادق المجلس الدستوري الفرنسي في مارس/ آذار على أوراق 12 مرشحا للانتخابات الرئاسية، بينهم الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون. طريق المرشحين لم يكن سهلا إذ توجب على كل واحد منهم أن يحصل على 500 توقيع من الممثلين المنتخبين (نواب، رؤساء بلديات، عمد مدن.. إلخ). وتنطلق الجولة الأولى الأحد 10 أبريل/ نيسان 2022، ومن المتوقع أن يأتي ساكن الإليزيه من خلال التصويت في جولة الإعادة المقررة الأحد 24 أبريل/ نيسان.
صورة من: LUDOVIC MARIN/AFP/Getty Images
عقبة كبيرة أمام صغار المرشحين
بالنسبة للمرشحين من الأحزاب المنشقة أو السياسيين الذين لا ينتمون إلى أي حزب، يمكن أن يصبح جمع توقيعات المؤيدين المطلوبة لخوض السباق الرئاسي عقبة لا يمكن التغلب عليها. ففي كل انتخابات رئاسية، يمثل الوقت اللازم للحصول على هذه التوقيعات وتقديمها للجنة الانتخابات تحدياً كبيراً. ولن يتحدد الرئيس الجديد لقصر الإليزيه الذي سيتولى المنصب في مايو/آيار إلى حين الانتهاء من انتخابات الإعادة في 24 أبريل/نيسان.
صورة من: Lionel Bonaventure/AFP
ماكرون، الرئيس الحالي والمرشح الأوفر حظا للفوز
يتصدر إيمانويل ماكرون استطلاعات الرأي منذ شهور بهامش يصل إلى 27% من نوايا المصوتين. ومن غير المرجح أن يُحرم من الحصول على مكان في انتخابات الإعادة. وبالمقارنة مع أسلافه، يتمتع الرجل البالغ من العمر 44 عامًا بتقييمات شعبية جيدة في نهاية فترة ولايته. ويرى البعض أن إعلان ماكرون ترشحه قبل أسابيع قليلة من الانتخابات له أسباب تكتيكية.
صورة من: Bertrand Guay/AFP/Getty Images
رئيس الدولة حتى أثناء الحملة الانتخابية
حتى خلال حملة ترشحه للرئاسة، لا يزال بإمكان ماكرون العمل كرئيس - دون الحاجة إلى مراعاة القواعد التي تحكم الحضور الإعلامي للمرشحين في فرنسا. ويثير سجل ماكرون للإصلاحات الجدل بشكل كبير. وبعد احتجاجات "السترات الصفراء"، تضاءلت حماسته لإجراء المزيد من الإصلاحات الجذرية. ومن بين أمور أخرى، يريد الرئيس تسجيل نقاط لدى الناخبين مستغلاً التطور الاقتصادي الإيجابي الذي حدث مؤخراً في البلاد.
صورة من: Martin Bureau/AFP/dpa/picture alliance
مارين لوبان: المحاولة الثالثة "والأخيرة"؟
مارين لوبان من التجمع الوطني اليميني المتطرف. سبق لمارين لوبان أن واجهت ماكرون في جولة الإعادة قبل خمس سنوات. وتشير تقييمات لوبان إلى أنها نجحت في تبديد الصورة التي تشيطن حزبها اليميني المتطرف دون تغيير برنامجه الأساسي المناهض للهجرة. وتظهر الاستطلاعات أن ما يصل إلى 23 بالمئة من الناخبين يعتزمون التصويت لها في الجولة الأولى. وقد تكون محاولتها الثالثة لدخول الإليزيه هي آخر فرصة للوبان لتصبح رئيسة.
صورة من: Stephane de Sakutin/AFP/Getty Images
فاليري بيكريس- الخصم غير المريح
في استطلاعات الرأي، يتصارع كل من فاليري بيكريس ومارين لوبان على المركز الثاني خلف ماكرون.عملت بيكريس كرئيسة للمجلس الإقليمي لمنطقة العاصمة منذ عام 2015 وعملت أيضاً كوزيرة للبلاد. تصف نفسها بأنها خليط من تاتشر وميركل. في جولة الإعادة ضد ماكرون، سيكون لدى السيدة الجمهورية المحافظة فرص أفضل من لوبان. وتظهر أحدث استطلاعات للرأي احتمال فوزها بما بين ثمانية وعشرة بالمئة فقط من الأصوات في الجولة الأولى.
صورة من: Thierry Chesnot/Getty Images
إريك زمور- المثير للجدل
وصل إريك زمور (63 عاماً) - أحد أبرز مرشحي اليمين المتطرف - إلى معدلات اقتراع مرتفعة إلى جانب مارين لوبان. يرسم زمور - وهو أحد نجوم البرامج الحوارية - صورة قاتمة لدولة فرنسا واشتهر بأطروحاته المعادية للإسلام وأدانته المحكمة بسبب ذلك عدة مرات. يتبنى نهج دونالد ترامب المناهض لسلطات المؤسسات ويصور نفسه على أنه المنقذ للأمة الفرنسية. تتوقع الاستطلاعات فوزه بنسبة بين 9 و11% من الأصوات في الجولة الأولى.
صورة من: Bertrand Guay/AFP/Getty Images
جان لوك ميلنشون: قوة الكلمات
مثل مارين لوبان، تعتبر هذه هي محاولة جان لوك ميلنشون الثالثة لدخول الإليزيه. قبل خمس سنوات، حقق ميلينشون (70 عاماً) المركز الرابع في الانتخابات. "السياسي الفصيح" يرى نفسه زعيم المعارضة الحقيقي في البرلمان. وينتمي في الأصل للحزب الاشتراكي (الرمز التقليدي لتيار يسار الوسط)، لكنه الآن زعيم حزب "فرنسا الأبية" (La France Insoumise). وتشير الاستطلاعات لاحتمال حصوله على 14 و17% في الجولة الأولى.
صورة من: Thomas Samson/AFP/Getty Images
يانيك جادو: الواقعي
في الانتخابات المحلية، فاز حزب الخضر مؤخراً بعدة مجالس بلدية في المدن الكبرى في فرنسا. لكن على المستوى الوطني، ليس للحزب تأثير حاسم في الوقت الحالي. ومع يانيك جادو، يرسل حزب الخضر شخصاً براغماتيًا إلى السباق بعد الانتخابات التمهيدية. يتمتع عضو البرلمان الأوروبي (54 عاماً) بتأييد الناخبين من الحزب الاشتراكي الديمقراطي. ويُتوقع حصوله في الجولة الأولى على 8.5 % من الأصوات.
صورة من: Joel Saget/AFP/Getty Images
آن هيدالغو- مرشحة في أزمة
تريد عمدة باريس الاشتراكية آن هيدالغو الانتقال من قاعة المدينة بالعاصمة إلى قصر الإليزيه. كانت السياسية المولودة في إسبانيا المرشحة الواعدة للحزب الاشتراكي في 2021. تريد هيدالغو الإبقاء على سن التقاعد الحالي البالغ 62 عاماً، في تحد واضح لخطط ماكرون بزيادته إلى 65 عاماً. وبسبب تشتت اليسار وكثرة مرشحيه، تشير التوقعات إلى احتمال حصولها على أقل من 3.5% في الجولة الأولى ما يضعها في أزمة.
صورة من: Franck Fife/AFP/Getty Images
فابيان روسيل: التقليد يلزم
كما هو الحال في جميع الانتخابات الرئاسية تقريبًا، يرسل الشيوعيون مرة أخرى مرشحهم إلى السباق. تتشابه خطط الصحفي والسياسي الفرنسي فابيان روسيل (52 عاماً) مع خطط أسلافه: زيادة الضرائب على الممتلكات وزيادة القوة الشرائية للفرنسيين بدعم من الدولة. نال نسبة 5% أو أقل من نوايا التصويت وهي العتبة التي خولته الحصول على نفقات حملته. من المرجح أن ينتهي الأمر بالسكرتير الوطني للحزب الشيوعي في مؤخرة السباق.
صورة من: Joel Saget/AFP/Getty Images
مرشحون لإثبات الحضور فقط؟
وهناك أربعة مرشحين آخرين سيتواجدون في السباق الرئاسي إلى الإليزيه لكن حظوظهم في الفوز "شبه مستحيلة"، كما حدث لهم في انتخابات رئاسية سابقة. وهؤلاء هم: نيكولا ديبون-إينيان (61 عاما) عن حزب "انهضي فرنسا"، وجان لاسال (66 عاما) عن حزب "لنقاوم" وكذلك فيليب بوتو (54 عاما) عن "الحزب الجديد لمناهضة الرأسمالية"، والمرشحة ناتالي آرتو (52 عاما) من "حزب النضال العمالي". إعداد: أندرياس نول/ ع.ح/ ص.ش
صورة من: Julien Mattia/Le Pictorium/MAXPPP/dpa/picture alliance
ماكرون يتأهل مع لوبان
بنسبة 28,5 في المائة تأهل إيمانويل ماكرون للدور الثاني من الإنتخابات الفرنسية، منا تأهلت مارين لوبان بنسبة 23,6 في المائة، حسب تقديرات أولية لنتائج الاقتراع الذي جرى الأحد. وبلغت نسبة المشاركة في هذه الانتخابات 65 بالمائة حتى الساعة الثالثة بعد الظهر بتوقيت غرينتش. وتنافس في هذه المرحلة من الاستحقاق 12 مرشحا.