لماذا يخفض حزب الله عملياته رغم التصعيد الإسرائيلي؟
٣١ يناير ٢٠٢٤تشهد حدود لبنان وإسرائيل توترا مستمرا منذ 8 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي حين فتح حزب الله جبهة جنوب لبنان "لإسناد حركة حماس وإشغال الجيش الإسرائيلي عن الحرب في غزة"، حسبما أعلنت قيادة الحزب المدعوم من إيران في أكثر من مناسبة.
وبلغ التصعيد بين الحزب اللبناني والجيش الإسرائيلي أشده في شهري نوفمبر/ تشرين الثاني وديسمبر/ كانون الأول الماضيين، حيث كان الإعلام الحربي للحزب يعلن عن تنفيذ مقاتليه عددا من العمليات العسكرية وصل لأكثر من 15 عملية في اليوم الواحد.
انحسار هجمات حزب الله ضد إسرائيل
لكن الأسبوعين الماضيين شهدا تراجع وتيرة العمليات العسكرية لحزب الله إلى ما دون الخمسة في اليوم الواحد، وسط زيادة في القوة النارية الإسرائيلية، حيث طالت الغارات عمق القرى اللبنانية وصولا إلى القرى التي تقع شمال نهر الليطاني وهي تعتبر منطقة خارج قواعد الاشتباك المعهودة بين حزب الله وإسرائيل.
وتشهد نوعية المواجهة العسكرية بين حزب الله والجيش الإسرائيلي تطورا ملحوظا، حيث لم يعد يقتصر على تبادل القصف وإطلاق النار عبر الحدود. فمنذ مطلع العام الجديد دأبت إسرائيل على تنفيذ عمليات أمنية مركّزة واستهداف شخصيات وقيادات ميدانية لحزب الله من المستوى المتوسط والرفيع، كان أبرزهم وسام الطويل الذي قتل في استهداف إسرائيلي لسيارته في 8 يناير/ كانون الثاني.
ماذا وراء تراجع وتيرة عمليات حزب الله؟
يقول الكاتب والمحلل السياسي منير الربيع لـ DW عربية، إن الجيش الإسرائيلي انتقل من مرحلة رد الفعل إلى الفعل "بهدف تكريس واقع ميداني يريد من خلاله إبعاد مقاتلي حرب الله مسافة تتراوح بين 8 و10 كيلومترات عن الحدود مع إسرائيل."
ويعتبر الربيع أن الاستهداف الإسرائيلي المباشر لعناصر وقياديين وبنى تحتية عسكرية لحزب الله، كما التفوق التكنولوجي للجيش الإسرائيلي، كلها عناصر أجبرت الحزب على مراجعة تكتيكاته العسكرية وبالتالي أدى إلى انخفاض عدد العمليات التي يتبنى الحزب تنفيذها ضد إسرائيل.
غير أن الخبير العسكري والاستراتيجي، العميد المتقاعد شارل أبي نادر، يرى في حديث مع DW أن "الحزب ينفذ مناورة تكتيكية لحماية عناصره من الضربات الإسرائيلية وبات يدرس عملياته العسكرية أكثر من قبل للحد من خسائره البشرية، لذلك يمكن ملاحظة تراجع وتيرة ضربات حزب الله."
ويضيف أبي نادر أن انخفاض عدد عمليات حزب الله العسكرية لا يعني بالضرورة تراجعاً في فعالية هذه العمليات "إذ إن الحزب أدخل أسلحة نوعية إلى المعركة كالصواريخ الدقيقة المزودة بكاميرا وصاروخ بركان الذي يحمل كمية كبيرة من المتفجرات، وبهذا لم يعد بحاجة لغزارة القوة النارية والصاروخية".
سباق بين المسارين العسكري والدبلوماسي
وبمعزل عن الميدان يرى المحلل السياسي منير الربيع أنه إلى جانب المسار العسكري المتغيّر، ثمّة مسار سياسي دبلوماسي مؤثّر تقوده القوى غربية، يسعى لتجنب توسع رقعة الحرب أو انتقالها إلى لبنان.
ويتحدث الربيع عن رسائل غربية وعربيّة وصلت إلى المعنيين في لبنان ولا سيما قيادة حزب الله، تحذر من قرار إسرائيلي وشيك بشن عملية عسكرية واسعة في جبهته الشمالية، ويدرك حزب الله تماما أن تبعاتها ستكون كارثية على لبنان ولاسيما على سكان الجنوب.
ويضيف منير الربيع أن "حزب الله يتلقف هذه الرسائل ويبدي نوعاً من الليونة والاستجابة للوساطات الأوروبية والأمريكية لعدم رغبته في خوض الحرب وإن كان يردد موقفه باستمرار عملياته العسكرية إلى حين وقف الحرب في غزة".
وفي هذا السياق يعتبر العميد المتقاعد شارل أبي نادر أن حزب الله لا يمكنه أن يُظهر تراجعاً في موقفه في الوقت الحالي، "ورغم أن أمينه العام حسن نصرالله عبّر عن انفتاح للدخول في مفاوضات في إطلالاته الإعلامية، إلا أنه ربط مسار التفاوض بوقف الحرب في قطاع غزة. لذا من الواضح أن حزب الله يراهن على تسوية في غزة لوقف التصعيد في لبنان وتاليا الدخول في مفاوضات على مجمل الملفات".
الخبير منير الربيع يرى على هذا الصعيد أن مسار التفاوض على هدنة طويلة الأمد في غزة انطلق بجديّة، "وهذا سينعكس إيجاباً على جبهة لبنان. حيث يدور النقاش حالياً حول إمكانية إرساء تهدئة مستدامة على قاعدة ألا يعود حزب الله لشنّ عمليات عسكرية ضد إسرائيل بعد انقضاء مهلة الهدنة على أن يغيّر الجيش الإسرائيلي نمط الحرب في غزة ويوقف التوغّل البري الواسع في القطاع".
وتعتبر دول عديدة حزب الله اللبناني، أو جناحه العسكري، منظمة إرهابية. ومن بين هذه الدول الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا ودول عربية. كما حظرت ألمانيا نشاط الحزب على أراضيها في عام 2020 وصنفته كـ "منظمة إرهابية".