يزداد في ألمانيا عدد طالبي اللجوء الذين يدّعون أنهم كانوا أعضاء في منظمات إرهابية أو أجبروا على ارتكاب جرائم قتل واغتصاب. فما الذي يدفعهم إلى فعل ذلك، وكيف تتعامل السلطات الألمانية مع هذه الادّعاءات؟
إعلان
يقول بعض طالبي اللجوء في ألمانيا إنهم أُجبروا في بلدانهم على الانضمام لإحدى المنظمات المصنّفة على أنّها إرهابية في ألمانيا أو أنهم ارتكبوا أعمال قتل أو اغتصاب في بلدانهم، وذلك لكي لا يتم ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية، بحسب وزارات العدل في عدة ولايات.
ففي ولاية بادن-فورتمبيرغ قالت وزراة العدل، إن عدد طالبي اللجوء الذين يدّعون أنهم كانوا أعضاء في تنظيمات إرهابية في الخارج في ازدياد، حيث بلغ عدد هؤلاء في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام 159 حالة، مقابل 300 حالة في العام 2017، حسبما أفادت صحيفة شفيبيشه الألمانية، استناداً إلى إحصاءات مكاتب الإدعاء العام في كل من شتوتغارت وكارلسروه المسؤولة عن الجرائم المتعلقة بالأمن القومي والتطرف.
وبسبب الزيادة في هذه الحالات، قامت الولاية بإنشاء خلية مركزية لدى الادعاء العام في مدينة شتوتغارت، للقيام بالتحقيقات المتعلقة بهذا الموضوع، حسبما أفادت الصحيفة. لكن التحقيقات في أربع حالات وصلت إلى طريق مسدود، واضطرت السلطات إلى إغلاقها لعدم وجود أدلة كافية، حسبما أفادت وزارة العدل في الولاية.
وقال متحدث باسم الوزارة "يتبيّن دائماً أن التحقيقات صعبة للغاية لأنها غالبا ما تكون حول جرائم مزعومة ترتكب في الخارج، في سوريا أو العراق أو أفغانستان أو الصومال على سبيل المثال".
ويعترف وزير العدل في الولاية غيدو فولف بأن هذا النوع من القضايا يكلف القضاء جهداً كبيراً، مؤكداً في الوقت نفسه أنه يستوجب على الادعاء العام طلب المساعدة من البلدان الأصلية لطالبي اللجوء أولئك، رغم عدم نجاح ذلك في معظم الأحيان. ويقول فولف "لا أستطيع أن أفهم كيف يدّعي المرء أنه قام بارتكاب جريمة، فقط لأنه يأمل في الحصول على ميزات فيما يتعلق بإجراءات اللجوء!".
الادّعاءات غير الصحيحة لا تفيد
يقول مدير القسم القانوني في منظمة "برو أزويل" المدافعة عن حقوق اللاجئين، بيرند ميزوفيج، إنهم على علم بأن عدداً "غير قليل" من طالبي اللجوء يدّعون أنهم أجبروا على الانضمام لمنظمات إرهابية وخصوصاً من قبل حركة طالبان في أفغانستان، وحركة الشباب في الصومال، ويضيف لمهاجر نيوز "يجب التمييز بين من أجبرعلى الانضمام لمنظمة إرهابية وبين من ارتكب جرائم قتل بإرادته"، مؤكّداً على أهمّية دراسة القضية بدقة متناهية من أجل الوصول إلى الحكم الصحيح.
ويؤكد ميزوفيج أنه إذا كانت ادعاءات طالبي اللجوء حول إجبارهم على الانضمام لمنظمات إرهابية غير صحيحة فإنها ستؤدي إلى رفض طلب اللجوء، ويتابع "لكن الإجراءات القانونية للتحقق من ذلك قد تستغرق وقتاً طويلاً". ويضيف أنّ صفة اللجوء لا تنطبق على أيّ شخص ارتكب جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية أو أي جريمة خطيرة، وبالتي عندما يثبت ارتكاب هكذا جرائم من قبل أحد الأشخاص الذين يدعون أنهم أجبروا على الانضمام لمنظمات إرهابية، ستتم محاسبته أو ترحيله إلى بلده. ويشدد ميزوفيج على أن عدم ترحيل طالب لجوء ارتكب جرائم لعدم توافر الظروف المناسبة للترحيل، لا يعني عدم وجوب ترحيله عندما تتوافر الشروط اللازمة للترحيل اللاجئ إلى بلده الأصلي.
ففي نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2017 قامت الحكومة الألمانية وللمرة الأولى منذ سنوات طويلة بترحيل عراقي مدان بارتكاب جرائم في ألمانيا إلى بلاده، بعد أن كان قد صدر قرار عام 2006 بوقف ترحيل طالبي اللجوء العراقيين وإن كانوا مدانين بجرائم. وقد وقع البلدان مذكرة تعاون لإعادة العراقيين الملزمين بالترحيل في نيسان/أبريل 2018 وفق ما أعلنه وزير التنمية الألماني غيرد مولر أثناء زيارته لبغداد ولقائه مسؤولين عراقيين.
أشخاص مختلفون بقصص متطابقة!
ولا يقتصر وجود هذه الحالات على مقاطعة بادن فورتمبيرغ فقط، ففي ولاية بافاريا سجل الادعاء العام 150 حالة من هذا النوع على الأقل بين صيف 2016 ونيسان/ أبريل من 2017، وفي ولاية شمال الراين-ويستفاليا تجرى تحقيقات حول ادعاءات مماثلة، حسبما صرح به متحدث باسم وزارة العدل في الولاية.
ويؤكد المدعي العام في مدينة أولم الألمانية ميشائيل بيشوفبيرغر أن ثلاثة من طالبي اللجوء من غامبيا أخبروه نفس القصة حول الجريمة التي ارتكبها كل واحد منهم، مما جعله مقتنعاً بأن القصة مختلقة، لكن من دون أن يستطيع الادعاء العام الحصول على أدلة كافية لإثبات ذلك. وقد وصلت إلى مكتب المدعي العام في المدينة 16 حالة بين شباط/ فبراير 2017 وآذار/ مارس 2018. وبعد التحقيقات اعترف أحد طالبي اللجوء المدعين لذلك، أنه اضطر للكذب من أجل إيقاف ترحيله، فأدين بتهمة الادعاء بارتكاب جريمة.
اللاجئون في ألمانيا - من "ثقافة الترحيب" إلى "سياسة الترحيل"
في خريف عام 2015، فتحت ألمانيا أبوابها للآلاف من اللاجئين. وكان تفهم الألمان لمآسي هؤلاء ملفتا جداً. إلا أن أحداثاً عديدة قلبت ثقافة الترحيب إلى مطالب بالترحيل. بالصور: محطات من السياسة الألمانية تجاه اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/G. Fischer
بداية الموجة
في 25 آب/ أغسطس 2015، علقت ألمانيا تنفيذ اتفاق دبلن تجاه اللاجئين السوريين. وينص الاتفاق على إعادة اللاجئين إلى بلد دخلوه في الاتحاد الأوروبي. وبعدها بأيام قالت المستشارة ميركل إن التغلب على موجة اللجوء؛ "مهمة وطنية كبيرة"، كما أصرت على أن "ألمانيا ستنجح في هذه المهمة". وخشيةً من مأساة تحل بآلاف اللاجئين، قررت ميركل إلى جانب النمسا استقبال اللاجئين، وكان ذلك في الخامس من أيلول/ سبتمبر 2015.
صورة من: Reuters/H. Hanschke
استقبال وترحيب
مثلت ""ثقافة الترحيب" عنصراً مهماً في استقبال اللاجئين في خريف 2015. وقد حظي اللاجئون عند وصولهم إلى عدد من المدن الألمانية بترحيب منقطع النظير من جانب المتطوعين من المواطنين الألمان والأجانب المقيمين في ألمانيا. وبادر هؤلاء المتطوعون إلى تقديم المساعدة المعنوية والمادية للعديد منهم. ففي ميونيخ مثلاً، تم إنشاء مطاعم مؤقتة للاجئين المنتظرين تسجيل أسماءهم لدى الشرطة، ونقلهم إلى مراكز الإيواء.
صورة من: picture alliance/dpa/J. Carstensen
أزمة السكن
عدد كبير من اللاجئين قصد ألمانيا بعد قرار ميركل عام 2015. الأرقام المتزايدة للاجئين شكلت تحديا كبيراً للألمان. وبدأت مدن ألمانية باستعمال المباني الخالية أو المهجورة كمراكز إيواء للاجئين، فيما استدعت السلطات الحكومية المختصة الموظفين المتقاعدين للعمل من جديد في مراكز اللاجئين. ويعتبر هذا المعطى واحداً من المؤشرات الأخرى التي فرضت على ألمانيا دخول تحدٍ جديدٍ، بسبب اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/I. Fassbender
بداية أحداث قلبت الموازين
كانت أحداث كولونيا، التي وقعت في ليلة رأس السنة الجديدة 2016/2015 بداية فاصلة لتغير مزاج الألمان تجاه اللاجئين. حيث شهدت تلك الليلة عملية تحرش جماعي كبرى لم تشهدها ألمانيا من قبل. تلقت الشرطة مئات البلاغات من نساء تعرضن للتحرش والسرقة وفتحت الشرطة أكثر من 1500 تحقيق لكن السلطات لم تنجح في التعرف إلا على عدد قليل من المشتبه بهم، الذين كانت ملامحهم شرق أوسطية وشمال إفريقية، طبقا لشهود.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Böhm
مطالب بالترحيل
أعمال التحرش الجنسي في كولونيا، ليلة رأس السنة، تسببت في موجة استياء واسعة في ألمانيا بداية من عام 2016، وقد دفعت كثيرين للمطالبة بتشديد القوانين لترحيل الجناة وجعلت آخرين يطالبون بتفادي تجريم فئة معينة في المجتمع. وكانت حركة "بغيدا" أهم الأطراف، التي دعت إلى وقف تدفق اللاجئين على ألمانيا. وتعارض هذه الحركة الشعبوية بوجه خاص إيواء لاجئين من دول إسلامية بدعوى أن ثقافتهم لا تنسجم مع القيم الغربية.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
تحديد سقف لعدد اللاجئين
على خلفية اعتداءات كولونيا ليلة رأس السنة، وجد زعيم الحزب الاجتماعي المسيحي المحافظ آنذاك هورست زيهوفر في الواقعة فرصة للتأكيد على طلبه الرئيسي المتمثل في تحديد سقف أعلى لعدد اللاجئين المسموح لهم بدخول ألمانيا. لكن ميركل كانت قد رفضت الأمر في مؤتمر حزب "الاتحاد الاجتماعي المسيحي" (البافاري) في ميونيخ.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Karmann
هجمات متفرقة ينفذها لاجئون
وقام بعض اللاجئين بأعمال عنف و"إرهاب" جعلت مؤيدين كُثراً يسحبون دعمهم لسياسة الترحيب. ومن أبرز هذه الاعتداءات، ما حصل بمدينة أنسباخ جنوبي ألمانيا. فقد فجَّر طالب لجوء سوري عبوة ناسفة من صنعه وهو ما أدى إلى مقتله وإصابة 12 شخصاً. كما أصاب طالب لجوء آخر (2016) خمسة أشخاص بجروح بفأس وسكين على متن قطار في فورتسبورغ.
صورة من: Reuters/M. Rehle
هجمات معادية للاجئين
وفي المقابل قام أشخاص بالاعتداء على مجموعة من مراكز إيواء اللاجئين مثل إضرام الحريق في مركز فيرتهايم. كما شهدت بعض المدن الألمانية مظاهرات معادية لاستقبالهم. هذه التصرفات دفعت المستشارة ميركل للقول إنه لا تسامح مع اليمينيين المتطرفين الذين يقومون بهجمات ضد اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Engmann
عملية دهس وراءها داعش!
في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2016 اهتزت برلين لفاجعة الدهس بشاحنة، التي أدت لمقتل 12 شخصاً وإصابة 48 آخرين. هذا العمل الإرهابي قام به لاجئ في ألمانيا، فقد وُجهت التهمة لأنيس العامري، وهو تونسي الجنسية، كان يبلغ حينها 24 عاماً، باختطاف شاحنة بولندية ضخمة، ودهس بها تجمعاً بشرياً بأحد أسواق أعياد الميلاد في قلب برلين، قبل أن تقتله الشرطة الإيطالية. وقد أعلنت "داعش" فيما بعد تبنيها للاعتداء.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
سياسة ميركل في مرمى الانتقادات
تصاعد الأزمات، وتفاقم المشاكل جعل شعبية المستشارة ميركل تقل، فقد اتهمها منتقدوها بأن سياسة "الباب المفتوح" التي اتبعتها فاقمت الأوضاع من خلال تشجيع المزيد من اللاجئين على الدخول في رحلاتهم الخطرة نحو أوروبا. وفي سبتمبر 2016 بدأت ألمانيا أيضا بعمليات مراقبة مؤقتة على حدودها مع النمسا.
صورة من: Getty Images/J. Simon
هل ستستقبل ألمانيا لاجئين جدد؟
أعلنت المفوضية الأوروبية لشؤون اللاجئين موافقة الحكومة الألمانية على استقبال 10 آلاف لاجئ ضمن برنامج "إعادة التوطين" التابع للاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي يحاول وزير الداخلية الألمانية الإسراع بفتح مراكز جديدة للاجئين تتولى استقبال اللاجئ والبت في قراره ثم ترحيله في حالة رفض طلبه. بالإضافة إلى توجهه نحو التشدد حيال لمّ شمل عائلات اللاجئين الحاصلين على الحماية الثانوية. إعداد: مريم مرغيش