لماذا يزدهر إنكار تغير المناخ في الإنترنت؟
١٧ يوليو ٢٠٢٣شهدت الأسابيع الماضية ارتفاعا غير مسبوق في درجات الحرارة حيث كانت درجة الحرارة عالميا في الثالث من يوليو/ تموز هي الأعلى على الإطلاق، فيما قال فريدريك أوتو، عالم المناخ في معهد جرانثام لتغير المناخ في إمبريال كوليدج لندن، إن ارتفاع درجات الحرارة إلى هذا المستوى يعد بمثابة "صدور حكم بالإعدام بحق الناس والنظم البيئية".
ورغم ذلك، وفي اليوم التالي، كتبت إيزابيل أوكشوت، الصحافية البريطانية المتخصصة في الشؤون السياسية، تغريدة جاء فيها: "يتعين على قادة تغير المناخ الذين يشعرون بالذعر بسبب الأيام الحارة القليلة في الشهر الماضي، الهدوء.. درجة الحرارة وصلت إلى 13 درجة وأخذة في الانخفاض. أنا على وشك إشعال بعض الحطب". وفي أقل من يوم، حصدت التغريدة على أكثر من 2.2 مليون مشاهدة.
يأتي ذلك وسط أسوأ موجات الحرارة التي تم تسجيلها على الإطلاق في الولايات المتحدة والصين والمكسيك وسيبيريا ودول عدة مع إجماع علمي على أن البشر وراء تسخين كوكب الأرض إلى حد كبير بسبب الوقود الأحفوري. ورغم ذلك، فإن حالة إنكار لهذه الوقائع ما زالت منتشرة خاصة على منصات التواصل الاجتماعي.
يشار إلى أنه في عام 2021، تم إجراء استطلاع عالمي حول الآراء بشأن تغير المناخ إذ كشف عن أن قرابة 65 بالمائة من الأشخاص الذين تم استطلاع آراؤهم من أعمار مختلفة على نطاق أكثر من 50 دولة اعتبروا تغير المناخ "حالة طوارئ عالمية"، لكن الباحثين رصدوا مؤخرا تزايدا في التشكيك وإنكارات للظاهرة.
التشكيك في الحلول
وعبر قناة "بلانيت أيه" التابعة لمؤسسة دويتشه فيله على منصة "تيك توك"، تظهر التعليقات وجود حالة من الإنكار فيما يشكك البعض في الحلول الرامية إلى مواجهة ظاهرة التغير المناخ مثل الانتقال إلى مصادر الطاقة النظيفة. على سبيل المثال، وعقب نشر DW مقطع مصور يُظهر ناشطين يقاضون ولاية مونتانا الأمريكية بسبب التقاعس عن مواجهة أزمة المناخ، كتب أحد المستخدمين "ظاهرة تغير المناخ ليست حقيقية إذ يتعلق الأمر بالمال. هذا محزن لأنكم تثيرون الذعر بين الاطفال، لذا يجب أن تشعروا بالخجل".
وكتب آخر "كيف سيتم شحن السيارات الكهربائية عندما ينقطع التيار الكهربائي،" زاعما أن الطاقة المتجددة ليست مصدرا موثوقًا فيه رغم أن طاقة الرياح والطاقة الشمسية تعد من أرخص مصادر الطاقة وأسرعها نموا. ويبدو أن انكار ظاهرة تغير المناخلم يعد يقتصر على نفيها بل تجاوز إلى التشكيك في حلول مواجهتها، وفقا لما أشار إليه جون كوك، عالم المناخ وكبير الباحثين في جامعة ملبورن الأسترالية.
وقال كوك، وهو يمتلك مدونة تفضح المعلومات المضللة حول المناخ، إن السرد القائل بأن "الحلول المناخية ستكون ضارة" أو "أنها لن تنجح" ليست وليدة اللحظة بل تعود إلى حقبة التسعينيات. بدوره، قال كالوم هود، رئيس الأبحاث في مركز مكافحة الكراهية الرقمية، إن الهدف من هذه المنشورات حول تصاعد إنكار ظاهرة تغير المناخ هو إثارة الشكوك بهدف تأخير التحول إلى الطاقة النظيفة في نهاية المطاف.
تضخيم المعلومات المضللة
وفي هذا الصدد، قالت جيني كينج، رئيسة أبحاث وسياسات المناخ في معهد الحوار الاستراتيجي وهي مجموعة بحث رقمية مقرها لندن معنية بالتطرف والمعلومات المضللة، إن "هناك نقاط ضعف جلية في طريقة تصميم منصات التواصل الاجتماعي وإدارتها في الوقت الحالي مما يسمح بظهور مثل هذه المنشورات والتعليقات".
وأشارت كاثي ترين، الباحثة في جامعة إكستر والمشاركة في كتابة مقال نشر عام 2020 حول التضليل عبر الإنترنت وتغير المناخ، إلى أن منصات التواصل الاجتماعي جرى إنشاؤها باستخدام "تحيز خوارزمي" يعمل على خلق "غرف الصدى" لجعل المستخدمين "عرضة لاستهلاك المعلومات الخاطئة وقبولها ونشرها". لكن ما هي مصادر مثل هذه المعلومات المضللة؟
حاول مركز مكافحة الكراهية الرقمية الإجابة على هذا التساؤل إذ كشف في دراسة أن هناك عشر مواقع مسؤولة عن هذه المعلومات المضللة من بينها وسائل إعلام روسية حكومية وموقع "بريتبارت نيوز" الأمريكي الإخباري اليميني المتشدد، حيث تعد مسؤولة عن 69 بالمائة من التفاعلات التي تتضمن تعليقات ومنشورات تنكر ظاهرة تغير المناخ على فيسبوك.
ووصفت الدراسة هذه المواقع بكونها منصات لنشر السموم، مضيفة أن تضخيم تعليقات إنكار تغير المناخ على فيسبوك "يرمي إلى منع الإجماع على الحقائق والحلول". ويعود ذلك بشكل جزئي إلى فشل إدارة موقع فيسبوك في الوفاء بتعهدها في تمييز المنشورات التي تنكر ظاهرة تغير المناخ مع إلحاقها بروابط عن المعلومات الصحيحة، حسبما قال كالوم هود، رئيس الأبحاث في مركز مكافحة الكراهية الرقمية وأحد المشاركين في الدراسة.
وأضاف أن "غوعل تعهدت بأنها لن تقدم أي موال لصالح إنكار المناخ، لكنها دفعت 3.6 مليون دولار من عائدات الإعلانات إلى المواقع العشرة على مدى ستة أشهر حيث روجوا لإنكار ظاهرة المناخ". ولم يتوقف الأمر على ذلك إذ كشف باحثون عن أن كيانات مرتبطة بقطاع الوقود الأحفوري دفعت لشركة "ميتا" التي تملك فيسبوك وانستغرام وواتس آب، حوالي 4 ملايين دولار لتدشين حملات إعلانية في الفترة التي تسبق مؤتمر الأمم المتحدة السابع والعشرين بشأن المناخ.
وأشار تقرير صادر عن "العمل المناخي ضد المعلومات المضللة" إلى أن الهدف من هذه الحملات الإعلانية كان يتمثل "في نشر ادعاءات كاذبة ومضللة بشأن أزمة المناخ وأهداف الحياد الكربوني وحتمية الإبقاء على الوقود الأحفوري وذلك قبل وأثناء مؤتمر (كوب 27)". وأضاف التقرير أن شركة "انيرجي سيتزن" للعلاقات العامة التي تعمل لصالح شركات نفط، وأيضا معهد البترول الأمريكي يقفان وراء معظم هذه الحملات.
تأثير جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا؟
من جانبها، سلطت جيني كينج الضوء على تأثير الأزمات الصحية وارتفاع تكلفة المعيشة وأسعار الطاقة ومعدلات التضخم خلال السنوات الأخيرة على انتشار ظاهرة إنكار تغير المناخ.
وأضافت "تزدهر المعلومات المضللة خلال الأزمات. تفاقم الهيكل العالمي للتضليل بسبب عدم المساواة التاريخية في الثروة والتآكل التاريخي للثقة في المؤسسات"، مشيرة إلى أن الأمر تجلى خلال بداية وباء كورونا إذ ظهر مصطلح "تأمين المناخ" عبر منصات التواصل الاجتماعي مع الزعم بأن الإغلاقات التي أقدمت عليها حكومات العالم لوقف تفشي الفيروس لم تكن سوى تجربة لما قِيل أنه موجة قادمة من "الطغيان الأخضر".
كذلك استغل البعض ارتفاع تكلفة المعيشة وأزمة الطاقة جراء الحرب الروسية في أوكرانيا للتقليل من خطورة ظاهرة أزمة المناخ خاصة من قبل الأحزاب السياسية المؤيدة للوقود الأحفوري مثل حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي.
وفي سياق ذلك، قالت أليس فايديل، الرئيسة المشاركة للحزب، في الثالث من يوليو / تموز إن خطط الحكومة الألمانية للانتقال إلى الطاقة النظيفة ستؤدي إلى انتشار الفقر على نطاق واسع فيما زعمت أن التحول من الغاز إلى الطاقة المتجددة لتدفئة المنازل يعد بمثابة "مذبحة".
التصدي لظاهرة إنكار تغير المناخ
وعلى غرار فيسبوك، تعهد موقع "تيك توك" في أبريل / نيسان الماضي بحظر أي محتوى ينكر ظاهرة تغير المناخ، لكن جيني كينج قالت إن الأمر غير قابل للتنفيذ، مشيرة إلى "إنكار تغير المناخ ليس جريمة". وأضافت أن "شيطنة" إنكار تغير المناخ يعد بمثابة الحل النهائي وهو الأمر الذي فشلت فيه كبرى شركات التكنولوجيا حتى الآن.
من جانبه، دعا جون كوك منذ فترة طويلة إلى تدشين ما يسميه "حملات التحصين الوقائية" أي تصوير المعلومات المضللة على أنها مرض ينتشر بين السكان، لذا يتعين احتواءها بين السكان عن طريق تحصينهم كما الحال مع اللقاحات ضد الأوبئة، مضيفا أنه هذه الحملات ترمي إلى تحييد "إنكار تغير المناخ" من خلال دحض المعلومات المضللة وهو ما يعزز الإجماع العلمي بشأن تغير المناخ.
وقالت كاثي ترين، الباحثة في جامعة إكستر، إنه "لا يوجد حل سحري لمكافحة حملات التضليل بشأن تغير المناخ مع ضرورة الخروج بنهج متعدد الأوجه بما في ذلك التعليم والتحصين والتصحيح والإجراءات التي تتخذها منصات التواصل الاجتماعي".
ستيوارت براون / م .ع