لم شمل العرب ـ الكرة المغربية تنجح فيما فشلت فيه السياسة
١٣ ديسمبر ٢٠٢٢استطاع المنتخب المغربي بقيادة مدربه وليد الركراكي الوصول لأول مرة في تاريخه وتاريخ العرب والأفارقة إلى نصف نهائي المونديال، بعد تعادله في أولى مبارياته مع كرواتيا قبل أن ينتفض محققا انتصارين متتاليين على بلجيكا وكندا في الدور الأول ليتصدر المجموعة السادسة بسبع نقاط. وفي دور الستة عشر حقق منتخب (أسود الأطلس) مفاجأة كبرى بالفوز على المنتخب الإسباني، الفائزة بكأس العالم عام 2010، بركلات الترجيح قبل أن يتغلب على البرتغال في دور الثمانية. ومن المنتظر أن يواجه المنتخب المغربي فرنسا غدا الأربعاء (14 ديسمبر/ كانون الأول 2022).
وأثنى العديد من المحللين والمتابعين على الروح القتالية التي يلعب بها الفريق المغربي المكون من لاعبين محليين وآخرين يلعبون في دوريات أوروبية كبرى لكنهم فضلوا تمثيل بلادهم رغم تلقيهم عروضا بتمثيل البلاد التي يلعبون فيها. كما أشادوا بخطط الركراكي المحكمة للانتصار على أقوى الفرق الأوربية التي واجهها المنتخب، والتي كانت من ضمن المرشحين للفوز بكأس العالم في نسخته الحالية.
فرحة العرب من المحيط إلى الخليج
انتصارات الفريق المغربي التي لم تتحقق منذ مشاركته في المكسيك 1986، عندما فاز على البرتغال وتأهل إلى الدور الثاني، لم تُخرج المغاربة فحسب إلى الشوارع للاحتفال بنشوة النصر في هيستيريا أنستهم أزماتهم الاجتماعية، وعلى رأسها غلاء المعيشة، وإنما أدخلت السرور على نفوس العرب جميعا. واحتفل بعض المواطنين الجزائريين بفوز المغرب على الرغم من أن حكومة بلادهم تجاهلت ذكر المغرب نهائيا في هذه المنافسات، بل وأقالت المدير العام للتلفزيون الجزائري بعد أن سمح ببث خبر تأهل المنتخب المغربي لنصف النهائي، وذلك بسبب القطيعة الدبلوماسية بين البلدين منذ أكثر من عام، على أثر تراكم الخلافات بينهما.
وأطلقت نجاحات المنتخب المغربي المدوية كذلك العنان للفرحة داخل مخيمات اللاجئين السوريين مثلما ظهر جليا في مقاطع مصورة على وسائل التواصل الاجتماعي، وحملت الفلسطينيين أيضا على الخروج للاحتفال بإنجازات المغرب. وحمل لاعبو المنتخب المغربي العلم الفلسطيني عقب الفوز في مباراة بلجيكا، كما غنى الجمهور المغربي لفلسطين في مبارياته، رغم التطبيع الرسمي بين المغرب وإسرائيل منذ ديسمبر/ كانون الأول 2020. كما احتفل الإسرائيليون من أصل مغربي بانتصارات هذا المنتخب العربي الأفريقي، مثلما ظهر على وسائل التواصل الاجتماعي.
تهاني العالم تتقاطر على المغرب
تلقى العاهل المغربي الملك محمد السادس التهاني من رؤساء دول عربية وأفريقية بفوز المنتخب المغربي. وهنأ رئيس الدبلوماسية الأمريكية أنتوني بلينكن المغرب وإفريقيا على هذا الإنجاز. ونفس الشيء فعله رجل الأعمال الأمريكي ومالك تويتر الجديد إيلون ماسك، كما جاءت التهاني من السفير الأمريكي في الرباط الذي ظهر وهو يرتدي قميص المنتخب المغربي خاتما تهنئته بعبارة "سير سير" التي تشتعل بها مدرجات الدوحة لتحفيز المنتخب، وتعني "امض قدما لتسجيل الأهداف". وهنأ الرئيس التركي طيب رجب أردوغان المنتخب المغربي على إنجازه عبر حسابه على تويتر.
العاهل المغربي تلقى أيضا التهاني من الرئيس الإماراتي وولي العهد السعودي والعاهل الأردني والرئيس الموريتاني والرئيس السينغالي والأمين العام لجامعة الدول العربية. كما عبر الكثير من المشاهير من عالم الفن والرياضة سواء العرب أو غيرهم عن إعجابهم بالإنجاز المغربي من بينهم المغنية العالمية شاكيرة.
الكرة توحد ما فرقته السياسة
واعتبر محسن بنزاكور أستاذ في علم النفس الاجتماعي في تصريح لرويترز "هذه الفرحةالمغربية العربية لا يمكن حصرها في الجانب الرياضي فقط، لأن الجانب الرياضي يمكن أن يعبر عنه الإنسان فقط بالتهاني وانتهى الأمر، لكن أن تخرج الشعوب إلى الشوارع وأن تهدي الحلويات وترفع الأعلام.. وغيرها، سيكون من الغباء أن نتحدث عن فرحة كروية فقط، هناك أشياء لابد من الوقوف عندها". وأضاف أن للأمر بعدين "بعد الوحدة العربية حيث تبين أنها لازالت في العقول وفي العواطف وتنتظر فقط من يحققها".
وأفاد بأن البعد الثاني "هو أن العالم العربي يعيش احباطات تأسست على المستوى الاقتصادي والسياسي، ولكن أيضا على مستوى كرة القدم، فالعالم العربي كان يُنظر إليه على أن له فرقا صغرى وأنها لم تحقق أبدا حتى الصعود إلى الدور الأول". وأضاف بنزاكور "هذا الإقصاء النفسي والإعلامي كان دائما حاضرا وبالتالي جاء هذا الانتصار لرد الاعتبار بأننا لسنا أقل قدرة أو كفاءة من الآخرين، وتجاوز عقدة الدونية".
"طرد المغرب من الجامعة العربية"
كتب الكاتب السوري الساخر خضر الماغوط عن تأهل المنتخب المغربي قائلا "يجب طرد دولة المغرب من جامعة الدول العربية، لمخالفتها أصول الهزائم العربية المتوارثة والمتلاحقة في كل المجالات". وأضاف "الخوف أن تحصل على كأس العالم وتخرج من مسيرة الفشل العربي التاريخي". ونشر الموسيقار والمغني اللبناني مارسيل خليفة على صفحته على فيسبوك "أسود الأطلس الموهبة والمكابدة والصوغ الماهر، المغرب مليون عشق وورد".
من جهته قال محمد مصباح الخبير في علم الاجتماع السياسي ورئيس المعهد المغربي لتحليل السياسات لرويترز"نجاح المغرب في كأس العالم بقطر أعاد الشعور بالهوية الجهوية والاقليمية العربية، ولو بدا كأنها خبت فيما مضى، لكنها برزت بقوة في كأس العالم هذه". وأضاف "القضايا التي كانت تجمع الناس في العالم العربي وفي هذه المنطقة غالبا ما كانت قضايا سياسية حزينة وحساسة كالقضية الفلسطينية والربيع العربي.. ولكن هذه أول مرة تجمعنا كرة القدم وهذه قضية مفرحة وليست كالأزمات السياسية".
واعتبر مصباح أن "كأس العالم أكد مرة أخرى أن انتماء المغرب لهذه المنطقة هو تاريخي وحضاري ولا يمكن أن ننزع منه جزءا من هويته، طبعا لا يمكن أن ننسى دولا أفريقية ودولا في مناطق أخرى من العالم تعاطفت مع المغرب، لأنه نادرا ما تحقق دولة ليس لها هذا التراكم في كرة القدم مثل هذه الانجازات".
قيم الترابط الأسري
ويرى محللون أن المنتخب المغربي لم يعط درسا في اللعب الجيد وتحقيق النصر فقط وإنما أعطى دروسا للعالم، خاصة الغربي، في القيم والارتباط الأسري. ودللوا على ذلك بما قاله مذيع ألماني من أن "هذه المشاهد الحميمية مع العائلة لم نعد نراها في مجتمعاتنا الغربية التي تسودها الأنانية واندثار مفهوم الأسرة"، في إشارة إلى مشاهد معانقة بعض اللاعبين كأشرف حكيمي وسفيان بوفال وحكيم زياش لأمهاتهم وتقبيلهن بعد انتهاء المباريات.
وقال بنزاكور "الذي لا نستطيع أن ننكره هو أنه رغم أن هؤلاء تربوا في الدول الغربية استطاعوا أن يحافظوا على لحمة الأسرة وهذا ما تحدث عنه الإعلامي الألماني". وأضاف أن الفضل في تشبث هؤلاء اللاعبين بهويتهم "يرجع إلى الأمهات بالأساس والآباء حتى لا نبخسهم حقهم.. هذا الذي فرح بحضن أمه وسط الجماهير العربية، لم يترب في بيئة مغربية بل في أوروبا، لكن الأم هي من تحافظ على هذه اللحمة".
ح.ز/ ع.ش (رويترز)