1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

لم يأكل أطفالي الدجاجة

علي فاهم٢٧ يونيو ٢٠١٣

يفسّر علي فاهم لماذا لم يأكل أولاده الدجاجة كما هو شأنهم مطلع كل شهر مشيرا إلى أنهم لم يتحولوا إلى نباتيين فجأة و لم ينتموا إلى جمعية الرفق بالدجاج بل أنهم يحبون اللحوم ، ثم يذهب بعيدا في شرح التفاصيل الحزينة.

صورة من: DW/Shant Shahrigian

تعودت كلما أستلمت راتبي الذي لا يستقر في جيبي إلا بضع دقائق قبل أن ينقرض و يتبخر و يذوب و يتلاشى بفعل توزيعه على أشخاص ينتظرون رأس الشهر لينقضوا عليه و يقطعوه إرباً إربا .. تعودت عند استلام ( المكموع ) ان أشتري دجاجة لأتناولها مع أطفالي في احتفالية أو في الحقيقة (عركة ) على المسكينة التي نحيلها إلى حطام و عظامها إلى رميم و في ذلك اليوم الذي ينتظره أطفالي في نهاية كل شهر ذهبت كعادتي لأشتري الدجاجة و لكني في هذه المرة لم أشأ أن أخذ دجاجتي كالعادة مذبوحة و مجهزة بل أخذتها حية مفعمة بالحياة رغم أنها كانت كئيبة منطوية على نفسها و رغم صغرها و ضآلة حجمها إلا أنها بدأت بالصراخ المخنوق عندما وضعتها في المطبخ و حام حولها الأطفال ليعتنوا بها فهذا يجلب لها الماء و ذاك الطعام حتى حان وقت ذبحها و تجهيزها للطبخ فتابعني أطفالي و أنا أحد السكين و التفوا حولي و انا أوجه الدجاجة المسكينة نحو القبلة فنتفت بضع ريشات من رقبتها فاستسلمت لي بعد مقاومة بسيطة و لكن قبل ان أقوم بعملية الذبح تابعت تلك النظرات في عيون أطفالي و فيها مزيج من التعاطف و الخوف و الرحمة و طالب بعضهم بتركها تعيش متوسلاً و لكن هيهات هيهات فمعدتي كانت تصرخ مستنجدة و لم تؤثر في قناعاتي توسلات أطفالي و بعض الدموع في عيونهم و لكني لم أشأ أن أقوم بجريمتي أمامهم فطلبت منهم الانصراف خوفاً على مشاعرهم و لكنهم أصروا على حضور جلسة الإعدام و مشاهدة المنظر الذي لم يطلعوا على مثله من قبل ، و تمت عملية النحر و لكن لم اسمع هتافات التكبير التي ترافق مثل هذه الأعمال بل كان السكون و الوجوم و الاندهاش يعلو الوجوه البريئة و هم يرون ضحيتي ترقص وسط دمائها و رأسها معلقاً بالكاد بجسمها حتى استكانت و استسلمت فاستلمها القدر لتصنع منها زوجتي طعام الغداء ، و عند جلوسنا إلى المأدبة و بعد ان أهلكنا الجوع جاء الطبق الرئيسي من الأرز البرياني تعلوه تلك المخلوقة التي تغير لونها إلى ألوان صفراء تسر الناظرين و روائح زكية تزيد من الجوع بلة !! كانت العيون ترقب الضحية و مسلطة عليها و كأنها تتخيلها دجاجة حية ثم تنتقل العيون لي لترقب القاتل و نظرات الإدانة و اللوم و ربما المطالبة بالقصاص ! لا ادري ؟

قمت بالمهمة الموكلة لي و هي تقسيم الدجاجة إلى أجزاء و وضعت أمام كل طفل حصته من الغنيمة و استحقاقه بحسب حجمه و قربه من القلب طبعاً و قلت : قولوا بسم الله ... فقال الجميع كالعادة بسم الله ... و لكن لم تتحرك أيديهم لتصل إلى حصصهم كما اعتدنا في مثل هذه المواقف و بقي السكون هو سيد الموقف حاول البعض أن يأكل قليلاً من الأرز و لكن أثار استغرابي انسحابهم التدريجي من الطعام و عدم استطاعتهم تقبّل أكل هذه الدجاجة بعد أن شاهدوا منظر ذبحها رغم جوعهم .

لم يستطيعوا الأكل و بقوا هكذا حتى المساء و لم يعد أطفالي أبدا كما كانوا بعد ذلك اليوم ...و بقيت الدجاجة على حالها لم يمسها أحد بسوء ، كنت في تلك اللحظة أفكر في أولئك الرجال القاسية قلوبهم الذين ينحرون الناس و ألسنتهم تصرخ بالتكبير ( الله أكبر ) أي فطرة صافية غادرت تلك القلوب و تشوهت ؟ و دمتم سالمين .

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW

المزيد من الموضوعات من DW