فشل محادثات جنيف الليبية في إحراز تقدم صوب إجراء الانتخابات
٣٠ يونيو ٢٠٢٢
فشلت المحادثات بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة الليبيين في التوصل لاتفاق على المبادئ الدستورية والترتيبات الانتقالية لإجراء الانتخابات. أين تكمن عقدة المنشار؟
إعلان
اختتم زعماء طرفي النزاع الليبي محادثات في جنيف دارت حول الدستور والانتخابات اليوم الخميس (30 يونيو/حزيران 2022) دون التوصل لاتفاق، مما أوقف مسعى دبلوماسيا لحل أزمة عرقلت عملية السلام التي بدأت في البلاد قبل عامين.
وتهدف المحادثات بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة إلى الاتفاق على المبادئ الدستورية والترتيبات الانتقالية لإجراء انتخابات كانت مقررة في ديسمبر/كانون الأول 2021. ويخشى العديد من الليبيين من أن الإخفاق في إجراء الانتخابات سيؤدي لمزيد من الانقسام والصراع.
ومنذ إلغاء انتخابات ديسمبر/كانون الأول، دخل طرفا الصراع في مواجهة بشأن الحكومة مع تلقى كل جانب الدعم من جماعات مسلحة.
"نقطة خلافية"
وقالت مستشارة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالشأن الليبي ستيفاني وليامز إنه على الرغم من أن المحادثات تمكنت من إحراز تقدم في الاتفاق على دور وسلطات الرئيس والبرلمان والحكومة في الفترة القادمة إلا أنها أخفقت في تخطي خلافات أخرى.
وأفادت وليامز أن المجلسين "توصلا إلى توافق غير مسبوق بشأن غالبية النقاط التي كانت عالقة لأمد طويل، بما في ذلك تحديد مقار المجلسين وتخصيص عدد المقاعد في غرفتي السلطة التشريعية، وتوزيع الصلاحيات بين رئيس الدولة ورئيس الوزراء ومجلس الوزراء والحكومات المحلية، والشكل المحدد للامركزية بما في ذلك ترسيم عدد المحافظات وصلاحياتها وآلية توزيع الإيرادات على مختلف مستويات الحكم وزيادة نسبة تمثيل المكونات الثقافية".
وتابعت المسؤولة الأممية: "على الرغم من التقدم الذي تحقق خلال المفاوضات التي جرت هذا الأسبوع بين رئيسي المجلسين، هناك نقطة خلافية لا تزال قائمة بشأن شروط الترشح لأول انتخابات رئاسية"، مشيرة إلى أنها ستطرح توصيات بشأن البدائل المتاحة للمضي قدما.
وكانت خلافات بشأن أهلية العديد من المرشحين المختلف عليهم سببا في انهيار إجراء الانتخابات في ديسمبر/كانون الأول.
وعين مجلس النواب في مارس/آذار فتحي باشاغا رئيسا للوزراء لكن عبد الحميد الدبيبة، الذي عين في ذات المنصب عبر عملية دعمتها الأمم المتحدة العام الماضي، رفض التنحي عن منصبه. واندلعت اشتباكات متفرقة في طرابلس بين فصائل تدعم كل معسكر وفشل باشاغا مرتين في دخول العاصمة بعد معارضة مسلحة من مجموعات على صلة بالدبيبة.
أسباب عديدة تؤجج الصراع
في الوقت نفسه، تتداعى جهود كانت تبذل بالتوازي لحل نزاعات تتعلق بعائدات النفط، وحذر فرع البنك المركزي في شرق البلاد من أنه قد يبدأ في طبع عملته الخاصة مرة أخرى وحاصرت جماعات في الشرق منشآت النفط.
ويتوقع محللون أن باشاغا سيحاول مرة أخرى السيطرة على طرابلس من خلال إدخال تغيير وزاري على حكومته ومنح مناصب وزارية لحلفاء قيادات الجماعات المسلحة في العاصمة.
ومن المرجح أن تظل بعض الجماعات المسلحة في طرابلس ومناطق غرب البلاد محتجة على أي خطوة يتخذها باشاغا لتولي السلطة لأن حكومته مدعومة من قائد قوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي) خليفة حفتر الذي شن هجوما استمر 14 شهرا ضدهم بين عامي 2019 و2020.
وقال جليل هرشاوي الخبير في الشأن الليبي إن الدبيبة أيضا يفكر في تعديل وزاري لإبقاء الفصائل الموالية له في صفه وبالتالي فهناك عدد متزايد من أسباب الصراع المحتملة. وقال هرشاوي إن أحدا لا يريد القتال رسميا لكن أسباب العداء تتنامى.
وقال السفير الأمريكي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند أمس الأربعاء لرويترز إن من الممكن المضي قدما في الانتخابات حتى مع عدم حل الخلاف بين باشاغا والدبيبة وحتى مع سيطرة قوات مختلفة على عدة مناطق.
وقال إنه إذا تمكنت الفصائل من الاتفاق على لجنة مشتركة لتحديد أولويات الإنفاق والإشراف على ترتيبات تتسم بالشفافية لإدارة وتوزيع عائدات النفط فستتمكن من العمل باعتبارها حكومة مؤقتة لحين إجراء الانتخابات.
لكن محللين يخشون من أن حمل الفصائل المتناحرة على حل النزاعات بشأن الفساد الذي استشرى لسنوات سيكون صعبا للغاية، كما أن تدخل القوى الأجنبية قد يؤدي إلى مزيد من التعقيدات.
توق الليبيين إلى السلام.. طريق طويل من المؤتمرات والعنف
منذ اندلاع الاحتجاجات ضد نظام معمر القذافي في مطلع عام 2011 تعيش ليبيا في دوامة من العنف والاضطراب وعدم الاستقرار السياسي. فيما يلي أبرز محطات الصراع ومحاولات إرساء سلام يتفلت من بين أيدي الليبين مرة تلو الأخرى.
صورة من: picture alliance/dpa
تستضيف العاصمة الألمانية برلين الأربعاء (23 حزيران/يونيو 2021) جولة جديدة من محادثات السلام الليبية. ستركز المحادثات على التحضير لانتخابات وطنية مقررة في 24 كانون الأول/ديسمبر وسحب الجنود الأجانب والمرتزقة من ليبيا، ومسألة تشكيل قوات أمنية موحدة. واستضافت برلين برعاية الأمم المتحدة في 19 كانون الثاني/ يناير 2020 مؤتمرا حول ليبيا شارك فيه طرفا النزاع إلى جانب رؤساء روسيا وتركيا وفرنسا ومصر.
صورة من: Getty Images
في شباط/فبراير من عام 2011 اندلعت في بنغازي ومن ثم في مناطق أخرى تظاهرات جوبهت بعنف من قبل نظام معمر القذافي، الذي حكم البلاد منذ عام 1969 بقبضة من حديد. شن تحالف بقيادة واشنطن وباريس ولندن هجمات على مقار قوات القذافي، بعد حصوله على ضوء أخضر من الأمم المتحدة. ثم انتقلت قيادة العملية الى حلف شمال الأطلسي. ولقي القذافي مصرعه في 20 تشرين الأول/أكتوبر بالقرب من مسقط رأسه في سرت.
صورة من: dapd
غرقت ليبيا في دوامة من العنف والاضطرابات السياسية لم يفلح المجلس الوطني الانتقالي، الذي تشكل في الأيام الأولى للثورة برئاسة مصطفى عبد الجليل كبديل للنظام، في وضع حد لها. وفي يوليو/ تموز 2012 انتخب برلمان تسلم سلطاته بعد شهر من المجلس الوطني الانتقالي. تشكلت حكومة برئاسة علي زيدان في تشرين الأول/أكتوبر، بيد أنها سقطت بعد حجب الثقة عنها في آذار/مارس 2014.
صورة من: Picture-Alliance/dpa
تعرضت السفارتان الأميركية في أيلول/سبتمبر 2012 والفرنسية في نيسان/أبريل 2013 لهجومين تسبب الأول بمقتل أربعة أميركيين بينهم السفير كريستوفر ستيفنز والثاني بإصابة حارسين فرنسيين، فأغلقت غالبية السفارات الأجنبية أبوابها وغادرت طواقمها البلاد.
صورة من: Reuters
في أيار/مايو 2014، أعلن اللواء المتقاعد خليفة حفتر بدء عملية "الكرامة" ضد جماعات إسلامية مسلحة في شرق ليبيا. وانضم ضباط من المنطقة الشرقية إلى صفوف "الجيش الوطني الليبي" الذي شكله حفتر. في حزيران/يونيو 2014، تم انتخاب برلمان جديد جاءت أغلبيته مناوئة للإسلاميين الذين قاطعوه.
صورة من: Reuters
في نهاية آب/ أغسطس 2014 وبعد أسابيع من المعارك الدامية، سيطر ائتلاف "فجر ليبيا" الذي ضم العديد من الفصائل المسلحة بينها جماعات إسلامية، على العاصمة طرابلس وأعاد إحياء "المؤتمر الوطني العام"، البرلمان المنتهية ولايته. وتم تشكيل حكومة. وأصبح في ليبيا برلمانان وحكومتان.
صورة من: Getty Images/AFP/M. Turkia
في كانون الأول/ ديسمبر 2015 وبعد مفاوضات استمرت أشهراً، وقع ممثلون للمجتمع المدني ونواب ليبيون في الصخيرات بالمغرب، اتفاقاً برعاية الأمم المتحدة، وأُعلنت حكومة الوفاق الوطني. لكن لم تنل هذه الحكومة قط ثقة البرلمان في الشرق المدعوم من خليفة حفتر، ولم تتمكن من فرض سلطتها على القوى السياسية والعسكرية في البلاد.
صورة من: picture-alliance/AA/Jalal Morchidi
في السنوات التالية تنازعت سلطتان الحكم في ليبيا: في الغرب حكومة الوفاق الوطني التي تتخذ طرابلس مقرا لها وتحظى باعتراف الأمم المتحدة، وسلطة موازية في شرقي البلاد بقيادة خليفة حفتر. جمع اجتماعان في باريس في عامي 2017 و2018 حفتر والسراج في محاولة للوصول إلى تسوية وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، بيد أنه لم يتم الالتزام بما اتفق عليه ومضت الحرب في طحن البلاد.
صورة من: picture-alliance/C. Liewig
في مطلع 2019، بدأت قوات حفتر بغزو الجنوب بدعم من القبائل المحلية، فسيطرت بلا معارك على سبها والشرارة، أحد أكبر الحقول النفطية في البلاد. ومن ثم تقدمت باتجاه طرابلس، حيث جوبهت بمقاومة عنيفة من القوات الموالية لحكومة الوفاق التي شنت بعد عام تقريباً هجوماً معاكساً وحققت تقدماً، لكن في حزيران/ يونيو 2020 هدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ب"التدخل" العسكري في ليبيا في حال تقدم قوات الوفاق نحو سرت.
صورة من: Reuters
بعد فشل متكرر لإخراج ليبيا من الفوضى، أفضى حوار ليبي رعته الأمم المتحدة في جنيف في الخامس من شباط/فبراير 2021 إلى توقيع اتفاق لوقف دائم لإطلاق النار "بمفعول فوري". ومن ثم جرى الاتفاق على تشكيل مجلس رئاسي وحكومة موحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، نالت ثقة البرلمان في آذار/ مارس. ومهمة حكومة الدبيبة السير بالبلاد نحو تنظيم الانتخابات. وبذلك عاد الأمل المفقود باحتمال تحسن الوضع. إعداد: خالد سلامة