ليبيا.. جدل حول الانتخابات واحتمالات التأجيل واردة
١٦ ديسمبر ٢٠٢١
قبل ثمانية أيام من موعد توجه الناخبين الليبيين للإدلاء بأصواتهم لاختيار رئيس للبلاد، تسود حالة من البلبلة حول مصير الانتخابات التي لم تتأجل رسميا حتى الآن رغم أنه لا يوجد متسع من الوقت لإجرائها.
إعلان
ينتظر الليبيون من الانتخابات المقرر إجراؤها يوم 24 ديسمبر/كانون الأول الجاري بالتوازي مع انتخابات لاختيار برلمان جديد، المساعدة في إنهاء الفوضى التي استمرت على مدار العقد الأخير في ليبيا وذلك بتنصيب قيادة سياسية تتمتع بشرعية وطنية بعد خلافات بين الفصائل على مدى سنوات.
ووسط الجدال والمخاوف المستمرة على نزاهة العملية الانتخابية بعد حوادث أمنية كبيرة قال أبو بكر مردة عضو المفوضية العليا للانتخابات لتلفزيون الجزيرة اليوم الخميس (16 ديسمبر/ كانون الأول 2021): "إجراء الانتخابات في 24 الجاري أصبح غير ممكن".
ولا يعتقد أحد من الليبيين الذين حاورتهم رويترز اليوم الخميس أن الانتخابات ستتم في موعدها، وإن كان كثيرون يتوقعون أن يكون التأجيل قصيرا.
وقال أحمد علي (43 عاما) في بنغازي: "ستتأجل لمدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر". ويتبادل مرشحون متنافسون وفصائل سياسية متنافسة الاتهامات إذ يتهم كل الآخر بتعطيل العملية الانتخابية أو استغلالها لمصلحته الخاصة.
وأصرت القوى الدولية المطالِبة بالانتخابات وكذلك الأمم المتحدة على موقفها بضرورة إجراء الانتخابات، لكنها توقفت هذا الأسبوع عن الإشارة إلى الموعد المقرر في 24 ديسمبر/ كانون الأول في بياناتها العلنية.
وخلال الأسابيع الأخيرة تسلمت أعداد كبيرة من الليبيين بطاقاتها الانتخابية وسجل الآلاف أنفسهم كمرشحين برلمانيين، فيما يشير إلى تأييد شعبي واسع للانتخابات.
وقال تيم إيتون من مؤسسة تشاتام هاوس البحثية في لندن إن الأجهزة السياسية في ليبيا غير مستعدة للتسليم علنا بأن الانتخابات لن تحدث خشية تحميلها مسؤولية فشلها. وأضاف "من الواضح جدا أنه لا يمكن حل الخلافات القانونية في ظل الظروف الحالية... ما من أحد يعتقد أنها ستتم في موعدها. لكن لا أحد ينطق بذلك".
وأوضح إيتون أن هذا الوضع يطرح خيارا بين تأجيل قصير للتوصل إلى حلول للخلافات أو تأجيل أطول لإعادة تشكيل خارطة الطريق السياسية وهو ما قد ينطوي على إبدال الحكومة الانتقالية.
ولم تنعم ليبيا بالاستقرار السياسي منذ الانتفاضة التي أيدها حلف شمال الأطلسي في 2011 وأطاحت بمعمر القذافي. وفي العام 2014 انقسمت البلاد إلى فصيلين متحاربين أحدهما في شرق البلاد والآخر في غربها.
ويقول محللون ودبلوماسيون إن من المستبعد في الوقت الحالي العودة إلى الحرب المباشرة بين الجانبين، الشرق والغرب، وكل منهما متحصن ويحظى بمساندة عسكرية دولية كبيرة. بيد أنهم يقولون إن ثمة خطرا أكبر أن تتطور التوترات إلى حرب داخلية في صفوف أي من الطرفين لا سيما في طرابلس حيث القوات المسلحة أكثر تنوعا والانقسامات السياسية أكثر علانية.
ومساء يوم أمس الأربعاء أحاطت قوة مسلحة بمبان حكومية في طرابلس فيما بدا إنه رد على قرار تغيير مسؤول عسكري رفيع، لكن لم تقع اشتباكات وقال مصدر أمني إنه يجري العمل على تسوية الوضع.
وذكرت صحيفة المرصد الليبية عبر حسابها على موقع تويتر أن هذا التطور جاء على خلفية التوتر الذي نشب "بسبب تعيينات (المجلس) الرئاسي لضباط وإنشاء ألوية بقادة مرتبطين بتيار متشدد"، كما تمت إقالة قائد المنطقة العسكرية في طرابلس.
واندلعت اشتباكات في وقت سابق من الأسبوع الجاري في مدينة سبها جنوبي البلاد بين ما يعرف بالجيش الوطني الليبي وموالين لحكومة طرابلس.
ولقي شخص واحد على الأقل حتفه وأصيب آخران، وفقا لمصادر طبية محلية. وتخضع سبها لسيطرة الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر، الذي رشح نفسه في الانتخابات الرئاسية.
وتأتي الانتخابات في إطار خطة أممية لإنهاء عقد من الفوضى في ليبيا، إلا أن أبو بكر مردة، عضو المفوضية العليا للانتخابات الليبية، استبعد اليوم الخميس عقد الانتخابات في موعدها.
ونقلت قناة الجزيرة عن مردة قوله إن عقد الانتخابات في 24 كانون أول/ديسمبر "لم يعد قائما". ونقلت بوابة إفريقيا الإخبارية وقناة "218" الليبيتان عن قائد ميليشيا ما يعرف بـ"لواء الصمود" صلاح بادي، المطلوب دوليا بتهمة ارتكاب جرائم حرب، قوله إنه لن تكون هناك انتخابات رئاسية في الموعد المقرر.
ع.ا/أ.ح ( رويترز، د ب أ)
توق الليبيين إلى السلام.. طريق طويل من المؤتمرات والعنف
منذ اندلاع الاحتجاجات ضد نظام معمر القذافي في مطلع عام 2011 تعيش ليبيا في دوامة من العنف والاضطراب وعدم الاستقرار السياسي. فيما يلي أبرز محطات الصراع ومحاولات إرساء سلام يتفلت من بين أيدي الليبين مرة تلو الأخرى.
صورة من: picture alliance/dpa
تستضيف العاصمة الألمانية برلين الأربعاء (23 حزيران/يونيو 2021) جولة جديدة من محادثات السلام الليبية. ستركز المحادثات على التحضير لانتخابات وطنية مقررة في 24 كانون الأول/ديسمبر وسحب الجنود الأجانب والمرتزقة من ليبيا، ومسألة تشكيل قوات أمنية موحدة. واستضافت برلين برعاية الأمم المتحدة في 19 كانون الثاني/ يناير 2020 مؤتمرا حول ليبيا شارك فيه طرفا النزاع إلى جانب رؤساء روسيا وتركيا وفرنسا ومصر.
صورة من: Getty Images
في شباط/فبراير من عام 2011 اندلعت في بنغازي ومن ثم في مناطق أخرى تظاهرات جوبهت بعنف من قبل نظام معمر القذافي، الذي حكم البلاد منذ عام 1969 بقبضة من حديد. شن تحالف بقيادة واشنطن وباريس ولندن هجمات على مقار قوات القذافي، بعد حصوله على ضوء أخضر من الأمم المتحدة. ثم انتقلت قيادة العملية الى حلف شمال الأطلسي. ولقي القذافي مصرعه في 20 تشرين الأول/أكتوبر بالقرب من مسقط رأسه في سرت.
صورة من: dapd
غرقت ليبيا في دوامة من العنف والاضطرابات السياسية لم يفلح المجلس الوطني الانتقالي، الذي تشكل في الأيام الأولى للثورة برئاسة مصطفى عبد الجليل كبديل للنظام، في وضع حد لها. وفي يوليو/ تموز 2012 انتخب برلمان تسلم سلطاته بعد شهر من المجلس الوطني الانتقالي. تشكلت حكومة برئاسة علي زيدان في تشرين الأول/أكتوبر، بيد أنها سقطت بعد حجب الثقة عنها في آذار/مارس 2014.
صورة من: Picture-Alliance/dpa
تعرضت السفارتان الأميركية في أيلول/سبتمبر 2012 والفرنسية في نيسان/أبريل 2013 لهجومين تسبب الأول بمقتل أربعة أميركيين بينهم السفير كريستوفر ستيفنز والثاني بإصابة حارسين فرنسيين، فأغلقت غالبية السفارات الأجنبية أبوابها وغادرت طواقمها البلاد.
صورة من: Reuters
في أيار/مايو 2014، أعلن اللواء المتقاعد خليفة حفتر بدء عملية "الكرامة" ضد جماعات إسلامية مسلحة في شرق ليبيا. وانضم ضباط من المنطقة الشرقية إلى صفوف "الجيش الوطني الليبي" الذي شكله حفتر. في حزيران/يونيو 2014، تم انتخاب برلمان جديد جاءت أغلبيته مناوئة للإسلاميين الذين قاطعوه.
صورة من: Reuters
في نهاية آب/ أغسطس 2014 وبعد أسابيع من المعارك الدامية، سيطر ائتلاف "فجر ليبيا" الذي ضم العديد من الفصائل المسلحة بينها جماعات إسلامية، على العاصمة طرابلس وأعاد إحياء "المؤتمر الوطني العام"، البرلمان المنتهية ولايته. وتم تشكيل حكومة. وأصبح في ليبيا برلمانان وحكومتان.
صورة من: Getty Images/AFP/M. Turkia
في كانون الأول/ ديسمبر 2015 وبعد مفاوضات استمرت أشهراً، وقع ممثلون للمجتمع المدني ونواب ليبيون في الصخيرات بالمغرب، اتفاقاً برعاية الأمم المتحدة، وأُعلنت حكومة الوفاق الوطني. لكن لم تنل هذه الحكومة قط ثقة البرلمان في الشرق المدعوم من خليفة حفتر، ولم تتمكن من فرض سلطتها على القوى السياسية والعسكرية في البلاد.
صورة من: picture-alliance/AA/Jalal Morchidi
في السنوات التالية تنازعت سلطتان الحكم في ليبيا: في الغرب حكومة الوفاق الوطني التي تتخذ طرابلس مقرا لها وتحظى باعتراف الأمم المتحدة، وسلطة موازية في شرقي البلاد بقيادة خليفة حفتر. جمع اجتماعان في باريس في عامي 2017 و2018 حفتر والسراج في محاولة للوصول إلى تسوية وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، بيد أنه لم يتم الالتزام بما اتفق عليه ومضت الحرب في طحن البلاد.
صورة من: picture-alliance/C. Liewig
في مطلع 2019، بدأت قوات حفتر بغزو الجنوب بدعم من القبائل المحلية، فسيطرت بلا معارك على سبها والشرارة، أحد أكبر الحقول النفطية في البلاد. ومن ثم تقدمت باتجاه طرابلس، حيث جوبهت بمقاومة عنيفة من القوات الموالية لحكومة الوفاق التي شنت بعد عام تقريباً هجوماً معاكساً وحققت تقدماً، لكن في حزيران/ يونيو 2020 هدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ب"التدخل" العسكري في ليبيا في حال تقدم قوات الوفاق نحو سرت.
صورة من: Reuters
بعد فشل متكرر لإخراج ليبيا من الفوضى، أفضى حوار ليبي رعته الأمم المتحدة في جنيف في الخامس من شباط/فبراير 2021 إلى توقيع اتفاق لوقف دائم لإطلاق النار "بمفعول فوري". ومن ثم جرى الاتفاق على تشكيل مجلس رئاسي وحكومة موحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، نالت ثقة البرلمان في آذار/ مارس. ومهمة حكومة الدبيبة السير بالبلاد نحو تنظيم الانتخابات. وبذلك عاد الأمل المفقود باحتمال تحسن الوضع. إعداد: خالد سلامة