ليبيا: ساحة خصبة للمنافسة بين إيطاليا وفرنسا، بأي ثمن؟
١٢ نوفمبر ٢٠١٨
لقاء جديد للفرقاء الليبين هذه المرة في إيطاليا بعد حوالي ستة شهور من لقاء مشابه في فرنسا. روما وباريس تواصلان صراعهما على النفوذ في ليبيا فأي تداعيات لذلك على مصالح الليبيين؟
إعلان
من هم اللاعبون الرئيسيون في الأزمة الليبية؟
02:01
مناسبة جديدة لمناقشة الوضع الليبي المعقد يفتحها مؤتمر باليرمو الدولي المنعقد في إيطاليا حاليا. لكن وفي إشارة مخيبة لآمال رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبه كانتي، بدا التفاعل مع المؤتمر ضعيفا على مستوى مشاركة الدول الكبرى، فبينما كان يأمل كونتي أن تحضر المستشارة الألمانية ورؤساء كل من فرنسا وروسيا والولايات المتحدة، إلا أن ذلك لم يحدث. مع ذلك بعثت فرنسا وزير خارجيتها، فيما اكتفت ألمانيا بوزير دولة غير معروف، فيما اعتبر مؤشرا أوليا على حجم الاهتمام بالملف الليبي.
مؤتمر باليرمو يأتي بعد خمسة أشهر من مؤتمر مشابه نظمته باريس قبل حوالينصف عام واتُهمت روما وقتها بالتسبب في إفشاله إذ عارضت بشدة خطة انتخابية اقترحها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في ليبيا. فما مستقبل التنافس الإيطالي الفرنسي في ليبيا وكيف سيؤثر على مستقبل النزاع في هذا البلد الغارق في الفوضى؟ وكيف تبدو مواقف دول أخرى كالولايات المتحدة وألمانيا وسط هذا التنافس؟
كعكة النفط وهاجس المهاجرين
ليبيا مهمة بنفطها وموقعها الاستراتيجي خاصة بعد أن تحولت إلى نقطة عبور للمهاجرين غير النظاميين نحو أوروبا، ومع مرور الوقت أيضا إلى ملجأ للإرهابيين وعصابات تهريب البشر المستفيدة من حالة الفوضى التي تغرق فيها البلاد منذ الإطاحة بنظام العقيد القذافي.
وعلى رأس القوى الغربية المتدخلة في الشأن الليبي توجد إيطاليا وفرنسا. فالرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي يعتبر عراب التدخل العسكري في ليبيا وهو التدخل الذي اعتبره رئيس الحكومة الإيطالية الأسبق سيلفيو برلسكوني تهديدا لمصالح إيطاليا الاقتصادية والسياسية في هذا البلد، وقد ارتبط برلسكوني بعلاقات صداقة مع الزعيم اللليبي الراحل معمر القذافي. وبينما تتمسك فرنسا بمصالحها الاستراتيجية في ليبيا، تَعتبر إيطاليا البلد جزءا من نفوذها الجغرافي كقوة مستعمرة سابقة. الصراع بين البلدين يتخذ وجها له أيضا من خلال المنافسة الشرسة بين شركتي الغاز والنفط التابعتين للبلدين وهما توتال الفرنسية وإيني الإيطالية.
لكن الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط يوخن هيبلر يرى أن المنافسة بين روما وباريس لا تخص ليبيا سوى بالدرجة الثانية. ويشرح ذلك في حوار مع DW عربية بالقول: "الأمر الأهم بالنسبة لهما يتعلق أساسا بمكانتهما الدولية والمحلية وهذا يُعقد الواقع الليبي مع أنه في الحقيقة يريد كلا البلدين تحقيق الاستقرار في ليبيا ومراقبة الهجرة منها إلى أوروبا بالإضافة إلى اهتمامهما معا بالتعاون الاقتصادي في ليبيا سواء فيما يتعلق بالنفط والغاز أو إعادة الإعمار والتطوير".
اهتمام أمريكي وألماني ضعيف
علاوة على ذلك يرى الخبير الألماني أن موقف السلبية وعدم الاهتمام الذي تعتمده واشنطن في هذا الملف "غير بناء ويتماشى مع الأسلوب المتعنت والضيق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في التعامل مع السياسة الخارجية لبلاده". لكن تقارير صحفية سبق أن أشارت إلى نوع من التنسيق بين إيطاليا والولايات المتحدة، فقد نشرت وكالة الأنباء الإيطالية في تموز يوليو الماضي أن كونتي سيطلب من ترامب تعاونا بين البلدين فيما يخص مرافقة الانتقال السياسي في ليبيا، وأضافت الوكالة أن هذا التنسيق يأتي في ظل خلافات بين فرنسا وإيطاليا. جاء ذلك بعد حوالي شهرين من انعقاد مؤتمر خاص بليبيا في فرنسا خرج بخطة إجراء انتخابات في ليبيا قبل نهاية العام.
وفيما يتعلق بالموقف الألماني، يرى هيبلر أن برلين تحاول أيضا الابتعاد وعدم التدخل في الصراع الفرنسي والإيطالي والاكتفاء بدور المراقب لتطور الأوضاع في ليبيا. "لكن ألمانيا إن أرادت التدخل فيجب ان يكون على المستوى الأول في اتجاه إيجاد توافقات وتفاهمات بين القطبين الفرنسي والإيطالي، ثم التحرك بمبادرات من أجل توحيد الصف الأوروبي وخلق سياسية ورؤية أوروبية موحدة للتعاطي مع الملف الليبي، لأن التحرك بشكل منفرد سيعني المزيد من الانقسام في الموقف الأوروبي".
وحول ما إذا كان هذا الانقسام في التعامل الدولي مع الأزمة الليبية يأتي على حساب انتظارات الليبيين، يرى هيبلر أن لا إيطاليا ولا فرنسا ولا غيرهما من الدول يسيتطيع إيجاد حل نهائي للأزمة، لأن الحل يأتي من الليبيين أنفسهم وهذه الدول مهما حدث تبقى مساهمتها محدودة. ويشرح هيبلر ذلك بالقول "يمكن التأثير في الوضع الداخلي لدولة يتصارع فيها طرفان واضحان، أما ليبيا فمفهوم الدولة نفسه غائب والحكومتان المتصارعتان لا سلطة لهما على البلد، إذ تجد عددا كبيرا جدا من القوات والميليشيات والعصابات المتصارعة التي تتغير ولاءاتها ومناطق انتشارها ونفوذها بشكل كبير".
لكل هذه الأسباب لا يرى هيبلر حظوظا كبيرة لنجاح مؤتمر باليرمو "مع أن التباحث والتناقش بين مختلف الممثلين جيد".
الكاتبة: سهام أشطو
أبرز القوى المسلحة المتصارعة على النفوذ في المشهد الليبي
البعض يقول إنها حوالي 30، في حين يصل البعض الآخر بالرقم إلى 1600. إنها الجماعات والميلشيات التي تحمل السلاح في ليبيا. DW عربية ترصد في هذه الجولة المصورة أبرز القوى المسلحة في المشهد الليبي الديناميكي والمتداخل.
صورة من: Reuters TV
العاصمة طرابلس
قوة حماية طرابلس، وهي تحالف يضم مجموعات موالية لحكومة الوفاق. وأبرزها: "كتيبة ثوار طرابلس" وتنتشر في شرق العاصمة ووسطها. قوة الردع: قوات سلفية غير جهادية تتمركز خصوصاً في شرق العاصمة وتقوم بدور الشرطة ولها ميول متشددة. كتيبة أبو سليم: تسيطر خصوصا على حي أبو سليم الشعبي في جنوب العاصمة. كتيبة النواسي: إسلامية موجودة في شرق العاصمة حيث تسيطر خصوصا على القاعدة البحرية.
صورة من: Reuters/H. Amara
"الجيش الوطني الليبي"
قوات اللواء السابق خليفة حفتر المسماة "الجيش الوطني الليبي"، تسيطر على معظم مناطق الشرق من سرت غرباً إلى الحدود المصرية. وتسيطر قوات حفتر على مناطق الهلال النفطي على ساحل المتوسط شمالاً إلى مدينة الكفرة ونواحي سبها جنوباً وتسعى حاليا للسيطرة على طرابلس. قوات حفتر هي الأكثر تسلحا وقوامها بين 30 و45 ألف مقاتل، وضمنهم ضباط سابقون في الجيش الليبي وتشكيلات مسلحة وعناصر قبلية إضافة إلى سلفيين.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Doma
كتائب مصراتة
فصائل نافذة في مصراتة الواقعة في منتصف الطريق بين مدينتي طرابلس وسرت، وهي معادية للمشير خليفة حفتر ومنقسمة بين مؤيدين ومعارضين لحكومة الوفاق الوطني. والمعارضة منها متحالفة مع فصائل إسلامية موالية للمفتي صادق الغرياني ولخليفة الغويل. وتتواجد بعض هذه الفصائل كذلك في العاصمة. وتسيطر مجموعات من مصراتة على سرت ومحيطها، وتمكنت من تحرير سرت من تنظيم الدولة الإسلامية في نهاية 2016.
صورة من: picture alliance/abaca
"فجر ليبيا"
كان تحالفاً عريضاً لميلشيات إسلامية، يربطها البعض بجماعة الإخوان المسلمين (حزب العدالة والبناء)، وضم ميلشيات "درع ليبيا الوسطى" و"غرفة ثوار طرابلس" وكتائب أخرى من مصراته. في 2014 اندلعت معارك عنيفة بين هذا التحالف و"الجيش الوطني الليبي" بقيادة حفتر، خرج منها حفتر مسيطراً على رقعة كبيرة من التراب الليبي.
صورة من: picture-alliance/AP Photo
فصائل منكفئة في الزنتان
انكفأت فصائل الزنتان بعد طردها من طرابلس في 2014 إلى مدينتها الواقعة جنوب غرب العاصمة. تعارض هذه الفصائل التيارات الإسلامية، ويبقي عدد منها على صلات مع حكومة الوفاق الوطني و"الجيش الوطني الليبي" في الوقت نفسه. وتسيطر هذه الفصائل على حقول النفط في غرب البلاد. وعينت حكومة الوفاق أخيرا ضابطا من الزنتان قائدا عسكريا على المنطقة الغربية.
صورة من: DW/D. Laribi
جماعات متحركة في الصحراء
تعتبر فزان أهم منطقة في الجنوب الليبي تنتشر فيها عمليات التهريب والسلاح..وتحدثت تقارير إعلامية عن وجود ما لا يقل عن سبعة فصائل إفريقية، تنحدر من تشاد ومالي والسودان والنيجر والسنغال وبروكينافاسو وموريتانيا، في المناطق الحدودية في الجنوب الليبي. ومن أبرز الجماعات المسلحة في الجنوب الليبي: الطوارق، وجماعات تابعة لقبائل التبو، وجماعات جهادية(القاعدة وداعش) تتنقل على الحدود بين دول الساحل والصحراء.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/J. Delay
"داعش"
دخل تنظيم "الدولة الإسلامية" المعروف إعلامياً باسم "داعش" ليبيا في تشرين الأول/ أكتوبر 2014. وفي كانون الأول/ديسمبر من نفس العام تبنى التنظيم أول اعتداء بعد تمركزه في البلاد مستغلاً غياب السلطة. ويمارس التنظيم لعبة الكر والفر، كما حقق مكاسب، إذ سيطر في فترات على النوفلية وسرت ودرنة وغيرها، ليعود ويخسر بعض الأراضي. وفي شباط/فبراير 2015 خرج شريط بثه التنظيم الإرهابي يظهر ذبح 21 قبطياً مصرياً.
صورة من: picture-alliance/militant video via AP
"القاعدة" وأفراخها
في 2012 قتل أربعة أميركيين بينهم السفير في هجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي. واتهمت واشنطن مجموعة "أنصار الشريعة" المرتبطة بالقاعدة بتنفيذ الاعتداء. وقبل ثلاثة أشهر قضت محكمة أمريكية بسجن أحمد أبو ختالة، الذي يعتقد أنه كان زعيماً لـلمجموعة، لمدة 22 عاماً بعدما دانته بالتورط في الهجوم. وتحدثت تقارير إعلامية أن فصائل تنشط على رقعة واسعة من التراب الليبي مرتبطة بالقاعدة وتعمل تحت مسميات مختلفة.
صورة من: Reuters
بين 2011 و2018
ذكرت تقارير للأمم المتحدة أنه يوجد في ليبيا ما يقرب من 29 مليون قطعة سلاح بين خفيفة ومتوسطة وثقيلة. وبدوره قدر رئيس الوزراء الليبي الأسبق، محمود جبريل، عدد الميلشيات المسلحة بأكثر من 1600 ميليشيا مسلحة، بعد أن كانوا 18 تشكيلاً عسكريا فقط يوم سقوط العاصمة في آب /أغسطس 2011.
إعداد: خ.س/ م.س