ليبيا ـ تعليق عمل منظمات إنسانية بدعوى ممارسة أنشطة "عدائية"
٢ أبريل ٢٠٢٥
أعلن جهاز الأمن الداخلي في ليبيا تعليق أنشطة 10 منظمات إنسانية دولية وإغلاق مقرات عدد من المنظمات غير الحكومية الأجنبية، متهماً إياها بالسعي إلى "توطين مهاجرين من أصول أفريقية" في البلاد، واصفا ذلك بـ"العمل العدائي".
منظمات غير حكومية دولية أجبرت على تعليق أنشطتها في ليبيا بعد اتهامها بالسعي إلى "توطين" مهاجرين أفارقة. صورة من: Yousef Murad/AP/picture alliance
إعلان
أجبر ما لا يقل عن ست منظمات إنسانية دولية تعمل في ليبيا على تعليق أنشطتها، وتعرّض العاملون معها للتهديد أو أرغموا على الاستقالة، وفقا لرسالة وجّهها سفراء أجانب إلى السلطات وحصلت عليها وكالة فرانس برس الأربعاء (الثاني من أبريل/ نيسان 2025).
وجاء في نصّ الرسالة "في الفترة من 13 إلى 27 آذار/ مارس، استدعى جهاز الأمن الداخلي ما لا يقل عن 18 من العاملين... مع ست منظمات دولية غير حكومية للاستجواب وصادر البعض من جوازات سفرهم وأجبرهم على الاستقالة من وظائفهم والتوقيع على تعهدات بعدم العمل مجددا وأغلق البعض من مكاتبهم" في طرابلس.
وعبّر الموقعون "عن بالغ القلق إزاء الإجراءات المتخذة ضد العاملين لدى المنظمات الدولية غير الحكومية وعمال الإغاثة الإنسانية من قبل جهاز الأمن الداخلي". ووفقا لمصدر مقرب من الملف، تشمل قائمة المنظمات المتضررة "المجلس النروجي للاجئين" (NRC) و"المجلس الدنماركي للاجئين" (DRC) ومنظمة "تير دي زوم" (أرض الإنسان). وقال المجلس النروجي للاجئين لفرانس برس إنه لا يمكنه التعليق على الموضوع.
وبحسب الرسالة، تعرض الموظفون للاستجواب، وتمّ سحب جوازات السفر من بعضهم واضطر آخرون إلى الاستقالة وتوقيع التزامات بعدم العمل مجددا مع أي منظمة غير حكومية دولية. ووقع الرسالة 17 سفيرا منهم سفراء فرنسا وبريطانيا وإسبانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى ممثل الأمم المتحدة فيليبيا.
وأشارت الرسالة الموجهة إلى وزير الخارجية الليبي الطاهر الباعور والمؤرخة في 27 آذار/ مارس، علّقت هذه المنظمات لحماية موظفيها "كافة أعمالها بشكل تام، بينما ارتأت العديد من المنظمات الأخرى تعليق نشاطاتها كإجراء احترازي". وبحسب المصدر المقرب من الملف، طلب من الموظفين الأجانب للمنظمات غير الحكومية الدولية مغادرة ليبيا، ولم يعد في إمكان الموظفين الأجانب الموجودين خارج البلاد العودة إليها.
ليبيا تتحول إلى وجهة جديدة للنفوذ الروسي بالمتوسط وأفريقيا؟
04:06
This browser does not support the video element.
وتم تعليق منح التأشيرات للعاملين الأجانب في المجال الإنساني منذ تموز/ يوليو 2022 حتى كانون الأول/ ديسمبر 2023، لكن الأنشطة استمرت مع الموظفين المحليين أو أولئك الذين لا يحتاجون إلى تأشيرة، وفقا للمصدر ذاته. وطلب الدبلوماسيون الأجانب من السلطات "ضمان سلامة جميع العاملين في الإغاثة الإنسانية في ليبيا وأمنهم وصون كرامتهم، بموجب المبادئ الدولية الانسانية. وإرجاع جوازات السفر إلى أصحابها الموظفين".
إعلان
السلطات الليبية: "هذا عمل عدائي"
من جانبها أعلنت السلطات الليبية تعليق أنشطة عشر منظمات إنسانية دولية وإغلاق مقارها في طرابلس، متهمة إياها بممارسات "عدائية" عبر السعي الى "توطين المهاجرين من أصل إفريقي". وقال المتحدث باسم جهاز الأمن الداخلي في ليبيا سالم غيث في مؤتمر صحافي، إن "خطة توطين المهاجرين من أصل إفريقي في ليبيا تعتبر عملا عدائيا يهدف إلى تغيير التركيبة السكانية للبلاد ويهدد المجتمع الليبي"، متهما المنظمات غير الحكومية بـ"القيام بأعمال عدائية تقوض سلامة الدولة وأمنها الداخلي".
ورأى أن "هذا المشروع ليس جديدا، فقد حاول الاتحاد الأوروبي نفس الشيء مع النظام القديم عبر إيطاليا"، مشيرا إلى أنه بعد سقوط معمر القذافي ومقتله عام 2011، "غيّر الاتحاد الأوروبي أساليبه ولجأ إلى المنظمات غير الحكومية لتحقيق نفس المشروع". واتهم غيث هذه المنظمات بـ"التدخل" في الشؤون الليبية و"غسل الأموال" تحت غطاء العمل الإنساني. وندد غيث بتصرفات مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، متهماً إياها بالتورط في أنشطة غير قانونية. وقال إن وزارة الخارجية ستتخذ إجراءات عقابية بحقها.
ومنذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، تشهد ليبيا نزاعات وانقسامات وتدير شؤونها حاليا حكومتان متنافستان: الأولى في طرابلس (غرب) برئاسة عبد الحميد الدبيبة وتعترف بها الأمم المتحدة، والثانية في بنغازي (شرق) برئاسة أسامة حمّاد وتحظى بدعم البرلمان والمشير خليفة حفتر.
ع.ش/ ف.ي (أ ف ب)
توق الليبيين إلى السلام.. طريق طويل من المؤتمرات والعنف
منذ اندلاع الاحتجاجات ضد نظام معمر القذافي في مطلع عام 2011 تعيش ليبيا في دوامة من العنف والاضطراب وعدم الاستقرار السياسي. فيما يلي أبرز محطات الصراع ومحاولات إرساء سلام يتفلت من بين أيدي الليبين مرة تلو الأخرى.
صورة من: picture alliance/dpa
تستضيف العاصمة الألمانية برلين الأربعاء (23 حزيران/يونيو 2021) جولة جديدة من محادثات السلام الليبية. ستركز المحادثات على التحضير لانتخابات وطنية مقررة في 24 كانون الأول/ديسمبر وسحب الجنود الأجانب والمرتزقة من ليبيا، ومسألة تشكيل قوات أمنية موحدة. واستضافت برلين برعاية الأمم المتحدة في 19 كانون الثاني/ يناير 2020 مؤتمرا حول ليبيا شارك فيه طرفا النزاع إلى جانب رؤساء روسيا وتركيا وفرنسا ومصر.
صورة من: Getty Images
في شباط/فبراير من عام 2011 اندلعت في بنغازي ومن ثم في مناطق أخرى تظاهرات جوبهت بعنف من قبل نظام معمر القذافي، الذي حكم البلاد منذ عام 1969 بقبضة من حديد. شن تحالف بقيادة واشنطن وباريس ولندن هجمات على مقار قوات القذافي، بعد حصوله على ضوء أخضر من الأمم المتحدة. ثم انتقلت قيادة العملية الى حلف شمال الأطلسي. ولقي القذافي مصرعه في 20 تشرين الأول/أكتوبر بالقرب من مسقط رأسه في سرت.
صورة من: dapd
غرقت ليبيا في دوامة من العنف والاضطرابات السياسية لم يفلح المجلس الوطني الانتقالي، الذي تشكل في الأيام الأولى للثورة برئاسة مصطفى عبد الجليل كبديل للنظام، في وضع حد لها. وفي يوليو/ تموز 2012 انتخب برلمان تسلم سلطاته بعد شهر من المجلس الوطني الانتقالي. تشكلت حكومة برئاسة علي زيدان في تشرين الأول/أكتوبر، بيد أنها سقطت بعد حجب الثقة عنها في آذار/مارس 2014.
صورة من: Picture-Alliance/dpa
تعرضت السفارتان الأميركية في أيلول/سبتمبر 2012 والفرنسية في نيسان/أبريل 2013 لهجومين تسبب الأول بمقتل أربعة أميركيين بينهم السفير كريستوفر ستيفنز والثاني بإصابة حارسين فرنسيين، فأغلقت غالبية السفارات الأجنبية أبوابها وغادرت طواقمها البلاد.
صورة من: Reuters
في أيار/مايو 2014، أعلن اللواء المتقاعد خليفة حفتر بدء عملية "الكرامة" ضد جماعات إسلامية مسلحة في شرق ليبيا. وانضم ضباط من المنطقة الشرقية إلى صفوف "الجيش الوطني الليبي" الذي شكله حفتر. في حزيران/يونيو 2014، تم انتخاب برلمان جديد جاءت أغلبيته مناوئة للإسلاميين الذين قاطعوه.
صورة من: Reuters
في نهاية آب/ أغسطس 2014 وبعد أسابيع من المعارك الدامية، سيطر ائتلاف "فجر ليبيا" الذي ضم العديد من الفصائل المسلحة بينها جماعات إسلامية، على العاصمة طرابلس وأعاد إحياء "المؤتمر الوطني العام"، البرلمان المنتهية ولايته. وتم تشكيل حكومة. وأصبح في ليبيا برلمانان وحكومتان.
صورة من: Getty Images/AFP/M. Turkia
في كانون الأول/ ديسمبر 2015 وبعد مفاوضات استمرت أشهراً، وقع ممثلون للمجتمع المدني ونواب ليبيون في الصخيرات بالمغرب، اتفاقاً برعاية الأمم المتحدة، وأُعلنت حكومة الوفاق الوطني. لكن لم تنل هذه الحكومة قط ثقة البرلمان في الشرق المدعوم من خليفة حفتر، ولم تتمكن من فرض سلطتها على القوى السياسية والعسكرية في البلاد.
صورة من: picture-alliance/AA/Jalal Morchidi
في السنوات التالية تنازعت سلطتان الحكم في ليبيا: في الغرب حكومة الوفاق الوطني التي تتخذ طرابلس مقرا لها وتحظى باعتراف الأمم المتحدة، وسلطة موازية في شرقي البلاد بقيادة خليفة حفتر. جمع اجتماعان في باريس في عامي 2017 و2018 حفتر والسراج في محاولة للوصول إلى تسوية وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، بيد أنه لم يتم الالتزام بما اتفق عليه ومضت الحرب في طحن البلاد.
صورة من: picture-alliance/C. Liewig
في مطلع 2019، بدأت قوات حفتر بغزو الجنوب بدعم من القبائل المحلية، فسيطرت بلا معارك على سبها والشرارة، أحد أكبر الحقول النفطية في البلاد. ومن ثم تقدمت باتجاه طرابلس، حيث جوبهت بمقاومة عنيفة من القوات الموالية لحكومة الوفاق التي شنت بعد عام تقريباً هجوماً معاكساً وحققت تقدماً، لكن في حزيران/ يونيو 2020 هدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ب"التدخل" العسكري في ليبيا في حال تقدم قوات الوفاق نحو سرت.
صورة من: Reuters
بعد فشل متكرر لإخراج ليبيا من الفوضى، أفضى حوار ليبي رعته الأمم المتحدة في جنيف في الخامس من شباط/فبراير 2021 إلى توقيع اتفاق لوقف دائم لإطلاق النار "بمفعول فوري". ومن ثم جرى الاتفاق على تشكيل مجلس رئاسي وحكومة موحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، نالت ثقة البرلمان في آذار/ مارس. ومهمة حكومة الدبيبة السير بالبلاد نحو تنظيم الانتخابات. وبذلك عاد الأمل المفقود باحتمال تحسن الوضع. إعداد: خالد سلامة