ليبيا ما بعد حفتر- فرصة تُنهي الانقسام أم محطة جديدة للصراع؟
٢٠ أبريل ٢٠١٨منذ تداول الأخبار حول إصابة القائد العام للجيش الليبي، المشير خليفة حفتر، بجلطة دماغية، والمعلومات تتضارب حول حالته الصحية. لكن الحقيقة الوحيدة المؤكدة رسمياً أن حفتر يوجد في مستشفى بباريس منذ أيام، وفق ما صرّح به وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان. لكن الوزير الفرنسي لم يؤكد حقيقة مرض حفتر، ولم يضف غير أن الحالة الصحية للمشير تتحسن، وهو ما يتعارض مع ما نقلته وسائل إعلام فرنسية، منها جريدة "لوموند"، التي كتبت أن حفتر أصيب بـ"سكتة دماغية" تطلبت نقله بسرعة، من العاصمة الأردنية عمان، إلى باريس.
المقرّبون من حفتر نفوا بدايةَ أن يكون المشير في رحلة علاج بفرنسا، متحدثين عن أنه لا يزال في الأردن لأجل محادثات سياسية، متهمين في هذا السياق الجماعات المناوئة لحفتر بنقل الإشاعات، بل إن مقرّبين منه صرحوا أنه يوجد في ليبيا هذه الأيام. لكن الناطق باسم الجيش الليبي، العميد أحمد المسماري، اعترف لاحقاً بوجود حفتر في باريس لتلقي العلاج إثر "وعكة صحية" أصابته، مضيفاً أن حفتر "سيعود إلى ليبيا في غضون أيام قليلة لمواصلة الحرب ضد الارهاب"، حسب تعبيره. وكان صحفيون، مثل جمال خاشقجي ومصطفى بكري، قد سبقوا المسماري وتحدثوا عن وفاة حفتر.
وبعد أكثر من خمسة أيام على تصريح العميد المسماري لم يعد حفتر إلى بلده. كما أن هناك تقرير للموقع الإخبار "ميدل إيست آي"، نقلاً عن مصدر ديبلوماسي، يتحدث أن حفتر يعاني سرطان الرئة، الذي انتقل إلى الدماغ، وأن القائد الليبي "غير قادر على الكلام أو استيعاب ما يجري حوله، كما لا يستطيع الجلوس أو الوقوف".
يشغل ليبيا في حضوره وغيابه
غياب حفتر عن المشهد الليبي سيكون له أثرٌ كبيرٌ، إذ غيّر الرجل كثيراً في المعادلة العسكرية والسياسية لليبيا بعد إسقاط نظام القذافي، وتحديداً منذ إطلاقه عملية "الكرامة" ضد جماعات إسلامية في بنغازي عام 2014.
طموح حفتر لم يبقَ رهين المجال العسكري بعد نجاحه في الوصول إلى رئاسة أركان الجيش عام 2011، بل فرض نفسه لاعباً سياسياً على القوى الدولية، التي تجاهلته إبّان تشكيل المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني في أعقاب اتفاق الصخيرات عام 2015، خاصة وأن حفتر شكّل تحالفاً مع برلمان طبرق، المعترف به دولياً، وهو البرلمان ذاته الذي لم يمنح ثقته لحكومة الوفاق.
سعى حفتر، الذي كان في البداية رفيقاً وفياً لمعمر القذافي، منذ أيام الانقلاب على الملك إدريس الأول، قبل أن تتحول الصداقة إلى عداوة، أدت بحفتر إلى المنفى في الولايات المتحدة، (سعى) إلى الوصول إلى السلطة عبر البدلة العسكرية، لكنه صبغ معارضته لحكومة فايز السراج بأمور تقنية تخصّ اتفاق الصخيرات وبقضية إدماج الميليشيات، التي تُعلن تبعيتها لحكومة الوفاق في الجيش النظامي.
حاولت فرنسا رأب الصدع بين الاثنين، وجمعتهما في اتفاق كان تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية من أهم مخرجاته، لكن الخلاف بقي قائماً بين الطرفين، خاصة وأن حفتر يرفض إصدار السراج قرارات بصفته رئيس السلطة التنفيذية، وقيامه بالتنسيق مع الشركاء الغربيين.
يُشير الناشط السياسي الليبي فرج فركاش إلى أن حفتر كان منذ البداية جزءاً أصيلاً من الحلّ تماماً كما هو جزء من المشكلة، إذ "رغم محاولة خصومه إقصاءه عبر اتفاق الصخيرات، إلّا أن سيطرته على برقة شرق ليبيا، جعلت منها خصما قوياً، خاصة مع الدعم المصري-الإماراتي غير السري"، يقول فركاش لـDW عربية.
من المستفيد من غياب حفتر؟
لم يعلن حفتر يوماً أنه يريد الترّشح في الانتخابات الرئاسية، لكنه لم ينف كذلك وجود هذه الرغبة، خاصة وأن الناطق باسمه صرّح أن هناك إمكانية لاتخاذ حفتر هذا القرار. حصل المشير على دعم كبير من قوى إقليمية تُحارب حركات الإسلام السياسي، خاصة من الإمارات، التي زارها رسميا أكثر من مرة، ومصر التي تجمعها به روابط عسكرية. بينما توترت علاقته كثيراً مع قطر. دولياً، تعدّدت زيارات حفتر إلى روسيا، التي كانت من أوائل الداعين إلى عدم تجاهل دور حفتر في مستقبل ليبيا، قبل أن تستقبله عواصم أخرى مثل باريس.
من أكبر الأوراق التي استغلها حفتر لتوسيع شعبيته سيطرته على منطقة الهلال النفطي، وتمكنه من هزم الجماعات الإسلامية في بنغازي، خاصة في ظرفية حساسة عانت فيها ليبيا من وجود جماعات متطرّفة ساهمت في نشر حالة الفوضى بالبلاد. لكن حفتر واجه اتهامات بالرغبة في إقامة نظام حكم عسكري لليبيا، وبتنفيذ أجندات إقليمية لا تنتصر للتعددية السياسية في البلد. ومن أكبر التحديات التي واجهها، عجزه عن إحكام سيطرة جيشه على كل ليبيا، خاصة في مناطق بالغرب والجنوب، وكذا في العاصمة طرابلس، التي باتت تحت سيطرة شبه كاملة للقوات الموالية للسراج، وهي القوات، التي كانت وراء تحرير مدينة سرت من قبضة "داعش" في إطار عملية "البنيان المرصوص".
ولولا المعارضة الشديدة التي أبداها خليفة حفتر لاتفاق الصخيرات لكانت مهمة حكومة الوفاق الوطني في نيل ثقة البرلمان أكثر سهولة، إذ لم يكن ممكناً للبرلمان في شرق ليبيا، الذي انبثقت عنه حكومة مؤقتة غير معترف بها دولياً، أن يكون بكل هذه الشراسة في رفض اتفاق الصخيرات لولا الدعم الذي حصل عليه من جيش حفتر.
اليوم بغياب المُشير عن المشهد، يأمل كثيرٌ من المتعاطفين مع حكومة الوفاق أن يكون طريقها الآن معبداً أكثر من ذي قبل، خاصةً وأن الأمم المتحدة لا تزال تدعم السراج، فضلاً عن أن هذا الأخير لا يزال هو من يمثل ليبيا في اللقاءات الدولية، ومنها آخر قمة عربية.
ويشير فرج فركاش أن غياب حفتر سيسبّب فراغاً أمنيا وعسكرياً سيكون من الصعب ملؤه، خاصة وأن "المؤسسة العسكرية في الشرق اختُزلت في شخص حفتر، ومن شأن غيابه أن يدفع بالصراعات التي توجد بين قوى تحت إمرته إلى السطح، منها قيادات عسكرية مختلطة بين أنصار ثورة فبراير/ شباط وبين أنصار النظام السابق".
ويُبرز فركاش أن المستفيد الأكبر من غياب حفتر هي الجبهة الإسلامية التي كانت تساند سراً وعلناً المجموعات، التي كانت تقاتل قوات الجيش في بنغازي، كما يُفيد غيابه الميليشيات المناوئة للجيش، خاصة المقرّبة من إبراهيم الجضران، وهو قائد عسكري فيما كان يعرف سابقا بحرس المنشآت النفطية، أعلن ولاءه لحكومة الوفاق.
خلفاء محتملون للمشير حفتر
لن تتفرّج المؤسسة العسكرية في شرق البلاد على غياب حفتر دون القيام بردة فعل، لكنها في الوقت نفسه تجد نفسها في وضع صعب لإيجاد اسم قادر على خلق توافق في الخارطة القبلية والعسكرية المعقدة داخل البلد. أسماء كثيرة طُرحت في الإعلام لخلافته، منها عبد الرزاق الناظوري، رئيس أركان الجيش، الذي تعرّض هذا الأسبوع لمحاولة اغتيال، كانت وراءها "خلايا إرهابية" حسب تصريحاته. هناك كذلك عبد السلام الحاسي، قائد غرفة عمليات الكرامة. وهناك أسماء أخرى مرشحة لكن بحظوظ قليلة، هي عون الفرجاني، من عائلة حفتر، وكذلك نجلي حفتر: خالد وصدام.
التقارير، التي نُشرت في الأيام الماضية أشارت إلى أن حظوظ عبدالسلام الحاسي أكبر، بما أنه يتوّفر على دعم إماراتي-مصري (لم يتم تأكيده رسميا)، فضلاً عن أن علاقاته مع القبائل الليبية المؤثرة أكثر قوة مما عليه الحال بالنسبة للناظوري. غير أن أكبر ما يقف إلى جانب الناظوري، هو عقيلة صالح، رئيس البرلمان في طبرق، إذ كان وراء تعيينه في منصب الحاكم العسكري لمنطقة درنة – بن جواد، وقد يلجأ صالح، نظراً لاختصاصاته، إلى إلغاء منصب القائد العام للجيش والاكتفاء بمنصب رئيس الأركان.
يبرز فركاش أن الاختيار سيكون صعبا بما أن حفتر "كان يتجه قبل إعلان علاجه من المرض إلى المصالحة الوطنية والتقارب مع خصومه من الإخوان المعتدلين والشخصيات الفاعلة في مصراتة لأجل توحيد المؤسسة العسكرية". ومن المتوقع أن يلعب عقيلة صالح دوراً محورياً في تقريب وجهات النظر، حسب رأي فركاش، حتى يتم "تفادي أيّ صراعات داخلية وتأكيد استقلالية القرار الليبي عن الضغوطات الإقليمية".
وتتجه الأنظار الليبية إلى الاجتماع المنتظر في المغرب بين عقيلة صالح والسياسي المحسوب على الإخوان، خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، وهي هيئة منبثقة عن اتفاق الصخيرات، ولديها تنسيق مباشر مع حكومة السراج، إذ يمثل هذا اللقاء فرصةً جديدةً لمزيد من التوافقات في مرحلة تقترب أن توصف بـ"ما بعد حفتر"، خاصة وأن عقيلة صالح، بقدر ما خلق علاقات مع حفتر، بقدر ما اختلف معه في ملفات عديدة أكدت تنافسهما على السلطة، بين من يستخدم قوة الدبابة، وبين من يستخدم "شرعية" البرلمان.
الكاتب: إسماعيل عزام