مأزق دروز سوريا..بين نظام قمعي وجماعات متشددة
١٥ يونيو ٢٠١٥ ظلت الطائفة الدرزية ومناطقها في سوريا لمدة طويلة بمنأى عن المعارك الضارية التي تشهدها البلاد منذ أكثر من أربع سنوات. ولكن الوضع ينذر بأن يتغير بالنظر إلى التطورات الأخيرة، فمن جهة سُجّل الأسبوع الماضي مصرع أكثر من عشرين قرويا درزيا على يد مسلحين من جبهة النصرة في قلب لوزة بمحافظة إدلب، شمالي سوريا. ومن جهة أخرى، حقق المتشددون تقدما ميدانيا في محافظة السويداء، أهم معقل للدروز في المنطقة. هذه التطورات تثير قلقا وجوديا لدى أتباع طائفة يعتبرها المتطرفون، وخاصة مقاتلو تنظيم "الدولة الإسلامية، "كافرة" لتجد نفسها بين نظام ديكتاتوري قمعي ومن جهة أخرى بين معارضة مشتتة متناحرة، وتنظيمات إسلامية متشددة لا تتردد في استخدام أساليب وحشية لإرهاب خصومها. سياسة الحياد من أجل الحفاظ على البقاء يؤكد الخبير في شؤون الشرق الأوسط الدكتور خطار أبو دياب أن أغلبية الدروز رأوا في الحياد الحل الأفضل للعيش في الوضع الذي تشهده سوريا منذ أكثر من أربع سنوات. ويقول في حوار مع DW عربية: "هنا جزء من الدروز من الذين انضموا منذ البداية لنظام الأسد ولازالوا يساندونه، ولكني أعتقد أن عددهم الفعلي لا يتجاوز الـ10 بالمائة. أما الجزء الأكبر فلا يزال على موقفه الحيادي مع حماية ذاتية وفي نفس الوقت عدم الدخول في نزاع مع قوى المعارضة المسلحة (...). وهو أمر لم يخف عن العديد من رجال الدين الدروز الذين حاولوا قدر الإمكان الالتزام بالحياد. ففي محافظة إدلب مثلا تعاون سكان القرى الدروز مع تنظيم جبهة النصرة المتشدد، وفي الوقت نفسه حافظوا على قنوات الاتصال مع نظام الأسد. ويبدو أن الحفاظ على البقاء هو الشغل الشاغل لهذه الأقلية التي تكاد تشكل نسبة ثلاثة في المئة من الشعب السوري البالغ تعداده قبل الحرب 23 مليون نسمة، إضافة إلى تواجدهم على وجه الخصوص في كل من لبنان وإسرائيل. ولكن يبدو أن تقدم المقاتلين الإسلاميين المتشددين في محافظة السويداء التي يتركز فيها نحو 450 ألف درزي؛ أي الأغلبية الساحقة للطائفة الدرزية في سوريا، قد يدفعهم إلى التخلي عن موقفهم المحايد. فقد أصدر الزعيم الروحي للدروز في سوريا بيانا الأسبوع الماضي يدعو فيه كل من يستطيع حمل السلاح للانضمام لقوات الأسد. وتشير الأخبار مشاركة مقاتلين من الأقلية الدرزية في صد هجوم لمقاتلي المعارضة على قاعدة الثعلة الجوية التابعة للجيش السوري في السويداء. ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل ينزلق الدروز في الحرب الأهلية ويقاتلون إلى جانب الأسد؟ الانضمام إلى الأسد - شر لابد منه؟ "النظام يحاول إجبار الدروز على الوقوف إلى جانبه، والجهاديون يبذلون كل ما في وسعهم لمساعدته على ذلك"، وفق ما كتبت صحيفة نويه تسوريشه تسايتونغ في عددها الصادر في 13 يونيو/حزيران. وتضيف: "نظام الأسد يستمد شرعيته من تحالفه مع الأقليات، وهو بحاجة إليها أكثر مما هي بحاجة إليه"، لافتة إلى أن الدروز هم الطرف الخاسر في التحالف. وتوضح الصحيفة السويسرية قائلة: "المجزرة (التي تعرض لها الدروز في قلب لوزة في إدلب) تسلط الضوء على الغموض الذي يكتنف مصير الدروز في خضم الحرب الأهلية السورية، والذين يعتبرون في عيون (الإسلاميين) المتشددين كفارا...وعليه فإن التحالف مع النظام الذي يبحث عن تقديم نفسه بأنه حامي الأقليات، يبدو (للوهلة الأولى) أمرا لا مفر منه. بيد أن التحالف مع الأسد يجعل سريعا من الدروز هدفا (سهلا) للمتمردين"، تقول لصحيفة. البعض من القيادات الدرزية، على غرار الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، حذر من الاندفاع وراء ما يروج له نظام الأسد من أنه حامي الأقليات، حيث قال عبر تغريدة على موقع تويتر "تذكروا أن سياسة بشار الأسد أوصلت سوريا إلى هذه الفوضى"، داعيا أبناء طائفته "إلى التصالح مع الذين يدعمون الحرب ضد الأسد في الجنوب". في المقابل، شدد السياسي الدرزي اللبناني وئام وهاب المقرب من حزب الله ودمشق، على أن الدروز في سوريا باتوا مستهدفين، و دعا الأسد لتسليحهم، معتبرا أن "الحرب حربنا، وموقعنا الطبيعي إلى جانب محور المقاومة"؛ أي القوات الحكومية وحزب الله اللبناني الذي يقاتل إلى جانبها. حجة لإسرائيل للتدخل في سوريا؟ وبالنسبة لإسرائيل، "فهناك مساع لدفعها إلى أن تكون عينها على المناطق الدرزية المحاذية لحدودها"، على ما يقول الدكتور خطار أبو ذياب، مشيرا إلى العلاقات الوثيقة التي تربط ما بين الدروز في سوريا ولبنان وإسرائيل. ويضيف: "قد تأخذ المسألة بعدا إقليميا إذا ما دخل تنظيم داعش على الخط وارتكب مجازر في المناطق الدرزية، قد يؤدي ذلك إلى تطورات ذات أبعاد إقليمية أكبر". وفي الواقع، فقد وجه دروز إسرائيل، الذين وصلوا إلى مناصب رفيعة في الجيش والحكومة الإسرائيليين، الدعوة للمساعدة بالنيابة عن أبناء طائفتهم في سوريا في الداخل والخارج. من جانبه قال للجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة "إن ما يجري في الوقت الحالي هو ترهيب وتهديد لوجود نصف مليون درزي في جبل الدروز القريب جدا من الحدود الإسرائيلية". فهل تتدخل إسرائيل لحماية الطائفة الدرزية في سوريا؟ في هذا الصدد يقول أبو دياب إن "إسرائيل لن تتورط في أي حرب أو ما شابه ذلك من أجل عيون الدروز أو غيرهم في سوريا"، لكن الخبير السوري المقيم في باريس أبو ذياب لا يستعبد "أن تقوم إسرائيل –في حال تطورت الأمور ودخلت الجماعات المتشددة إلى مناطق الدروز الحدودية – بإنشاء أحزمة أمنية لحماية مصالحها وحدودها تحت ذريعة حماية مكونات أو مجموعات سورية معينة".