مؤتمر عراقي برعاية ألمانية لتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني
١٦ نوفمبر ٢٠٠٦في ظل تدهور الوضع الأمني في العراق وارتفاع وتيرة العنف الذي يحصد العشرات من العراقيين يوميا إلى الحد الذي يبدو معه وكأن العراق قد وصل إلى مرحلة اللاعودة، لاسيما في ظل الجمود السياسي الداخلي وفشل القوات الأجنبية الموجودة في هذا البلد في إحلال الامن والاستقرار، تبرز على السطح دعوات إلى ضرورة إعادة تفعيل مؤسسات المجتمع المدني في العراق كضرورة ملحة للخروج من دائرة العنف الشيطانية وتجاوز الأزمة الحالية. في هذا السياق تبذل جمهورية ألمانيا الاتحادية جهودا حثيثة على مختلف الأصعدة من أجل تقريب وجهات النظر بين الفرقاء الفاعلين في الساحة السياسية العراقية من خلال دعوتهم للجلوس على طاولة واحدة والحوار والنقاش والاختلاف والاتفاق ولكن بوسائل سلمية بعيدا عن العنف وإقصاء الأخر. ويأتي دور ألمانيا في التركيز على عملية التنمية السياسية ودعم التحول الدستوري والديمقراطي كأرضية لتحقيق الأمن والاستقرار في العراق.
مؤتمر عراقي برعاية ألمانية
ولهذا الغرض قامت مؤسسة فريدريش ايبرت الألمانية، ممثلة بمكتبها في العاصمة الأردنية عمان وبالتعاون مع وزارة الخارجية الألمانية، بتنظيم مؤتمر دُعي إليه ممثلون عن مختلف الأطياف السياسية والدينية والعشائرية وممثلي منظمات المجتمع المدني وكذا المنظمات الدولية العاملة في العراق او تلك التي يهمها الشأن العراقي بشكل او بأخر. ويشارك في اللقاء، الذي استمر من 13 وحتى 15 من الشهر الجاري، حوالي 18 شخصية عراقية، تم اختيارها بعناية من قبل مؤسسة فريدريش ايبرت وبمساعدة السفارة الألمانية في بغداد، كي تكون ممثلة لمختلف الأطراف العراقية، حسب ما أفادت السيدة جزيلا فون موتيوس، مديرة مكتب مؤسسة فريدريش ايبرت الألمانية في عمان في حوار مع موقعنا. وتضيف المسؤولة الألمانية قائلة: "حاولنا ان يكون هذا الاختيار ممثلا للمجتمع العراقي، وهذا تحقق بشكل كبير"، مشيرة إلى ان الحضور يعكس رغبة المشاركين في الحوار واستعداهم للنقاش، "اما أولئك الذين ليس لديهم الرغبة والاستعداد لذلك، فلن يحضروا أصلا ونحن لن نستطيع بطبيعة الحال ان نجبرهم على ذلك".
ومن ضمن من شارك في هذا اللقاء خمسة أعضاء في البرلمان العراقي، احدهم عضو في لجنة صياغة الدستور. الغرض من هذا المؤتمر، كما يقول المنظمون له، هو توفير الفرصة لممثلي القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة والمؤثرة في الساحة العراقية لمناقشة الوضع في العراق عموما، وبصفة خاصة حشد الدعم لاجراء مراجعة نقدية جادة للدستور تعمل على إزالة الفجوات التي يمكن أن تكون لها تداعيات سلبية على التعايش بين فئات المجتمع. وفي هذا السياق تشير السيدة فون موتيوس الى اهمية دعم عملية التحول الديمقراطي في بلاد الرافدين.، لكن الامر، وفقا للمسئولة الألمانية، يتعلق بالدرجة الأولى في توفير منبر للحوار امام العراقيين من مختلف الطوائف والمجموعات. "وهذا تحقق هنا بشكل جيد، حيث تم على سبيل المثال تكوين لجنة مصغرة" تقوم بتلخيص محاور النقاش وصياغة التوصيات لتقديمها في نهاية المؤتمر على شكل "ورقة عمل".
"اللقاء كان ناجحا للغاية"
وحول مدى تحقيق المؤتمر للأهداف التي عقد من اجلها، قال الدكتور مهدي حافظ، عضو البرلمان العراقي ووزير سابق في الحكومة العراقية، في حوار مع موقعنا، بأن "اللقاء كان ناجحا للغاية"، عازيا ذلك إلى عدة أسباب منها حضور عدد معقول من السياسيين والمفكرين وممثلي منظمات المجتمع المدني، فضلا عن تمتع المشاركين بروح التسامح وتقبل الرأي الأخر. ويؤكد البرلماني العراقي أن فكرة تعديل الدستور العراقي، كإحدى محاور المؤتمر، حازت على مناقشات جدية من قبل الحاضرين، معتبرا بأن إدخال تعديلات على الدستور هي من الأمور التي تؤثر على وحدة الشعب العراقي وسيكون لها دور كبير في تحقيق التوافق الوطني، وهذه أمور تتعلق بمستقبل العراق ككل، حسب تعبير حافظ. لذلك يعتقد، والكلام للبرلماني العراقي، ان المؤتمر قد شهد صراحة في الآراء وتفاعل في طرحها بحيث أمكن التوصل إلى مجموعة من التوصيات المعبرة عن رأي المشاركين "بالإجماع".
ويعتبر المسئول العراقي المؤتمر خطوة كبيرة يعود الفضل فيها إلى مؤسسة فريدريش ايبرت التي وفرت هذا الجو وكافة التسهيلات بالإضافة الى مشاركة مجموعة من الخبراء الألمان وكذلك مجموعة من السفراء الأجانب المقيمين في العراق بالإضافة الى ممثلي الأمم المتحدة. وتابع حافظ قائلا أن هذه الأمور تمثل بادرة ايجابية وسابقة مهمة، داعيا الى تكرار مثل هذه اللقاءات في المستقبل حتى يستطيع العاملون في الحقل السياسي العراقي وصانعو القرار ان يكون أمامهم من التوصيات ما يمكنهم من تجاوز الخلافات وبالتالي إصلاح الوضع في العراق، حسب رأيه. وثمََّن البرلماني العراقي عموما دور المانيا في العراق، معبرا عن تفهمه للأسباب التي دعت إلى نوع من التحفظ من قبل الحكومة الألمانية بعد سقوط نظام صدام. لكن، المعونات الآن، والكلام لحافظ، هي موضع تقدير وعلاقات التضامن قوية، معربا عن أمله بأن تتطور هذه العلاقات وان يكون لألمانيا دور مباشر في تمكين الشعب العراقي من تجاوز هذه المحن وبشكل خاص حل الازمات السياسية على أساس تأكيد الاستقلال والسيادة الوطنية للشعب العراقي والتخلص من النفوذ الأجنبي، حسب تعبيره.
وفي هذا السياق تقول مسئولة منظمة فريدريش ايبرت ان الكثير من ممثلي المجتمع المدني العراقي سوف يكونوا مسرورين جدا إذا ما ضاعفت أوروبا وبالذات المانيا جهودها من أجل دعم العملية الديمقراطية في العراق، مشيرة بأن منظمتها نفذت عدة برامج في العراق، لاسيما في مجال دعم عملية التحول الديمقراطي والدستوري في البلاد، وذلك بالتعاون الوثيق مع الحكومة الألمانية وبتمويل منها في الغالب. هذا التعاون يتم عادة على عدة مستويات منها التعاون غير المباشر مع وزارة الخارجية والذي يجري منذ عام 2004 حيث تم في هذا الإطار تنفيذ العديد من البرامج المشتركة مثل برنامج تدريب مراقبي الانتخابات من منظمات المجتمع المدني والذي حقق نجاحا كبيرا. اما المستوى الثاني من التعاون فيتم مباشرة من خلال سفارتي المانيا في كل من بغداد وعمان.
محاور المؤتمر وتوصياته
وكشف البرلماني العراقي عن المحاور الأساسية التي تم مناقشتها في المؤتمر والمتمثلة في قضايا حقوق الإنسان، وتوزيع الثروات النفطية او إدارة الموارد الطبيعية، قضايا الأحوال الشخصية بالإضافة الى أمور اخرى تتعلق بالوضع الاقتصادي بوجه عام. وفيما يتعلق بقضية حقوق الإنسان يشير الدكتور حافظ أنه تم الاتفاق من حيث المبدأ على الالتزام بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية المرتبطة بهذه القضية بالذات، لاسيما العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسة والثقافية والعهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والاجتماعية. هذه الأمور، في رأيه، تشكل ضمانة لحماية حقوق الإنسان في العراق لأنها تعطي معايير ثابتة نابعة من التجربة العالمية. اما فيما يتعلق بموضوع الموارد الطبيعية فيقول عضو البرلمان العراقي، بأن موقف الخبراء الدوليين المشاركين في هذا المؤتمر كان في منتهى الأهمية لأنهم "نقلوا تجربة بلدان مهمة مثل جنوب أفريقيا وبعض دول أوروبا الشرقية وهايتي وغيرها." وكشف المسؤول العراقي عن انه جرى التركيز أثناء النقاش على ان "الفيدرالية المالية والفيدرالية المؤسسية يجب ان يكونا القاعدة الاساسية لإدارة الموارد الطبيعية ومن ثم إدارة العوائد الناجمة عنها". وهو يعتقد بأنه في الظروف الراهنة في العراق لا بد ان يؤخذ بهذا المبدأ، بحيث يكون هناك إدارة مركزية لهذه العوائد مع إعطاء أهمية خاصة لتوزيع العوائد على المناطق المحرومة سابقا بنسبة اكبر من المناطق الأخرى. لكن بالنسبة للمحور الثالث فقد اقر حافظ بوجود اختلاف في وجهات النظر حول الأخذ بأحكام المذاهب الدينية او التأكيد على قانون عصري يراعي المعايير والاعتبارات التي اخذ بها في بعض البلدان المتقدمة ونصت عليها المواثيق الدولية. لكنه استدرك قائلا بأنه جرى التأكيد على الحاجة إلى صياغة قانون عصري يحاول ان يشبع الحاجة لان يكون هنالك قواعد حقيقية لتنظيم الأحوال الشخصية على الا يتناقض ذلك مع المبادئ والأحكام الدينية. أما بالنسبة للقضية الحساسة التي شكلت ولا تزال تشكل عقدة دستورية في العراق والمتعلقة "بدين الدولة" العراقية الجديدة، فيقول حافظ بأنه "هناك إجماع بين الموجودين على عملية الفصل بين الدين والدولة" مع التأكيد على ان العراق دولة إسلامية بحكم غالبية سكانه من المسلمين.